رئيس مجلس الادارة : محمد حبوشة
رئيس التحرير : أحمد السماحي

المستور.. ضحايا حلال.. دراما الجرأة في السعودية

كتب : محمد حبوشة

ارتفعت حدة الجرأة في الدراما السعودية خلال السنتين السنوات القليلة الماضية لتتجاوز كل ما أتفق على أنه خطوط حمراء وواجهت بعض المسلسلات مثل مسلسل المستور.. ضحايا حلال، اعتراضا جماهيريا كبيرا فيما احتج صناع هذه الأعمال بأنهم ينقلون الواقع فحسب وأن مهمة الفن الحقيقية هى تصوير الواقع بكل تجلياته السلبية والإيجابية، فيما يرى البعض أن ما قدمته المسلسلات السعودية حتى الآن ليس جرأة بالمعنى الفني والثقافي المنشود، إنما هى طرح استهلاكي فقط يحتوي على بعض العبارات والإيحاءات التي قد توهم البعض بأنها أعمال جريئة وتنبش أعماق الواقع الإنساني للمجتمع السعودي، وهذا مستوى لاتعرفه الأعمال السعودية حتى هذه اللحظة، ولكي نصل إلى هذا المستوى نحن بحاجة إلى كاتب سيناريو حقيقي يدرك أصول الكتابة الدرامية ويحمل في الوقت نفسه دراية بقضايا المجتمع ومشاكله.

نعم كانت المشكلة في تصوري هى مشكلة كاتب بالدرجة الأولى فليس هناك كاتب له قيمة في مجال الدراما التلفزيونية ليس هنالك سينارست يقوم بعمل حقيقي، حتى جاء مسلسل المستور.. ضحايا حلال، وأعتقد أن المتابع لهذا المسلسل سيكتشف قدرات كتابية جميلة طرحت قضايا جريئة دون أن تخدش المتلقي ودون أن تخل بأساسيات العمل الفني، وتبدو لي الجرأة بشكلها الإيجابي موجودة في الأعمال السعودية، وأدلل بمسلسل المستور.. ضحايا حلال، الذي جاء في ثوب جرئ والطرح الجريء هنا مطلوبا في الدراما وليس عيبا حتى لو كانت حالة فردية، لأن الدراما تعتمد على أسلوب (الجذب والتشويق)، فضلا عن التجديد والتغيير، لكن هذه الجرأة تحتاج إلى المنطقية في تسلسل الأحداث وليس مجرد خلق مفتعل يجمع القضايا المثيرة إلى جانب بعضها على طريقة (السينما الهندية)، وهنا أقول: أنا أرى أن الجرأة مطلب ووجودها ضروري في كل عمل فني لكن بنسبة مقبولة.

أم نورة.. شخصية صلبة ومتسلطة

أم نورة .. مسلسل المستور.. ضحايا حلال

ما لا يعلمه البعض أن مسلسل المستور.. ضحايا حلال، عرض سابقا، وتحديدا في ديسمبر 2020، لكن تم وقفه – لكن حينها سببت القصة جدلا واسعا بين المتابعين والجمهور، والآن يعود العمل الدرامي مرة أخرى للظهور مجددة – وهو قد عزف على أوتار السلبيات، حيث يروي العمل حكاية خمسة من النساء، يجمعهم مكان ما، بيت تملكه وتديره سيدة تجاوزت أواسط العمر، ليس لها اسم، ولكن كنية تعرف نفسها ويناديها الآخرون بها، هى (أم نورة) تؤدي دورها الفنانة القديرة (سناء بكر يونس)، صاحبة الحضور المميز في أي عمل تظهر فيه، وإن كانت هذه الشخصية ستظل واحدة من أهم وأفضل أدوارها بتركيبتها المعقدة والفريدة.

في مسلسل المستور.. ضحايا حلال، تستضيف (أم نورا) في بيتها عددا من الفتيات الجميلات، تقوم بتزويجهن بعقود (شرعية) على يد شيخ مأذون يؤدي دوره (سعيد صالح)، ثم تقوم بتطليقهن بعد فترة وتزويجهن من جديد، وبالطبع الرجال الذين يأتون إلى هذا البيت لايرغبون في زواج حقيقي به إشهار وحياة مشتركة، ولكنهم يرغبون في الحصول على بعض المتعة (الشرعية) لبعض الوقت بمقابل مجز تتقاسمه أم نورة والشيخ والفتيات!، تحت لافتة (زواج المسيار).

