رئيس مجلس الادارة : محمد حبوشة
رئيس التحرير : أحمد السماحي

شمشون ولبلب.. شجاعة المقاومة !

بقلم : سامي فريد

.. وأكاد أقطع بأن السبب الرئيسي لإنتاج هذا الفيلم.. وفي هذا التوقيت تحديدا هو سطوع اسم الشهيد البطل الجامعي (عبدالحكم الجراحي) طالب بكالوريوس الطب الموشك على التخرج والذي يسافر إلى القناة ليشترك مع الفدائيين هناك في حرب الإنجليز..

الفيلم إذن من أفلام المقاومة كما هو واضح.. ومن اسمه الذي كان سببا في سحن بعد عرضه باسبوع واحد ليتم تغيير عنوان الفيلم من “شمشون ولبلب” إلى “عنتر ولبلب” ويستطيع مشاهد الفيلم بذكائه أن يلاحظ الفرق على شفاه الممثلين عند ورود اسم شمشون والذي أصبح عنتر.. وأكاد أقول مرة ثانية أن اسرائيل كانت وراء ايقاف عرض الفيلم لتغيير العنوان.. ولماذا؟ لأن شمشون في أساطيرهم هو أحد أبطالهم وهو الذي هوى المعبد على رأسه ورأس أعدائه الرومان عندما صرخ صرخته المشهورة أمام دليلة والجميع قائلا وهو يهدم المعبد: علىّ وعلى أعدائي!!

عرض الفيلم يوم 17/4/1952 ليوافق عرضه ثورة 23 يوليو عام 1952 ولكن بعد تغيير العنوان واسم البطل “شمشون” إلى “عنتر”..

ومن المحال أن يكون عنتر أحد أشهر فرسان العرب هو الغريب الذي يدخل الحارة المصرية الوادعة ليمارس فيها بلطجته ويستعمل نفوذه للسيطرة عليها.. لنفس السبب الذي رأت الإدارة الصهيونية ألا يكون بطلها شمشون هو رمز الدخيل البلطجي على الحارة!!

الفيلم قصة سيف الدين شوكت وسيناريو سيف الدين شوكت أيضا، وحوار بديع خيري. كانت الأغاني لفتحي قورة من ألحان محمد الكحلاوي لكل من حورية حسن ومحمود شكوكو. وكان مهندس المناطر هو ولي الدين سامح الذي تحول إلى الإخراج بعد ذلك.. وكان الإنتاج والتوزيع لشركة نحاس فيلم (جبرائيل نحاس) وشركاه.

والعجيب أن الموسيقى التصويرية كانت من وضع “بيبي المانزا” رغم أنه كان في مصر في ذلك التوقيت أسماء كبيرة لملحنين وموزعين من أمثال الموسيقار عبدالحليم علي وعطية شرارة وصغر علي ومدحت عاصم وغيرهم..

الحكاية في الفيلم بسيطة لكنها واضحة وصريحة بلا موارية، فالحارة المصرية الوادعة والتي تعيش على محبة أهلها بعضهم لبعض يقتحمها فجأة غريب ضخم قوي وصاحب نفوذ وغطرسة وشارب مخيف هو شمشون أو عنتر ليفتتح في الحارة كازينو لنفسه باسم كازينو شمشون، يكون المقصود منه هو ضرب الإنتاج الوطني وتفتيت الحارة المتماسكة بتقديمه في الكازينو الذي افتتحه بطريقة لا تعرفها الحارة من الغناء والرقص مؤيدا بسطوته وقوته ونفوذه .

ويحتار أهل الحارة بين حبهم لابن حارتهم المعلم لبلب (محمود شكوكو) ويتضح من اسمه أنه سيستعد في معركته مع شمشون على ذكائه ولم لا؟ أليس هو لبلب؟!..

وفي الحارة ستتضح لنا وطنيتها من أسماء محلاتها فهي: عصير الوحدة.. وعجلاتي الجلاء.. وجزارة الكنال وبقالة السلاموإن كان صاحبها هو جريح، يعيش تفاصيل الصراع الذي ستدخله الحارة مع هذا الغريب المتغطرس..

