رئيس مجلس الادارة : محمد حبوشة
رئيس التحرير : أحمد السماحي

المخرج السوري “مانو خليل” : الفن هو دين منوط بالإنسانية

* اختياري لـ “لناطور والطويل وعبدو” لم يكن بسبب موقفهم السياسي من النظام.

* كتبت سيناريو الفيلم قبل أكثر من 25 سنة، وكان يرافقني طوال هذه السنوات.

* كنت اقوم بتجديده بين الحين والآخر ليبقى الفيلم محاكيا للواقع ماضيا وحاضرا.

* فيلمي عن الألم السوري بدون أي طائفية أو حقد لأي مكون في هذا البلد الجريح.

* هناك الكثير من التشابه بين بطل الفيلم وبيني.

* أنا اليوم أكثر خفة وحركه وأمل من سنوات كنت اتمنى تحقيق هذا الفيلم. 

* هناك عشرات بل مئات الآلآف من السوريين الذين أجبروا على ترك وطنهم والمجيء الى أوروبا.

* وزارة الثقافه السويسريه تدعم المشاريع الانسانية التي يمكنها إيصال فكرة التعايش المشترك بين الثقافات والاديان.

أجرى الحوار : أحمد السماحي

استطاع المخرج السوري المغترب “مانو خليل”  الذي يعيش في سويسرا، منذ أول فيلم قدمه أن يفرض نفسه كمخرج موهوب وصاحب قضية ووجهة نظر، يحلم بتقديم سينما مختلفة، تثير العقل وليس الغرائز، وتحرص على التفكير وليس الابتذال، وتناقش القضايا ولا تهرب من مواجهتها .. سينما لا تتعامل مع الفن باعتباره مادة مخدرة ولحظة فرفشة، إنما وسيلة تنبيه وفرصة للتنوير وإلقاء الضوء على هموم وواقع ومشكلات مجتمع وأزمة بشر.

يرى أن السينما هى وسيلة نضال للتعبير عن واقع وحدوتة حلم للتفكير في مستقبل أفضل، وهو فى كل محاولاته السينمائية يبحث عن صيغة فنية تجعله أكثر اقترابا من هموم وطنه وأكثر شجاعة فى التعبير عن مشكلاته وإحباطاته.

بعد أفلامه التي حازت على جوائز في مهرجانات عالمية عديدة، وبعد فيلمه الروائي الأخير “السنونوه” انتهى “مانو خليل” من  تصوير فيلمه الروائي الجديد “الجيران”، الفيلم انتاج عالمي مشترك، ممول من شركة “فرايم فيلم”، ويشارك في انتاجه أيضا حكومة سويسرا ممثلة بوزارة الثقافه قسم السينما، ومؤسسة “بيرن” للسينما و”التلفزيون السويسري” ومجموعة من “قنوات التلفزة الأوروبية”، وستقوم شركة “فرنتيك فيلم” العالمية بتوزيع الفيلم سينمائيا.

عن فيلم “الجيران” وهو بالمناسبة إسم مؤقت كان الحوار التالي.

كثير من التشابه بين بطل الفيلم وبيني

كيف جاءت أو ولدت فكرة فيلم ” الجيران”؟

عندما اتجهت في منتصف الثمانينات لدراسة الإخراج السينمائي في “تشيكوسلوفاكيا” السابقة كان هدفي الأوحد هو تصوير أفلام عن واقعنا، عن ثقافتنا، وعن وجودنا كبشر في بلد كان يوما ما جميلا وعطوفاً على أبنائه، بلد كان يحوي في جنباته أناس طيبين وجميلين، متحابين،  بلد يسمى “سوريا”، قبل أن يخيم عليه ظلام القمع والتسلط والبشاعة والجشع والفساد من نظام لايعرف من الانسانيه اي شيء, سوى مصالحه ومصالح طائفته.

الفكره ولدت في نهاية الامر من خلال معاناتي كإنسان منتمي الى جزء مهم من شعب هذا البلد وهو الكرد الذين عانوا الامرين على يد نظام عنصري اراد صهر الجميع في بوتقة حزبه البعثي. فمن لم ينتمي للطائفه الحاكمه وللحزب الحاكم فكان مصيره الموت او الطرد من البلد او الهرب فتهمة الخيانه كانت جاهزه لكل من حاول ان يتنفس القليل من الحريه.