سحر.. شخصية مغلوبة على أمرها
شوق.. واجهت تعنت الكفيلة

سحر والمستور.. ضحايا حلال

أولى فتيات مسلسل المستور.. ضحايا حلال، هى (سحر)، التي تؤدي دورها (ميلا الزهراني)، وهى ابنة أخت (أم نورة)، ولكن هذه القرابة لا تمنع الخالة من استخدام الفتاة بحقارة، بل سنعرف لاحقا أنها تفعل ذلك عمدا لتنتقم من أمها وأختها الراحلة، كما نعلم أن (أم نورا) تبنت سحر منذ طفولتها وزوجتها للمرة الأولى عندما كان عمرها 14 عاما فقط، والفتاة المسكينة لا تعلم عن العالم سوى هذا البيت وهذه الحياة.

الفتاة الثانية في مسلسل المستور.. ضحايا حلال، هى (شوق)، وتؤدي دورها (نسرين الراضي)، وهى على عكس (سحر)، جاءت إلى المنزل باختيارها، بعد أن حاولت كفيلتها ترحيلها، وذلك لتصنع بعض المال تؤمن به مستقبلها، والثالثة هي (ملك)، تؤدي دورها (العنود سعود)، وهى مطلقة لديها ابنة، تحتمي ببيت (أم نورة) لحماية ابنتها التي يرغب أهلها تسليمها إلى أبيها، ولكن تنتهي إحدى زيجاتها بقيام زوجة برش (ماء النار) على وجهها فتشوهه، ولا تجد سبيلاً سوى البقاء في البيت كخادمة، والرابعة، هى أحدث نساء بيت (أم نورة)، فهي (ناريمان)، وتؤدي دورها (لين غرة)، المهاجرة من سوريا مع أسرتها هربا من الحرب، والتي فقدت حبيبها بعد أن أقامت علاقة معه، وهى تلجأ لبيت (أم نورة) بحثا عن عمل، وللهرب من بيت أسرتها الذي تحول لسجن.

ناريمان.. الحاجة مبرر غير منطقي

ناريمان .. المستور .. ضحايا حلال

وفي أولى زوجاتها تقع (ناريمان) في براثن رجل مختل، هو (سلطان)، الذي يلعب دوره (خالد صقر)، يقوم بخطفها وحبسها، ويحاول قتلها، وهو المشهد الأول الذي يبدأ به المسلسل حلقاته العشر، قبل أن يتنقل في الماضي ليروي لنا قصص النساء الخمس، وقصة ناريمان وسلطان هى أكثر الخطوط إثارة، ومن الغريب أنها تشبه إلى حد ما قصة مسلسل (اختطاف) الذي لعب فيه خالد صقر أيضا شخصية الخاطف، حتى أن البعض شبهه ببطل (مسلسلYOU) بين بادغلي في شخصية (جو جولدبيرج) من حيث تشابههما في الصفات السيكوباتية والدور المعقد والمركب للشخصية، وبغض النظر عن هذا التشابه الذي يمكن أن يكون صدفة، يحتوي المستور.. ضحايا حلال، على عدة خطوط درامية أخرى جيدة، منها قصة الحب الرقيقة التي تنشأ بين (سحر) وآخر أزواجها، وهو شاب مريض بالسرطان على وشك الموت، وكذلك قصة الجارة (وفاء) الفتاة الخامسة)، تؤدي دورها (رزان طارق)، نصف السعودية ونصف البريطانية، التي تقوم بخطف طفليها بعد صدور حكم بحصول طليقها على حضانتهما، وتحاول (أم نورة) استدراجها مقابل إعادة طفليها إليها، ولكن وفاء ترفض وتهرب بطفليها من جديد.

ملك.. تدفع ثمن ضعفها بسبب ظلم المجتمع

ملك.. المستور.. ضحايا حلال

هذه القصص الخمسة في مسلسل المستور.. ضحايا حلال، وغيرها ينسجها بشكل متشابك ومتوازن المخرج أحمد مدحت، والذي تميز من قبل في عدة أعمال تنتمي للنوع البوليسي والرعب، وهو يستغل خبرته في هذه النوعيات ليعطي لـ (ضحايا حلال) إيقاعا سريعا وتشويقا على مدار حلقاته العشر، يساعده في ذلك مونتاج هيثم كرم المحكم وموسيقى تامر كروان التي تعطي للعمل مذاقا متجهما وحزينا يتناسب مع موضوعه ومزاجه، فضلا عن الحبكة الدرامية فائقة الجودة من جانب نور شيشيكلي، مع لمسات فاروق الشعيبي مدير المحتوى، وبالطبع أداء ممثلاته وممثليه، الذين نجحوا في تجسيد شخصيات صعبة، يختلط فيها الشر بالخير، والضعف بالقوة، تتجاوز تبسيطات الأبيض والأسود المعتادة، وهذا ما يجعله عمل يستحق أن يشاهد ليس فقط لجدة موضوعه، ولكن لجودته الفنية بشكل عام.

