رئيس مجلس الادارة : محمد حبوشة
رئيس التحرير : أحمد السماحي

عمالقة الشر في السينما المصرية .. نبيلة عبيد (6/8)

محمود قاسم

بقلم الناقد الكبير : محمود قاسم

قليلة هى أدوار الشر التى يلعبها بعض نجوم السينما الكبار، خاصة من النساء، فلا أحد يذكر أن (ليلى مراد، وأم كلثوم، أو صباح، أو راقية إبراهيم)، قد أسندت إليهن أدوار شر بالمرة، بينما أن النجمات الأخريات، غزيرات الانتاج، قد ظهرن، من وقت لآخر في دور المرأة الشريرة، والغريب أنه رغم قلة هذه الأدوار، فإنها تعد علامات بارزة فى تاريخ هذه النجمة، خاصة (نبيلة عبيد).

رابعة العدوية

رابعة العدوية

رغم قلة الأدوار الشريرة التى جسدتها (نبيلة عبيد) فى مشوارها السينمائي، فإن الفيلم الذى شكل نقطة تحول حقيقية هو(ولا يزال التحقيق مستمرا) لأشرف فهمى عام 1979، ويعنى ذلك أنه كان على الفنانة أن تنتظر ستة عشر عاما بأكملها ليتم إعادة اكتشافها، بعد النجاح الملحوظ الذى حققته فى أدوار (رابعة العدوية) عام 1963.

يعنى هذا أن الفنان قد يلمع بشدة فى دور الناسك فيصبح فى أحسن أحواله، ثم هو يعاد لمعانه فى دور الفاسق، أو الشرير، فيكون أيضا فى أفضل صوره، وذلك لأن النقيض هنا يمثل تفجرا خاصا، باعتبار أن الخير والشر طرفان متناقضان تماما.

كانت بدايات (نبيلة عبيد) عام 1962 من خلال دور صغير لم تنطق فيه بكلمة واحدة، فى فيلم (مافيش تفاهم) لعاطف سالم، لكن (نيازى مصطفى) هو الذى قدمها فى أول بطولة فى دور (رابعة العدوية) الزاهدة التى تركت كل متاع الدنيا، لتتعبد فى عالم من الصوفية الساحرة، وقد قامت ممثلة أخرى بتقديم نفس الشخصية قبل ذلك بعام هى (عايدة هلال) فى فيلم (شهيدة الحب الالهي) لعباس كامل، لكن الأضواء كلها ذهبت إلى الممثلة الجديدة (نبيلة) التى تم الرهان عليها، حيث أسند لها (عاطف سالم) دور البطولة حين كانت زوجته فى فيلم (المماليك) أمام (عمر الشريف)، وكانت أفلامها الأولى كلها ملونة فى زمن الأبيض والأسود، بما يعنى مدى الاعتناء بها، والمراهنة عليها مثل (كنوز، وزوجة من باريس) وهما فيلمان تدور أحداثهما فى الواحات..

نبيلة عبيد في مرحلة النضج الفني

كان الحب أول الشر

صارت (نبيلة عبيد) مجرد ممثلة عادية فيما بعد، تقوم فى أغلب الأفلام بدور بنت البلد الطيبة، مثل دور البائعة فى (لعبة كل يوم) عام 1971، كما سافرت للعمل بين سوريا ولبنان فى النصف الأول من السبعينات، وعادت لتستكمل التمثيل فى أفلام عادية للغاية، منها (رحلة العجائب) التى دارت أحداثه فى الولايات المتحدة عام 1974.

فى هذا العام، أدت (نبيلة عبيد) أول أدوار الشر فى حياتها تقريبا فى فيلم (كان الحب) إخراج حلمى رفلة، وقد تشابهت قصة هذا الفيلم مع ثلاثة أفلام تم انتاجهم عامى 1958 و1959 فى السينما المصرية، هم (إرحم حبي) لبركات و(بافكر فى اللى ناسينى) لحسام الدين مصطفى، وهو بدوره مأخوذ عن نص أدبى لعبد الحميد جودة السحار، و(فضيحة فى الزمالك) لعاطف سالم.