هل صحيح أن الفكرة لديك من 25 عام، ولماذا تعثرت ولادتها طوال هذه السنوات حتى خرجت أخيرا للنور؟

نعم السيناريو كتبته قبل أكثر من 25 سنه بنسخه أولية، كان هذا السيناريو يرافقني طوال هذه السنوات، كنت أقوم بتجديده بين الحين والآخر ليبقى محاكيا للواقع ماضيا وحاضرا، وكنت أجدده كما يتم تجديد برنامج كمبيوتر، ليتناسب مع الزمن، ومع الأحداث التي تمر بها منطقة الشرق الأوسط وسوريا.

 تجري أحداث قصة الفيلم بالأساس في فترة حكم “حافظ الأسد” والقصه تختصر الواقع في الأربعين سنه الأخيره من حياة سوريا وشعبها، بالتأكيد فيلم مثل هذا كان بحاجه لميزانية ضخمه، وهذا كان صعبا لإقناع الأوروبيين كي يشاركوا في مشروع شرق أوسطي بملايين الدولارات، خاصة أنه ليس له علاقه بالغرب، كنت بحاجه إلى استقرار نفسي، وما حصل في سوريا في عام 2011 عندما قام الشباب السوري المخلص بثورته “التي كانت تسمى حينها ثوره” ضد النظام، وبعد أن دارت عجلة الثورة لتصبح حرب إرهابيه بين النظام ومجموعات مرتزقه إرهابيه مدعومة من كل من تركيا وقطر، تعبث فسادا باسم الإسلام وجدت إنه الوقت المناسب لتصوير الفيلم، لإظهار حقيقة ما حصل، وما هو الذي أوصل سوريا إلى ما هو عليها اليوم؟ وما هو ذنب الشعب السوري المسكين أن يختنق بين مطرقة إرهاب النظام وسندان إجرام من مرتزقه إخونجيه ودواعش.

تم التصوير في إحدى القرى الكردية

هل المؤسسات السويسرية المشتركة معك فى الإنتاج تملي أو تفرض شروطها عليك؟

ليس هناك في سويسرا لجان رقابة على شاكله الرقابة التي نعرفها في العالم العربي، لاعلى الأعمال السينمائية ولا على أي عمل فني آخر، هناك مقاييس أخرى تؤخذ في الحسبان في دعم أو رفض دعم عمل فني، فمثلا وزارة الثقافه السويسريه تدعم المشاريع الفنيه التي التي لها قضيه معينه, انها تدعم الثقافه السينمائيه, الاعمال الإنسانيه والفنيه التي يمكنها إيصال فكرة التعايش المشترك بين الثقافات والأديان، من خلال تجربة سويسرا كبلد متعدد الثقافات، أو من خلال تجارب الآخرين.

 الشيىء المهم هو أن تكون فكرة الفيلم أو المشروع متطابقة مع الأهداف الساميه للإنسان في أي كان، أما من ناحية الإنتاج المشترك فالهم الوحيد هو حرفية العمل ومدى إمكانية نجاحه عند الجمهور، شركات الإنتاج يهمها بالدرجة الأولى أن يكون الفيلم ناجحا، سواء في دور السينما أو في المهرجانات العالمية، أما ما يخص فيلمي بعنوانه المؤقت ” الجيران” فإن المؤسسات الداعمه مثل وزارة الثقافه، أو مؤسسة “بيرن للسينما”، أو التلفزيون السويسري أو قناة “أر تي الألمانيه الفرنسية” فقد لفت انتباههم واهتمامهم بالموافقه على التمويل بسبب إنسانية موضوع الفيلم، وبسبب القصه التي تهم الكثيرين في هذا العالم.

