رئيس مجلس الادارة : محمد حبوشة
رئيس التحرير : أحمد السماحي

حكايتى مع ديزنى (21) .. الأطفال مصيبة

بقلم المخرج المسرحي الكبير : عصام السيد

كانت الأفلام تأتى من ديزنى فى انتظام شديد ، و بينها فترات كافية لإجراء اختبارات الصوت ، و لإنهاء الترجمة و كتابة الأغانى ، و فور البدء فى التسجيل فإن هناك فترة تقرب من شهر لإنهاء جميع الأعمال ، و بالتالى كان الفيلم منذ لحظته الأولى و حتى الانتهاء يستمر لمدة 3 أو 4 شهور ، و ربما مر شهر أو أكثر بين الفيلم و الذى يليه ، و هكذا فإن الاستوديو ينهى فيلمين أو ثلاث على الأكثر طوال العام ، هذا عدا المسلسلات التى لم تكن كثيرة بعد . و لكن الوتيرة تسارعت و ازدادت فى عام 1997 مع قرب إفتتاح قناة ديزنى الموجهة للمنطقة العربية و التى كانت ضمن مجموعة شوتايم . و تزامن مع الاستعداد لافتتاح القناة أن ديزنى أنشأت مكتباً لها فى القاهرة –  لا أعلم إن كان تابعاً لقسم الاصوات العالمية بشركة ديزنى أم لوكيل توزيع الأفلام فى الوطن العربى : شركة ديزنى الشرق الاوسط – و لما كنت أعرف المسئولة عن المكتب من قبل فإنى إعتبرت ذلك من حسن الحظ ، و عندما التقينا لأول مرة بعد تعيينها هنأتها و تمنيت لها التوفيق ، و قلت لها أن خبراتى فى هذا المجال مكرسة لمعاونتها على النجاح .

لم تمض أسابيع قليلة حتى استدعانى سمير حبيب لمكتبه ، فوجدت معه مسئولة مكتب ديزنى ، ليسألانى عن الفيلم الذى أعمل به حالياً و متى ينتهى ، قلت خلال أسبوع تقريباً ، و إذا بهما يقولان أنه ورد إلينا فيلم  فجأة و مطلوب إنهائه بشكل عاجل . و لما كنت لم أعتد هذا الأمر من ديزنى التى تتعامل بانتظام شديد و بطريقة بطيئة تشبه البيروقراطية المصرية ، فإن هذا أثار بداخلى تساؤلات كثيرة .

قالت مسئولة المكتب : مش انت قلت هتساعدنى ، عاوزين تخلص الفيلم ده فى أقصى سرعة .  حاولت أن أفهم فيم العجلة ؟ و كانت الاجابة غريبة : الفيلم من مدة موجود على لائحة الدوبلاج و نسوا أن يبعثوه !!.

  • من الذى نسى ؟ أستديوهات ديزنى أم ديزنى الشرق الأوسط ؟

مش مهم ، المهم أن المسئول عن هذه الواقعة الشخص الذى سيحل محل تود بليك بعد تقاعده و نريد أن نتعاون معه فى تصحيح هذا الخطأ ، و بذلك نبدأ تعاملنا معه بموقف إيجابى .

و لكن أى فيلم سيستغرق وقتاً طويلاً فى التحضير و الاختبارات !!

– لا تهتم ، التحضير قد تم ، و الرد على الاختبارات سيصل بأقصى سرعة ، المهم ان تنهى الفيلم فى اسبوع فقط .

و لكن أقل فيلم زمنيا يستغرق ثلاث اسابيع ؟

– عليك أن تنهيه خلال اسبوع فقط و سنتعاون معك على هذا و نوفر لك كافة الإمكانات!!!

طلبت فسحة من الوقت أطلع فيها على السيناريو الكامل للفيلم و أقدر كم سيتطلب من وقت.

