رئيس مجلس الادارة : محمد حبوشة
رئيس التحرير : أحمد السماحي

الطريق إلى 30

بقلم المخرج المسرحي الكبير : عصام السيد

ضاقت الدنيا بما رحبت على المصريين بعد حكم الإخوان ….

فالمصريون قد اختاروهم فى انتخابات مجلس الشعب على أساس أنهم أناس (بتوع ربنا و مش هيسرقوا) و لكنهم اختاروا مرشحهم فى الرئاسة لأسباب اخرى ، أولا نكاية فى الطرف الآخر ، الذى صورته بعض وسائل الإعلام أنه ممثل النظام السابق ، ثانيا عن طريق الحشد و المال السياسى ، ثالثا عن طريق منع بعض اللجان المناصرة للخصم من التصويت ، بالإضافة إلى اتهامات بالتزوير مازالت محل تحقيق .

و بعد اختيار رئيس ينتمى للجماعة تفاءل البعض ، و لكن آخرين كان يرون سواد الصورة بداية من لحظة إحاطة مجلس الشعب بمجموعات الردع الإخوانية لمنع وصول أحد إلى المجلس لتقديم طلبات القوى الثورية للمجلس ، و انطلاق شعار (الشرعية للمجلس) ، فى مقابل شعار (الشرعية للشارع) التى تبناه الإخوان طوال فترة حكم المجلس العسكرى .انتهاء بأن المجلس لم يقدم شيئا للغلابة و المطحونين و لم يحقق أملا واحدا من آمال الثورة منذ انعقاده و حتى صدور قرار حله .

ثم توالت الكوارث بعد انتهاء المائة يوم التى وعدنا مرشحهم أنه خلالها سيقضى على مشكلات مصر المزمنة – و لا أدرى من نصحه بتحديد تلك المائة – و لكنه لم يحقق من تلك الوعود شيئا ، بل أخلف بقية وعوده التى أطلقها قبيل انتخابه من تعيين نائبين قبطى و امرأة ، و من ضخ 200 مليار دولار فى مشروعات تنموية تنقذ الاقتصاد المصرى ، و من إعادة تشكيل اللجنة التاسيسية ، و أنه سيكون رئيسا لكل المصريين ، و أنه لا قلم سيقصف فى عهده !!

و بخلاف الوعود التى لم تنفذ ، أصبحت الكوارث زادا يوميا للمصريين ، بدءا من طوابير الخبز و البنزين و الغاز و سقوط ضحايا فى تلك الطوابير ، و انقطاع التيار الكهربى المتكرر ، و حوادث القطارات ، و كثرة ضحايا المظاهرات ، حتى آمن المصريون بأن  الرئيس الاخوانى ( قدمه نحس ) و مضت الأيام و الليالى تزيدهم اقتناعا بهذا . فخلال ستة أشهر و نصف وقعت 9 حوادث قطارات و 102 حالة وفاة و 200 مصاب ، بل تداولوا أنباءا عن كوارث ضربت البلاد الأجنبية التى زارها .

و بعد الإعلان الدستورى الذى أصدره الإخوان فى نوفمبر و حصنوا فيه كل قراراتهم ، أدرك المصريون أنهم وقعوا فى الفخ … و أن حكم الإخوان لا يقل سوءا عن حكم مبارك أو المجلس العسكرى.

و لكن أمرين فاقا كل احتمال ، الأول هو : مذبحة الاتحادية التى أثبتت الفيديوهات على مواقع التواصل الاجتماعى  مسئولية الجماعة عنها . و الثانى هو : أحداث بورسعيد بعد صدور الحكم فى المذبحة الأولى ، و الصدام الدامى مع الشرطة ، وصولا لخطاب الرئيس المعزول الذى  أصدر فيه قرارا بحظر  التجوال فى مدن القناة ، فكان رد أهالى مدن القناة هو التفنن فى خرق حظر التجوال .

فى تلك اأاثناء كانت أخونة مفاصل الدولة تجرى على قدم و ساق بداية من عزل النائب العام و تعيين آخر بشكل غير قانونى و انتهاء بتمكين أعضاء الجماعة و محبيها و العاطفين عليها من جميع المناصب بداية من منصب رئيس الوزراء إلى الوزراء و المحافظين و رؤساء الأحياء ، حتى مستوى القيادات الوسيطة كوكيل الوزارة و المدير العام .

كانت معظم هذه الأمور تجرى فى أماكن كثيرة فى بر مصر ، حتى صارت هناك عداوة بين القضاء و الإعلام و ضباط الشرطة و بين جهاز الدولة الإخوانى ، و لكن الجماعة ظلت بعيدة عن مجال الثقافة و الفن ، فلم يحاولوا أخونته و لكن لجأوا الى أساليب أخرى تحد من حركته و تأثيره ، ربما تأخروا فى اختراقه لأن المثقفين و الفنانين هما الفئة الأعلى صوتا و الأكثر تأثيرا محليا و عالميا.

