رئيس مجلس الادارة : محمد حبوشة
رئيس التحرير : أحمد السماحي

محمد شمروخ يكتب: (الجزيرة) التائهة بين (عزت ومنصور ورشدى باشا)!

بقلم: محمد شمروخ

في فيلم (الجزيرة) الذي أنتج سنة 2007، ما يمكن أن نعتبره تحذيرا من الإعلان مما توجس منه الناس إثر تصريحات إعلامية صدرت من  خلال الأيام الماضية، من الأستاذ مصطفى بكري، بأن مجموعات من قبائل سيناء كامتداد للقوات المسلحة. وبالرغم من تراجع الإعلامي عن ذلك مرددا أن كلامه انتزع من السياق، وهذا السياق دائماً ما يكون في (بطن الشاعر)، إلا أن التوجس ازداد بما رأي الناس بأعينهم وسمعوا بآذانهم.

فترى أين الحقيقة ما بين القول والنفي والفعل؟!

أرجع لتجربة (منصور الحفنى) في (الجزيرة) أو (عزت حنفي)  في النخيلة في التعاون مع الدولة لمكافحة الإرهاب، فلم تكن التجربة الأولى ولن تكون الأخيرة، ولكن الناس يتساءلون لماذا (منصور الحفنى)، ولماذا عزت حنفي ولماذا غيرهم؟!

اسمح لى أن أدلى بدلوي عن تجربة مباشرة مع هذه التجارب من واقع عملى القديم في مجال الحوادث والقضايا، فهناك حقيقة وهى استعانة الدولة أحيانا بفئات من خارج الدوائر الرسمية، لمواجهة مشكلات ما.

خاصة عندما تصبح الدولة نفسها هدفا لهذه المشكلات، وتجد نفسها في مواجهة تتطلب اتخاذ سياسة غير تقليدية للخروج من الأزمة.

وقد وجدنا فيلم (الجزيرة) يتحدث بصراحة عن تعاون الشرطة مع (منصور الحفني) في مكافحة الإرهاب حتى بدا وكأنه هو بطل المواجهة.

ولكن تعالوا معي على أرض الواقع في قرية (النخيلة) أو في مركز أبوتيج، أو في محافظة أسيوط، فلم يكن هذا الأمر مطابقا بالنسبة للقصة الحقيقية لعزت على حنفي المقابل الواقعى لمنصور الحفني.

ولا أقول هذا الكلام كمعلومات تحصلت عليها بوسيلة ما من مصادرها، بل كانت تجربة مباشرة ومن قلب (النخيلة) نفسها في  مارس عام 2004، عندما سافرت لمتابعة الأحداث.

أحمد السقا مجسدا دور (عزت حنفي)

حوار تليفوني مع (عزت حنفي)

حيث تم تكليفى كمحرر حوادث من جريدة (الأهرام) أنا والزميلين (أحمد عامر وأيمن فاروق)، لمتابعة الأحداث بعد مواجهة مسلحة ما بين (عزت حنفي) والشرطة، إثر قيامه باختطاف وحجز ما يربو عن الأربعين رهينة مهددا بقتلهم ما لم يفكوا الحصار على جزيرة (النخيلة).

ومن خلال حوار تليفوني طويل مع (عزت حنفي) نفسه، تحدث كثيرا وكشف عن علاقاته ببعض المسئولين حينئذ وصراعه مع إحدى العائلات، والذي أسفر عن سقوط قتلى من الجانبين.

وكان هناك ترتيب للقاء مباشرة معه، لكن أجهزة الأمن رفضت مجرد طرح فكرة اللقاء للحوار، فحسب تعبير أحد قيادات وزارة الداخلية وكانت تربطني به صلة صداقة قوية مع ثقة متبادلة في تقدير المواقف: ( لو ذهبت إليه، فستزود عدد الرهائن واحداً وستكون صيدا ثميناً لأنك (صحفي)!

وهذه قصة لها مجال آخر يوما ما سوف أحكى عنه، لكن الذي تأكدت منه أن (عزت حنفي) لم يكن بهذه الهالة المروية عنه، على الأقل من الناحية الشخصية، باختصار شديد، لم يكن إلا وريثا لإمبراطورية من امبراطوريات زراعة المخدرات في الصعيد.

بل لم تكن إمبراطوريته بالكبرى، بل فاقتها إمبراطورية (نجع عبد الرسول) التابعة لمحافظة أسيوط أيضاً، وكانت أشد تحصينا وشراسة من النخيلة ولكن حظ الشهرة ذهب الى الأخيرة بسبب (عزت وآل على حنفي).