تقوم فكرة الأفلام الثلاثة على وجود شقيقتين الأولى فتاة فاضلة، ورومانسية، جميلة، بريئة، أما الثانية فهي تتمتع بممارسة الخيانة، واختطاف الرجل الذى أحبته أختها، وعندما يكاد أمر خيانتها ينكشف، فإن الاتهامات توجه إلى الأخت الفاضلة التى تدفع الثمن.

ليلى هى الأخت الشقية، الطموحة إلى درجة الدمار، تبحث عن زوج ثري، لذا فهى سريعا ما تتعرف على (مدحت) الذى يدعى الغنى، تندفع فى مشاعرها نحوه، دون أن تدرك حالته الحقيقية، فالمظاهر هى اللافتة التى تجذبها، لا تبحث عن الجوهر، وعندما تكتشف أن (مدحت) ما هو إلا ميكانيكى سيارات حتى تنتقل عقارب بوصلتها ناحية (مراد) الطبيب الذى يسكن فى الدور العلوى من فيلتهم، والذى يكن الإعجاب لأختها (سحر) المضيفة الرزينة، المحبة للهدوء.

اتجهت ليلى نحو (مراد) بعد أن عرفت بثرائه، ورغم أنه يحب أختها، فإنها تتزوج منه، إلا أن (ليلى) بعد الزواج وانجابها ابنتها (سحر) الصغيرة، لا تشعر أن تلك هى حياتها التى كانت تتمنى أن تعيشها، بل تتمرد عليه، فهى تريد الحياة غير المستقرة، وهى تخون زوجها مع صديقه الدكتور (مجدى) وعندما يتم اكتشاف الأمر، فإن (سحر) تنسب لنفسها هذه العلاقة لإنقاذ أختها، وحياتها الأسرية، لكن (ليلى) لا تلبث أن تموت فى حادث، ويعرف الزوج حقيقة الأمر.

نبيلة في مرحلة البدايات

وسقطت في بحر العسل

فى عام 1977 عرض فيلم (وسقطت فى بحر العسل) لصلاح أبو سيف، وهو أول إنتاج لـ (نبيلة عبيد) التى منحت لنفسها البطولة المطلقة، بينما جاء دور (نادية لطفي) ثانوى، أو ضيفة شرف قياسا إلى دورها، والفيلم كما هو معروف مأخوذ عن القصة الأولى فى مجموعة (البنات والصيف) التى سبق أن نجحت فيه.

المرأة الأخرى

بدت الممثلة المنتجة كأنها تحاول أن تعيد اكتشاف نفسها بأن تمنح أدوار البطولة المطلقة، وفى نفس الفترة كانت تقوم بأدوار ثانية فى أفلام مثل (إلى المأذون يا حبيبى) ثم (العمر لحظة) وفى عام 1978 رأيناها مجددا فى دور الشريرة فى فيلم (المرأة الأخرى) لأشرف فهمى.

الشريرة فى هذه السينما هى امرأة خائنة فى المقام الأول، تتمرغ فوق فراش رجل آخر رغم أنها متزوجة، وسوف نراها هنا تبيع تجارة زوجها لعشيقها، وينتج عن ذلك أن تسوء علاقات عديدة كانت سوية، خاصة علاقة الصداقة بين زوجها وجارته (هدى)، حيث بدأت الشكوك لدى الزوج أن جارته وشت بأسرار ملفات العمل إلى (عادل) عشيق (سعاد) إبنة رجل الأعمال (مختار) التى ترمى بشباكها حول الدكتور (محمود) العائد من الولايات المتحدة، والذى تمكن من تجاوز الفقر وافتتح مكتبا خاصا تعمل به ابنة خالته (هدى) التى تحبه فى صمت.

