إيهاب فهمى .. شرير لذيذ أحبه الجمهور المصري
بقلم : محمد حبوشة
في تاريخ السينما والدراما العربية عدد كبير من الممثلين الذين عرف عنهم لعب أدوار الشر، حتى التبست شخصياتهم السينمائية الدرامية بشخصياتهم الحقيقية، ولأن الأفلام والمسلسلات العربية تمثل غالبا الصراع بين أهل الخير وأهل الشر، صعد في السنوات الماضية جيل جديد من النجوم الأشرار وحل محل كوكبة من الفنانين المرموقين، ولا شك أن ظهور أدوار الشر في السينما المصرية لم يبدأ ويصل إلى تلك المرحلة التي يتواجد عليها الآن بصورة طبيعية وعادية، بل شهد خلال تلك الرحلة العديد من التغيرات والتطورات التي أعطت لنا في النهاية نفس المستوى أو نفس ما يمكن الخلوص إليه من خلال هذه الأدوار.
والأمر ببساطة أن أدوار الشر هذه كانت في مصر مختلفة تماما عما يمكن مشاهدته في السينما العربية أو حتى العالمية، ولا يمكننا مثلا الجزم بأن الاختلاف كان للأفضل بنسبة مئة بالمئة وإنما من الممكن كذلك أن يكون اختلافا غريبا وغير منطقي، المهم في النهاية أنه اختلاف ويستحق النظر إليه على العموم، ومن النجوم المختلفين بشكل منطقي وينبغي النظر إليهم في أدوار الشر ضيفنا هذا الأسبوع في باب (في دائرة الضوء) الفنان (إيهاب فهمي) الذي برع في أداور الشر في السينما والمسرح والدراما التليفزيونية، وذلك بتجسيده تلك الأدوار بطرق مختلفة وغير مكررة ومن هنا تكمن براعته كممثل وتظهر موهبته الحقيقية إذ أنه أتقن كل دورا يقدمه بحيث يختلف تماما عن شخصيته الحقيقية، وذلك على الرغم من وجهه المبتسم وإطلالته البريئة التي تبعث على البهجة إلا أن أدوار الشر التي قدمها منذ بداية مشواره الفني كانت هي بوابته الملكية لدخول عالم الفن.
لقد أبدع إيهاب فهمي في تناوله لأدوار الشر الناعم الذي يبدي نوعا من الخبث المصحوب بابتسامة صفراء تعكس مكنوناته الداخلية من حقد وكراهية، كما فعل ذلك من خلال شخصية الدكتور (عزيز) مدير المستشفي في المسلسل الرمضاني 2021 (ضل راجل)، ولعله قدم الكيفية التي يتجلى من خلالها في الأدوار المختلفة، فالشرير على الشاشة الصغيرة ممثل عادي، قد يكون بطلا أو نجما أو ممثلا مساعدا أو ربما ممثل هامشي يؤدي دور صغير، المهم في النهاية أن ذلك الدور يظهر وكأنه مؤثر تماما في الأحداث، فهذه الشخصية سوف تمثل لك الجزء المظلم من الأحداث، إذ أنه كلما ظهرت أمامك على الشاشة سوف تشعر برغبة عارمة في خنق تلك الشخصية بيديك لو كان ذلك متاحا بسبب قيامها بالكثير من المتاعب لشخصيتك المفضلة أو البطل.
