رئيس مجلس الادارة : محمد حبوشة
رئيس التحرير : أحمد السماحي

و .. انتصرت الموهبة على البوتكس!

بقلم المخرج المسرحي الكبير : عصام السيد

قارب الشهر الفضيل على الانتهاء و اقترب توقيت إعتاقنا من الإعلانات  التى أغرقتنا بسيلها ، و جعلت البعض يظن أننا مجتمع مصاب بالانفصام ، فبين إعلانات الإسكان المتعددة التى تبدأ وحداتها بالملايين ، تأتى إعلانات التبرعات للمرضى و المساكين ، و كأن مجتمعنا قد انقسم لفئتين أو طبقتين ، ليس بينهما أى صلة أو تناسب فى الدخل و الأجور ، مجتمع يسكن فى الفيلات و يقضى وقته فى الساحل و العلمين الجديدة و مجتمع لا يجد ما يأكله أو يعالجه إلا من خلال التبرعات ، إلى جانب إعلانات غير حقيقية أطلقتها شركات الاتصالات ووضعت شروطا لتحقيقها تشبه المعجزات ، فلقد وجدت إعلانا لشركة حكومية تعدنى بضعف الباقة و لكنى عند الشحن فوجئت بأن على الشحن مرة أخرى و بمبلغ محدد من أجل الفوز !!!

و على مدار الشهر الكريم تزايدت كمية الإعلانات تباعا ، حتى أنه فى النصف الثانى من الشهر أصبح كل مسلسل يستغرق قرابة الساعتين ، تحتل الأحداث الدرامية منها أقل من 40 دقيقة !!  و تم اختصار جميع مقدمات و نهايات المسلسلات ( التترات ) و اقتصرت على أسماء النجوم و المؤلف و المخرج و المنتج ، لاتاحة الفرصة لمزيد من الإعلانات ، ذلك لأن كل إعلانات هذا العام عبارة عن أغنية طويلة تذاع بالكامل خلال كل فاصل من الفواصل الإعلانية ، أما نحن كمشاهدين فلا أحد يدافع عنا أو عن حقوقنا فى مشاهدة بلا انقطاع ، و حتى المجلس الأعلى للإعلام الذى هدد و توعد و طالب بترشيد وقت الإعلانات لم يفعل شيئا ، و لا أعتقد أن هذه المسألة تقع فى إطار مسئوليات جهاز حماية المستهلك .. و هكذا تركنا الجميع تحت رحمة الشركة المحتكرة تفعل بنا ما تشاء !!

و لكن كان هناك استثناء فى مسلسلى ” الاختيار و هجمة مرتدة ” ، فلم يتم اختصار بدايتها و نهاياتها و كانت الإعلانات خلالهما مقبولة و معقولة زمنيا ، و يبدو أن ذلك ليس لنوعية الأعمال فقط و إنما لحساسية الجهات المشاركة فيها ( جهاز المخابرات العامة و وزارة الداخلية ) ، و هو ما يثبت أن الشركة المحتكرة للإنتاج و الإعلانات و القنوات تعمل بالمثل القائل ( من خاف سلم ) ، و لذا علينا أن نلجأ إلى ما يخيفها العام القادم حتى لا تستهين بنا و تتعامل معنا على أننا “عبيد للشاشة” نقبل ما تفعله فينا بإعلاناتها ، أو نطالب بأن تكون مسلسلات العام القادم كلها بالمشاركة مع جهات سيادية حتى نضمن احترام حقوقنا كمشاهدين .

و إذا كنا قد شاهدنا بعضا من المسلسلات بين فواصل الإعلانات ، فإن تلك المسلسلات لم تأخذ حظها بشكل متساو ، بل تم تفضيل بعضها على البعض الآخر من حيث الدعاية و أوقات الإذاعة و مرات الإعادة ، و تم فرض بعضها لأسباب مجهولة ، لكن كان للجمهور رأي آخر ، و على كل حال فبعض المسلسلات لن يلتفت إليها و لن يتم الاعتراف بقيمتها إلا بعد إعادتها بعد انتهاء شهر رمضان . و مع ذلك فإن الموسم هذا العام تشارك فى سمات عامة ، هذه السمات تثير  قضايا هامة  نحاول رصدها :