(محمود) هذا أشبه بحامل الشعلة فى الميثولوجيا اليونانية، لا ينظر حوله، بل أمامه، ولا يرى سوى (سعاد) التى ستحقق له خطوات فى عالم المال، إنه رجل على غرارها، طموح، يطمع فى الثروة، إلا أنه مع مرور الوقت يعانى من التفتح الزائد لزوجته، وفى أثناء سفره لعقد الصفقات بالخارج، تكتشف (هدى) وجود علاقة جنسية بين (سعاد وعادل) صديق (محمود) وخصمه، تحاول (هدى) إبعاد الزوجة عن هذا المسلك مما يجعل (سعاد) فى أن تعجل بابعاد (هدى) عن طريقها، حين توحى للزوج أن (هدى) سربت أسرار الصفقات على عملاء منافسين.

وعندما يواجه (محمود) ابنة خالته بالتهم المنسوبة إليها، تخبره بما تعرفه عن امرأته، مما يقلب الأمور تماما، وحين تثور النخوة لدى الزوج، فإن (مختار بك) والد (سعاد) يقف بالمرصاد لـ (محمود) ويهدده فى مستقبلة، ويخبره بين التجاوز عن الخيانة، أو الفصل من الشركة.

(سعاد) المرأة الخائنة هنا تستخدم كل أسلحتها، لإشباع نزواتها، فهى تمتلك فراش الرجل، وتحاول التمسك به، لذا فإنها تبذل كل حيلها لطرد (هدى) من المكتب، كما أنه عندما يتم اكتشاف خيانتها. فإنها تبدى جرأة وتعترف أمام أبيها أنها خائنة، مما يعنى التبجح الشديد للشخصية.

بلبل السينما المصرية

الاعتراف الأخير

فى نفس الأسبوع عرض فيلم آخر بعنوان مشابه هو (الاعتراف الأخير) إخراج (أنور الشناوي)، وهو بمثابة إعادة إخراج لفيلم (مع الذكريات) لسعد عرفة 1961، وفى الفيلم تموت الزوجة (درية) بعد حياة حافلة بالسعادة مع زوجها (أدهم)، الذى يظل فى حالة حزن دائم، وفيما بعد يتضح أن هذه الزوجة الراحلة كانت خائنة، وسيئة السلوك، وأن يوم الحادث بالذات كانت تخونه مع شخص آخر، يعرف (أدهم) ذلك من خلال زميلته القديمة بالجامعة (سميرة) والتى تخرج من جبعتها أوراق الإدانة لـ (درية).

مشهد من ولا يزال التحقيق مستمر

ولا يزال التحقيق مستمر

(درية) هنا امرأة شريرة، خائنة، وإن كانت تبدو أمام زوجها وفية، بالغة الإخلاص، مما يعنى أن (نبيلة عبيد) قامت بدورين متشابهين فى العام نفسه، وكان عليها أن تفعل شيئا مهما فى العام التالى حيث أنتجت فيلمها (ولا يزال التحقيق مستمرا) لأشرف فهمى عن أقصوصة لإحسان عبد القدوس. وكان الدور، والفيلم بمثابة نقطة تحول فى مسيراتها الفنية.

وصارت شخصية (زينب) فى هذا الفيلم، نموذجا للمرأة الشريرة فى السينما المصرية، فهى امرأة مليئة بالطموح، تتزوج من مدرس بسيط، لا تكف عن طلب النقود، هى كالإسفنج تريد كل مسامها أن تمتلئ بالمال، يحاول الزوج إرضاءها فيسافران معا إلى بلد عربى الربح فيه أوفر، وإن كانت الحياة أصعب..