عموماً ما تأكدت أيضا من أن جماعة (عزت حنفي)، لم تسلم إرهابياً واحداً للشرطة، فقط كانت الاستعانة بهم للوقوف في الكمائن والمشاركة في بعض الحملات!

هنا نختلف عن فيلم (الجزيرة)، فلم تكن هناك كريمة ولا زوجته قتلت على يد خصومه، ولكن الأحداث الواقعية كانت أشد خزيا ولا يتحملها الفيلم ولا حتى المقام هنا!

بل إنه حتى لم يكن اسم (الجزيرة) لأن أهلها تربطهم صلات ود جعلتهم في عزلة عن المحيطين حما قال المخبر لطارق بيه، لكن جزيرة (النخيلة) التى عاش فيها أولاد على حنفي كانت عبارة عن أرض طرح نهر تكونت في مياهه واتصلت غربا بشاطئ قرية النخيلة وكان موقعها ساحراً تشعر معه وكأنك في جنة أرضية.

حيث تتماوج ألوان النيل مع الشجر مع الزراعات الممتدة ومن بينها (كنابل) الخشخاش المستديرة وخضرة شجيرات البانجو، مع تدرجات الغروب والشمس ترسل أشعتها وتجعلك إطلالة بعيدة من الجبل الشرقي فيما وراء النهر،  كل هذا واقع ملموس بلغ من جماله أنه لن يعطيه لك مفعول الحشيش والأفيون معا.

لا (عزت حنفي) ولا السادة قوات الشرطة انشغلوا بما انشغلت به من جمال المشهد المتجسد واقعاً

جمال المشهد المتجسد واقعاً

هذا عن الأرض والنيل والجبل والغروب، لكن ماذا عن الناس والحكومة والقانون والعرف؟!

لكن لا (عزت حنفي) ولا السادة قوات الشرطة انشغلوا بما انشغلت به من جمال المشهد المتجسد واقعاً، والذي ترى بعضه على الشاشة في مشاهد لقاءات كريمة مع (منصور).. وهى قصة حب (منصور وكريمة) لم يكن لها أساس من الواقع!، كما جاء في فيلم (الجزيرة).

غير أن الذي له أساس من الواقع، أن عزت وآله ومن استعان بهم من المسجلين خطر والهاربين في جبال المطاريد، قد استفادوا أكثر مما أفادوا.

لكن مع ذلك فوجودهم في الكمائن واشتراكهم في الحملات وهم يتخبطون وسط القصب بجلاليبهم الواسعة وعمائمهم محكمة الالتفاف حول الرؤوس، يحملون بنادقهم الآلية، للبحث عن عناصر إرهابية، كان له غرض آخر، وهى أن الإرهابى لن يتردد لحظة عندما يفتح نيرانه على ضابط أو اى من أفراد الشرطة.

لكنه لا يجرؤ على أن يفتح عينه في واحد من أصحاب العمائم والجلاليب، لا، ليس خوفاً منهم، لكن لأن العرف هنا أقوى من الالتزام بتعليمات أمير الجماعة.

ذلك ان الأمير نفسه لا يجرؤ على مخالفة العرف، ربما بدوافع أقوى من الغريزة، وربما يكون لسبب برجماتى بحت حسب قواعد استراتيجية الصراع، وهو أن أصحاب الجلاليب يعرفون عنهم ما لم تعرفه أجهزة الأمن!

لماذا؟!

لأنه كما قال (رشدي باشا) ضابط المباحث الكبير لطارق بيه ضابط المباحث الصغير: (الحقيقة هنا ميفهماش إلا اللى عاش هنا).

كيف؟!

الإجابة هذه المرة تأتيكم على لسان (منصور الحفنى) لطارق بيه ضابط المباحث الصغير (الحقيقة عندينا غير الحقيقة عنديكم).

والآن هل فهمت؟

فهمت أم لم تفهم، فالنهاية تجسدت أخيراً في هذا التصادم ما بين الحقيقيين، إذ تصادمت القوتان، قوة القانون مع قوة العرف.

وبالطبع لن ينتهى الصراع، لأن كل منا يورث أبناءه ما تعلمه عن حقيقته.

وتلك الحقيقة لن تموت.. ليه بقى؟!: (لأن جدى قالها لأبويا وأبويا قالها لى، وأنا قلتها لولدى!).

أظنك فهمت الآن.

لكن افهم ولا تتكلم فلن يستوعب أحد ما فهمته!

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.