رئيس مجلس الادارة : محمد حبوشة
رئيس التحرير : أحمد السماحي

محمد الكحلاوي .. مداح الرسول الذى غنى للمسيح! (2)

الدكتور أحمد الكحلاوي

* “شفيق جلال” احتضنه والدي منذ صباه وسمح له بغناء مواويله وأغنياته، فصمم “كارت” خاص لنفسه، وكتب عليه “الكحلاوي الصغير”

* والدي قدم حوالي 1800 أغنية سأرصدها في كتاب ” الكحلاوي … قيثارة التائبين”

* الكحلاوي كان أول نقيب للموسيقيين لمدة عامين، وأخذ “النجف” من شقتنا ووضعه فى النقابة، وحجز للموسيقيين جناح فى مستشفى “عبدالله الكاتب

* عبدالوهاب فتح النار على نفسه، و”النمر” جعل والدي يتنازل له عن النقابة!

* مداح الرسول وصاني أن أكتم وأحافظ على سر هدايته، لم يفقد صوته طوال حياته، ولم يتعرض لحادث غريب!

* شيخ المداحين لم يحرم الفن وظل يعني حتى آخر عمره، وكان معجب بأفلامه ويحكي لنا كواليسها

* مرض “محمد فوزي” جعل والدي يتنازل عن حقه في أغنية “يا مصطفى يا مصطفى”.

* الشيخ “الشعراوي” قال لي : يا ابني انتوا مهيئين لمديح المصطفى، والحنجرة والشفايف المهيأة لهذا لا يمكن أن تتلوث بشرب الخمر أبدا

* عبدالناصر قال لوزير الإعلام : أنا أحب “الكحلاوي” ونحن مقصرين فى حقه، وكرمه بوسام العلوم والفنون

بداية هدايته عام 1951 يصلي مع مع اثين من زملائه

حوار : أحمد السماحي

سكن الفن خيال مطربنا الكبير “شيخ المداحين” و”مداح الرسول” “محمد الكحلاوي” منذ الطفولة فسع بما منحه الله من موهبة لأن يحقق هذا الحلم، بعدما جعل منه هدف حياته، فهو صاحب الملحمة النبوية في روحانيتها وجلالها أو “مداح الرسول” كما كان يحب أن يُنادى عليه الناس في حياته وبعد مماته، وهو المطرب الذي سلك طريق العبادة والزهد وسخّر الفن ليكون طريق دعوة وعبادة وحض على الفضيلة، وهو أيضًا الفنان صاحب القدرات المتعددة الذي تنوع بين الغناء البدوي والشعبي والديني وكذلك في التمثيل، وفوق هذا وذاك كله كان له شرف الريادة والسبق في كل ألوان الغناء التي اشتهر بها ثم تبعه المريدون!. من عشاق المدح النبوي والغناء الذي يخاطب الروح ويأسر الفؤاد في ذهابه نحو مناطق نوارنية في رحاب المولى عز وجل ورسوله الكريم.

 فى الحلقة الماضية توقفنا عند عدم تكريمه حتى الآن في مهرجان الموسيقى العربية، وطفولته وصباه المبكر، واكتشاف موهبته من خلال فرقة “أولاد عكاشه”، وهربه من منزل خاله وسفره لبر الشام، وإقامته هناك لمدة 8 سنوات، وعودته لمصر ووفاة خاله، واليوم نستكمل حوارا التوثيقي مع ابنه مداح الرسول والخبير الوطني للإنشاد الديني الدكتور “أحمد الكحلاوي”، فتعالوا بنا نعيش هذه اللحظات في رحاب مداح الرسول وشيخ المنشدين ” محمد الكحلاوي”:

مع الفنانة العراقية نظيمة إبراهيم أول عراقية تمثل في السينما المصرية في فيلمهما ابن الفلاح

* فى الحلقة الماضية توقفنا عند عودة والدك لمصر ورحيل خاله، والآن دعنا نتحدث عن أول أغنية في مشوار والدك “محمد الكحلاوي” هل تتذكرها؟

** أغنيته الشهيرة “يا زين يابا يا زين” التى حققت شهرة كبيرة جدا في مصر في بداية الثلاثينات، نظرا لأنها لون بدوي جديد لم يكن معروفا في مصر في هذه الفترة، والذي تشبع به والدي أثناء تجواله في بلاد الشام.

