رئيس مجلس الادارة : محمد حبوشة
رئيس التحرير : أحمد السماحي

إبراهيم رضوان يكتب: ما فعلته بى (الأم الفاسدة) في (المنصورة) !

بقلم الشاعر الكبير: إبراهيم رضوان

بينما أتجول مساءا في السكة الجديدة بـ (المنصورة)، مع مجموعة من الأصدقاء أذكر من بينهم ذاك الشاب الوسيم (العليمي) الذى هرب من المعركة الخاسرة.

ولكى يتفادى المغبة والإتهام قام بربط ذراعه ليصبح بطلا في نظر الناس، وفارس أحلام للبنات، يلاحقونه بنظراتهم دونا عنا .

وكان من حين الى آخريدخل إلى قهوة (أم كلثوم) ليعاود تصفيف شعره ورفع ياقة قميصه الحريري، فهو لا يصلح أن يكون ضابطا بالجيش، ولكنه يصلح لأن يكون نجما سينمائيا.

السكة الجديدة.. ليلة الخامس من يونيو، كانت محلاتها تحمل على واجهاتها في فخر وتوعد لوحات  (انتظروا فرعنا القادم في تل أبيب).

بينما (أحمد سعيد) في الخلفية يصيح من صوت العرب بعدد الطائرات التي أسقطناها كالذباب، حتى كان معدلها 18 ثانية لكل طائرة، وكانت مخيلاتنا مليئة بدخان حطام آلاف الطائرات التي تغطى رمال سيناء.

في السكة الجديدة.. صادفنى الدكتور (سالم سلام)، والدكتور (شفيق الجزار)، بادرانى بأنهما يبحثان عنى منذ فترة للإشتراك في حفل تخرج أول دفعة لكلية الطب – على ما أذكر –  بجامعة (المنصورة).

و سيكون في صحبتى (الكابتن غزالى) و فرقة (أولاد الأرض)، ومن هنا كانت بدايتي مع المشاكل !

كنت الشاعر الوحيد الذى وقع عليه اختياره من (المنصورة)

الشاعر الوحيد من المنصورة

في الموعد المحدد كنت في مسرح (المنصورة)، كان هناك في استقبالى اللواء (ع.ن) والعقيد (ع. أ) من مباحث أمن الدولة، نصحنى اللواء (ع.ن) بعدم الإشتراك في هذا الحفل.

وحينما سألت لماذا لم يقم بتوجيه ذات النصيحة التي نصحني بها  لفرقة (أولاد الأرض)؟ أجاب بأنهم لهم ظهر من حماية، فهم بلديات (شعراوى جمعة) في السويس، ولن يستطيع اعتقالهم، ولن يجد غيرى يفرغ فيه غضبه!

قدمت فرقة (أولاد الأرض) مجموعة من الأغانى منها: (فات الكتير يا بلدنا) بعدها وقف الكابتن غزالى يقدمنى معقبا بأننى الشاعر الوحيد الذى وقع عليه اختياره من (المنصورة) لمشاركته الحفل، أعقب ذلك التقديم استقبال حار وترحيب شديد.

ألقيت قصيدة (الأم الفاسدة ) التي كانت مشحونة بإسقاطات وغضب، حتي أن القصيده أثارت من الكوامن فوق ما توقعت، ومن خبايا الرغبة في الانتقام ما لم أكن أتخيل.

أنهيت (الأم الفاسدة)، وارتفع في المسرح طلب جماعى أن لا أنزل، و أن ألقى قصائدا أخرى، فما كان منى إلا أن ألقيت قصيدة  (الجرايد و الكلاب) على مدار نصف ساعة كاملة.

إقرأ أيضا : إبراهيم رضوان يكتب: (زوجتي) أصبحت  قلقه من وجوده !

كان من ضمن الحضور دكتور (سيد أبو العينين) .. و هو الطبيب الذى كانت عيادته مفتوحة للفقراء في (المنصورة)، كان كشفه خمسون قرشا، وفى بعض الأحيان يشترى الدواء للمريض.

وقد رشح نفسه مرات عدة لمجلس الأمة إلا أن الحكومة كانت تسقطه في كل مرة، لما عرف عنه من ميول شيوعية، وكان من المشجعين لى دائما، وكثيرا ما استقبلنى في بيته بترحاب واسع.

بعد الحفل نقلوا (د. أبو العينين) إلى أسوان بتهمة التصفيق لى، وقد تكرر مثل هذا العقاب لآخرين ممن تم التحقق من تصفيقهم لى طوال هذا الحفل.

من ضحايا هذا الاحتفال أيضا الشاعر (محمد يوسف) – رحمة الله عليه، حيث نقلوه بعد الحفل إلي سوهاج، رغم أنه لم يشترك في الحفل وكان مستمعا فقط..

أيضا كان هناك شاعر آخر لم يشترك في الندوه إسمه (إبراهيم سراج) الذي نقلوه إلي من (المنصورة) إلى قنا!

النصب التذكارس لمعركة المنصورة الجوية التي هزمت فيها إسرائيل

شاعر (المنصورة) الجاسوس

علمت بعد ذلك أن الذي كتب لهم  التقرير الذي تسبب في معاقبتنا جميعا هو شاعر جاسوس من قرية تابعه لمركز (المنصورة)، تعتمد عليه مباحث أمن الدوله في مراقبة أدباء الدقهليه خصوصا بعد النكسه، رغم أنه كان يذيع أشعاره في إذاعة إسرائيل.