كانت أحد الخبرات التى اكتسبتها أثناء الفترة السابقة هو قدرتى على تحديد الوقت اللازم للانتهاء من العمل بمجرد رؤيتى لعدد صفحات الحوار و عدد الشخصيات – على عكس الأفلام الأولى – و لكنى عندما شاهدت الأوراق الخاصة بهذا الفيلم صعقت ، إنه فيلم ” بيتر بان ” المليئ بالشخصيات المتعددة و المصيبة أن به عدد كبير من الأطفال .

نعم ( مصيبة ) .. التعامل مع الأطفال فى عمل فنى من وجهة نظرى مصيبة . فكثير منهم لا يحبون ساعات العمل لأنهم يحرمون فيها من اللعب ، و بعضهم يمثل لمجرد إرضاء أسرته ، أو لمساعدتهم ماديا ، و إذا أحس الطفل بأنه يُستغل فإن رد فعله يصبح عدوانياً و يحاول تعطيل العمل أو اختلاق مشكلات أو أعذار . إذن فالأطفال لابد من التعامل معهم بطريقة خاصة ، فلا يجب القسوة عليهم فى التوقيتات أو المطالب ، و يجب مراعاة حالتهم المزاجية ، و علاقتهم بأسرهم ، و لابد أن تصبح ساعات العمل مريحة للطفل و ممتعة .

فى الحقيقة كانت لدى أزمة من رؤية الأطفال أثناء عملهم فى مسلسلات التليفزيون ، كانت صورة طفل ينام على مقعد انتظارا لموعد تصوير مشاهده تستفزنى و تجعلنى أكره الفن و سنينه ، فقد كنت أرى فيها امتهاناً للطفولة ، و كان يؤلمنى اضطرار الطفل لاحتمال الجوع ، أو عدم قدرته على اللعب ، أو سماعه لألفاظ خارجة أو هزار سمج من كبار لا يقدّرون وجود أطفال وسطهم ، و لذا قررت أن الأولوية ستكون للأطفال فى ترتيب المواعيد ، و فى توفير سبل الراحة ، مما قد يؤخر موعد الانتهاء من الفيلم . مع منع دخول أفراد أسرة أى طفل الى حجرة التسجيل أثناء العمل – حتى لا ينهروا الطفل إذا أخطأ أو يوجهوا له ملاحظات – فإن الأم أو الأب قد يقوم بتدريب الطفل على دوره قبل العمل ، و فى الغالب لا يملكون الموهبة ، فتجد أطفالا عبارة عن نسخ شائهة من أهليهم ، و كنت أريد أطفالا على سجيتهم .

بعد حسابات كثيرة قلت لسمير : الفيلم ممكن ياخد 9 أيام لو اشتغلنا 10 ساعات فى اليوم . طلب منى اختصارها فى أسبوع فرفضت – برغم أنه أغرانى بزيادة الأجر فى هذا الفيلم – و قلت هذا موعد لن أتأخر عنه دقيقة ، بدلاً من أن أقول لك أسبوع و أتأخر يوم أو إثنين . فوافق مضطراً و قال لى أن مسئولة مكتب ديزنى ستحجز تذكرة طيران الى أمريكا فى نفس يوم الانتهاء لتقوم بإيصال النسخة بنفسها بدلاً من الطرق المتبعة.

أكملت عملى على الفيلم السابق ، و كنت أسرق الوقت لإجراء اختبارات الصوت للفيلم الجديد ، و عندما انتهيت كانت الموافقات قد أتت فى سرعة لم أألفها فى ديزنى . المهم أننى بدأت العمل اليومى بلا ساعات راحة أو حتى راحة اسبوعية ، تسعة أيام نعمل فيها من الثانية ظهرا و حتى منتصف الليل ، و مايتم تسجيله يسهر مهندس آخر للصوت على عملية مونتاجه حتى الصباح ، و عندما أحضر ظهراً أستمع لما تم مونتاجه لأبدى ملاحظاتى عليه .