وهنا يجب الإشارة إلى شيء في غاية الأهمية، وهو أن الشخص الذي يتصدى للبطل خلال الأحداث هو ببساطة الشرير الذي نبحث عنه، هكذا دون أية مقدمات وحتى لو كان بطلنا يقوم بالكثير من الأفعال السيئة، لكن تبقى فكرة الاقتراب منه ومعاداته خط أحمر بالنسبة للمشاهدين، والآن، وبعد أن أصبحنا تقريبا مجمعين على ملامح الشرير المبدع (إيهاب فهمي)، يطفو السؤال المهم، ما هى يا ترى الكيفية التي تم استخدمها في تجسيد أدوار الشر وتحقيق النجاح بها في بالسينما المصرية والمسرح والدراما التليفزيونية؟، وسأجيبك بالقول من خلال مشاهدتي المتأنية لكثير من أعمال (فهمي) التليفزيونية تحديدا أن لديه تكنيك خاص في الأداء، ويجتهد كثيرا في تقمص الشخصية ويدرس جيدا ملامحها الداخلية والخارجية ويتفاعل معها لينقل لنا بطريقة احترافية تلك المشاعر الكريهة التي يتمتع بها الشخص الذي يلعب دوره.
أنظر إليه مثلا في شخصية رجل الأعمال الشرير في مسلسل (الأخ الكبير) الذي يعرض حاليا كعرض ثان على شاشة القناة الأولى المصرية، فهو يتلون كالأفعى ويعزف على أوتار المشاعر المتناقضة لينقض على فريسته بطريقة تعصف بها، لكن كل ذلك يتم بأعصاب هادئة للغاية وعادة ما يغلف المشهد بابتسامة خبيثة تعكس تلقائيته واحترافية في الأداء الصعب، وحرفية التمثيل عند (إيهاب فهمي) هي مقننة وتتسم بالعفوية والتلقائية الخالية من أي مبالغة في الأداء، لأنه يدرك جيدا أن الكاميرا ستضخم أي تعبير في الوجه مهما بدا صغيرا مثل جفن يرمش أو فم يرتجف انفعالا أو عيون حزينة تدمع، وتبدو الكاميرا وكأنها المجهر الذي يقوم بتكبير العينات الموضوعة أمامه عشرات المرات، وهنا تظهر براعة (إيهاب فهمي) في القدرة على التحكم في فن الإلقاء، وذلك بأقل ارتفاع في الصوت لايزيد عن حده الطبيعي حتى يصبح نشازا كما هو الحال مع الصورة.
ولد الفنان المصري إيهاب فهمي بالقاهرة، وينتمي إلى عائلة متوسطة الحال، كان والده يعمل في أحد المصالح الحكومية، لكنه استطاع أن يوفر حياة آمنة لعائلته، ومن أهم مميزات (إيهاب) بأنه طموح ويريد أن يعتمد على نفسه، لديه حافز كبير للاجتهاد وتحقيق النجاح، وظهر ذلك بعد أن أنهى دراسته الثانوية وقرر أن يلتحق بالمعهد العالي للفنون المسرحية، كان والده يريده أن يلتحق بأحد كليات القمة ليصبح مهندس أو دكتور، لكن إيهاب فهمي رفض ذلك لأنه كان يحب الفن كثيراً منذ صغره وقرر أن يجتهد ويلتحق بالمعهد العالي للفنون المسرحية لتكون بداية تجاربه حتى تأتي له الفرصة للمشاركة في الأعمال الفنية.
كان الهدف الأساسي الذي يطمح في تحقيقه إيهاب فهمي هو الدخول والمشاركة في مجال التمثيل وتحقيق حلم الطفولة الذي يحلم بتحقيقه، وبعد أن تخرج من المعهد حاول كثيرا المشاركة في أحد الأعمال الفنية لكنه فشل في ذلك، لكن هذا الفشل لم يسرب اليأس إلى نفسه بل كان حافز كبير له وعمل على تطوير نفسه كثيراً، وبعد محاولات متعددة نجح في المشاركة في أول أعماله الفنية وذلك من خلال مشاركته في مسلسل (خيال الظل) والذي ظهر فيه بأداء مميز للغاية أظهر شخصيته الفنية الرائعة، واستطاع أن يعبر عن شخصيته الفنية الكبيرة ونجح في تقديم نفسه للوسط الفني، ونجح بالفعل أن يدخل إلى عالم التمثيل بفضل موهبته الكبيرة وشخصيته الفنية الرائعة.
