رئيس مجلس الادارة : محمد حبوشة
رئيس التحرير : أحمد السماحي

إبراهيم رضوان: أنا وخطيبتي وهدايا كمال الطويل الغالية!

بقلم الشاعر الكبير : إبراهيم رضوان

في فترة الشباب المبكر كنت مقيما في القاهرة وأزور كمال الطويل في بيته دائما، بحثا عن أمنية أريد تحقيقها تتلخص في تقديم الجديد بالنسبة لشعر العامية، والأغنية، وفي هذه الفترة كان والد خطيبتي الحاج محمود الجمل في مستشفي (القصر العيني) لإجراء جراحه في الرئه، وكان ولا بد من حضور ابنته التي هي خطيبتي لزيارته خصوصا أن خطيبها مقيما في القاهرة، وسيسهل لها كل شئ، بالنسبة للزيارة، خصوصا أيضا أنها المرة الأولي التي تزور فيها العاصمة، كنت آخذها معي إلي الإذاعة من باب الوزارة، ندخل بسهولة لأنهم يعرفون أنني من أعز أصدقاء المستشار علي السيد زوج السيدة المذيعة حكمت الشربيني التي كنت أكتب لها برنامج (صورة شعريه) الذي تتابعه كل الدول العربية.

خرجنا في أحد الأيام من الإذاعة، وكانت شمس القاهرة حارقة، ومختلفه عن شمس المنصورة تماما كشمس جمصه الحارقة المختلفة عن شمس رأس البر الرقيقة، فجأه توقفت بجانبنا سيارة سمعت من يقول لي: اتفضل يا إبراهيم بيه.. كان صاحب هذا الصوت هو المبدع العظيم الأستاذ كمال الطويل، ركبت بجواره، وركبت خطيبتي في الخلف، قلت له: (علي فكره يا أستاذ كمال، أول مرة حضرتك تقوللي يا إبراهيم بيه، وأنا بأحب أسمع من حضرتك كلمة يا إبراهيم بس)، ضحك ضحكته التي أحبها، وتعودت عليها، فقال لي: (يعني أنت ماشي في الشمس، ومعاك إنسانة، واضح إنها بتحبك جدا، وإنك بتحبها، وماسكه إيدك بإيديها الاتنين، يعني واضح أن فيه حب مش عادي  بينكما، بتسكتر اني أقلك يا إبراهيم بيه قدامها؟!).

فقلت له: (يا أستاذ كمال، يا ريت تكون دي آخر مرة تقوللي يا بيه، حضرتك هاتنزلنا لأقرب محطة أتوبيس، نركب، ونروح لأي مكان نتفسح فيه)، لكنه فاجأني: أننا متجهين لمنزله، خصوصا أنني أخبرته، أن من معي هى (اعتدال) خطيبتي، وأنها من قرية إسمها (الريدانيه) مركز المنصورة، فوجدته يخبرني أيضا أننا ستتناول طعام الغذاء عنده، ويسمعني لحنا من كلماتي.

وصلنا إلي شقة كمال الطويل بالزمالك، تناولنا الغذاء، وجلسنا نتكلم في كل شئ، حتي الكرة، تحدث مع المطربة (نجاة) التي كان يسميها (نوجة)، ومع سعاد حسني، وسمعته وهو يتكلم مع أحد الأشخاص قائلا له: (أعطيني وردة، قول لها كمال الطويل)، فقال له هذا الشخص: إنها نائمة، سأله عن اسمه،  وعندما أخبره، قال له الأستاذ كمال الطويل: (هو أنا كل ما اتصل بوردة إنت اللي ترد) وأصبح هذا الشخص أكبر ناقد فني في كل الدول العربية بعد ذلك، ومن أطيب الشخصيات التي تقابلها في حياتك.

تركنا الأستاذ كمال الطويل، وخرج من حجرة الاستقبال، وهو يقول لنا : (أنا قائم أدور ليكم علي هدية تفتكروني بيها بعد الجواز)، غاب الأستاذ فترة، ثم عاد ومعه لوحة ملفوفه، وهو يقول: (دي أجمل هدية ممكن أقدمها ليكم، لأنها عزيزة علي قلبي جدا)، ثم يكمل كلامه قائلا: (وأنا في فرنسا، زرت متحف اللوفر،عجبتني جدا لوحة (الإنسان والنجم)، اشتريتها على أساس أبروزها وأعلقها عندي، لما مالقيتشي مكان عندي للوحة قلت احتفظ بيها لحد عزيز علي قلبي، واتهيألي مفيش أعز منك عندي).