 فهناك عشرات بل مئات الآلآف من السوريين الذين أجبروا على ترك وطنهم والمجيىء إلى أوروبا، وبين ليلة وضحاها أصبحوا يجاورون الشعوب الأوروبية، في سويسرا أو المانيا أو أي مكان آخر، وهذه الشعوب الأوروبيه بالتأكيد لديها الكثير من الأسئله عن هؤلاء الناس الذين أصبحو فجأة ضيوف لديهم، من هم؟ ما هى مشاكلهم؟، ما هو السبب الذي دعاهم لترك أوطانهم والهروب منها؟ ماذا يحدث في بلدهم ولماذا؟، وما هي الأسباب التي أوصلتهم إلى حالة أن يركبوا القوارب ويموتوا في البحار غرقا للنجاة بحياتهم في ما بعد؟

هذه الأسئلة سيجد المشاهد الأوروبي عليها الجواب من خلال قصة هذا الفيلم عن سوريا، وهذا هو شيء مهم جدا للمؤسسات الأوروبية، أو في حالة فيلمي المؤسسات السويسرية على وجه التحديد.

بطبيعة الحال لا ننسى إنني كمنتج وصاحب شركة “فرام فيلم للانتاج السينمائي” قد مولت الفيلم أيضا، وهذا كان كخطوه أولى في اقناع المشاركين بأهمية الموضوع وجديته.

الطفل هو رمز لمستقبل محفوف بالمخاطر

هل الطفل في الفيلم هو “مانو خليل” نفسه؟ .. بمعنى هل التجربة ذاتية؟

الفيلم ومن خلال حياة هذا الطفل الذي يفقد والدته ويصبح يتيما، يتحدث بشكل مفصل عن سوريا الثمانينات، سنوات بعد الانقلاب البعثي الذي قام به “حافظ الأسد” ومارس سياسته في بلد كان تتظلل بظله ثقافات ولغات وأديان من مسلمين ومسيحيين ويهود، وعقائد أخرى بدون أي فرق، نعم قصة الفيلم مستوحاة بجزئها الأكبر من حياتي كمخرج ومؤلف للسيناريو عندما كنت صغيراً مع إضافة واقع درامي من خلال حياة الطفل “شيرو” ذي الست سنوات، والذي ينتظر بفارغ الصبر مجي الكهرباء إلى قريته الصغيرة ليشاهد أفلام الكرتون من جهة، ومجيىء المعلم إلى مدرستهم الترابية، والذي سيفتح أبواب العالم المتحضرله على مصراعيه.

هناك الكثير من التشابه بين بطل الفيلم وبيني، أنا كما “شيرو” في الفيلم ولدت في قريه كردية قريبة من الحدود التركية السورية التي تفصل عائلة والدتي الكردية من كردستان تركيا،عن عائلة والدي من كردستان سوريا، أنا أيضا كالطفل “شيرو” لم أكن أفهم كلمة باللغة العربية إلى اليوم الذي جاء فيه معلم الى مدرستنا الترابية، والتي كانت تشبه زريبة للحيوانات أكثر من شبهها لمدرسه، ويمنع علينا المعلم التحدث بلغتنا الأم الكردية، ويضربنا بمجرد نطقنا كلمة باللغة الكردية، أنا أيضا كنت ألتقي مع والدتي بأخوالي وخالاتي على الحدود، وكان واحدنا يقبل الآخر من خلال الأسلاك الشائكة، وأنا أيضا مثل الطفل “شيرو” كنت أعرف يهودا سوريين مورس عليهم ضغط كبير ليتركوا وطنهم سوريا ويهجروها إلى شتى أنحاء العالم، و”شيرو” هو مثلي كان يحلم في وطن جميل مثل مخدة ناعمة يمكنه أن يضع رأسه عليه وينام بدون أحلام مرعبة.

الفيلم أبطاله كلهم من المعاديين للنظام السوري سواء “جلال الطويل أو مازن الناطور أو جهاد عبدو” .. هل هذا مقصودا؟

قضية مشاركة ممثلين سوريين كبار مثل “جهاد عبدو، ومازن الناطور، وجلال الطويل” وغيرهم لم يكن بسبب موقفهم السياسي من النظام بالدرجه الأولى، مع أنه شيء يثنى عليه بكل الأحوال، الموقف السياسي لكل فنان هو شيىء خاص به، مع إنه بطبيعة الحال الموقف السياسي لكل شخص مهم كما هو الموقف الإنساني، فمن يؤمن بأفكار متطرفه ثقافيا أو دينيا أو عقائديا ليس مثل ذاك الذي يحمل في روحه وفكره مواقف إنسانيه تقف مع الحق والجمال بدون أي شك، أما فيما يخص فيلمنا فمجرد الموافقه على العمل فيه هو خطوة جريئة في الوقوف في صف الإنسانيه والجمال، أكان معارضا لنظام ما أم لا، هذا شيء جانبي لعملنا في هذا الفيلم.