* هذه الأغنية ألم يعد غنائها المطرب “شفيق جلال”؟

** قال ضاحكا : “شفيق جلال” أحضره والده إلى والدي وهو طفل صغير وقال له أن ابني متأثر جدا بك، ويغني كل أغنياتك باستمرار، فأحتضنه والده وسمح له بغناء كل أغنياته ومواويله، وبالفعل غنى “شفيق جلال” عدد كبير من أغنيات والدي الشعبية والبدوية مثل “موال الصبر، اشلون أنا مهما قالوليلي يابا بحبه أنا، وآه وآه أهين يا أبو ورد أحمر على الخدين”، وغيرها، وليس هذا فقط فقد صمم “كارت” خاص لنفسه، وكتب عليه “الكحلاوي الصغير”.

* كم عدد الأغنيات التى تغنى بها والدك مطربنا الكبير “محمد الكحلاوي”؟

**حوالي 1800 أغنية ما بين عاطفي وشعبي وبدوي ووطني وديني، وهذه الأغنيات سأرصدها في كتاب أجهز له هذه الأيام بعنوان ” محمد الكحلاوي … قيثارة التائبين”.

مع الفنانة سميحة توفيق في أحد أفلامهما المشتركة

* ما هي أبرز أغنياته البدوية والشعبية والعاطفية والدينية؟

** من أبرز أغنياته البدوية “يا زين يا بايا زين، غزال خمري، يا راكب الجمال، وين يا عرب، فوق الخدود الورد منور، دج الطبل، مرحب مرحب ولد الحي، غزاله يا عربان، أجوله يا زين” وغيرها الكثير هذا في مجال الأغنية البدوية التى قدم لها حوالي 400 أغنية، وفي مجال الأغنية الشعبية والموال قدم “بنات البندر، عيوب الستات، حورية الفلاحة، البوسطجي،يا خاين العيش، قدف يا مراكبي، يا أسمر يا ظريف،غالي علي، بعينيهم شبكوك، على فين يا وابور، أدلع يا جمل، شرقاوي يا با، يا قلبي داري، يا حلوة يا أم الدهب، أسمر وسمارة، موال الصبر، موال يا بحر هدي الموج، موال كان قلبي يا أهل الهوى مشغول صبح خالي، موال يا عيني خف البكا،كل من شافني، القلب يا أهل الهوى، روح يا زمن” وغيرها من الأغنيات التى تعدت الـ 300 أغنية.

وفي مجال الأغنية العاطفية ” تانجو حورية” من تأليفه، رومبا يا سلام على الليل، محلى الزهور، يا شاغل عقلي وقلبي، طال بعادك علي، يا حبيب جلبي، مناجاة الغرام تأليفه، رومبا القمر، ما أقدرش أخبي عليك، وغيرها الكثير.

كما قدم العديد من الأغنيات الوطنية، وحين بدأت حرب فلسطين عام 1948 كان أول من نادى بالوحدة وأنشد العديد من الأغاني الوطنية بأكثر من لهجة عربية ليشحذ الهمم مثل ” على النجدة هيا يا رجال، وين يا عرب، حلي السيف يجول، يا ابن الخطاب يا عمر، يا أمة الإسلام، العبور العظيم وغيرها.

وفي مجال الأغنيات الدينية قدم “لأجل النبي، عليك سلام الله، كريم تواب، خليك مع الله، حب الرسول يا با دوبني دوب، حلوة صلاة النبي، النبي غالي، نوره دعاني، يا ساكن أرضك الطاهرة، يارب مالي سواك” وغيرها كما قدم أوبريتات دينية كثيرة مثل ” سيرة سيدنا محمد صلي الله عليه وسلم بعنوان “مولد النور”،  وسيرة سيدنا المسيح، وسيرة سيدنا إبراهيم الخليل، وملحمة العبور، وملحمة الغريب.