أثار المسلسل السعودي المستور.. ضحايا حلال، الذي انتهت حلقاته على تطبيق (شاهد) حالة من الجدل بين الجمهور في المملكة العربية السعودية، وعلى الرغم رغم تصدره تريند موقع (تويتر) في المملكة على مدار أيام عرضه، إلا أنه تعرض للنقد من بعض المشاهدين، الذين اتهموه بأنه يروج للزواج المسيار وزواج المرأة من المراهقين القصر، ومع ذلك فقد حقق العمل أصداء إيجابية ونجاحا لافتا، وبالنسبة لتعليق البعض على بعض المشاهد القليلة، فالعمل عرض على منصة شاهد، وهى مدفوعة وتم تصنيف المسلسل فوق 18 سنة، والأمر يرتبط بممثلة واحدة وهى فنانة مغربية لديها الجرأة أن تقدم الدور بطريقتها الخاصة الجريئة، كما أن القصة بشكل عام جريئة وتناقش قضية مدفونة رغم وجودها في المجتمع، وهى الزواج المسيار، ولكن العمل بشكل عام رائع وحظى بمتابعة كبيرة.

وفاء .. واجهت ظلم زوجها بالهروب

وفاء .. ضحايا حلال.. قضايا حساسة

على أية حال نجح مسلسل المستور.. ضحايا حلال، في تسليط الضوء على قضية اجتماعية شائكة لم يسبق للدراما التلفزيونية السعودية أن تطرقت إليها، وذلك في مواكبة للإقبال الجماهيري على الدراما ذات الأبعاد الاجتماعية، والسرد القصصي الذي يعالج القضايا الحساسة والشائكة والبعيدة عن عدسات الإعلام ونصوص الدراما في العالم العربي، حيث استوحى أحداثه من قصص واقعية وشخصيات تتشابك خطوطها الدرامية حول قضية جوهرية هى (زواج المسيار)، الذي يتم التطرق إليه داخل المملكة العربية السعودية وخارجها لأول مرة في الدراما التلفزيونية، وهو ما يعكس أن الرواية السعودية مرت بتحولات كبيرة سواء على مستوى البناء الفني أو الموضوعات، وهذه التحولات جاءت متساوقة مع التحولات الكبرى التي مرت بها المنطقة بصفة عامة والمجتمع السعودي بصفة خاصة.

وقد انعكس هذا التحول كما جاء في مسلسل المستور.. ضحايا حلال، على مسيرة الرواية في كيفية تقديم الموضوعات الروائية المختلفة أو جماليات السرد وتطورها من مرحلة إلى أخرى، أو من حيث تعاطي موضوعات بعينها ومدى جرأة التناول في بعض مراحل تطور الرواية، خلال هذا المنظور تصبح نوعا أدبيا تلده التجارب الاجتماعية ومدى عمقها، وتغذي نموه التحولات الكبرى، بل تغير من تكوينه الجمالي والمعرفي، ولعل الطفرة النوعية التي تشهدها الرواية السعودية، تطرح نقاشا كبيرا بين المهتمين بالرواية العربية، ما بين متحمس لها، شديد الحماس بغض النظر عن تساهل بعض الروائيين في الحفاظ على جماليات البناء الروائي وبين منتقد لهذا التساهل.

ورغم كل هذا الجدل الذي ثار بين النقاد حول المتخيل السردي لمسلسل المستور.. ضحايا حلال، إلا أننا لا نستطيع أن ننكر أن الرواية السعودية من أجرأ الخطابات التي ناهضت أشكال التمييز والتصنيفات القبلية والمذهبية الموجودة في المجتمع، بل تفوقت على الخطابات الحقوقية والسياسية في كشف المسكوت عنه في المجتمع السعودي، وأن الرواية عبر هذا المسلسل وغيره من مسلسلات عنيت بالجرأة وكشف المستور أدت دورا تنويريا في كشف إشكالية التصنيف العنصري الموجودة في المجتمع، ومن هنا شهدت الأعمال الدرامية السعودية في السنوات الأخيرة، وتحديدا بداية من عام 2016، تنوعا في ثيمات المواضيع المطروحة بين الكوميديا والدراما والفنتازيا أحيانا، الأمر الذي يعكس رغبة جامحة من صناعها في التعبير عن واقع المجتمعات الخليجية والإشكاليات المختلفة التي تواجهها، وهى الإشكاليات التي تعجز كثير من الدرامات العربية الأخرى عن تفهمها أو التعبير عنها.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.