 قصة الفيلم تتحدث بشكل إنساني ولأول مرة في تاريخ السينما السورية والشرق أوسطيه عن شريحه معينة غيبت لعشرات السنين عن الوجود الثقافي والاجتماعي والسياسي في سوريا، ألا وهم الاكراد، في هذا الفيلم ليس هناك ممنوعات أو محرمات، عملنا كان أخلاقيا، المحرمات والممنوعات في هذا الفيلم هو فقط ما لا يجرح الروح الإنسانيه، وانطلاقا من هذا المبدأ فإن الجواب على سؤال : هل الذين مثلوا في هذا الفيلم معادون للنظام أم لا هو تحصيل حاصل.

الشيء المهم أننا سويا استطعنا ولأول مرة في التاريخ السوري المعاصر أن نكسر جدار “الفصل العنصري” الذي بناه النظام في بلدنا، ومنحنا من خلال عملنا هذا صوت للذين لم يكن لديهم صوت في سوريا “التي سميت جورا وبهتانا بسوريا الأسد”، كلنا يحن لسوريا الجميلة، سوريا التي هى ملك العرب، كما هي ملك الأكراد والآشوريين والأرمن والآراميين واليهود، أعتقد لو قدر لممثلين من الداخل السوري أن يشاركوا في تمثيل فيلم حرفي وجدي عن سوريا مثل فيلم “الجيران” فبالتأكيد لن يتأخروا في المشاركه فيه.

 ولكن وجودهم في الداخل هو الذي يحتم عليهم الابتعاد عن معالجة هذه المواضيع أوالمشاركه بها، الفنانين الذين في خارج البلد لديهم حرية أكثر، وهم بعيدون عن الإرهاب بصفة عامة، الفنان الحقيقي يقف دائما مع الحق، مع الخير، مع الجمال، الفن هو دين، الفن هو أدب واخلاق، فإما أن يقف الإنسان مع الحق والخير والأخلاق ويكون فنانا أو إنه يقف في صف الحقد والكره والغش والفساد، وهذا ليس لديه أي رابط يربطه مع الفن، المهم أننا سويا، ومن خلال هذا الفيلم تمكننا من التحدث بشكل شاعري ودرامي عن الأسباب التي أوصلت بلد جميل مثل سوريا إلى ما هى عليه اليوم، حيث أصبحت مركزاً يعشش فيه الإرهاب والتخلف والطائفيه، وأنبت في روحها الحقد والكره، لتصبح اليوم واحدة من أسوأ دول العالم في الجريمة والرعاية الصحية والانفلات الأمني والديكتاتورية والتعذيب الممنهج والفساد والفقر والتهجير والاختفاء القسري والاعتقال التعسفي والقتل العمد، وكل هذا برعاية مؤسسات “حكوميه” بعينها وأجهزتها الأمنية، وأخيراً الطائفية منها سواء بسواء.

السيناريو يتحدث عن معاناة الناس في بلاي

ما هي الصعوبات التى قابلتك فى تصوير الفيلم؟

أعتقد ليس هناك أي عمل جدي وحرفي بدون صعوبات، ولكن الصعوبات تختلف بين فيلم وآخر، من جهتنا فقد كانت هناك مجموعه من الصعوبات والمشاكل التي كان علينا كإنتاج قبل كل شيء تأمينها، أول صعوبة كان علينا اجتيازها كان مكان التصوير، فالمكان المؤهل للفيلم هو سوريا.

ولكن وبسبب الأحداث في الداخل السوري واستحالة إحضار فريق عمل مؤلف من أكثر من مئة شخص من كافة أنحاء العالم مع أجهزة التصوير والإضاءة  إلى سوريا وتأمين السكن والمأوى والمسائل اللوجستية لفريق العمل فقد اختير إقليم “كردستان العراق” كمكان لتصويرالفيلم.

