رئيس مجلس الادارة : محمد حبوشة
رئيس التحرير : أحمد السماحي

بصمات خالدة

بقلم: محمود حسونة

في تاريخنا شخصيات وأحداث وأيام تستحق التسجيل الدرامي والتناول السينمائي، شخصيات وأحداث وأيام نفخر ونعتز بها ونتمنى أن يرث أولادنا وأحفادنا الاعتزاز بها، فالتاريخ ليس سوى مجموعة أشخاص قادت وضحت وأنجزت، ومجموعة مواقف كشفت الغث من الثمين، وعديد من الأيام التي شهدت أحداث صعدت بالناس إلى القمة أو هوت بهم إلى القاع.

في رمضان الماضي تابعنا سيرة البطل الشهيد أحمد المنسي الذي أبلى بلاءً حسناً هو وزملاءه في الكتيبة ١٠٣ صاعقة في حرب القوات المسلحة المصرية على الإرهاب في سيناء وعموم مصر، وشاهدنا أولادنا وهم يتابعون رحلة هذا البطل باهتمام وحب وفخر عبر أحداث ومشاهد مسلسل “الاختيار” الانسانية والقتالية، وقبله تابعنا أحداث فيلم “الممر” الذي أضاء على إحدى صفحاتنا الناصعة خلال حرب الاستنزاف، وشاهدنا عيون أولادنا تلمع وأيديهم تصفق فرحاً واعتزازاً في مشاهد الانتصار على العدو، وبعده سألونا كثيراً عن حرب الاستنزاف وسابقتها نكسة يونيو ولاحقتها معركة العزة والكرامة في أكتوبر ١٩٧٣.

ما شاهدته في أعين ابنتاي خلال مشاهدة “الممر” ومتابعة “الاختيار” أعاد إلى ذهني ملحمة “رأفت الهجان” التي تابعناها قبل حوالي ٣٠ عاماً فخراً بهذا الرجل واعتزازاً بما فعله لأجل مصر، وكانت إرادة العودة لمشاهدة هذا المسلسل ثانية ليكون أول مسلسل تليفزيوني أشاهده مرتين، وقد كانت المشاهدة الثانية ليست لأجلي بل لأجل ابنتاي، ولأجل أن تعلما المزيد عن البطولات المصرية، ولأجل أن تتعرفا على صفحات من تاريخنا مجهولة لهما.

أولادنا يستحقون منا أن نأخذ بأيديهم ونرشدهم إلى ما يجعلهم أكثر اعتزازاً بالوطن، وتاريخنا يستحق منا أن نروي ما نستطيع من صفحاته للأجيال الجديدة، وتكون روايتنا عبر ما نستطيع من وسائل حكي، ابتداء من الحكي المباشر وانتهاءً بالحكي الدرامي، ومروراً بالتوثيق والكتابة، وبالصورة والصوت، وبذلك نكون فاعلين في نقل الحقائق والتصدي للافتراءات ومناهضة التزوير والتزييف، ومواجهة المتربصين بالوطن ومن يحاولون النيل منه حاضراً وتشويه تاريخه والحط من قيمة انجازاته.

تابعت “رأفت الهجان” بعين مختلفة تماماً، وأعدت اكتشاف شخصية هذا الرجل الذي حمل كفنه على يديه كل الوقت لأجل مصر، وارتضى أن يعيش الخوف والرعب والقلق لأجل أن يرد جميل وطن منحه الثقة بعد أن لفظته العائلة.

أما فنياً، وبعد مرور أكثر من ٣٠ عاماً على إنجاز هذا العمل، فما زال مشوقاً جاذباً بأحداثه وسرعة إيقاعه والمباراة الحامية بين أبطاله في التمثيل بقيادة المايسترو العظيم الراحل محمود عبد العزيز، وصورة وكوادر الراحل يحي العلمي، وباختصار انت تشاهد مسلسل تجدد أمام عينيك وخاطب مشاعرك وأحاسيسك من دون أن يتجاهل عقلك، وكل ذلك بلغة درامية تفوق كثيراً لغة مسلسلات نشاهدها حالياً ونندم على الوقت الذي أضعناه متابعين لأحداث ساذجة تم تناولها برؤى ساذجة وبأداء سطحي.

المهم أن ابنتاي عرفتا من يكون رأفت الهجان، واطلعتا على صفحة من صفحات الصراع المصري الاسرائيلي، وأدركتا أن الوطن لديه أبناء مستعدين لبذل الحياة نفسها لأجله، وجاء ذلك بعد “الاختيار” و”الممر” وفهمتا أن التحديات التي يواجهها الوطن لا تنتهي، وأن لكل زمن تحدياته.

وبعد وفاة الفنان سمير الاسكندراني، صاحب البصمة الوطنية الخالدة والتي دفعت جهاز المخابرات المصرية تنعيه بكلمات مؤثرة، ألا ينبغي أن تضيء الدراما المصرية على دور هذا الرجل في وقت كانت مصر على قائمة الاستهداف من الغرب مع إسرائيل! .

رفعت الجمال الشهير برأفت الهجان اختاره جهاز المخابرات المصري ليكون عميلاً له في إسرائيل، وبعد تجنيده لعب دوره باقتدار وخدع شعباً وحكومة وجيشاً لأجل مصر، أما سمير الاسكندراني فهو الذي جند نفسه في خدمة مصر وجهاز مخابراتها في نهاية الخمسينات، عندما سعى إسرائيليون لاستدراجه وتجنيده وهو طالب مبتعث للدراسة في إيطاليا، وبسرعة بديهته أدرك أبعاد اللعبة، وأبلغ أحد كبار ضباط القوات المسلحة، الذي دبر له لقاءً مع الرئيس جمال عبد الناصر، ليواصل اللعب مع الاسرائيليين، وبدلاً من أن يتجسس لهم تجسس عليهم.

أحداث ومواقف وحكاوي تحمل كل عناصر التميز لو تم تناولها درامياً، ونحن في أمس الحاجة لأعمال درامية وطنية تقنع العقل وتخاطب الوجدان في ظل المعارك العديدة التي نخوضها، غرباً وجنوباً وشرقاً.

[email protected]

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.