و بعد محنة لجنة المائة لإعداد الدستور و انسحاب الليبرالين و الكنيسة منها ، و إقرار الدستور فى عجالة و تسرع ، و الانتهاكات التى صاحبت الاستفتاء على الدستور ، بدأ الحديث عن انتخابات جديدة لمجلس الشعب أو البرلمان ، فأصدرت جميع الأحزاب غير المتحالفة مع الإخوان قرارها بمقاطعة الانتخابات ، فحاولت القوى الدولية الضغط على تلك الأحزاب من خلال زيارات متتالية لمسئولين أمريكيين و من الاتحاد الأوروبى  من أجل المشاركة استكمالا للديكور الديمقراطى ، و لكن تلك الضغوط لم تجد لها طريقا . و وضعت جبهة الإنقاذ ( و هو تجمع لكل القوى اليسارية و الناصرية و الليبرالية ) شروطا لخوض الانتخابات أهمها تشكيل حكومة محايدة لا تنتمى للجماعة تجرى الانتخابات تحت إشرافها .

و فى خضم هذا تم الإعلان عن تعديل وزارى قريب ، فاستبشر البعض بقرب انفراج الأزمة ….

تلك كانت الأرض التى جرت عليها الأحداث التالية التى سأسردها و فى القلب منها اعتصام المثقفين و الفنانين بمبنى وزارة الثقافة و الذى كان – و بحق – الشرارة الأولى لثورة 30 يونيو ، و روايتى للأحداث تعتمد على الوقائع التى نشرتها الصحف و المواقع الإخبارية – برغم مشاركتى فيها – ضمانا لأكبر قدر ممكن من الحياد و تحرى الدقة و البعد عن ادعاء أى بطولة .

فعندما أعلن دكتور هشام قنديل عن تعديل وزارى ، كان الظن أن نظام الحكم الإخوانى سيرضخ – جزئيا – لمطالب المعارضة فى ضرورة وجود وزارة ائتلافية تجرى تحت ظلها انتخابات المجلس النيابى الجديد حسب دستور 2012 ، و بالتالى فإن التعديل الوزارى كان هدفه – حسب هذا الظن – إشراك مجموعة من الوزراء المحسوبين على المعارضة حتى تقبل بالمشاركة فى الانتخابات البرلمانية القادمة ، بالرغم من أن مطالب المعارضة للمشاركة فى تلك الانتخابات كانت أكبر من مجرد تعديل وزارى ، بل كانت تطالب بإقالة قنديل نفسه و تعيين رئيس وزراء مستقل أو على وجه الدقة غير إخوانى و تشكيل وزارة إنقاذ وطنى أو بمعنى أدق وزارة محايدة .

و لكن جاء التعديل الوزارى مخيبا للآمال و محبطا للتوقعات . فلم يكن فى زمرة الوزراء الجدد من هو خارج الأهل و العشيرة و المحبين لها و المتعاطفين معها ، بل وصل الأمر بإحلال وزراء ينتمون للتيار الحاكم فى وزارات خارج تخصصاتهم و لا يعرفون عنها شيئا ، أما وزارة الثقافة فجاء التعديل أيضا خارج التوقعات . فقبيل التعديل كانت الشائعات تنحصر فى أسماء بعينها هى : الدكتور أحمد مجاهد رئيس هيئة الكتاب ، و الدكتور أسامة ابو طالب الأستاذ بأكاديمية الفنون ، و الشاعر سعد عبد الرحمن رئيس هيئة قصور الثقافة . ثم أضيف لهم اسم محمد الصاوى صاحب الساقية و الذى أمضى اياما قلائل فى وزارة الثقافة أيام وزارة أحمد شفيق .. لكن البعض استبعد عودته للمقعد على أساس أنه محسوب على التيار المتأسلم مما يكسر التوقع بمجلس وزراء يضم أطيافا عدة ، بالإضافة إلى رفض المثقفين له – أثناء تجربته السابقة فى وزارة أحمد شفيق التى استمرت أسبوعا واحدا فقط – مما يقلل من فرص ترشيحه .

و برغم أن الثلاثة الذين رشحتهم الشائعات قد نفوا الاتصال بهم بشكل رسمى (1) إلا أن النفى لم يوقف انتشار الشائعة . و الحقيقة أن اثنين منهم – على حد علمى – كانا يتمنيان ألا يتصل بهم أحد ، فلقد  كانت لديهما مشكلة فى التعامل مع نظام الحكم الإخوانى ، و لقد عاصرت حالة أرق أحدهما  من أن يطاله الاختيار : هل يقبل أم لا ؟؟ ، فمن قبل صدور قرار التعديل الوزارى كان الفيس بوك يشتعل بالمعارك – مدفوعة الأجر أحيانا – حول تلك الأسماء ، البعض يساندها و البعض يشوهها و البعض يقترح أسماء أخرى ، لكن المناقشات الهادئة و المعتدلة كانت تحلل مدى قبول الجماعة الثقافية لها ، و كان البعض يرفض تلك الأسماء لا لطعن فيها و لكن خوفا على أصحابها من السقوط فى فخ التعاون مع الإخوان ، باعتبار أن التعاون مع الجماعة خيانة لدماء شهداء سقطوا فى الاتحادية و بورسعيد ، و لكن كانت هناك  آراء اخرى رأت ضرورة قبول احدهم للمنصب للحفاظ على الثقافة من الاخونة  التى انتشرت فى جسد الدولة ، و درءاً لمقولات الإخوان أن جميع من عرض عليهم المنصب رفضوه فلم يبق لهم إلا الجماعة ليختاروا من بين أعضائها .