نجح (إيهاب فهمي) في تقديم أدوار متعددة في كثير من الأعمال الفنية والتي تعلق بها الجمهور، ويعتبر أحد الفنانين المكافحين الذين نحتوا الصخر كي يحققوا أحلامهم الذين اعتمدوا على أنفسهم في تحقيق النجاح والشهرة، فقد بدأ رحلة كفاحه وشهرته من الصفر حتى نجح واستطاع أن يكون له قاعدة جماهيرية كبيرة، وربما ساعده في هذا أنه الهواية المفضلة له والتي تأتي فى المقدمة هى التمثيل، لكن إيهاب فهمي يحب كثيرا عزف العود والبيانو وبرع فيهم كثيرا، إلى جانب ذلك يحب كرة القدم ويستمتع بمشاهدتها، ومن ثم فهو يتمتع بروح محبة للحياة بصفة عامة وبحب شديد لزوجته ويعتبر أسرته هم محور حياته كلها وأجمل ما فيها.
بدأ النجم الكبير إيهاب فهمي مشواره الفني من الصفر – كما ذكرنا سابقا -عندما شارك في بعض الأعمال وقام بأدوار بسيطة جدا، فقد شارك في دور بسيط جدا في مسلسل (صباح الورد) ومسلسل (القلب يخطئ أحيانا)، لكن البداية الحقيقة للفنان إيهاب فهمي عندما شارك في مسلسل (خيال الظل) في عام 1997، والذي كان بداية الإنطلاقة الحقيقية له وكتابة مشوار فني كبير حافل بالكثير من الأعمال الدرامية المتنوعة والتي حققت نجاحاً كبيراً، وظهر إيهاب فهمي في أدوار ثانوية لكنها كانت بالنسبة للجماهير أدوار أساسية مؤثرة، ومنها: مسلسلات (زيزينيا، لعبة وقلبت بجد، طيور النورس، الضوء الشارد، حكاية أمل).
وفي عام 1999 شارك بمسلسلات (افتح قلبك، لعبة كل يوم، ميراث الشر، موال الحب والغضب)، وفي عام 2001 (تدابير الدنيا، ناس من زمن فات)، وفي 2002 مسلسل (جائزة نوفل)، وفي عام 2003 مسلسلي (حكايات زوج معاصر، بنت من شبرا) أما عام 2004 فشارك في مسلسل (مصر الجديدة، والمعمورة وأيامنا)، وفي عام 2005 دوائر الشك، ريا وسكينة)، وعام 2006 في مسلسل (بنت بنوت)، وعام 2007، في مسلسل (قضية رأي عام) وعام 2008 شارك في مسلسل (أغلى الناس)، وعام 2009 شارك في مسلسل (تاجر السعادة)، وعام 2010 شارك في مسلسل (القطة العميا)، وعام 2011 مسلسل(الشحرورة)، وعام 2012 مسلسل (باب الخلق)، وعام2013 شارك في (جبل الحلال)، وعام 2014 في مسلسل(الخطيئة)، وعام 2015 في مسلسل (ذهاب وعودة)، وعام 2016 في مسلسل (الخانكة)، وعام 2017 شارك في مسلسل (ظل الرئيس)، وعام 2018 شارك في مسلسل (رحيم) أما عام 2020 م فشارك بدور مميز في مسلسل (الأخ الكبير).
ولأنه أصبح رقما صعبا في أدوار الشر فقد قام بدور أحد قادة الجماعات التكفيرية وهو شخصية (أبو مصعب) والتي تحمل الكثير من الدهاء والكثير من القوة والشراسة، في مسلسل (الاختيار) عام 2020، وقد كان لافتا للنظر كمثال للتكفيري الذي يخطط لأعمال الشر في سيناء، وعلى الرغم من أن الدور كان صغير إلا أنه حقق نجاحا كبيرا وقام فهمي بتجسيد الشخصية على أكمل وجه، وبعيدا عن الشر قدم (إيهاب) شخصية الصحفي (شوقي) في مسلسل (ولاد ناس) في موسم رمضان 2021، وقد بدا فيه بدور إنساني ناجح للغاية، وربما لأن هذا المسلسل تمتع بجودة العمل من حيث الكتابة والإنتاج والإخراج، ويجدر بالذكر أنه على مستوى السينما شارك (إيهاب فهمي) في أفلام (القشاش، سفاري، رامي الإعتصامي، هالو كايرو، لا تقتلوا الحب).
