(أسود فاتح) .. مسلسل غامق !
بقلم : محمود حسونة
كثيرة هي المسلسلات التي تبثها لنا القنوات والمنصات، ولكن قليلة هي الأفكار الجديدة التي تحملها إلينا هذه المسلسلات، وكأن نهر الإبداع في حياتنا قد أصابه الجفاف، وأصبح مؤلفونا يمتلكون مهارات غير مسبوقة في النقل، وفِي أفضل الأحوال الاقتباس، والأمين منهم لا يشينه أن يعلن صراحة عن المصدر الأساسي الذي نقل أو اقتبس عنه، أما من يستحلون لأنفسهم السطو على أفكار بل وأعمال الآخرين فقد يصل ببعضهم الأمر إلى حد النقل الحرفي ونسب كل شيء لأنفسهم من دون أي احترام لحقوق ملكية فكرية أو غيره، ولو خرج أحد النقاد وفضح أمرهم، “عملوا ودن من طين وودن من عجين”.
تابع الناس خلال الأيام الأخيرة حلقات مسلسل (أسود فاتح) عبر منصة (شاهد)، ليعيد إلى الأذهان مسلسل لم يمض على عرضه الأول زمن بعيد وهو (البرنس) والذي شاهدناه في رمضان الماضي، كما أحيا في الذاكرة مسلسل (أيوب) الذي عرض على الشاشات في رمضان ٢٠١٨، وكأن محمد سيد بشر صاحب (أيوب) ومحمد سامي مؤلف (البرنس) وأمين جمال وشريف يسري كاتبا (أسود فاتح) يملأون عقولهم من نفس الوعاء ويفكرون بذات الطريقة، ولا يختلفون سوى في بعض التفاصيل الهامشية.
القضية التي تعالجها المسلسلات الثلاث واحدة، ومراحل حياة أيوب ورمضان البرنس ورانيا خطاب منسوخة عن بعضها، ثلاثتهم تعرضوا للخيانة من أقرب الناس إليهم الذين تآمروا عليهم ولفقوا لهم تهماً وأدخلوهم السجن، والثلاثة خرجوا منه لينتقموا بأساليب لا اختلاف بينها، وقبل أن أنسى فإن أيوب ماتت أمه غضباً عليه ومن شقيقته وهو في السجن، ورانيا خطاب مات أبوها كمداً بعد أن استولى شقيقها على كل ممتلكاته وطرده من شركته وهي أيضاً في السجن، أما رمضان البرنس فقد كانت وفاة أبيه هي سبب دخوله السجن بعد أن تآمر إخوته عليه.
قد يكون الاختلاف بين المسلسلات الثلاث، يتمثل في وظيفة البطل ووضعه الاجتماعي، فقد كان أيوب عامل بنك وموظف في مكتبة وبائع خضروات حتى يستطيع الإنفاق على والدته المريضة وتجهيز شقيقته للزواج، وكان رمضان البرنس يعمل في ورشة والده للسيارات، أما رانيا خطاب فقد أرادها المؤلف والسينارست سيدة أعمال يشار إليها بالبنان وسيدة مجتمع يتنافس حولها الرجال، ومن بيئة بطل كل مسلسل تكونت باقي الشخصيات.
الغريب أن المتآمرين على أبطال المسلسلات الثلاث لم يكتفوا بسجنهم بل حاولوا قتلهم، وجاءت محاولات القتل لأيوب ورانيا وهما في السجن، أما البرنس فلم يقبل محمد سامي لبطله بمحاولة قتل واحدة، ولَم يرد لها أن تكون خلف القضبان.
وللحق فإن (أسود فاتح) اختلف عن شبيهيه في عدم كشف (الشرير الأكبر) سوى في الحلقات الأخيرة، بعكس أيوب والبرنس حيث تعرف الجمهور عليه منذ البدايات، وهي نقطة دفعت المشاهد لأن يبقى متحفزاً ومشغول البال بالأحداث حتى نهايتها.
ولأن كل مسلسل صنع خصيصاً لبطله فقد كان طبيعياً أن يكون (البرنس) بطله رجل وهو محمد رمضان، وبطل (أيوب) أيضاً رجل وهو مصطفى شعبان، أما (أسود فاتح) فقد كتب وصنع خصيصاً لتكون بطلته (حسناء) وهيىهيفاء وهبي.
(أيوب، والبرنس) ليسا سوى نموذجين قفزا إلى الذاكرة خلال متابعة (أسود فاتح)، ولكن بقليل من تشغيل العقل والجهد البحثي يمكن اكتشاف عشرات المسلسلات التي تتقاطع مع هذا العمل.
(البرنس) شاهدناه قبل أشهر محدودة، ولأن تفاصيل مشاهده لم يسقطها الزمن من الذاكرة، فإن من شاهد (أسود فاتح) يكتشف أن سنوات ضوئية تفصل بين أداء وموهبة محمد رمضان وبين أداء ومحدودية موهبة هيفاء وهبي، لذا فإن المقارنة بين المسلسلين بل والثلاث لن تكون أبداً في صالح المسلسل الأخير.
(هيفاء) لم ولن تكون ممثلة، ولن تكون أكثر من موديل جميل، وهي بالمناسبة بدأت عارضة أزياء، ولكن كما كثيرات غيرها، أدركت أن عمر عرض الأزياء قصير ولا بد من دخول مجال آخر لتبقى الأضواء مسلطة على (الموديل)، فاتجهت إلى الغناء مستندة الى (عبقرية) هندسة الصوت والتقنيات لتحسين الصوت، وصارت هيفاء (مؤدية) لا مطربة، ولَم يخرج الجمهور من كونها مغنية سوى بالسخرية من (بوس الواوا)؛ وفِي التمثيل لا تختلف هيفاء المغنية عن الممثلة، فهي ملكة الأداء البارد وعدم الإحساس لا بالمواقف ولا بالجمل الحوارية، ولذلك لن تجد اختلافاً بين رانيا وهي سيدة أعمال شاغلة لكل من حولها وبين رانيا السجينة المظلومة، وبين رانيا المنتقمة من كل المسيئين إليها وهي تتحكم وتدير حياة كل واحد منهم بالملعقة التي خرجت بها من السجن لتكون أداتها في الانتقام!!
(أسود فاتح) جاء مسلسلا غامقاً بفضل برود أداء بطلته هيفاء وهبي والتي نجحت في أن تحول أكثر المشاهد اشتعالاً إلى مشاهد بلا طعم ولا لون، وساهم السيناريو الذي لم يحمل جديدا في أن يظهر المسلسل للمشاهدين بلون قاتم، ولَم ينقذه من خيبة الأمل في النص وأداء البطلة سوى تميز عدد من أبطاله وعلى رأسهم شريف سلامة وفراس سعيد، كما أن اتساع مساحات باقي الأبطال كان من أسباب ارتباط متابعيه به طوال مدة عرضه.