في نفس الليلة تم مهاجمة منزلي وتفتيشه، وطلب مني (الرتبه) التي حضرت علي رأس القوة أن أكتب لهم القصيده التي ألقيتها بمسرح (المنصورة)، عند ذلك كتبتها لها بعد أن تجاهلت المقاطع التي تهاجم الوضع المائل، حتي لا أتسبب في أي مشكله بالنسبة لي.

إقرأ أيضا : إبراهيم رضوان يكتب: (الحادث المروع) وصوت انفجار الكاوتش !

لكنهم عادوا لي بعدها ومعهم القصيدة كاملة من خلال هذا الشاعر الذي يعمل معهم، والذي أخذها من مجلة كانت تصدر في الأسكندرية إسمها (الصفحة) يشرف عليها المبدع الذي أحدث انقلابا في عالم القصة القصيره بمجموعته (الكرة ورأس الرجل).

هذا المبدع هو (محمد حافظ رجب)، وأترككم مع قصيدة (الأم الفاسده) التي كتبتها في (المنصورة) عام النكسة.

الأم الفاسدة

هاتي البزاز أرضع

الكسب أهه.. أشبع

هاتى البزاز أرضع

إرجع.. بقول إرجع

هاتى البزاز أرضع

سيب العناد واسمع 

هاتى البزاز أرضع

هاتى البزاز أرضع

هاتى البزاز أرضع

…………………..

وأنام على الأسفلت..

 باصص لكل الناس..

نظرة بريقها دبل

الكل فوق الجبل ..

ماسكين خيوط بكره

بانيين بيوت بكره

عاينين لأولادهم.. الكسوة  

واللقمة

واحنا اللى عجزنا.. بنخاف من الكلمة

وتهزنا النسمة

وف فرحة الأيام.. مالناش ولا

 نغمة

وبننحت البسمة.. فوق الوشوش

 بالفاس

وعلى دماغتنا مداس ..

…………………..

هاتى البزاز أرضع..

أرجع أعيد و أقول ..

هاتى البزاز أرضع..

طعم الردود معسول

هاتى البزاز أرضع .. أمى بقيتى غول

هاتى البزاز أرضع .. آه..

بانجلد بالقول

…………………..

الملح تحت الضرس

والرمل في المعدة

والعزرائيل بيلف

ويحوم على القعدة

و أبص بصة ذعر

لرفاق.. ومبتعدهة

مع إن دود الخوف..

والسوس ملى القعدهة

يا قعدة الجعانين

المدفونين في الطين

المعصوبين العين

سامع غناكى حزين

سامع غناكى أنين

قاطع عروق الدين

علشان أبويا أنا

علق في يوم ميتمى

على بدلته ورده ..

…………………..

هاتى البزاز أرضع

كلت الرصيف يا امه

و قصرت.. أيوه قصرت

إنسان سيزيفى أنا

ع الصخره لسه ما ثورت

قاعد على ودانى

نايم على اسنانى

دايس على عيونى

داقق على الأبواب

سيفى عليه الصدا

شعرى في قلب جراب

عاتب على الأصحاب

علشان تلال الخوف

اللى علي قلوبهم

علشان صراخ الجوع..

اللى ما بيصيبهم

كلت الرصيف يا امه

ومشيت أبوس الهوا..

واتدارى في الزحمة

و عيال بمليون لون.

ورا خطوتى لمة ..

…………………..

با كتب على الحيطان..

كل اللى باتمناه

رجل الحياة فوقى

النمل في عروقى

يا رفيقى إلحقنى

البر غرقنى

والنور بيحرقنى

والخوف صبح كرابيج

يا امه يا ناسيانى..

مع شلة المعاويج

قومى اقفلى الراديو

وقطعى الجرنان

سيبك من التهريج

فوقى بقى ليا

دا الصبر فاض بيا..

وهزنى الحرمان

يا امه الحقينى جعان

ومستحيل أرجع

هاتى البزاز أرضع

هاتى البزاز أرضع

هاتى البزاز أرضع

…………………..

مشيت ومش سامعه..

ومشيت وراها أنوح..

وتهزنى الدمعه ..

…………………..

هاتى البزاز أرضع

مشيت ومش داريه

ومشيت وراها ذليل

مع إنها جاريه

…………………..

هاتى البزاز أرضع

مشيت ومش سائلة

أسألها لقمة عيش

مع إنها سائلة

…………………..

هاتى البزاز أرضع

مشيت ومش لاقيه

معزة تأكلها

وتدور الساقية

…………………..

والدرب طال بيها

لعب المرض فيها

دحرجها شوق الليل

عذبها درب طويل

فوق الندم نامت ..

سنتين ولا قامت

وجريت عليها اصرخ

هاتى البزاز أرضع

هاتى البزاز أرضع

هاتى البزاز أرضع

دا انا تحت جلدى قزاز

أنا تحت جلدى قزاز

…………………..

جلابيتها قطعتها

عريتها.. قلبتها

الجوع نطق اسمها

فتشت في جسمها ..

مالقيتش ليها بزاز

 ( 1969 )

………………….

من كتاب (مدد مدد)

سيرة ذاتية لبلد

سيصدر قريبا

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.