مع ضابط من سلاح الفرسان قبل صعوده على المسرح

* الكحلاوي لحن لنفسه كل أغنياته أم أخذ ألحان من آخرين؟

** كل الأغنيات التى تغنى بها والدي كانت من ألحانه، بإستثناء أغنية واحدة بعنوان “خلي السيف يجول” كلمات بيرم التونسي وألحان الشيخ زكريا أحمد، وقد غناه مجاملة لصديقه الشيخ زكريا.

وقد لحن والدي لكثير من المطربين والمطربات مثل ” رئيسة عفيفي، فتحية شريف، محمد عبدالمطلب، إبراهيم حموده، كارم محمود، شفيق جلال، ماهر العطار، عبداللطيف التلباني، أحمد الكحلاوي، ولحن منولوجات لكلا من “إسماعيل ياسين، محمود شكوكو، عزيز عثمان، عمر الجيزاوي، سيد سليمان، سيد الملاح، حسين إبراهيم”، ومن المطربات لحن لـ “شادية، أحلام، حورية حسن، مها صبري، شافية أحمد، شريفة ماهر، سعاد مكاوي، عايدة الشاعر، كما لحن للعديد من مطربي الأقطار العربية منهم ” نور الهدى” و “نجاح سلام” من لبنان، “سهام رفقي، ورفيق شكري” و”مصطفى نصري” من سوريا، “زهور حسين” من العراق، “حميده موسى، ومصراتي موسى” من ليبيا.

* ما مدى صحة – كما جاء على الإنترنت – أن “الكحلاوي” رفض الترشح لمنصب النقيب وتنازل للموسيقار “محمد عبدالوهاب” عن نقابة الموسيقيين؟

** غير صحيح بالمرة، فوالدي تولي منصب نقيب الموسيقيين، وكان أول نقيب للموسيقيين لمدة سنتين، وقريبا سأرسل لك “كارنيه” العضوية رقم واحد لوالدي، حيث يغلف حاليا، بعدها تنازل فعلا عن النقابة للموسيقار “محمد عبدالوهاب”، لكنه مارس دور النقيب بالفعل، وأخذ “النجف” من شقتنا ووضعه فى النقابة، وحجز للموسيقيين جناح فى مستشفى “عبدالله الكاتب”.

مع الفاتنة ليلي فوزي في فيلم أسير العيون

* ولماذا تنازل عن المنصب للموسيقار “محمد عبدالوهاب”؟

** تعال نعود لبداية الحكاية وأصلها، والدي كان محبوبا جدا من الموسيقيين، ومن يريد خدمة أو واسطة كان يلجأ لوالدي، وقد أنشأ نقابة فنية لرعاية الفنانيين مع الفنانة الكبيرة “بهيجة حافظ” قبل توليه النقابة وقبل وجود شيئ اسمه نقابات فنية، وهذا ما حكاه لي الفنان الكبير “توفيق الدقن”، وعندما أعلنوا عن النقابات الفنية وكانت في البداية نقابات عمالية وليست مهنية، وكان المطلوب تجميع 250 فرد من أفراد النقابة، وبالفعل جمع والدي أكثر من 320 فرد، وجمع أيضا الأستاذ “محمد عبدالوهاب” عدد لكنه أقل من عدد والدي، فأصبح والدي نقيب الموسيقيين، ولم يتقبل “عبدالوهاب” الهزيمة، وصرح أن الأعضاء الذين نجحوا “الكحلاوي” دون مستوى “عبدالوهاب” ومن معه!، ففتح النار على نفسه من كثير من الأعضاء الذين رفضوا فيما بعد الأشتغال معه سواء في أفلامه أو في العزف فى أغنياته.

وظل الخلاف قائما بين والدي و”عبدالوهاب” حتى جاء فيلم من إنتاجه بعنوان “النمر” الذي عرض عام 1952 ، بطولة أنور وجدي ونعيمة عاكف، وتطلب الفيلم أغنية بدوية كتبها “وليم باسيلي وجليل البنداري” بعنوان “معانا غزال أصيل الخال”، ورغم أن الأستاذ “عبدالوهاب” هو المنتج وهو ملحن أغنيات الفيلم، وكان من الممكن أن يلحن الأغنية أو يطلب بحذف هذا المشهد بحكم أنه منتج الفيلم، لكن “شوف” أخلاق زمان وعصر الفن الجميل، طلب من الشاعر “جليل البنداري” أن يذهب إلى “محمد الكحلاوي” ويطلب منه تلحين الأغنية، وبالفعل حدث هذا، لكن والدي رفض، وقال للبنداري إذا كان “عبدالوهاب” يريد أغنية لفيلمه فليطلبها بنفسه.