أولا : كانت كارثة هذا العام و التى تشير لخلل فنى و أخلاقى هو لجوء البعض الى الاقتباس ، و لسنا هنا نتكلم عن مسلسل (بين السماء و الارض) ، فإنه كان واضحا فى أنه مأخوذ عن الفيلم ، و لكننا نتكلم عن اقتباسات أخرى لم يذكر أصحابها المصادر المأخوذة عنها أعمالهم ، و الغريب أن يكون أحد من قاموا بهذا كاتب كنا نعقد عليه الأمل فى كتابة تليفزيونية مغايرة ، و أدعى أن عدم ذكر المسرحية الأصلية كان من باب السهو.  أما النجم الذى ادعى أنها فكرة زوجته فاتضح أنها منقولة من ثلاثة أفلام أجنبية شهيرة . و مسلسل ثالث من مسلسلات البلطجة تم فيه الاستيلاء على فيلم عربى شهير فى الأصل هو مقتبس من فيلم أجنبى ، و لا عزاء للمبدعين الحقيقيين .

ثانيا :  كانت المفاجأة هذا العام هى نجاح مسلسلات لم تنتجها الشركة المحتكرة و تحقيقها لنسب مشاهدة عالية ( لعبة نيوتن – خلى بالك من زيزى – أولاد ناس – الطاووس – المداح ) برغم أن بعضها لم يحمل أسماء ( سوبر ستار ) و معظمها لم يذع على القنوات التى تتمتع بكثافة مشاهدة ، و لكن كان رهان تلك المسلسلات على عامل الجودة سواء فى اختيار الموضوعات أو فى قدرة الممثلين على تقديم أفضل ما عندهم ، و هكذا ستظل هذه المسلسلات دليلا على أن الجودة هى الأساس ، و أن البطولة الجماعية لجيل ظلم طويلا هى الحل ، فهذا الجيل فى كل مرة يثبت أنه الأحق بالجدارة لأنه لا يهتم سوى بإجادة العمل ، و لذا وجبت التحية لكل من شارك فى هذه المسلسلات تأليفا و تمثيلا و إخراجا لأنهم أثبتوا أن (الموهبة) انتصرت على (البوتكس) ، فكل المسلسلات التى اعتمدت على نجمات احتلوا صدارة التتر أو فرضوا انفسهم وحدهم فى دعاية تلك المسلسلات لم ينجحوا فى جذب الجمهور ، فى حين أن هذه المسلسلات الجماعية إلى جانب مسلسلات لنجمات اعتمدن على موهبتهن ( مثل منى زكى و هند صبرى و نيللى كريم إلخ ) كانت لها الصدارة عند الجمهور .

ثالثا : على العكس من تلك المسلسلات التى حققت لنفسها مكانا بالجودة الفنية و باختيار موضوعات تمس الجمهور ، أتت مسلسلات أخرى مليئة بالمشهيات التقليدية من حوارات متدنية و مشاهد عنف و حرائق و إطلاق نار عشوائى و مجاميع كثيرة و إكسسوارات غريبة و رجال بعيون مكحلة و صعيد لا يمت للصعيد المصرى بصلة سوى اللهجة ، و ليست هذه هى العوامل المشتركة فيما بينها فقط ، بل اشتركت كل مسلسلات العنف فى استخدام الحيوانات لإضفاء عامل الغرابة فقط دون أى ضرورة درامية ، فرأينا أسودا و أشبال و ثعابين و تماسيح و لم يبق سوى الاستعانة بالديناصورات ، و كأن ظهور البطل فى مشهد واحد مع الأسد سيجعل الجمهور يندهش و يصفق فرحانا ، و كأننا فى سيرك و ليس فى مسلسل يحمل رسالة و له هدف .

