رئيس مجلس الادارة : محمد حبوشة
رئيس التحرير : أحمد السماحي

دورة ناجحة …. لولا !!

بقلم المخرج المسرحي الكبير : عصام السيد

انتهت منذ أيام الدورة الثالثة عشر للمهرجان القومى للمسرح المصرى ، و برغم أنها كانت تحمل رقما يتشاءم منه البعض ، و برغم أنها تمت فى ظروف استثنائية و انتهت بشكل استثنائى أيضا ، إلا أنها كانت من أنجح الدورات و أفضلها تنظيما و أكثرها هدوءا ، بفضل القيادة الواعية و الهادئة لرئيس المهرجان الفنان القدير ( يوسف إسماعيل ) ، فبرغم عواصف عدة صاحبت تلك الدورة منها الجائحة التى تسببت فى تأجيلات متكررة ، كادت أن تصل إلى إلغاء الدورة تماما ، ثم عواصف تأكيد إقامة الدورة قبل موعدها بفترة قصيرة ، و عواصف أثَارتها التسمية الأولى للدورة ( دورة يعقوب صنوع التى تم تعديلها إلى دورة الآباء ) إلا أنه قابلها كلها بهدوء يحسد عليه ، و برغم عواصف أخرى ألمت بصحته قبيل انعقاد الدورة ، إلا أنه تواجد بشكل دائم فى معظم فعاليات المهرجان ، مما ساعد على وأد معظم المشاكل فى مهدها ، ليقدم دورة كادت أن تكون ناجحة بكل المقاييس لولا ……. و آهٍ من لولا !

و فى اعتقادى أن هناك عوامل ساعدت على إنجاح الدورة أولها و أهمها العودة إلى لائحة المهرجان الصادرة فى 2015 ، و هى التى شارك فى وضعها جهات و أفراد من الفاعلين فى الحركة المسرحية و عقدت لها عدة جلسات استماع و مناقشة من خلال لجنة المسرح بالمجلس الأعلى للثقافة و طرحت قبل إصدارها على المجتمع المسرحى لتحقيق أكبر قدر من التوافق ، و هو أمر يحسب للمخرج القدير ( ناصر عبد المنعم ) إبان فترة رئاسته للمهرجان ، و لكن  بتغييرها بعد انتهاء رئاسته و بدون الرجوع للجنة المسرح و لا للمجتمع المسرحى ، دار اللغط  من جديد و توالت الاحتجاجات بعد صدورها  و أثناء الدورة نفسها ، و فى الدورة التالية قامت الأستاذة الدكتورة إيناس عبد الدايم وزير الثقافة بإصدار قرارها بالعودة الى لائحة 2015 و لكن أبت إدارة المهرجان ألا أن تعمل باللائحة بعد تهجينها برغبات رئاسة المهرجان.

و مع تغيير إدارة المهرجان العام الماضى تم تعديل اللائحة للمرة الثالثة ، دون الرجوع لأحد ، و كأن المهرجان و لائحته المنظمة أمر يخص رئيس المهرجان فقط ، يفعل به ما يحب و يهوى دون رأى المشاركين و المهتمين ، و إذا كانت العودة هذا العام للائحة 2015 أمر محمود – لأنها أكثر لائحة توافق عليها المجتمع المسرحى – فمن الواجب بعد انتهاء الدورة طرح موضوع اللائحة للنقاش مرة أخرى بحيث تصبح لازمة  و ملزمة و لا يجوز تغييرها حسب أهواء القيادات المختلفة و يتم تلافى أى وجه للقصور قد يراه البعض .

الأمر الثانى الذى ساعد على إنجاح دورة هذا العام برنامج فكرى متميز تولاه الناقد الكبير ( جرجس شكرى ) قدم من خلاله عدة ندوات هامة حول المسرح المصرى قديما و حديثا رصدت عدة إشكاليات ، كما صاغ شكلا جديدا من الندوات باستحداث شهادات لبعض الفنانين الذين رسموا وجه المسرح المصرى المعاصر ، تم توثيقها بالصوت و الصورة ،  كما فاجأنا ( جرجس )  بإصدارها فى كتاب فى اليوم الأخير للمهرجان . و ستبقى تلك الشهادات للتاريخ و علامة جودة لتلك الدورة التى أضافت أرشيفا حيا لفترة من تاريخ المسرح ستبقى للأجيال القادمة  و سدت نقصا كبيرا فى توثيق المسرح المصرى نعانى منه ، و لهذا حديث آخر .

و يأتى ثالثا دخول المهرجان عصرا جديدا من خلال التعامل مع الوسائط الحديثة ، التى ساعدت على متابعة وقائع المهرجان من خلال وسائل التواصل الاجتماعية المرتبطة بموقع دائم على الشبكة العنكبوتية بقياده الصديق ( محمد فاضل )  يتضمن بثا مباشرا لبعض الوقائع كما يتضمن تأريخا لكل الدورات السابقة للمهرجان كنا نفتقده ، و تقاعست الجهات المسئولة عن القيام به .