 وكان إيجاد قرية تشبه القرى السورية في “كردستان” من أكثر الصعوبات التي واجهتنا، ولكن وفي النهايه تمكننا من بناء وإعادة إعمار بعض البيوت في قرية قريبة من مدينة “دهوك” لتصبح على شكل قرى الجزيرة السورية حيث جرى التصوير فيها، حتى أننا قمنا ببناء حدود مشابهه للحدود السوريه التركيه.

الشي الآخر هو أن أحداث الفيلم  تجري في الثمانينات من القرن الماضي، وهذا يراد له ملابس من سنوات الثمانينات، ولهذا قمنا باحضار حوالي 2000 قطعه لباس من سويسرا إلى كردستان، حتى أن الممثلين امتنعوا عن قص ذقونهم وشعرهم لتتمكن مجموعة المكياج من قص الشعر والذقن التي تتطابق وسنوات الثمانينات، هذا عدا مشكلة إيجاد السيارات القديمه التي لم يعد لها وجود في “كردستان” وإحضارها من سوريا، وهذا تم مع إكسسوارات الفيلم التي أحضرت بشكل خاص من سوريا.

كان على مجموعة العمل الانتباه إلى كل شيىء ليست له علاقه مع سنوات الثمانينات وإبعاده عن أماكن التصوير، فمثلا في كل مكان تصوير خارجي كان لابد من إيقاف مرور السيارات الحديثه قبل التصوير، وتقوم مجموعة الديكور بتنظيف الأرض من أكياس البلاستيك وقناني المشروبات البلاستيكيه، هذا طبعا كان يكلفنا الكثير من الوقت والأموال في نهاية المطاف.

الشيىء الآخر كانت بخصوص نقل وسفر وسكن مجموعة العمل والممثلين الذين جاؤوا من أكثر من 20 بلدا، مثلا الممثلين جاؤوا من “امريكا، والبرازيل، وفرنسا، وبلجيكا، والمانيا، وتركيا، وسوريا، و السعوديه، والامارات”، وبرمجة سفر هؤلاء جميعا وحمايتهم لم تكن سهله أبدا.

كما كان على ممثلينا أن يتعلموا لغات أخرى، فمثلا الفنانة السورية القديرة “نسيمه الضاهر” كان عليها أن تتعلم الحوار باللغه الكرديه، لتمثيل دور الجده “شمسا”،  والفنان “جهاد عبدو” تعلم الكرديه والعبريه، بسبب تمثيله لدور الجار اليهودي السوري ” نحوم”.

ولا أريد هنا أن أنسى مسألة وجود طاقم عمل أوروبي في “كردستان العراق” ليس بعيدا عن الحدود مع سوريا، ومسألة أمانهم وحمايتهم، ووضعهم النفسي والقلق الذي كان مصاحبا لوجودهم في كردستان، مع أن كل شيء كان يسير على ما يرام، ولكن كان علينا وبشكل يومي طمأنتهم على أنه ليس هناك حرب آتية، والدواعش انتهو بعد انتصار الكرد عليهم وتحرير عاصمتهم “الرقه”.

والجيش التركي الذي يكيل التهديد والوعيد لن يحتل “سوريا”، ولن يصل إلى “اربيل”، وأن الهليكوبترات التي تطير في السماء ذاهبه إلى الشمال الغربي، وأنها ليست تركيه، ولن تطلق علينا أي صواريخ أو قنابل تحت حجة أننا نمثل فيلم ضد “أردوغان “، وبنفس الوقت هي ليست ايضا هليكوبترات سوريه ولن ترمي علينا أية براميل، بل هى أمريكية تحمي قوافل الجنود الأمريكيين العائدين من سوريا بعد أن تركوا الأكراد لقمة سائغه للأتراك ودواعشهم.

لماذا أطلقت علي الفيلم ” الجيران” ومن تقصد بهولاء الجيران؟

“الجيران” هوعنوان مؤقت للفيلم، ولكنه يعبر عن ما يدور في الفيلم، فنحن كلنا جيران، شئنا أم أبينا، عشنا في قرية ببيوت متلاصقة مثل بيوت فيلمنا أو في مدينه أو بلد، العالم اليوم هو قرية صغيرة وشعوبها هم جيران، وللجيران كما يقال بالعربيه عادات وقيم واخلاق تسمى “الجيره”.