تسعة أيام وضعت فيها أعصابى فى ثلاجة ، و ملأت جيبى بكل أنواع الشيكولاتات و اللبان ، و طلبت أن تمتلئ ثلاجة الاستوديو بالعصير ، و لا مانع من طلب أكل من مطعم قريب من أجل أن نوفر للأطفال جواً صحياً و مرحاً ، و لا نضغط على أى طفل من أجل تحقيق المرجو ، بل كثيراً ما كنت أؤجل لهم تسجيلاتهم لليوم التالى إذا أحسست بأنهم أُرهقوا ، و مرت الأيام فى إنجاز رائع ، و لكن فى اليوم التاسع و الأخير صارحتنى مساعدتى أنها  اكتشفت أن هناك ملف كامل ( حوالى 12 دقيقة من الفيلم ) لم يتم طباعة الحوار الخاص به ضمن الأوراق التى فى أيدينا ، و بالتالى هناك فجوات فى الدوبلاج و أصوات لم يتم تسجيلها و شخصيات لم ينته عملها ، و تلك كانت كارثة .. و فى نفس اللحظة كانت مندوبة مكتب ديزنى تدخل الى الاستوديو استعداداً لأخذ النسخة و السفر بها برغم أن موعد الطائرة فجر اليوم التالى.

على الفور تم حصر النواقص و عمل جدول جديد لليوم الأخير ، و لحسن الحظ لم تكن النواقص لشخصيات كثيرة ، بل انحصرت فى عدد قليل ، و بدأت على الفور فى التسجيل ، و مع اقتراب انتهاء اليوم بدأت إدارة الاستوديو تسألنى عن موعد الانتهاء ، و أنا اجيبهم مبتسما : خلاص قربنا . و بعد أن انتهت الساعات العشر المقررة للعمل بدأ الالحاح فى السؤال : متى ينتهى العمل ؟ و لم تكن هناك سوى نفس الإجابة ،  حتى أصبح السؤال متكررا بشكل يعطلنى عن العمل ، يضاف إليه  قلق مسئولة مكتب ديزنى من أن تتأخر على موعد الطائرة .

و ظهرت اقتراحات بالتساهل و إمكانية أن نرسل الفيلم و به أخطاء لتعيده إلينا ديزنى للتعديل فيما بعد ، و لكنى رفضت هذه الاقتراحات فلم أتعود أن تعيد ديزنى إلىّ عمل على الإطلاق ، و لذا مضيت فى عملى بنفس الدقة و أنا أطمئن الجميع أننا سننتهى فى الوقت المناسب .

و فى الثالثة  فجراً كانت النسخة قد اكتملت ، و غادرت الاستوديو و أنا منهار تماماً بسبب ساعات العمل الطويلة و الجهد المضاعف الذى تم ، و برغم كل عبارات الشكر – التى قيلت ليلتها – على إنجاز المهمة فى الموعد المحدد ، و الثناء على مجهوداتى و إخلاصى ، و الامتنان لعدم تعريض مكتب ديزنى للمشاكل إلا أن هذا لم يعطنى إجابة  على تساؤلاتى : كيف و لماذا  تأخر وصول هذا الفيلم للاستوديو ؟.

بعدها بأسبوعين تقريبا التقيت بمندوبة ديزنى على باب الاستوديو و قد عادت من أمريكا ، صافحتها مرحباً و سألتها عن وقع استقبالهم للفيلم بهذه السرعة ، و أعلنت عن سعادتى بأنه لم ترد أى ملحوظة عليه كما تعودت . و اذا بها تجيبنى بطريقة جافة أدهشتنى ، طريقة لا تتفق مع قدر الشكر و الامتنان الذى تلقيته منها أثناء الفيلم و بعد الانتهاء منه . و بما أنى افترض حسن النية فى البشر  قلت لنفسى ربما كان ردها لاسباب تخصها و لا علاقة لى بها .

و لكن يبدو اننى كنت مخطئاً !!.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.