و هكذا مرت أيام المهرجان فى هدوء محققا النجاح ، حتى برغم إلغاء تواجد الجمهور فى العروض فى الأيام الأخيرة و اقتصار حفل الختام على الفائزين ، و تفهم الجميع ضرورة اتباع القرارات ، و لكن المفاجئ و المؤلم أن عروض المهرجان فقط هى التى كانت بلا جمهور  و عروض بقية المسارح كان مسموحا بتواجد الجمهور بها !! أليست العروض المسرحية سواسية فى تطبيق القرارات ؟ أم لأن هذه تحت اسم مهرجان ؟ ألم يكن من الأجدى إفهام أصحاب القرار أن تنفيذه على عروض المهرجان فقط فيه كثير من التعسف ؟

المهم أنه لم يعترض أحد خلال الدورة برغم وجود أوجه اعتراض مثل اشتراك عروض لا تنطبق عليها الشروط حيث أنها من إنتاج سنوات سابقة مما يناقض لائحة المهرجان ، و مثل وجود عرض فى المسابقة  يشارك بالتمثيل فيه رئيس المهرجان ، و مثل مشاركة إحدى عضوات اللجنة العليا للمهرجان فى عرض آخر ، و مثل وجود ابن لأحد أعضاء لجنة التحكيم فى عرض ثالث ، و كلها أخطاء تنتمى لتضارب المصالح كان من الواجب تلافيها ، و لكن الله سلم و لم تثر مشكلات حول تلك النقاط و مرت الدورة بسلام إلى أن اعلنت الجوائز ، و هى مصيبة كل دورة و كل مهرجان سواء كان مهرجانا محليا أو دوليا.

بدأت الاعتراضات على الجوائز بشكل متوارٍ بأن يشكر مخرج عرض ما ، العناصر التى كان يتوقع فوزها و لم تفز ، و ينشر صورا توضح مجهوداتها ، و نشر أحد الخبثاء صورة لعنصر فائز و لنفس العنصر فى عرض آخر لم يفز ، و كأنه يترك الحكم للجمهور ، و كتب مخرج أو اثنين ممن تعدوا الأربعين أنهم يفكرون فى الاعتزال لاحساسهم بالظلم حتى و إن لم يذكروا ذلك ، إلى أن تفجرت الاعتراضات علنا و بالأسماء ، و وصلت المسألة الى سجال بين رئيس لجنة التحكيم و أحد الفنانين.

الحقيقة أنها ليست المرة الأولى التى يتم الاعتراض فيها على الجوائز، ففى معظم الدورات كانت تدور المعارك  بعد إعلانها ، ففى العام الماضى – على سبيل المثال – تناقل البعض حوارات على لسان أعضاء لجنة التحكيم لو صحت لوجبت محاسبتهم ، كما ترددت شائعات عن عقاب أحد العاملين بجهة ما لعدم فوز تلك الجهة بالجوائز برغم وجوده فى لجنة التحكيم !! و من قبل و بالتحديد عام 2013 وصل الأمر للشكوى لوزير الثقافة الذى شكل لجنة للتحقيق !! و فى دورة أخرى وقف أحد المؤلفين معترضا على حجب جائزة التأليف المسرحى و طالت الاتهامات رئيس لجنة التحكيم لأنه مؤلف!!

و المشكلة فى رأيي تكمن فى مسألة التسابق فى حد ذاتها ، و عدم وجود قواعد ترتكن إليها لجان التحكيم ، و أبسط الاعتراضات تأتى من وجود مسابقة واحدة تضم محترفين و هواة برغم اختلاف قواعد الإنتاج بينهما و أسلوبه و حجمه . سيقول البعض أن كل العروض تنتمى إلى فن المسرح ، إذن هل يستطيع أحد أن يمنع لجان التحكيم من التعاطف مع عرض بلا إمكانات أمام عرض تتوفر له كل الإمكانات ؟ و هل يستطيع أحد أن يمنع لجنة أخرى من أن تنبهر بعرض فيه إمكانات ضخمة على حساب عرض أفضل بلا إمكانات ؟ إنهما سؤالين متناقضين و كلاهما بلا إجابة !!

و ما يزيد الاحتقان فى موضوع الجوائز أن بعض المسئولين يعتبرون فوز الجهات التى يرأسونها فوزا شخصيا لهم ، و هم بذلك يكرسون لتقسيمات و انقسامات غريبة ، ألا يكفينا أن الجوائز دائما ما تأخذ بعدا إقليميا يفتت الحركة المسرحية . بل أن الغريب أن يشيع بعض النقاد أن فوز العروض الجامعية فى أحد الدورات بمعظم الجوائز شهادة وفاة للمسرح المحترف !!

فى الحقيقة أن الكل ينسى أن الجائزة – أى جائزة – لا تعنى سوى أنك كنت الأفضل فى هذا العرض ، فى هذه الليلة ، وسط تلك العروض الأخرى ، من وجهة نظر تلك اللجنة ، و أى تغيير فى ظرف من هذه الظروف – كتغيير لجنة التحكيم مثلا أو مشاهدته فى ليلة أخرى – من الممكن ألا تفوز بها . لذا أليس من الأفضل أن يكون مهرجانا بلا جوائز و يكفى فيه شرف المشاركة ؟ سيقول البعض سيقضى ذلك على المنافسة ، أليست معركة كل عام بعد الجوائز ستقضى أيضا على المنافسة و سنفقد الود بين المسرحيين أنفسهم ؟

أعتقد أن هناك وقت من الآن إلى الدورة القادمة لتجتمع لجنة المسرح و تناقش الأمر و تطرحه على المسرحيين للنقاش و التفاوض حتى نصل إلى توافق جديد ، حتى لا تكون هناك ( لولا ) .

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.