ولا تحتمل (زينب) الحياة فى الغربة، وسرعان ما يعودان إلى مصر، هى امرأة انتقادية، تعاير زوجها بفشله، وتضع زوج أختها الثرى نموذجا أمامها وهى تعاير زوجها، وتطلب منه أن يكسب عن طريق الدروس الخصوصية إلا أنه يرفض.

وسرعان ما يأتى الرجل الذى تعتبره نموذجا إنه (مدحت) الصديق القديم لزوجها، يظهر بعد غياب طويل، عاد من الخارج محملا بالنقود، تعرف أنه كان فشل فى الدراسة، لكنه الآن ثرى، و(مدحت) هذا يكن نحو زميله القديم (حسين) شعورا سلبيا.. فقد كان (حسين) دائما ناجحا فى الدراسة، بينما كان مدحت نموذجا للفشل، يكتشف الصديق العائد أن العلاقة بين الزوجين مليئة بالتوتر، لذا فهو يستغل هذه المشاعر، كى يحشر نفسه بين الطرفين، خاصة بعد أن يطلب منه الزوج أن يتوسط للمصالحة بين زوجته وبينه، لكن (مدحت) يستغل الموقف لزيادة مساحة الشرخ بينهما.

وسرعان ما تقوم علاقة بين الزوجة وبين (مدحت) تنمو فوق الهدايا الثمينة، والتردد على المطاعم الفخمة، ومحاولة إرضاء أم (زينب) التى تخون زوجها على فراش (مدحت)، وتستطيب طعم الخيانة فتترك بيتها وتعود إلى منزل أمها، وتبدأ فى طلب الطلاق، لكن (حسين يرفض) ليس حبا بل لأن الطلاق سيجعلها تهنأ بخيانتها.

فى فيلم حارة برجوان

وسرعان ما يشبع (مدحت) من الزوجة الخائنة، ويبدأ فى إلقاء شباكه على (ميرفت) شقيقة (حسين) كنوع من الإعجاب بها، وأيضا لإشباع مشاعره القديمة، بالنقص تجاه زميله، ويفاتح (ميرفت) فى الأمر فتبدى موافقتها، إلا أن (زينب) تتحول إلى أسد شرس عندما يبلغها نبأ هذه الخطبة، تبدو كالمتوحش الجريح، يحاول (مدحت) أن يهدئ من روعها، وأن يقنعها أنه يفعل ذلك من أجلها، حتى يتخذ من العلاقة الجديدة ستارا.

تبدو (زينب) وقد جرحت، وصار عليها أن تنتقم، وكان أول ما فعلته أن عادت إلى بيتها وحكت له كل أطراف الخيانة، وافقت معه على قتل الغريم المشترك الذى خدع الأطراف الثلاثة الزوج وأخته وزوجته، وتستطيع أن تدبر مسدسا، ثم يتم التواعد فى (عوامة) على النيل، يأتى إليها (مدحت).

كانت الخطة أن يدخل الزوج على زوجته، وهى تخونه فيقتلها، لكن (زينب) قتلت عشيقها بمجرد دخوله العوامة، وتبدأ فى إلصاق التهمة لـ (حسين) فوضعت قلما أهداه له تلاميذه إلى جوار الجثة، ليبدو أنه سقط سهوا من القاتل، لكن (حسين) يقتل امرأته، ودبر الأمر على أساس أن العشيقين قتل كل منهما الآخر، ثم يخرج من العوامة، ليجد أخته تكاد أن تدخلها فيأخذها ويذهب.

الزوجة هنا تخون، وتدبر المكائد، وتطلق الرصاص، وتقتل، ثم تموت، وقد كان أداء (نبيلة عبيد) حالة من التفرد، جعلت الناقد (مجدى فهمي) يكتب: نبيلة عبيد جيدة جدا فى دورها، ساعدها فى هذا مقدرتها على (الردح) الذى كان ركنا فى بناء شخصيتها.