وبالفعل اتصل الموسيقار “محمد عبدالوهاب” بوالدي وبعد السلامات والعتاب قال له : ممكن يا “أبوالفوارس” تلحن لنا أغنية “البدوي” الموجودة بالفيلم، فأستجاب والدي ولحن الأغنية، وأحضر تلميذه الشاب الصغير “شفيق جلال” وجعله يغني الأغنية، ولم يتقاضى والدي عنه شيئا، وستجد في تترات الفيلم مكتوب الأغنية مهداه من “محمد الكحلاوي”! وليس هذا فقط فقد تنازل والدي عن النقابة للموسيقار محمد عبدالوهاب لكن بعد مرور عامين من عمله النقابي ورئاسته للنقابة، وهذا التصرف أغضب منه موسيقيين كثيرين.

* ننتقل بدفة الحوار إلى شاطىء ثالث وهو لحظة التحول من المرحلة التى أطلق هو عليها “جاهلية الكحلاوي” إلى المرحلة النورانية في مشواره، كيف حدث هذا التحول، خاصة إننا قرأنا على الإنترنت أشياء كثيرة منها إنه فقد صوته، فنذر صوته لو رجع للغناء الديني فقط، وقرأنا إنه تعرض لحادث على كوبري قصر النيل وكاد أن يموت حتى أرسل الله له ملاك أنقذه من الموت وغيرها من القصص، فما هى الحقيقة؟

** الحقيقة سر لن أبوح به!، فقد صرح به إلى ولم يبوح به إلى أي  أحد غيري! ووصاني أن أكتم وأحافظ على هذا السر، ووالدي لم يفقد صوته طوال حياته، ولم يتعرض لحادث غريب، ولم يتحول لأنه كما ذكرت بعض المواقع كان ينجب بنات، وأنذر نفسه وصوته لله إذا رزقه الله بولد، كل هذا كذب وافتراء، بدليل أنه أنجب شقيقي “محمد” قبل مرحلة الهداية من الله، وكل ما أستطيع قوله أنها لحظة نورانية من عند الله وكانت فارقة في حياته ومشواره.

وسأذكر لك شيئ ذكره لي “جلال محمود” مدير أعماله، و”كمال مجاهد الكحلاوي” إبن خاله، ذكرا لي أن والدي حتى وهو في مرحلة “الجاهلية” لم يضع الخمر على شفايفه إطلاقا.

* رغم ما سمعناه عن “عوامة الكحلاوي” الشهيرة واجتماع المجلس الملكي فيها ووجود جميلات كثيرات تزينها؟

** والدى فى هذه المرحلة عمل أشياء كثيرة لكنه لم يقترب من الخمر إطلاقا، وكان وكما ذكر لي مدير أعماله يشرب العصير أمام من يجلسون معه، ويمثل أنه يشاركهم الشرب، لكنه لم يكن يشرب إطلاقا!، وقد ورثت منه أنا نفس الشيئ، فرغم المرحلة التى مررت بها بعد وفاته، وعدم التزامي، لكنني لم أشرب الخمر ولا المخدرات إطلاقا، وعندما ذكرت ما حدث لوالدي ولي لمولانا الشيخ “الشعراوي” قال لي: يا ابني أنتوا مهيئين لمديح المصطفى، والحنجرة والشفايف المهيأة لهذا لا يمكن أن تتلوث بشرب الخمر أبدا”.

 * قدم والداك أفلام غنائية كثيرة سواء كمنتج أو كممثل او مطرب، هل ندم عليها بعد فترة الهداية؟

** والدي قدم حوالي 40 فيلما ما بين إنتاج وتمثيل وغناء منها: “عنتر أفندي، تيتاوونج، العزيمة، حياة الظلام، عريس من إستانبول، بحبح في بغداد، عايدة، جوهرة، رابحة، طاقية الإخفاء، ابنتي، حسن وحسن، الزلة الكبرى، المغني المجهول، يوم فى العالي، أحكام العرب، ابن الفلاح، أسير العيون، مبروك عليكي، أنا وأنت، الصبر جميل، خليك مع الله، كابتن مصر، بنت البادية”.