و عندما صدر التعديل الوزارى أيقن الجميع أن إشراك المعارضة مجرد أوهام و أن الأخونة ماضية فى طريقها لا يوقفها شيئ ، و برغم صدمة الجميع من موقف الإخوان المتعالى و المتكالب على اتمام عملية الأخونة إلا أن صدمة المثقفين و الفنانين كانت الأكبر من اختيار شخصا يسمى الدكتور علاء عبد العزيز وزيرا للثقافة .

لم يكن أحد يعرف هذا الرجل – و هذا ليس تحقيرا له –  فلا اسم له على المستوى العام ، و لا شهرة أصابته بأى شكل من الأشكال ، فلا نشاط له يذكر ، و لا شارك فى عمل بزغ ، لذا مضى الجميع فى البحث عن أى معلومات تتوافر عنه ، فكانت المعلومة الأشهر أنه أحد المعتصمين بمبنى وزارة الثقافة – إبان فترة تولى الدكتور شاكر عبد الحميد – ضد وجود الدكتور سامح مهران على رأس أكاديمية الفنون ، هذا الاعتصام الذى استمر لمدة أربعين يوما بدعوى وجود قضايا فساد داخل الأكاديمية – لم تثبت صحة مسئولية الدكتور سامح مهران عنها فيما بعد – و تسببت هذه الاتهامات فى معركة بينه و بين وزير الثقافة مما أوحى بتعضيد الوزير للاعتصام ، و انتهى الاعتصام بتشابك بالأيدى و بالألفاظ بين المعتصمين لاختلافهم على توزيع المناصب التى وعدوا بها كما يقال ، و لم يبق من هذا الاعتصام إلا قضايا قيد التحقيق فى النيابة الإدارية ضد بعض المعتصمين منهم الدكتور علاء عبد العزيز ، حيث اتهم (مهران) عبد العزيز منذ ما يقرب من سنة بالاعتداء على سيارته أثناء خروجه من أكاديمية الفنون على خلفية مظاهرات بعض الطلبة والأساتذة ضده، والتى طالبت بإقالته ، واستمرت التحقيقات حتى اليوم (2). و من سخريات القدر أن ذهاب الوزير الجديد إلى القصر الجمهورى لأداء اليمين الدستورية أجل ذهابه إلى النيابة لاستكمال التحقيقات معه  .

و قبل أن يستوثق أحد من معلوماته عن الدكتور علاء كانت تصريحاته تسبق الجميع لتصنع أزمة أو أزمات . ففى أول تصريحاته أشار إلى أنه أتى لتطهير وزارة الثقافة و ( اكاديمية الفنون ) من الفساد ، مما أظهر أنه آت للانتقام ولتصفية حساباته الشخصية ، فتلك هى الدعوى التي اعتصم تحت لوائها و لم يستطع إثباتها . و عندما حاول أن ( يكحلها عماها ) فقال فى أول تصريح له ، عقب وصوله إلى مقر الوزارة: (إننا فى لحظة حقيقة فارقة فى تاريخ مصر بلا منازع، وإن ما كان قبل الثورة المصرية لا يمكن أن يستمر على نفس النمطية إلى ما بعد الثورة)، لافتا إلى أن أولى المحاور المنوط إنجازها بشكل فورى هى : ضرورة عمل فيلم توثيقى ، ومتحف للثورة المصرية .. بالتنسيق مع بعض الوزارات المعنية بهذا الصدد، منها وزارات الإعلام، الاستثمار، السياحة، الآثار، وهو الأمر الذى تمت مناقشته بشكل فعلى فى اجتماع مع مجلس الوزراء.

وأضاف أنه سيتم تغيير اسم ( مكتبة الأسرة ) لتصبح اسمها ( مكتبة الثورة المصرية )، مشيرا إلى أن الشباب هم الذين فجروا ثورة يناير، ولكن كل الشعب خرج فيها فلا يمكن أن نستبعدهم فهم لهم الأولوية (.(3

و كانت تصريحات الوزير الجديد بمثابة ألغام زرعها بنفسه لنفسه ….

و للحديث بقية.

………………………………

1- اليوم السابع

2- اليوم السابع

3- اليوم السابع

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.