نجمة مصر الأولى

نجمة مصر الأولى

رغم أن دور الشريرة فتح عالم النجومية الأولى للفنانة، التى أطلقت على نفسها اسم (نجمة مصر الأولى) فى أفيشات وعناوين الأفلام، إلا أنها فى أفلامها التالية، خاصة التى قامت بانتاجها، تعمدت أن تؤدى دور المرأة النبيلة، الملتزمة، المثالية، خاصة فى الأفلام المأخوذة عن ايداع (إحسان عبد القدوس)، ومنها (العذراء والشعر الأبيض، والراقصة والسياسي)،  وأيضا فى أفلام أخرى مثل (الصبر فى الملاحات)،  و(اغتيال مدرسة)، لكنها بين وقت وآخر كانت تعود إلى أدوار الشر المشابهة لدور (زينب)، وفى هذه الأدوار كانت تعتمد على (الردح)، وعلى الصوت العالى، مثلما حدث فى فيلم (أبناء وقتلة) لعاطف الطيب عام 1987.

أبناء وقتلة

فى هذا الفيلم نحن أمام الراقصة (دلال)، التى ترقص فى البارات، والحانات، فى النصف الأول من خمسينات القرن الماضي، وهى امرأة بضة، تملأ ذراعيها بالذهب، مما يغرى عامل البار (شيخون) أن يتزوجها، بهدف الاستيلاء على ما لديها من ذهب لشراء البار الذى يملكه أحد الخواجات، الذي يستعد للرحيل، عقب قيام العدوان الثلاثى.

كل ما فعلته (دلال) إزاء فعلة زوجها أن أخذت تولول، وانتظرت الفرصة كى تنتقم منه، خاصة أنها أنجبت من (شيخون) توأم، حيث تنتهز الزوجة فرصة تستر زوجها على زوج شقيقته الهارب من السجن فى مكان خفى بالبار، فتبلغ الشرطة عليه انتقاما منه، خاصة الضابط (أحمد) الذى وضع عينيه عليها كأنثى.

تجمة متألقة منذ صغرها

(دلال) بهذا تستطيع أن تدخل زوجها إلى السجن لمدة خمس سنوات، وتطلب منه الطلاق، ثم تتزوج من الضابط الذى أبلغته بجريمة زوجها، وهنا يبدو الشر بكامل ملامحه، فهى تستأثر بالتوأم.

وعندما يخرج (شيخون) من السجن، كان أول ما فعله هو أن توجه إلى بيت طليقته بعد أن طلقت بدورها من الضابط، وصارت راقصة مشهورة ثرية ود أن يشاهد ولديه لكنها حرمته من الرؤية، مما دفع به إلى الاستعانة بقاتل محترف أن يقتلها.

تم القتل هنا عندما ركب القاتل المحترف سيارة فارهة، وأوعز لها أنه رجل ثرى، مما يعنى أن الراقصة لم تكن راقصة فقط، بل بنت ليل تخرج مع من يدفع، وتركب سيارته ليذهبا إلى سطح المقطم، دون أن تعرف أنه سوف يقتلها، وبالفعل فإن الرجل يخنقها، نفس الخنق الذى أراد شيخون أن يفعله حين زارها، ومن أجل أن تكون الجريمة كاملة، فإن (شيخون) يقتل القاتل المحترف، كأنما هو قتل متبادل، مثل الخطة المتقنة فى فيلم (ولا يزال التحقيق مستمرا).

ظلت (نبيلة) طوال تسع سنوات تقريبا تنوع من أدوارها، وفى أغلب هذه الأفلام كانت أقرب إلى الضحية، مثل دور الزوجة فى (الوحل) والمدرسة المظلومة فى (اغتيال مدرسة) ثم الزوجة الثورية فى (حارة برجوان)، ودور العاهرة عميلة الاستخبارات فى (كشف المستور).