وكان فخور بكل هذه الأفلام وراضي عنها، وعندما تعرض فى التليفزيون كان يشاهدها، ويحكى لنا كواليس بعض المشاهد، وكان دائما يقول أنه لم يقدم فى هذه الأفلام ما يخجل منه، بالعكس كثير منها يحث على الفضيلة والعمل وحب والله والوطن.

غلاف ألبوم “لأجل النبي”

* ما أحب أفلامه إلى نفسه؟

** كان يحبها جميعا، والأهم من كل هذا أنه لم يحرم الفن، أما أنا فأحب فيلمه الأخير “بنت البادية”، وكانت الراحلة “زوزونبيل” والفنانة الكبيرة “سميحة أيوب” يقولان لي: أن والدك كان يدربنا على حفظ اللهجة البدوية.

* أنتج والدك حوالي 15 فيلما من الأفلام التى ذكرتها هل تم بيع هذه الأفلام؟

**هذه الأفلام ملكنا، وإذا كنا بعنا، فقد بعنا حق انتفاع لمدة خمسين عام، بعدها تعود هذه الأفلام لنا.

* حق الأداء العلني للأغنيات هل تحصلون عليه حتى الآن؟

** نعم وعلى كل أغنيات “محمد الكحلاوي” وجمعية المؤلفين والملحنيين فى باريس كرمت “الكحلاوي” أكثر من مرة، وخصصت له معاش استثنائي كل شهر يورث، غير حق الأداء العلني، وهذا المعاش كانت تقبضه والدتي حتى رحلت وانقطع بعدها.

* ما حقيقة رفض والدك الغناء للزعيم “جمال عبدالناصر”، كما جاء في كثير من المواقع على الإنترنت؟

** غير صحيح بالمرة، والحكاية، حكاية مبدأ، بمعنى أن والدي غني – وكما ذكرت أنت – للملك فاروق كثير من الأغنيات، وعندما قامت ثورة يوليو، وتم إعدام كل الأغنيات التى تغنت للملك فاروق، قرر والدي وكان قد دخل في مرحلته الدينية ألا يغني إلا للواحد الذي لا يتغير، وفى أحد السنوات قدم أغنية وطنية يقول مطلعها “بلدي العظيمة، الله راعي جمالها، خضرة بلون قلب الربيع سهولها، متفتحة الأزهار بالنور والندى، والشمس نازلة تبوس من نيلها” وبعد غنائها قال له أحد الأشخاص في وسط تجمع عام، يا “شيخ المداحين” ألم تذكر من قبل إنك لن تغنى إلا لله الواحد الذي لا يتغير، فقال له : نعم وأنا عند مبدئي، فقال : ولماذا تغنى الآن لـ”جمال عبدالناصر”؟! فقال له لم أغن، فقال له: مش حضرتك بتقول الله راعي جمالها، مش بتقصد “جمال عبدالناصر”، فقال له: أنا أقصد جمال بلدي، واستكمل ضاحكا، وإذا كان الناس هتفهمها كده، مش هغنيها تاني! وانتهى الموقف عند هذا، لكن أحد الحاضرين من ولاد الحلال تناقل الكلام، وبدأ الناس تردد أن “الكحلاوي” رافضا الغناء لـ” جمال عبدالناصر”.

