رئيس مجلس الادارة : محمد حبوشة
رئيس التحرير : أحمد السماحي

كمال زغلول يكتب: مكان العرض المسرحي في مصر القديمة

بقلم الدكتور: كمال زغلول

هل كان للمسرح المصري القديم مكان محدد لإقامة (العرض المسرحي)؟، وسنحاول الإجابة عن هذا السؤال في ضوء ما وصل إلينا من برديات، ونصوص، وما قاله هيرودوت عند حديثه عن مسرحيات مصر.

وبداية تم اكتشاف برديات توضح طبيعة إخراج العرض المسرحي في مصر في مكان لـ (العرض المسرحي) الخاص بأوزيريس.

وقد ورد ذلك في (بردية برلين رقم 1425) تختار امرأتين ممشوقتين القد، وتجلسان على الأرض قدام البوابة الأولى للقاعة الواسعة، ويُكتَب على منكب إحداهما إيزيس:

وعلى منكب الأخرى نفتيس، ويوضع في اليد اليمنى لكلتيهما إبريق من القشاني قد مُلِئَ بالماء، كما يوضع في اليد اليسرى لكلتيهما (أرغفة  خبز).

وأهم ما في هذه البردية هى وصف المكان في (العرض المسرحي) المعد لإخراج هذا المشهد ، وهو البوابة الأولي للقاعة الواسعة ، ونستشف من تلك الجملة الإخراجية أن العرض يتم في مكان محدد ، تم إعداده لتقديم العرض عليه.

ولكن وصف المكان لم يكتمل في تلك البردية، ولكن إذا رجعنا للنقش الحجري للممثل الكاهن (إيخر نفرت –  Ikhernofret) وحديثه عن دورة التمثيلي نستطيع اكتشاف بعض الوصف لمكان (العرض المسرحي) القديم.

إذ يقول: (لقد مثلث ظهور آب – وات ap-uat  حينما خرج ليدافع عن أبيه، وقد رددت العدو على عقبيه من زورق نشمت neshmet … وقهرت أعداء أوزوريس.

وقمت بتمثيل (القوة الجبارة) وتتبعت الإله في كل خطواته، وأنا الذي جعلت زورق الإله (يتحرك)، وهكذا حتى يصل إلى الذروة العليا.

فيقول: (وأنا الذي جعلته – أي أوزيريس – يقوم في الزورق الذي يحمل جماله، وجعلت قلوب سكان الشرق تمتلئ بالغبطة، كما جعلت المسرة بين سكان الغرب.

وذلك عندما رأوا الجمال وهو نازل في أبيدوس، جالبا أوزيريس حنتي – أمنتي khenti amenti ، رب أبيدوس، إلى قصره).

ومن أقواله نرى مكان به بحيرة يبحر بها زورق، مما يعني أن (العرض المسرحي) الذي يمثل آلام أوزيريس، كان مجهز ببحيرة ماء، ومعد لأداء تمثيلي داخل هذه البحيرة.

الوصف الكامل للمكان المسرحي لم يكتمل، كما ورد في البردية والنقش الحجري

الوصف الكامل لـ (العرض المسرحي)

ولكن الوصف الكامل للمكان المسرحي لم يكتمل، ولكن نستطيع أيضا التعرف الكامل على هذا المكان من أقول (هيرودوت) الذي يتفق مع الوصف المكان الوارد في البرية والنقش الحجري.

ويقول: ويوجد أيضا بسايس في حرم معبد (أثينا) قبر من لا يحل لي ذكر اسمه في هذا الشأن، والقبر موجود وراء الهيكل، ويمتد محاذيا لكل جدار المعبد.

وفي حرم المعبد تقوم أيضا مسلتان عظيمتان من الحجر، توجد بجوارهما بحيرة  مزخرفة ومزينة بحافة من الحجر، متقنة الصنع على شكل دائري وحجمها – فيما بدا لي – كحجم بحيرة ( ديلوس ) التي تدعي بالبحيرة المستديرة.

وفي هذه البحيرة، تقدم الاستعراضات ليلا والتي تمثل مصيره المحزن  ويسميها المصريون (أسرار).