وفي فيلمنا يضحي الجار بحياته لأجل جاره ولو أن جارة لا ينتمي لعقيدته وثقافته، يكفي أن الجار يحس بالإنسانية بالطريقة الصحيحة، لافرق بين مسيحي ومسلم ويهودي ويزيدي بقدر جرعة الإنسانية والاحترام التي يملكها ويمنحها للآخر، قصة فيلمنا إنسانيه بحتة، ليس لها أي نفس عنصري أو تعصبي حاقد.

إنه فيلم سوري بامتياز، وفيلم كردي أكثر امتيازية، فيلم عن الألم السوري بدون أي طائفية أو حقد لأي مكون في هذا البلد الجريح، فالكل هم ضحايا، أكان المعلم الآت من العاصمة وهو مؤمن بأنه سيقيم الجنة على الأرض، أو الجار من “عرب الغمر” الذي أجبر على ترك أرضه التاريخية ليأتي إلى منطقة لا ينبت فيها شجر النخيل، أو الجار الكردي الذي يضع نفسه في خطر لمساعدة جاره اليهودي، وهو يؤمن بمقولة “افعل الخير وارميه في البحر”، أو الجار اليهودي السوري الذي يعشق بلده سوريا ولا يريد بأي حال تركه له.

 تتلاقى مصائر أبطال الفيلم، وفي النهاية يرى المشاهد أن الجميع وبدون سواء هم ضحايا لسياسة بشعة مورست بحقهم ولا تزال، الفيلم لا يعطي أي حلول ولا يطلق أية أحكام قضائية حول: من هو الجاني؟ ومن هو الضحية؟، بل على العكس ومن خلال الخط الدرامي للفيلم يترك للمشاهد فرصة أن يكون الحكم والقاضي في معرفة جذور الحكاية السورية المأساوية، هذه المرة من وجهة نظر إنسانية بحتة،  بعيدا عن التعصب القومي أو الطائفي أو الديني.

الفيلم صرخة أمل لسوريا جديدة، سوريا الحلم الضائع، حلم ما بعد البعث، والديكتاتورية، والحقد والكره والفساد، وعدم تقبل الآخر، سوريا التي ستعتذر لأمهات الضحايا الذين ليست لهم قبور ولا أسماء، سوريا التي ستكون بيتا للجميع “عربا، كورداً، يهودا، مسيحيين”، وما تبقى من ثقافات، سوريا التي سيقرر السوريون وحدهم مصيرها، مصيرها المبني على الاحترام والتعايش المشترك والمتبادل كما كانت يوما ما قبل أن يعبث في مفاصلها ورم سرطاني ولا يزال!.

هل صحيح أنك تفكر في تقديم فيلمك للاشترك في مهرجان “كان ” الدولي؟

عرض الفيلم في مهرجان “كان” أو أي مهرجان آخر هو بالدرجه الأولى  مطلب وامل كل سينمائي بالتاكيد, لان السينمائي يصنع الفيلم ليشاهده العالم ولهذا فالمهرجانات مهمه جدا، ولكن قبول الفيلم في مهرجان اوعدم قبوله ليس بيد شركة الإنتاج، ولكن إدارة أي مهرجان هي التي تقرر هل الفيلم الفلاني صالح للمهرجان ويدخل في إطار سياسة المهرجان أم لا ؟!

نحن حاليا في مرحلة المونتاج، ولا أدري هل سنتمكن من الانتهاء من عمليات ما بعد الإنتاج في الفترة القصيرة المتبقية لتقديمه  لمهرجان “كان” أم لا؟!، ولكن بكل الأحوال نعتقد بأن الفيلم وبسبب موضوعه الإنساني، والذي يتحدث عن موضوع أصبح شاغلا للعالم في السنوات الأخيره قد يلاقي استحسانا، ونتمنى فى كل الأحوال أن يكون عرضه العالمي الأول في مهرجان عالمي من المهرجانات المصنفة ” ا ” و تبقى مسألة  توقيت عرض الفيلم سينمائيا مهم لنا جميعا فالفيلم صنع للسينما وعليه أن يكون ناجحا سينمائيا، أما المهرجانات فهي آتية لامحالة. 