هى مسيرة ليست سهلة في حياة (إيهاب فهمي) الذي يشغل حاليا منصب (مدير المسرح القومي) إلى جانب عمله النقابي، وقدم (فهمي) مسرحية (الوصية) بالاشتراك مع إدارة الشئون المعنوية بالقوات المسلحة عن قصة الشهيد (محمد رشاد) والتي تسببت في بكاء الكثير من الجمهور من فرط التراجيديا الموجودة بها، وكذلك (إيهاب) نفسه الذي يقول: (منذ قرأتها وحتى تنفيذها دخلت في حالة بكاء شديد، وأعتقد أن هذه المسرحية سابقة لم تقدم من قبل في تاريخ المسرح المصري، فهذا دور الفن والدراما ولن نصلح الأخطاء إلا عندما ينير الفن للناس الطريق ويفهمهم كيفية تضحية رجال الشرطة والجيش بحياتهم من أجلنا).
اجتهد (إيهاب فهمي) كثيرا خلال مشواره الذي تبقى فيه علامات مميزة مثل تجسيده لشخصية الموسيقار العبقري (بليغ حمدي) في مسلسل سيرة الحب، وكذلك دوره البارز في مسلسل (الأب الروحي)، وأيضا تجسيده لدور (الشيطان) في مسلسل (نصيبي وقسمتي)، وألذى يعتبر أن هذا الدور من أعظم الأدوار التي قام بها، لأنه دور استثنائي ولم يأت كثيرا، وشخصية (إيهاب السويسي) في مسلسل (ونحب تاني ليه)، وقد لفت الانتباه في كل تلك الأعمال، خاصة أن الجمهور شاهده بشكل مختلف تماما، وقد اعتمد في طريقة أدائه – كما يقول – على الذاكرة الانفعالية عند الممثل، والتي تختزن عبر الزمن والمكان الذي تعيش فيه، خبرتك كممثل وخبرتك كإنسان وكذلك الخبرة كثقافة توفر لك إمكانية تجسيد جميع الشخصيات، وأعتقد أن خبرة السنين تمكنني من اختيار وسلك طريق مختلف إلى الشخصية وكذلك تجسيد الشخصية بأداء مختلف، وأعتقد أن هذا من كرم الله علي.
تحية تقدير واحترام لنجم الشر اللذيذ المتألق (إيهاب فهمي) الذي يحلم بتقديم شخصية اللواء عمر سليمان، لأنه يراه بطلا من أبطال مصر، وممن قدموا الكثير لهذا الوطن فيستحق التكريم بعرض سيرته على الأجيال الجديدة من الشباب الذي ربما لايعرف كثير عن التضحيات الكبيرة، وفي هذا الصدد يقول: أنا أرى أن الفنان لابد وحتما أن يشتغل على الأدوار التي يكون لها تاريخ، وذلك على غرار مسلسل (الاختيار) الذي يحكي قصص بطولات شهداء القوات المسلحة، وأنا دائما أقول (من قال جملة فقط في مسلسل الاختيار ستبقى في تاريخه الفني)، لأن هذا العمل (مش هيتعمل كل شوية)، وكذلك فيلم (الممر) كان ملحمة سينمائية تدعو للفخر بقواتنا المسلحة التي لم تستسلم في أعقاب النكسة، بل قامت ببطولات تشهد على كفاءة المقاتل المصري في أصعب الظروف والأزمات.