وهنا يقدم (هيرودوت) وصفا بالفعل للمكان المسرحي الذى يتم فيه (العرض المسرحي)، فقد كان يتم في معبد مجهز أساسا لهذه العروض.

ففي هذا المعبد توجد القاعة الأمامية التي تجلس الفتاتان أمامهما، وتوجد البحيرة التي ذكرها ( إيخر نفرت)، وهذا يعني أنه كان يوجد معبد مجهز لتقديم (العرض المسرحي) عليه.

فليست جميع المعابد سوف تكون مجهزة ببحيرة ، وقاعات ، تسمح بتقديم هذا العرض عليه، ومن وصف (إيخر نفرت) نلاحظ أن إنتاج العرض الذي كان يقوم بتمثيلية ضخم الإمكانيات الانتاجية ، أزياء ، وقارب ، وجمل ، و إكسسوارات ..إلخ.

بالإضافة أن العرض كان يقدم ليلا، مما يعني أن هذا المكان كان مزود بتقنيات إضاءة (مشاعل) لتقديم العرض.

أما لماذا اختار المصري القديم تقديم عرضه في معبد، فهذا يرجع إلى قوة التأثير المكاني على المشاهد.

وهذا ما يشير إليه (هلتون) في نظرية (العرض المسرحي) عند حديثة عن العروض التي تقدم في الكنائس  بقوله (فإذا كان العرض المقدم في الكنيسة متفقا في موضوعه ومتسقا في أسلوبه مع نظام العقائد الذي يكرسه المكان ازدادت قوة تأثير العرض).

كما حدث حين قدمت مسرحية ت. س إليوت (جريمة في كاتدرائية  كانتربري)، لقد كتب إليوت المسرحية خصيصا لتقدم في هذه الكاتدرائية وأقام العمل كله على أساس الموقع الكنسي كمكان للعرض.

كان للمسرحي المصري السبق في التعرف على التأثير المكاني لـ (العرض المسرحي)

التأثير المكاني لـ (العرض المسرحي)

ولذا من الصعب علينا  تصورها وهى تُقَدَّم  خارج الكنيسة، ولذلك كان للمسرحي المصري السبق في التعرف على التأثير المكاني لـ (العرض المسرحي)، فقدم عرضه في المكان المناسب الذي يصنع حالة تأثيرية على المشاهد.

ويعتبر المسرحي المصري القديم هو أول من عمل مكان مسرحي مقسم الي قسمين قسم خاص بالممثلين وقسم خاص بالمشاهدين، في مساحة مكانية لتقديم العرض المسرحي.

ولكن لم يكن المعبد فقط هو المكان المخصص للعروض المسرحية المصرية، فقد عرفت مصر العروض الجوالة، وهذا ما تعرفنا عليه من نقش حجري للمثل يدعى إمحب وكان ممثل تابع لممثل رئيسى آخر لم يذكر أسمه.

ولكن ما يهمنا جولاته المسرحية (فنعرف منه أنه انحدر معه إلى الجنوب حتى بلده (مبو) على أطراف النوبة، كما يصعد معه إلى الشمال حتى مدينة (أواريس) التي كانت قد استخلصت للمرة الثانية من أيدي الهكسوس.

وبالطبع كان يتم اختيار المكان الذي سوف يتم فيه العرض الجوال في كل مدينة ينزلون بها، ويتم إعداد المكان وتقسيمه مكانيا بين الممثلين والجمهور، وهذا يذكرنا بفن المحبظين الجوال الذين كانوا يقدمون عروض جواله في مصر الحديثة.

واندثرت هذه الفرق بظهور البناء المسرحي المخصص لإقامة العروض، وبهذا يكون للمصري القديم السبق في التعرف على التأثيري المكان لعروضه المسرحية، فالمعبد المجهز بالتقنيات كان للعروض الدينية.

أما العروض غير الدينية، فكانت مساحات تعدها الفرقة الجوالة لتقديم العرض عليه، وهذا ما وصل إلينا حتى الآن من إشارات عن طبيعة المكان في (العرض المسرحي) في مصر القديمة.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.