الراقصة جسدته بشكل مختلف اكثر من مرة

هدى ومعالي الوزير

فى عام 1995، عادت (نبيلة عبيد) مرة أخرى إلى أدوار الشر من خلال فيلم (هدى ومعالى الوزير) لسعيد مرزوق، وهو المخرج الذى سيسند إليها دور المرأة القاتلة فى فيلم (المرأة والساطور) عام 1997.

كلا الفيلمين مأخوذ عن قصة حقيقية، عرف الناس تفاصيلها فى صفحات الحوادث بالصحف، المرأة الأولى هى سيدة الاقتصاد الهاربة (هدى عبد المنعم) التى صار اسمها فى الفيلم (هدى عبد الغني) كى يوحى الفيلم للمتفرج أن كل ما يراه واقع، هى امرأة بالغة الجمال، شديدة الذكاء، تسافر إلى بلد عربى (نحس أنه ليبيا) لتعمل سكرتيرة مع صاحب شركة مقاولات، وتتعرف فى تلك الدولة على رجل مهم صاحب سلطة ونفوذ (وزير)، وتتطور العلاقة بينهما إلى زواج، حيث أصبحت بين يوم وليلة من الاثرياء فى سوق المال والتجارة، وحركت بمالها السوق بعد أن عادت إلى القاهرة، وتتخذ من المقاولات ميدانا لزيادة رأس مالها.

فالملايين ولدت المليارات، بفضل ما لديها من جبروت، وأنوثة، وذكاء، هى نموذج لرجال الأعمال الذين بدءوا من الصفر، تسقط فى حفرة التنازلات التى جعلتها تدوس على القيم والأخلاق من أجل زيادة ثرائها، وتنميته على حساب البسطاء الذين انخدعوا بمظهرها الكاذب، وسهلوا لها المهمة حيث حصلت على قروض بنكية بلا ضمانات، وأخضعت السوق لخدمة أطماعها، وأهدافها.

صنعت المرأة ظاهرة من الفساد الاجتماعي، والاقتصادي، فقد تكالب عليها أصحاب النفوس الخربة يساعدونها فى عمليات النصب والاحتيال والتزوير والغش، والخداع، من أجل الحصول على الكسب والمزيد من الثراء.

إنها تستعين بأبناء أسرتها، الذين ليست لديهم أى خبرة، كى تولى لكل منهم وظيفة مهمة فى الشركة التى تسربت أخبارها إلى الصحافة، وفى جريدة (أخبار اليوم) تقرر صحفية جريئة أن تتبع ملف (هدى عبد الغني) وتستجمع الوثائق، وهدى ليست فقط امرأة فاسدة تستخدم جسدها، بل أنها تحاول رشوة الصحفية، لكنها تفشل، وتحاول المرأة إرهاب الصحفية من خلال سلسلة من الحملات التى تحاول من خلالها إرهابها، لكن (أماني) الصحفية تستمر فى كتاباتها بمساعدة رئيس التحرير.

استخدم الفيلم الأسماء الحقيقية الأولى للأبطال، والبطلات، خاصة (هدى، وأماني) لكنه لم يشر بالضبط، من هو الوزير الذى ضاجعته (هدى)، كى يساعدها فى الهروب من مصر، وقام بنفسه بتوصيلها لحمايتها إلى المطار.

نحن هنا أمام نوع من الإجرام الاجتماعي، الذى يمس المجتمع، فقد استولت على الأموال من الجمهور لبناء عمارات، لكنهم لا يحصلون على شىء، ويبقى المشروع مجرد هياكل فى الصحراء.

في مشهد من فيلم تجسد فيه شخصية المظلومة

المرأة والساطور

أما فيلم (المرأة والساطور) فهو أيضا عن حادث حقيقي، لكن السينما لها تصور مختلف، والمرأة الشريرة هنا، ليست خارجة عن القانون، وغير مستعدة لذلك، وهى تقتل زوجها النصاب الذى حاول اغتصاب ابنتها الصغيرة، لأن الحيلة قد ضاقت بها.