هل نعتبر أن الفيلم وثيقة إدانة فقط لحزب البعث أم أنك تظهر سلبياته وايجابياته؟

انا لست مقاتل في جبهه، وليست لدى أسلحه تطلق النارعلى أحد، ولست قاضيا في محكمه يطلق الأحكام، بحيث يبرئ هذا ويجرم ذاك، أنا سينمائي، من خلال عملنا الفني والذي هو عمل أخلاقي بحت، نحاول أن نداوي جروح الروح الإنسانيه أي كانت ومن أين أتت، هناك حقيقه يجب أن تقال: إن نظرية وتطبيقات حزب البعث في العراق وسوريا أوصلت هذين البلدين إلى ما هو عليه الآن، هذه مسألة لا يختلف عليها اثنان.

ربما فقط مجنون يمكنه القول أن السياسه التي اتبعت في هذين البلدين كانت سياسة نظيفه، إنسانيه ورحيمة،  كل إنسان يمكنه استخلاص العبر مما يحدث هناك، فهذه المنظمة التي استغلت شعارات براقه مزركشة عن الوحدة العربية، وعن الحرية والاشتراكية كانت الوحيدة التي هدمت كل شيىء اسمه وحدة عربية، وطعنت بخناجرها الصدئه ظهر الحرية، وحلمها بعالم اشتراكي مبني على العدالة والمساواة هو بعيد كل البعد عن الرحمه والمساواة والاحترام فهي مهنيه جدا في تطبيقاتها في إذلال الإنسان وحرمانه من أبسط حقوقه التي منحها له الله.

الفيلم يتحدث عن الواقع بدون إطلاق الأحكام، المشاهد هو الحكم الوحيد لاستخلاص العبر مما حدث ويحدث، هذا هو المهم، فإن يأتي أحدهم ويقول لنا أنه ينوي بناء الجنة على الأرض لينعم الإنسان بها وبنفس الوقت يقوم بحرق الأرض ويدمر الروح الإنسانيه ليست له أي علاقه ببناء الجنة، وهو كاذب ويجب اقتلاعه وتغييره وليس علينا تصديقه أبدا.

هل حققت رؤيتك الفنية كاملة فى هذا الفيلم؟

أعتقد أنني حققت حلم كنت أحلم به من سنوات، وهذا هو المهم، الرؤية كانت حلم وتحقق، وبصراحه تراني اليوم أكثر خفة وحركة وأمل فمنذ سنوات كنت أتمنى تحقيق هذا العمل. 

ما رأيك فى تجربة سينما المؤلف هل تحقق لك طموحاتك الفنية؟

أعتقد أن يتمكن المخرج من إخراج فيلم قام هو بكتابة السيناريو له، هو شيء رائع جدا ونجاح بحد ذاته، ومن ناحيه أخرى يجب  التنويه أن ليس كل فيلم ناجح فنيا هو سيناريو المؤلف، كتابة السيناريو مثله مثل الإخراج فن، وهناك كتاب سيناريو رائعين، ويحلم الكثير من المخرجين بالعمل معهم، ولكن يبقى لسينما المؤلف طعم آخر، فالمخرج من خلال كتابته للسيناريو يرسم شكل الفيلم الآتي، ليس فقط فنيا ولكن دراميا وحسيا ايضا.

 فمن خلال كتابة السيناريو يبدأ هذا الفيلم الذي سنسميه “الطفل” بالتحضير لمرحلة الولادة في فكر المخرج، في أحاسيسه وعواطفه، يبني له بيت بالطريقة التي يريدها هو، أقصد المخرج، يجهز له سريرا بالألوان والأشكال التي يريد، يختار له طريقة ولادة، ويجهز له الحليب الذي يختاره بنفسه وعندما يولد يسمية بالاسم المناسب.

