رئيس مجلس الادارة : محمد حبوشة
رئيس التحرير : أحمد السماحي

عصا المصريين (1)

بقلم المخرج المسرحي الكبير : عصام السيد

” قَالَ هِيَ عَصَايَ أَتَوَكَّأُ عَلَيْهَا “

قرآن كريم

كما يحتاج الانسان الى عصا يتوكأ عليها ، ربما لوهنه أو لعجزه أو ليهش بها على غنمه ، أو لمآرب أخرى ، فان الشعوب و الأمم ايضا تحتاج إلى شيئ ( تتكئ ) عليه فى فترات محددة ، ربما لوهنها أو لمآرب أخرى . و تتعدد الأشياء بتعدد الفترات ، كما تختلف ( العصى ) باختلاف الظروف و الملابسات ، قد تكون هذه العصا ( فكرة ) أو مبدأ يتجمع حوله أفراد الأمة و يتوحدوا خلفه ليجتازوا ملمة ألمت بهم ، أو ظرفا تاريخيا عسيرا ، و قد تكون “عصا أخرى” هى أسلوب الشعب فى تناوله لاحداثه الجسام . فعلى سبيل المثال كانت ( نعرة ) القومية الألمانية و تفوق الجنس الآرى على باقى الأجناس ( عصا ألمانيا ) فى اجتياز مأساة هزيمتها فى الحرب العالمية الأولى ، صحيح أن تلك النعرة كانت لها أصولها الأولى قبل الحرب و لكن الاتكاء تحقق بعدها ، و لا نعرف على وجه التحديد من منهما ساعد الآخر : هل ساعدت العصا هتلر على تبوأ صدارة المشهد ، أما أن هتلر هو من استغل تلك العصا ليهش بها على الشعب الألمانى ؟ أم ان كلا الأمرين صادف الآخر فى لحظة مناسبة فتواجدت العصا فى يد من ظنت إنه موسى فأخذ يهش بها و لكن إلى هلاك . و ربما فى زمن آخر و مع ظروف أخرى صادفت العصا من هو أهل لها فأجاد استعمالها .

تتعدد العصى و تتنوع بتنوع المستخدم ( بكسر الدال ) و غرض الاستخدام و زمانه ، فمنها المؤقت و منها الدائم ، ومنها المزيف و منها الحقيقى ، و لكن القاعدة التى نسجلها من خلال الملاحظة الدقيقة أن كل عصا هى بنت ظروفها ، و كما تحمل فى داخلها دلالات و تشير إلى معانِ كذا فأن استخدامها يخطئ و يصيب . و لعل اشهر العصى التى يتكئ عليها شعب ما .. هى عصا ( السخرية ) التى داوم الشعب المصرى على الاتكاء عليها  فى كل الظروف ، خاصة الظروف الطاحنة ، حتى باتت جزءا لا يتجزأ منه ، لا تراه بدونها و لا تراها بدونه ، و كأنها صمام أمان لحياته أو ربما دليل على أنه يحيا ، حتى صار اختفاؤها نذير سوء ، و  فى نفس الوقت هى تسجيل لحياته نفسها . ألم تكن سخريته من نفسه معينا له لتحمل آلام النكسة ؟ ربما تحولت العصا فى تلك الفترة لكرباج يؤلم به نفسه و مبضع يزيد جروحه تمزقا و لكن ليكشف أسباب العلة و يتخلص من ديدان نخرت فى الجسد ، و لكنه كان قاسيا على نفسه حتى وقف الزعيم ذات مرة يطالبه بالكف عن السخرية من الهزيمة فقد طالت أعصاب الوطن الملتهب . 

و قبيل ثورة 25 يناير كان كثيرا من الحديث يدور حول ” فقدان روح السخرية ، و اختفاء الكوميديا من حياتنا ” و لم يجرؤ وقتها احد على تفسير ذلك النذير ، أو التنبيه إلى خطورة تلك الظاهرة ، إلا إنه بعد الثورة كشف لنا بعض علماء النفس أن الاكتئاب يسيطر على نسبة كبيرة من المصريين و أن الحالة تفاقمت بعد الثورة ( !! ) و تراوحت الأرقام بين قائل إن مليون و نصف مصرى يعانون من الاكتئاب و آخر يصل بالرقم إلى 6 % ، و ازاد  أحد أساتذة الطب النفسى – فى حوار نشر فى مطلع العام – نسبة المرضى إلى 11% بزيادة سنوية مضطردة ، و قيل فى مقال آخر  إن نصف الشعب المصرى قد ( جرب المخدرات ) منهم 30 % يتناولونها بشكل غير منتظم و أن مابين 5 و 15 % يتناولونها بشكل يومى نتاجا للاكتئاب .

فماذا حدث لعصا المصريين ؟

ماذا حدث للسخرية التى جعلت هذا الشعب يتحمل بل يقاوم ” انكسار الروح ” عبر قرون من الاحتلال و ظلم الحكام و تردى الأوضاع ؟ ،  أين اختفى الضحك الذي كان دواء جروح المصريين و المعبر عن أوجاعهم ، و المسجل أيضا لتاريخهم و مواقفهم ؟

فى ظنى – و ليس كل الظن إثم – أن السخرية لم تختفى من حياتنا كما يقولون ، فكما زادت نسبة الأمراض النفسية زادت أيضا جرعة السخرية وتنوعت أشكالها

و لكن دعونا ننظر للخلف قليلا لنتبين مواضع أقدامنا حاليا .

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.