رئيس مجلس الادارة : محمد حبوشة
رئيس التحرير : أحمد السماحي

(طارق لطفي).. المعادل الموضوعي المرادف لعذوبة الأداء الاحترافي!

بقلم: محمد حبوشة

(عايز تعرف ممثل على حقيقته وتكشفه.. اديله نفس الدور أكتر من مرة.. أقولك أكتر: ادي له دور عادي بدون ملامح.. تكشفه أكتر وأكتر.. (طارق لطفي) بقى تدي له كده تدي له كده هايطلع عبقرية من ده ومن ده.

(طارق لطفي، بقى بحرفيه وبصنعه وببصمه تخصه لوحده يلعبها ويتفرد.. متعة انك تري ممثل شاطر يغزل خيوط شخصيته.. متعة كانك تسمع حتة مزيكا من بتوع بليغ والسنباطي والموجي).

هذا البوست انتشر خلال اليومين الماضيين على إحدى صفحات (الفيس بوك) في إطار الإشادة بأداء وبراعة الفنان (طارق لطفي) في مسلسل (العتاولة)، والغريب أنه كان هناك تفاعل كبير من جانب رواد السوشيال ميديا، وكأن الجمهور يعيد اكتشافه من جديد.

الحقيقة أن أداء (طارق لطفي) ليس مفاجئ لي أولغيري من النقاد ومتذوقي فنه الرفيع، وهنا لابد لي من القول بأن النجم (طارق لطفي) الذي نفخر به فنانا مصريا فاتن الأداء، يبرع دائما في أي عمل له من خلال تجسيد أدوار مخيفة.

لقد أثبت الفنان (طارق لطفي) في مسلسل (العتاولة) أن الدراما مثل الوجبات الغذائية، ولأنها يمكن أن تفقد شهيتها بتكرار تناولها فلايمكن للإنسان أن يتناول نوع واحد من الطعام لفترة طويلة، ومن هنا أصبح وجود دراما الأكشن في التليفزيون أمر ضروريا للغاية في الآونة الأخيرة.

طارق لطفي في (ليلة السقوط)

(طارق لطفي) من عتاة التمثيل

أعرف جيدا كما يعرف كثيرون غيري، أن (طارق لطفي) من عتاة التمثيل المصري، مثلما ظهر في أداء دور (الشيطان) في مسلسل (جزيرة غمام) أو شخصية الإرهابي في مسلسل (القاهرة – كابول).

وأيضا عبر مسلسله في رمضان الماضي (ليلة السقوط)، كما يبدو ذلك بتجلياته المرعبة عبر عيون تعرف مواطن الرعب ولغة جسد تقوى على ترجمة ما يدور في رأس (الشيطان أو الإرهابي) بسلاسة.

يضاف لهما بالطبع دور (طارق لطفي) الكوميدي الناعم في مسلسل (مذكرات زوج)، وهو في نفس الوقت تعلم الموسيقى وبرع في العزف على العود، وصوته في الغناء جميل، ولو أنه اتجه إلى الغناء لتفوق فيه وأظهر موهبة من مواهبه المدفونة.

ولكنني أتكلم هنا عن ممثل برع في التمثيل وفي طريقه لكي يكون من علامات جيله، فتستطيع أن تعرف لمحة من أداء (طارق لطفي)، وهو يؤدي دوره العبقري في مسلسلي (القاهرة – كابول، وليلة السقوط) ويضاف لهما دوره في (العتاولة).

ستجد مخارج الألفاظ عند (طارق لطفي) منضبطة، ولغة الجسد عنده مبهرة، وملامح وجهه تعبر عن الجدية والشر المبطن خلف قسمات الوجه الصارم في قوة وجبروت، وهذه قدرة لا يستطيعها أي ممثل.

ولأن الله وهب (طارق لطفي) صوتا مميزا، ومن جانبه هو فإنه لم يهدر تلك القدرة واستخدمها كما ينبغي، فالهدوء في موضع الهدوء والانفعال المدروس في موضع الانفعال، ليس برفع الصوت أو الصريخ والزعيق، ولكن مستوى الصوت يعيد لك طريقة أداء الفنان العالمي (مارلون براندو) في الفيلم الشهير (الأب الروحي).