ولم يتوقف الأمر عند هذا فقد سرت شائعات تقول أن الرئيس “جمال عبدالناصر” منع ظهور “الكحلاوي” فى أي مكان، وعندما جاء مهرجان التليفزيون فكر المذيع الشاب “سمير صبري” أن يقدم ثنائيات فنية بين فنان مصري، وفنانة أجنبية أو فنان أجنبي، وفكر أن يكون “الكحلاوي” أحد أطراف هذه الثنائيات، لكن جاء له البعض وقال له أن “الكحلاوي” ممنوع من فوق من الظهور، فنظرا لجمال وذكاء “سمير صبري” ذهب في اليوم التالي وقابل الدكتور “عبدالقادر حاتم” وزير الإعلام وسأله عن حقيقة منع “الكحلاوي” بأمر من الرئيس “عبدالناصر”، فأتصل الدكتور” عبدالقادر” بالرئيس فنفى له ذلك وقال له: من قال هذا الكلام؟! هذا غير صحيح، فأنا أحب “الكحلاوي” ونحن مقصرين فى حقه، ولابد أن يشترك فى المهرجان، ويكون لدينا مكتبة غنائية كاملة لكل أعماله، وبالفعل أحضروا والدي بطيارة من القاهرة للإسكندرية مكان إقامة المهرجان، ويومها غنى والدي أغنيته “فضلك يا سايق المطر”، وبعد سنوات قام بتكريمه  ومنحه وسام العلوم والفنون من الطبقة الأولى.

غلاف ألبوم “يا إمام المؤمنين”

* ونحن على وشك أن نصل إلى نهاية شاطئ الحوار نريد أن نستوضح منك نقطة هامة خاصة بأغنية “فضلك يا سايق المطر”، ما حقيقة اقتباس المطرب “محمد فوزي” لهذه الأغنية فى أغنيته الشهيرة “يا مصطفى يا مصطفى”، خاصة وأن قضية شهيرة دارت بينهما في المحاكم وعلى صفحات الجرائد والمجلات وقتها؟

** محمد فوزي اقتبس فعلا الأغنية من أغنية والدي “فضلك يا سايق المطر”، هى وأغنية آخرى قدمها والدي مع “نجاح سلام” بعنوان “يا سلمى رقي”، وتم رفع قضية فى المحاكم، وانتدبت المحكمة خبير، وفى أحد الجلسات دخل والدي على القاضي وبفطرته البسيطة والجميلة قال للقاضي: يا سيادة القاضي أحنا هنقعد نلف وندور كتير ليه؟ أنا هغنيها ليك وأنت تحكم، فغنى للقاضي “فضلك يا سايق المطر” فضحك القاضي وقال له: والله يا حاج محمد أول مرة حد يغني في المحكمة، وحول الأغنية إلى مجموعة من المتخصصين وهم “محمد فتحي” كروان الإذاعة، والموسيقار “مدحت عاصم”، و”المايسترو “أحمد فؤاد حسن” والثلاثة أقروا أن “محمد فوزي” اقتبس اللحن من لحن “فضلك يا سايق المطر”.

وفى هذه الفترة مرض “فوزي” بمرض خطير إحتار الأطباء فيه، وعرف والدي هذا، فذهب إليه وتنازل له عن القضية، وبعد وفاته قام بغسله، كما قام بغسل النجم “أنور وجدي” عندما مات عام 1955 .

* من أطلق على والدك لقب “مداح الرسول”؟

** لهذا اللقب قصة ففي عام 1964 عقد مؤتمر علماء المسلمين بجمعية الشبان المسلمين، ويومها قدم والدي ملحمة غنائية عن سيرة سيدنا محمد صلي الله عليه وسلم، من ولادته حتى وفاته مستعرضا حياته وغزواته، مما جعل المؤتمر يخصص له جائزة مالية كبيرة، فرفض “الكحلاوي” معتذرا عن الجائزة المالية، وقال هذا بوازع من ضميري كفنان، فأطلق عليه الإمام الأكبر شيخ الجامع الأزهر حينها لقب “مداح الرسول”.

* أخيرا: غنى والدك لحرب أكتوبر “نشيد العبور العظيم” لكن هذا النشيد لا يذاع على الإطلاق رغم جماله، لماذا؟

** هذا سؤال يوجه إلى العاملين والمسئولين فى الإذاعة المصرية، رغم أن الأغنية من روائع الأغنيات الوطنية، وقام والدي بتلحينها وغنائها بعد أن رددوا فى هذا الوقت أنهم رأوا فى المنام جنود تقول الله وأكبر، ويقول مطلعها :

على نورك قومنا وعدينا يا رسول الله

من بدري كتايب حوالينا يرعاه الله

وعلمنا الغالي فى ايدينا كبر لله

وايدينا عروبتنا فى ايدينا قوة وحياة

الله وأكبر يا نبينا الله وأكبر.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.