والمرأة هنا ليست قاتلة فقط، بل مثلت بجثة زوجها، فقطعت رقبته، وحملته بين يديها، والدم يقطر منها، ثم مزقت الجثة، إلى قطع، وضعت كل منها فى كيس، ثم رمت بها فى أكثر من صندوق قمامة، أى أن الجريمة مرتبطة هنا بالبشاعة، والدموية، وتقطيع الجثة، ثم راحت الزوجة تمارس حياتها بشكل طبيعى إلى أن تم القبض عليها.

تبدو آثار هذه الجريمة البشعة فى المشاهد الأولى من فيلم، جو مقبض كئيب، شاطئ بحر ملئ بالصخور الجامدة، ضباب يغلف المكان، دخان ينبعث من بقايا نفايات تحترق من داخل صندوق، وبعض مياه المطر تملأ المكان، ورياح تندفع، ثم تبدو أشلاء جثة رجل مقتول، عظام قدم مهشمة، ودماء، وأوراق جرائد، وكلاب شرطة تعوى بقوة، وهى تتوصل إلى المكان، ثم ما يوحى أن رائحة نتانة تنبعث من المكان، وأخيرا يظهر رأس القتيل الذى ينزف دما.

يعكس هذا مدى بشاعة الجريمة، وتأتى أهمية الترقب، إننا سوف نرى المرأة فيما بعد إلى أى حد هى منكسرة ومسالمة، ويسوقنا الفيلم نحو التعرف على كيف قتلت هذه المرأة زوجها، فبعد أن يتم القبض على الزوجة نبدأ فى التعرف على كيف بدأت العلاقة بين نصاب يحمل العديد من الأسماء، وبطاقات الهوية، وجوازات السفر، والحيل، وبين زوجة أقنعها أنه يعمل فى مجلس الوزرا..

شريرة في ثوب أنثى متمردة

يهمنا هنا شخصية المرأة المجرمة، فهذه القاتلة تبدو ذات وجه برئ عندما يتم القبض عليها، لذا فإنه لا يتم التعرف على ما وراءها إلا بعد أن يتم التحقيق.

تزوجت سعاد من رجل أتقن أعمال النصب، فصدقت كذباته، وهو رجل يتمتع بقوة حسية، ولديه رغباته الشاذة فى ممارسة الجنس مع زوجته، حيث يبدو عنيفا، ويود أن يأتيها من الخلف، فتقاومه ثم لا تلبث أن تستسلم له.

والزوج (محمود علوان) لم ينصب فقط على زوجته الجديدة (سعاد) بل على زوجات سابقات، أما هى فأرملة منذ سبع سنوات، متعطشة للجنس، لكنها قليلة الخبرة بالحياة، يسرق ما لديها من حلى، ويبيع شقتها الأنيقة، وينهب أموالها، ثم يحاول اغتصاب ابنتها..

نجمة برعت في شخصيات متنوعة

أما (سعاد) التى تقتل زوجها وتمثل به ليست مجرمة بالسليقة، فيكاد يغمى عليها، حين ترى زوجها يذبح عدة حمامات، إلا أن الوحشية التى اكتسبتها من تصرفاته، جعلها مجرمة تفعل ما لم تفعله أى امرأة أخرى فى زوجها، تقطع جسده، وتتخلص من دماء جسده فى البانيو، وتمسك برأسه المقطوعة بين يديها، تتأملها، كأنها تتشفى، ثم تضع قطعة فى أماكن متعددة قريبا من البحر..

حاول الفيلم أن يبرر ما فعلت لكنه لم ينجح فى ذلك، فالجريمة كانت أكثر من بشعة، وكما أشرنا فإن العدد القليل من أدوار الشر، أثبت موهبة الممثلة، بدليل أن هذه الأدوار لا تكاد تنسى من ذاكرة المشاهد.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.