ومن هذه المقاربة ستعرف كيف أجاد (طارق لطفي) استخدام صوته، بحيث أنك لن تشعر أبدا أنه يمثل، ولكنك ستندمج معه وتعيش مع شخصيتي (رمزي) في (القاهرة – كابول)، و(أبو عبد الله الدباح) في (ليلة السقوط)، و(خضر) في العتاولة.

ولعلي في أثناء المشاهدة قد نسيت شخصية (خضر) التي يؤديها (طارق لطفي) في (العتاولة) حتى أنني بالفعل نسيت وأنا أراه عن قرب، ونسيت شخصيته التي أعرفها، وعشت مع الشخصية التي يؤديها بكل تفاصيلها في براعة مطلقة.

طارق لطفي في (جزيرة غمام)

مسكون بشيطان فن الأداء

وكأنه مسكون بشيطان فن الأداء الصعب الذي يصول ويجول في فناء فسيح على جناح الإبهار وصناعة اللحظة الإبداعية بشكل مذهل للعين والعقل المتأمل لطريقة أدائه الاحترافي بالغ الدقة والجبروت.

معروف أن (طارق لطفي)، من أكثر الممثلين العرب الذين يبرعون في أداء أدوار الشر، واكتسب شهرة واسعة في ذلك، لكنه في (العتاولة) يعزف على أوتار مغايرة، وربما ساعده على ذلك أن المسلسل ركز على جانب الحضور عبر الأكشن الممزوج بطابع كوميدي.

صحيح أنه يوما بعد يوم، يزداد النجم المصري (طارق لطفي) توهجا، ويثبت استحقاقه بجدارة للبطولة المطلقة.

لكن الأمر المؤكد أن مسلسل (ليلة السقوط)، تلك الملحمة الدرامية الاستثنائية التي تجمع في طياتها ممثلين من الوطن العربي، ساهم في وضعه في منطقة مختلفة تماما عنه.

ومن ثم حولته تلك المنطقة في مسلسل (العتاولة) – رغم أنه بطولة ثلاثية مع (أحمد السقا، وباسم سمرة) – لنجم عربي بجدارة الأداء، والحقيقة أن موضوع المسلسل أكسبه شريحة جديدة من الجمهور العربي الذي يشاهد منصة (شاهد).

لا أنكر أنني لم استسغ تلك اللغة الجافة التي تحدثها في بداية الأمر، لكن مع تطور الأحداث والوقائع المذهلة تمكن من فك الطلاسم المعقدة بفضل أدائه المخيف وساعده في ذلك تلك المباراة التمثيلية مع (أحمد السقا، وباسم سمرة).

صحيح أن (طارق لطفي) بلغ قمة الأداء في دور الشيطان (خلدون) في تجلياته المرعبة عبر عيون تعرف مواطن الرعب ولغة جسد تقوى على ترجمة ما يدور في رأس الشيطان بسلاسة.

طارق لطفي في مسلسل (العتاولة)

براعة (طارق لطفي) في التجسيد

لكنه في مسلسل (العتاولة) يعزف على أوتار أخرى تؤكد موهبته التي نسجها بقماشة عريضة، وهو ما جعله يمهد لأرض جديدة في منطقة الأكشن المغلف بالكوميدي والتراجيدي في نسيج جيد يصب في براعته في الأداء الصعب.

(العتاولة) مسلسل تدور أحداثه في مدينة الإسكندرية، والتي يتميز أهلها بأنهم أصحاب طباع خاصة وأسلوب في الكلام ولهجة مميزة، ويجسد النجم (طارق لطفي) شخصية (خضر) و(أحمد السقا) شخصية (نصار) وهما نموذج لبطل تراجيدي.

هذا البطل يعيش صعودا وهبوطا في حياته، لكنه يحاول أن يحافظ على الإيجابية في كافة الظروف وفي جميع تعاملاته، في وقت تدفعهما ظروف الحياة إلى السلبية، ثم تحدث متغيرات في حياتهما تقودهما إلى الإيجابية في التعامل مع البيئة التي يعيشان فيها.

