رئيس مجلس الادارة : محمد حبوشة
رئيس التحرير : أحمد السماحي

عندما انهمرت دموع (علي الكسار) في إحدى مدارس إمبابة !

اشتهر بالأدوار النوبية
مع ماري منيب
سامي فريد
بقلم : سامي فريد

انتهى العام الدراسي أو كاد في مدرسة (المجلس) بامبابة المطلة على ترعة السواحل في بدايات خمسينات القرن الماضي، وأعلنت المدرسة في نشرتها أن فرقة وزارة المعارف المسرحية ستزور المدرسة يوم كذا لتقديم عرضها المسرحي الذي سيصاحبه وجود الفنان الكبير الأستاذ (علي الكسار)!

حمل الفتى تلميذ الاعدادية الخبر إلى أسرته فلم يصدقه أحد.. وأقسم الولد على صحة الخبر المكتوب عن (علي الكسار) في نشرة المدرسة، ورقت الأم لدموع ابنها فرجت الوالد أن يشتري تذكرتين له ولابنه لمشاهدة هذه المسرحية التي سيشارك فيها الأستاذ الكسار.. وكانت التذكرة عشرة قروش فقط!!

في يوم عرض (علي الكسار).. ازدحم فناء المدرسة بالطلبة وأولياء الأمور حول تلك المصطبة أو الطبلية التي وضعها “الفراش” في منتصف الفناء ووضع إلى جوارها درجتين خشبيتين لصعود الممثلين ونزولهم، وإلى جوارها (دروة) من قماش الصواوين للمثلين يبدلون فيها ملابسهم..

مع فرقته المسرحية في إحدى الكواليس
كوميديان من طراز رفيع

علي الكسار على مسرح المدرسة

مضى الوقت بطيئا والكل متلهف ومترقب ليرى (على الكسار).. ثم أعلنوا عن بدء المسرحية.. فبدأ الممثلون في الصعود الي الطاولة الخشبية المربعة التي لا يزيد ارتفاعها على نصف المتر ليبدأوا تمثيل أدوارهم. حان وقت صعود الأستاذ (علي الكسار) إلى الطبلية الخشب ليشارك في التمثيل..

وكان (على الكسار) قد انضم إلى فرقة مسرح وزارة المعارف بمرتب هزيل رضى به حيث كان قد أغلق أبواب مسرحه بعد إفلاسه وإن كان يشارك أحيانا بمشاهد بسيطة في بعض الأفلام السينمائية القليلة مثل فيلم “رصاصة في القلب” و”لست ملاكا” مع محمد عبدالوهاب أو (آخر كدبة) مع فريد الأطرش أو (أمير الانتقام) مع أنور وجدي.

المهم..

ظهر (علي الكسار) كما عرفه جمهوره في المسرح والسينما بجلبابه وطاقيته فلم يتمالك والد كاتب هذه السطور نفسه عندما رأى الكسار أمامه بالفعل في مدرسة (المجلس) في امبابة..

هتف الرجل: الله.. دا صحيح يا ولاد.. ده الأستاذ علي الكسار أهه فعلا..

قالها وهو يشاور  عليه..

وانتبه (على الكسار) إلى ما يحدث فترك التمثيل وأدار ظهره للمثلين ليقترب من ذلك (الأفندي) الذي يعرفه وبهذا الحماس..

مع اسماعيل ياسين

قول لهم يا (أفندي) أنا مين

مال (على الكسار) إلى (الأفندي) الذي نطق باسمه وسأله:

إنت حضرتك تعرفني يا أفندي؟!

ورد (الأفندي): يا خبر يا أستاذ علي.. دا إحنا.. الأسرة كلها يعني نعرف حضرتك.. وياما حضرنا لك مسرحيات في عماد الدين وروض الفرج.. إيه يا أستاذ علي.. ماحدش ما يعرفكش ولا يقدر ينكرك!!

التفت الأستاذ (علي الكسار) إلى (زملائه) الممثلين الذين كانوا يستعجلونه لأداء دوره في المسرحية قائلا يخاطبهم ويخاطب والد كاتب هذه السطور..

قول لهم يا (أفندي) أنا مين..

وتهدج صوته وهو يتكلم ومازال يردد: قول لهم يا أفندي أنا مين.. قول لهم إن أنا (علي الكسار) إن كنتوا نسيتوا..

ثم هبط الدرجتين الخشبيتين وهو يمسح دموعه ليغادر المدرسة حيث لم نعد نراه بعد ذلك..

ويحكي لنا (ماجد الكسار) أصغر أبناء الأستاذ (علي الكسار) في أحد كتبه عن والده الفنان الكبير أن والده قد اشتد به مرض سرطان البروستاتا فذهب به ابنه إلى مستشفى قصر العيني حيث أدخله الدرجة الثالثة لإجراء العملية التي توفي الكسار على أثرها ولم يترك لابنه سوي عصاه التي كان يتوكأ عليها في أخريات أيامه.

لقطة اخرى مع ياسين
بواب نوبي يحرس إحدى العمارات

ذكرى رحيل علي الكسار

دير بالذكر أن ذكرى وفاة الفنان الكبير (علي الكسار) الـ 67 مرت يوم 15 ينارير الماضي، ومعروف أن (الكسار) هو  نجم الكوميديا الذى قدم أعمالاً مهمة في فترة الأربعينيات والخمسينيات من القرن الماضى ما زالت عالقة بأذهان عشاقه ومحبيه حتى الآن.

وابتدع الفنان على الكسار شخصية (عثمان عبدالباسط) فكانت المنافسة للشخصية التي ابتدعها نجيب الريحانى شخصية (كشكش بيه)، وعرف الكسار بلقب (بربرى مصر)، وكان قد أسس فرقة مسرحية، ومن خلال عطائه بالمسرح والسينما قدم أسماء فنية صارت نجوما في مجالها ومنها إسماعيل ياسين والملحن زكريا أحمد ملحنًا مع فرقته المسرحية.

من أشهر أعمال (علي الكسار) فى السينما: (ألف ليلة وليلة، محطة الأنس، غفير الدرك، على بابا والأربعين حرامى، نور الدين والبحارة الثلاثة، سلفنى ثلاثة جنيه، على أد لحافك، عثمان وعلى، رصاصة فى القلب، الساعة 7) وغيرها من الأعمال الرائعة.

وكان (علي الكسار) أول من قدم الموسيقار والملحن الكبير الراحل (زكريا أحمد) ملحنا مع فرقته المسرحية عام 1924، لكن بعد هذه النجومية والثراء يتراجع نجم نجوم الكوميديا وقتها ويعانى من التجاهل والنكران بعد اختفائه عن المسرح وظهور جيل جديد من الكوميديانات على الساحة الفنية.

وذلك مثله مثل (إسماعيل يس وعبد الفتاح القصرى)، وتتراجع شعبيته، فيضطر إلى الاشتراك فى أدوار ثانوية لا تتفق مع مشواره الفنى مثل فيلم (آخر كدبة) بطولة فريد الأطرش الذى ظهر فيه بدور الخادم فى مشهدين أو ثلاثة فقط، وربما هذا مادفعه إلى تقديم عروضه في إحدى مدارس إمبابة.

رحم الله الفنان الكبير علي الكسار الذي أمتعنا عمرا طويلا بفنه المسرحي والسينمائي.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.