 لهذا نجد في الكثير من الأحيان طريقة تعبيريه في سينما المؤلف مختلفه عن السينما في شكلها الكلاسيكي الأكاديمي بتسلسلها المعروف “كاتب القصه، كاتب السيناريو، كاتب الحوار والمخرج”، وبالمناسبة كانت الأفلام الأولي عند انطلاقة السينما في بدايتها سينما المؤلف، فممثلين مثل “شارلي شابلن” مثلا كان يكتب السيناريو، ويخرج العمل، وكان ممثلا بنفس الوقت، أما بالنسبه لي فإنني أعتبر نفسي محظوظا جدا كوني أتمكن من إخراج أعمالي الدراميه التي هى من كتابتي، والشيىء الأكثر أهميه أنني أشارك في الانتاج كمنتج ممول أول في العمل، وهذا يعطيني حرية في الاختيار، حرية يتمناها كل مخرج، في أن يكون لدية الوقت والتمويل الكافي لإخراج فيلمه بدون أية ضغوط من المنتج، فيما يخص الوقت أو التكلفه، نعم إنه شيىء من السعادة أن يكون لدى المخرج شيىء من حرية الاختيار.

تعرض أفلامك في مهرجانات عالمية، أين هي من العرض العربي في السوق العربية أو المهرجانات العربية؟

نعم أنها حقيقة، فأفلامي تعرض في مهرجانات عالميه من الهند ومرورا باليابان وأمريكا، وأمريكا اللأتينية، وأوروبا، وتحصل على جوائز عديدة، وتعرض في دور السينما العالمية، وفي قنوات التلفزة العالمية، أما في العالم العربي مع الأسف هناك بعض التقصير، لا أدري أين تكمن المشكلة؟!، ورغم هذا فقد عرضت أفلامي في مهرجانات دول مثل ” المغرب، ولبنان، و دبي، وأبوظبي”، عدة مرات، ولكن مع الأسف إلى اليوم لم نصل إلى مرحلة توزيع الأفلام في العالم العربي، أتمنى أن يحمل فيلمنا “الجيران” بيده المفتاح السحري ليفتح كل أبواب سمسم العربيه المغلقه إلى الآن، من يدري؟ !

ما هى القصية الاجتماعية الأخرى الملحة عليك الآن والتى تريد أن تقوم بعرضها روائيا في أحد افلامك مستقبلا ؟

الشرائع الإنسانيه والسماويه تطالبنا باحترام الإنسان والحيوان والطبيعة، وأنا شريعتي الشخصيه تهمس لي “كن سعيدا لانك هنا، في هذه اللحظه، في هذه الثانيه، وكن على يقين بأن العدل والحب سينتصران على الظلم والحقد ولو طال الوقت”.

 في فيلمي “الجيران” يقول الجد “حمو” لأولاده ولحفيده “شيرو” إفعل خيرا وارميه في البحر، كل موضوع درامي يعالج مسألة الاحترام، وفعل الخير فهو مرحب عندي، اعتقد بعد فيلم “الجيران” سيكون موضوع فعل الخير هو الآتي.

………………………………………..

يطاقة تعارف

– مانو خليل مخرج كـردي، ولِـد في سوريا عام 1964.

– درس التاريخ والقانون في جامعة دِمشق فى الفترة ما بين 1981 إلى 1986.

– درس الإخراج الروائي في أكاديمية السينما والتلفزيون في تشيكوسلوفاكيا السابقة في الأعوام من 1987 إلى 1994.

– عمِـل كمخرج في التلفزيون التشيكوسلوفاكي من عام 1990 إلى عام 1995.

– قام بتمثيل أدْوار ثانوية في العديد من الأفلام الروائية المختلفة في تشيكوسلوفاكيا السابقة، من عام 1990 وإلى عام 1995.

– يعمل كمخرج ومـنتج ومصور في سويسرا منذ عام 1996.

– من أبرز أفلام مانو خليل” السنونو 2016″،  “طعم العسل 2013 “، “جنان عدن 2009 ” ، ” ديفيد تولهيلدن 2006 “، ” الأنفال  “باسم الله، والبعث وصدام 2005 “، “إنتصار الحديد 1998 “.

أفلامه القصيرة :

“أحلام مـلونة ” 2003″، ” سينما العين 1995 ، “المكان الذي ينام فيه الله 1993 “،”يا إلهي 1992 ”  أبي 1991″،  “السفارة 1990 “، ” ألمي وأملي 1989 “، ” أيها العالَـم 1988 “.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.