تحية تقدير واحترام للفنان (طارق لطفي)، والذي ترك من خلال أعماله الدرامية بصمة واضحة فى مسيرة الإبداع، معتمدا في ذلك على التكيف الحقيقي الذي يقوم على المعايشة الصادقة، والعقل الباطن.

ويبتعد في أدائه قدر الإمكان عن القوالب والكليشيهات الجاهزة، والتقليد الآلي الجاف الخالي من الحركة والحيوية، انطلاقا من عقيدة راسخة داخله مؤداها: (إن التمثيل الذي يجري في إطار القوالب الجامدة تمثيل تقليدي زائف وخال من الحياة، تمثيل يقوم على الطرق المسرحية المألوفة البالية، وهو لا ينقل مشاعر ولا أفكارا ولا أي صور من تلك التي يتميز بها البشر).

وأخيرا أرى أن أداء النجم الكبير (طارق) يشبه عازف الآلة بل هو الآلة نفسها، بمعنى أن يستطيع أن يترجم بذكائه وحساسيته وحسه الفني نصا مكتوبا كما يترجم الموسيقي الفاصل الموسيقي.

ثم هو آلة لأنه لا يستطيع أن يعبر عن نفسه في فنه إلا بصوته وإيمائه وأدائه بلغة جسد متقنة، وهو شأنه في ذلك شأن الممثل العظيم الذي يحتفظ بهيبته حتى في لحظات صمته، وصخبه وضجيجه في حالات أخرى.

وربما يرجع ذلك ببساطة لأنه على دراية كاملة بالتوترات الزائفة والتشويش المعتاد الأمر الذي يجعله يحافظ على طاقتك التي تشع تأثيرا إيجابيا على الجمهور في كل دور جديد عليه، بإضافة مكسبات طعم مغايرة.

طارق لطفي في (القاهرة – كابول)

طارق لطفي يجتذب الجمهور

ويبقى لي القول أن (طارق لطفي) واحد من هؤلاء الذين يمتلون تلك الطاقة المعنوية الشخصية للممثل القادرة على اجتذاب الجمهور، ربما لأنه ينطلق من الصدق في معايشة الدور، والإحساس به بدلا من الارتكان إلى التمثيل الآلي والمحاكاة السطحية في الأداء. 

ولأن عمل الممثل الحقيقيي الصادق مع نفسه وجمهوره، فإن جميع الأفعال التي يقوم بها (طارق لطفي) وحتى أبسطها، وهى الأفعال المألوفة لنا غاية الألفة في حياتنا اليومية تغدو عسيرة عندما يظهر خلف الأضواء وأمام الكاميرا وجمهور مكون من ملايين المشاهدين. 

في إبداعه التمثيلي يجنح (طارق لطفي) نحو الاعتماد على العقل الباطن تخييلا واستدعاءا للمشاعر الشعورية واللاشعورية، وينتقل من العقل الواعي إلى العقل اللاواعي عبر الذاكرة الانفعالية، والاستسلام للإلهام الإبداعي الخلاق عن طريق الصدق والإيمان.  

ببساطة شديدة: فإن هناك يقين راسخ لدى (طارق لطفي)، بأن هناك تعريف للفن يقول: إنه رسالة تنقل من المبدع أى (الفنان) إلى المتلقى وهو (الجمهور) خلال وسيلة فنية، سواء كانت التليفزيون أو الشعر والكتاب المسرح والتمثيل، والغرض من كل هذا محاولة تغيير الواقع إلى واقع أفضل.

فنحن عندما نقدم عملا فنيا يكون ذلك محاولة لتغيير الواقع الذى نعيشه، أما إذا قدمنا خلال تلك الرسالة شيئا آخر، فيتحول وقتها الفن إلى أفيون يقتل الشعب، ومن أجل ذلك ينبغي أن يلتزم الجميع بأصول المهنة.

وانطلاقا من هذا فإن (طارق لطفي) يكرس تفكيره بمشواره الفنى فقط وتقديم رسالة هادفة وواضحة للجمهور، وأن يحترم المشاهد مثلما احترمه عندما قرر أن يتابعه، والابتعاد عن الأعمال المبتذلة التى تقدم فى الوقت الحالى، والالتزام بتقديم فن راق هادف.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.