إبراهيم رضوان يعزف على العود بجوار كمال الطويل بعد أن أهداه لوحة

كمال الطويل يهدينا لوحة ساحرة

وقام كمال الطويل بفرد اللوحه الساحرة، وخلفها كتب إهداء منه لي ولخطيبتي إعتدال، التي أصبحت زوجتي بعد ذلك، والتي أعتبرها هدية الله لي، فجأه قال لنا: (يا بختكم  بالمنصورة، نضافة أتحدي بها أوروبا، كنت رايح أزور شقيق مراتي اللي بيعمل عمليه في مستشفي الكلي بالمنصورة، كان معايا منديل ورق عايز أتخلص منه من نضافة البلد فضلت محتفظ بيه لحد ما رجعت ورميته في حتة تانيه)!

أخبرت الأستاذ كمال الطويل أنه لم يشاهد من المنصورة إلا شارعا واحدا، هو الذي أوصله لمستشفي (غنيم) التي تعتبر تحفه يتحدي بها وبنظافتها كل مستشفيات العالم، أخبرته أن المنصورة من الداخل سيئة والكورنيش مهلهل، أخبرني أنه لو كان يعلم ذلك كان سيتخلص من المنديل في أي مكان بالمنصورة.

تكلمت معه عن الدكتور غنيم، أول عالم يقوم بزرع كلي لفتاه اسمها (رقية) من قرية إسمها (ميت بدر خميس) بالدقهلية قلت له: (الدكتور غنيم يحضر كل مباريات فريق المنصورة ولا يجلس إلا في الدرجه الثالثة في مكان يمكنه من تأديب الحكم بعبارات لا أستطيع ذكرها، إذا شعر أنه يظلم فريق المنصورة الذي يحبه).

كمال الطويل وعبد الحليم في لحظة استجمام

كمال الطويل يسمعني لحنا لعبد الحليم

بعدها قال لي كمال الطويل: (لسه بتشتغل في المجلات اللي أنت أخدت مني حديث ليها ونشرته، عايز أقولك علي حاجه غريبة جدا، كل الصحفيين في مصر بيتمنوا يكونوا مؤلفين أغاني، وأنت الشاعر الغنائي الوحيد اللي اتحول لصحفي)، ثم قام ليبحث لنا عن هدية أخري، عاد وبيده تمثال أسود، أخبرنا أنهم أهدوه له في مهرجان خاص بالسينما، وصارحنا أن هذا التمثال أصاب منزله بالنحس منذ أن تسلمه، وأن التمثال يقوم بإسقاط كل شئ يضعه بجانبه، وبدبوس إبره كتب لنا الإهداء، الذي كان شبه اعتذار لأنه أهدانا شيئا لا يحبه ويريد التخلص منه، وجلس على البيانو، ليسمعنا لحنا لكلماتي كتبتها له ليغنيها عبد الحليم حافظ تقول:

رايح فين، رايح فين..يابو القلب حزين، ارتاح

لسه الجرح علي الشطين، وأنت ما كنت ف يوم ملاح

وانتظر كمال الطويل أن نبدي إعجابنا باللحن ولكننا لم نفعل!، من نحن حتي نقول رأينا في ألحان الأستاذ؟! ظن أن اللحن لم يعجبنا فأغلق البيانو بغضب وجلس بعيدا عنه، وهو يقول: (أنا عارف أن اللحن متخلف، وأكرم ليا اني أعتزل) وأيضا لم نعلق!.

يبدو أن كمال الطويل ندم علي عصبيته أمام ضيوفه لذلك أراد أن يخرجنا من حالة الصمت التي سيطرت علي الجلسة فسألني: (عامل إيه مع نوح، وبيحاسبك علي أغانيك، ولا لأ؟!)، قلت له: (المشكله دلوقتي ما عادتشي مشكلة نوح لأن نوح لقي حته من روحي) فسألني: أمال مشكلة من؟، مدير مكتبه؟!.