رابعا : أثبت النجم يحيي الفخرانى أن ( الدهن فى العتاقى ) فقدم لنا مسلسلا جميلا ، امتعنا فيه بروعة ادائه و صدقه ( بعيدا عن أى ملاحظات خاصة بنوعية الشخصية ) و استطاع مخرجه المتمكن شادى الفخرانى أن يقدم لنا صورة ثرية بصريا و قاد ممثليه إلى إخراج أفضل ما فيهم . و برغم فردانية الفخرانى على الدعاية إلا العمل قدم لنا بطلا الى جوار الفخرانى هو الفنان محمد محمود الذى ظلم طويلا و لكن جاء دور “طريف” ليضعه فى المكانة التى يستحقها ، كذلك كان المسلسل ولادة جديدة لانوشكا ، و فى هدوء و ثقة جديرة بالأساتذة قدم الفنان مفيد عاشور دورا كوميديا يعتمد على الأداء الصادق بعيدا عن مبالغات من يظنون أن المبالغة هى الكوميديا ، كما قدم المخرج وجوها جديدة متعددة أحسن اختيارها و ظهرت و كأنها راسخة ، كمثال : رنا رئيس و هالة مرزوق . و هكذا يثبت لنا الفخرانى إلى جانب روعته كممثل أنه استطاع استيعاب كل من حوله و ساعد على تألقهم و لم يحاوا إلغاء وجودهم مثل نجمات البوتكس .

خامسا : اختفت هذا العام تماما المسلسلات الكوميدية ، و لم يستطع أحد ان يقدم مسلسلا كاملا تحت هذا التصنيف ، إلا إذا اعتبرنا أن ما قدمه مسلسل “أحسن أب” يندرج تحت بند الكوميديا ، و الحقيقة ان هذا المسلسل يثير أسئلة لا نجد لها إجابات : ما الذى يحدث لعلى ربيع على الشاشة ؟ لماذا لا يتمتع بخفة الظل التى يتميز بها على المسرح ؟ أين كتاب الكوميديا ؟ هل اندثروا ؟ فى حين  اتجهت مجموعة من الكوميديانات هذا العام الى القيام بأدوار تعتمد على مشاعر متباينة و شخصيات مركبة ، و ليس هدفها الإضحاك ، و نجحوا فى إثبات أنهم ممثلين من العيار الثقيل و ليسوا مجرد ( مضحكاتيه ) مثل محمد ثروت و إسلام إبراهيم ، و يكرر نفس الأمر للعام التالى بيومى فؤاد كما سبقهم إلى هذه الأدوار الفنان القدير أحمد بدير . فهل هناك أمل أن نرى فى السنوات القادمة مسلسل كوميدى ( بجد ) ؟

سادسا : ككل عام هناك ممثلون يثبتون جدارتهم من خلال أدوار متنوعة ، و الغريب أن كل عام يكيل لهم الجمهور المديح و كأنه يشاهدهم للمرة الأولى و هم على سبيل المثال لا الحصر و بدون ترتيب و بلا ألقاب لأنهم أكبر من الألقاب : نبيل الحلفاوى ، طارق لطفى ، سيد رجب ، محمد رياض ، صبرى فواز ، صفاء الطوخى ، وفاء صادق ، حنان مطاوع ، و كثيرون غيرهم لن ننتهى لو ذكرناهم جميعا ، بالإضافة الى ماجد الكدوانى الذى كاد أن يصبح متخصصا فى تقديم مشهد واحد فى أى مسلسل ، و مع هذا يتذكره الجمهور بإعجاب و انبهار و كأنه كان طوال الوقت أمامه على الشاشة ، و أعتقد أن أحد أسباب إلتفات الجمهور لمسلسل (أولاد ناس) كان مشهد الكدوانى .

سابعا : أثبتت وقائع هذا العام أن الاعتماد على تحقيق المسلسل للترند ليس دليلا على حجم مشاهدته أو جودته ، فلقد ثبت أن هناك لجانا إلكترونية ، فالحملة ضد مسلسل الطاووس ، و التى ادعت بوجود ألفاظ و مشاهد لا تليق كانت حملة ظالمة و مغرضة ، و كثافة تلك الحملة تؤكد وجود تلك اللجان ، و بما أن مثل هذه اللجان موجودة  فهذا يفسر كثير من الوقائع ، و كيف تتعدى مشاهدات البعض للملايين فى مسلسلات متواضعة لتصبح نمبر وان . و قد يتحقق التريند بسبب السخرية من مسلسل ما لغرابة أداء أبطاله ، أو جملة تعلق بها الناس لغرابتها ، و ليس معنى ذلك نجاح المسلسل .

تلك ملاحظات سريعة على موسم هذا العام بقدر ما سمحت به أوقات المشاهدة ، و ربما كانت لنا عودة لبعضها بالتفصيل و خاصة مسلسلى : الاختيار و هجمة مرتدة .

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.