إذن فالأسماء كلها في الحارة تدل لى احتشادها الواضح ضد الغريب ورفضه انتصارا لعدو الوطن الذي راح يكبر مع الأيام ويتضح..

بطولة الفيلم كانت لعبدالوارث عسر.. ويتضح من احتفاظه بالاسم بل وتمسكه به تحيزه للغرب والغريب رغم كل ما حوله من العناوين الوطنية..

ثم يشارك في البطولة محمود شكوكو (لبلب) وعبدالفتاح القصري (عقلة شريك لبلب في مطعم الفول والطعمية) وحورية حسن (لوزة) ابنه رضوان.. وسراج منير الغريب شمشون المتغطرس بقوته وثروته وشاربه الضخم وصوته الجهوري..

ويشارك في الفيلم أيضا بعض أصحاب الأسماء التي تحولت بعد الفيلم إلى نجوم من الصف الأول أمثال محمد شوقي وعبدالغني النجدي ولطفي الحكيم ولا ننسى بالطبع بطلنا العالمي والأوليمبي مختار حسين.. ثم والعجيب الفنانة نبوية مصطفي في مشهد يستمر وفاتن دون حتى أي ذكر لاسمها وهى ترقص ضمن المجموعة خلف الراقصة ببا إبراهيم صاحبة الاسم المعروف في ذلك الوقت أمثال بديعة مصابني وببا عزالدين صاحبة ملهي الكيت كات، وتقوم ببا إبراهيم في الفيلم بدور زوجة شمشون وهى صاحبة المال الذي افتح به الكازينو.. وأقول أنها لو كانت استمرت في التمثيل لكان لها فيه شأن آخر..

ويحاول شمشون طرد لبلب أو تهديده لإغلاق محله مستخدما كل ما يستطيع من أنواع القهر كالضرب والحرب الاقتصادية، ثم انضمام العميل (!) عبدالوارث عسر والد لوزة فاتنة الحارة إليه لتبدأ المناورات والمشاحنات بين لبلب وشمشون والتي تنتهي بمعركة الأقزام السبعة ورغم كل ما يفعله شمشون بمساعدة زوجته والمعلم رضوان للهروب من الأقزام السبعة التي لو حدثت فيسيخرج شمشون مهزوما من الحارة لتعود إلى أهلها..

وتبدأ انتصارات لبلب بالقلم الأول ثم الثاني ثم الثالث.. وتشتد كل محاولات شمشون ولو في الجو بركوب الطائرة ليهرب من القلم السابع فتبدأ محاولات المفاوضات بالرشوة، لكن لبلب ومن خلفه شعب الحارة يصر على الجلاء.. الجلاء أو القلم (السابع!!)..

وفي مشاهد فكاهية يتضح فيها طاقة الفنان الكبير سراج منير على الفكاهة رغم ما يبديه طول الفيلم من الفظاظة والتجهم..

آخر مشاهد الفيلم هي لعبة الطائرة في مطار ألماظة والتي يضرب فيها لبلب المتغطرس شمشون القلم السابع في الجو من خلال حركات أوقعت قلوب المشاهدين لطائرة تسقط وترتفع وتدور وفيها الطيار لبلب يقرأ من كتاب “كيف تهبط بالطائرة” وسط ذكر شمشون الذي سلم بالثلاثة وأقر بهزيمته..

كل مشاهد الطائرة الحربية قام بتنفيذها في ذلك الوقت الطيار عبدالرحمن الصيرفي كبير معلمي مصر للطيران، والتي نالت استحسان كل جمهور السينما..

والفيلم باختصار كان مقاومة صريحة للاستعمار ومن كانوا وراء الاستعمار في ذلك التوقيت كالحكومة المتخاذلة والإقطاع والقصر الملكي بكل ضعفه ومخاذيه..

وكان هذا دليلا واضحا على أن القوة الناعمة في مصر كانت أقوى من جيوش الاستعمار، رغم أن الفيم قديم تصويره وإنتاج وعرضه قبل ثورة يوليو 1952.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.