فقلت له: لأ المشكل مشكلة أبوللو!

فرد: مين أبوللو؟

فقلت له : الكلب اللي عنده!

ضحك الأستاذ كمال الطويل ضحكة بسيطة، هو يقول لي : (والكلب ده ماله، ومال العلاقه اللي بينك وبين صاحبه؟!).

فقلت له: (يا أستاذ كمال، فيه ساعات نوح بيبقي عنده فلوس ليا، أنا بطبيعتي قاعد  مع نوح يوميا الكلب كل مرة بيهز ديله وأنا داخل ترحيبا بيا، إلا اليوم اللي أكون جاي فيه وناوي أطالب نوح بمبلغ عنده ليا، أبوللو يسيب كل اللي جاي معايا يدخل، ولما آجي أدخل يسد الباب عليا).

فقال الأستاذ كمال الطويل: (خلاص شيله وطبطب عليه وهو أكيد هايحبك، حتي لو كنت جاي تطلب فلوس)، فقلت له: (أشيل إيه يا أستاذ كمال.. دا قد الجمل)، فقال: (خلاص..اشتكيه لنوح) فقلت له: اشتكيته.

فرد: وبعدين؟!

فقلت له: (نوح أقسملي بالله، إن الكلب ما يعرف حاجه عن أي تعاملات بيننا وبين بعض)، فسألت نوح: (طيب ليه بيمنعني من الدخول، وإذا استنجدت واستعنت بالخدم علشان يدخلوني يفضل يلف حواليا وأنا قاعد في الصالون ويزغرلي).

فيرد نوح: (هو أنا حتي يا إبراهيم لو هاوحيه هايعرف أنا عايز إيه؟!، دول لهم لغه خاصه، ماتظلمنيش وحياة عنيك!).

يضحك الأستاذ كمال الطويل ويصمم أن يعرف ماذا قلت لنوح ردا علي دفاعه عن نفسه؟!، فقلت لنوح: (أنا ما قلتلكشي يا نوح إنك اللي مسلطه عليا، أنت بتشممه الأغنيات اللي لسه ما حاسبتنيش عليها، لذلك يا أنا يا أبوللو؟!).

وتنطلق ضحكة الأستاذ كمال الطويل، الذي يغادر الغرفة وهو يضحك ليبحث لنا عن هدية ثالتة، وأنا أردد بيني وبين نفسي:

ليه يا شوارع بتضيقى..

وبتعلى ليه يا رصيف

أنا ماشى حزين مع ضيقى..

مش طايق صوت الزيف

ما تجينى.. تِبِلِى فى ريقى

وتكونى يمام فى طريقى

البدر .. هايبقى صديقى

لو حتى السكه خريف

…………………….

ليه يا شوارع بتسيبى ..

الريح ترعش أبوابى

وتخلى حبيبة الروح 

مجروحه ف إيد مجروح

ماشيين.. والجو ضبابى

ما تجينى.. تِبِلِى فى ريقي

وتكونى يمام فى طريقى

البدر.. هايبقى صديقى

لو حتى السكه خريف

…………………….

ليه يا شوارع بتنوحى..

على قلب حبيبة روحى

وبتبكى ليلاتى معايا

على ضىّ عيون قمرايه

والكون نايم وانا صاحى

ما تجينى.. تِبِلِى فى ريقى

 وتكونى يمام فى طريقى

البدر.. هايبقى صديقى

 لو حتى السكه خريف

…………………….

ليه يا شوارع بتدوسى ..

 إحساسها.. مع إحساسى

مع إنى ما حُوشتش حاجه

عن أى صحاب محتاجه

ولا كنت معاهم ناسى

ما تجينى.. تِبِلِى فى ريقى

وتكونى يمام فى طريقى

البدر.. هايبقى صديقى ..

 لو حتى السكه خريف

…………………….

ليه يا شوارع بتئنى ..

أرجوكى تراعى ف سنى

مش لاقى فى حضنك راحه

ولا لىّ قيراط فى الساحه

والعالم ضايع منى

ما تجينى.. تِبِلِى فى ريقى

 وتكونى يمام فى طريقى

البدر.. هايبقى صديقى 

لو حتى السكه خريف.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.