رئيس مجلس الادارة : محمد حبوشة
رئيس التحرير : أحمد السماحي

مروان حامد : مخرج السينما الذي رسخ أفلامه لتسكن الذاكرة المصرية

بقلم : محمد حبوشة

تتوارث الأجيال منذ البدء صفاتها الوراثية، شكلا وسلوكا وتصرفا، فضلا عن العادات الأخرى، ويمثل المخرج الموهوب مروان حامد هذا النموذج المثالي الذي ورث جينات الفن عن والده الراحل العظيم وحيد حامد، وللأطباء المختصين قول في هذا الشأن مفاده أن المادة الوراثية تحتوي على مجموعة من الخلايا.. وكل خلية نواة تختزل كل موروثاتنا التي نرثها من الأب أو الأم، لكن المواهب الكبرى لا تورث كالشكل والسمات، فالعبقرية تهبها الحياة لأحدهم، فيكسب بها مجدا بما أنجز لهذا العالم من نتاجات مبدعة تنتفع البشرية منها.

ولعل الكثير من أبناء العباقرة اتصفوا بسماتهم الشكلية دون أن يكتسبوا شيئا من موهبتهم وعبقريتهم، ما جعل العالم يؤمن أن الصفة الوراثية للفرد – على الأغلب – تنتقل لبنيه بكل تجلياتها، ما خلا خاصية النبوغ والموهبة، وليس ثمة شواهد كثيرة تتقاطع مع هذا الاعتقاد لانتقال الصفات الوراثية بمجملها، سوى نماذج نادرة، كنموذج الفرنسي الفنان الرسام الموهوب بيير أوجست رينوار، وابنه جان الفنان المخرج، وفي حالتنا المصرية المخرج الموهوب مروان حامد

مروان حامد يملك رؤية وإدراك حقيقي لفن السينما

رؤية وإدارك مروان حامد

ثمة من المواهب ما نما عبر الإصرار والمواكبة والاشتغال الدؤوب بعيدا عن رتابة التلقي الأكاديمي، مواهب نمت رغم المنغصات التي غالبا ما تحول دون اكتمال الصورة المنشودة التي يسعى العبقري المختلف لابتداعها، فهذا الرسام الانطباعي أوجست رينوار الذي لم يدرس الرسم ولا الفن في أكاديميات فرنسا الكبرى حينها، كان يعمل في مصنع خزف ويمضي بقية وقته في زيارة المتاحف الكبرى ويتابع الفنون بحب دون نصيحة من أحد، مؤثثا سماوات عينيه بالرسوم والألوان، لكن تبدو لي حالة المخرج مروان حامد واضحة المعالم على مستوى الرؤية والإدارك في صناعة الفيلم السينمائي المصحوب بالدهشة الإبداعية.

ومن ثم اتسعت مداركه الفنية متأثرا بفنانين كبار.. سافر في عوالم أعمالهم عبر روحه المسكونة بالعزيمة، فسار بثقة في اتجاهات فن يغير وجهة المدرسة الانطباعية نحو آفاق أخرى، وهكذا أخذ مروان حامد يبدع صباحا ومساء في محاولاته الكبرى التي لم ترق للنقاد الأكاديميين، وظل يعرض أفلامه الإبداعية التي لا تنتمي إلى أحد سوى إلى فكره طيلة حوالي 15 عاما ظل لافتا للانتباه من أول تجاربه السينمائية التي سبقها بصناعة الفديو كليب والإعلانات اللتين أكسبته خبرة كبيرة في التعامل مع النص المكتوب وحركة فريق عمله التمثيلي في تفاعل تام ومتقن.

تعتبر حرفة الإخراج Craft of directing شيئا أساسيا في مهنة الإخراج عند المخرج الموهوب مروان حامد، وتعتمد معظم قواعد هذه الحرفة على الحس الفنى للمخرج وعلى مدة احترافه للمهنة وعلى معرفته بما هو مناسب وما هو غير ذلك، وكما هو الحال مع مهارات الحرفة الأخرى الخاصة بصناعة السينما مثل المونتاج والصوت فإن العملية الإبداعية هامة جدا، وعلى العكس من الفنون الأخرى التي يمكن فيها الإبداع بدون تعلم مهارة حرفية  فنجد أن عملية الإخراج لدى مروان حامد لا تتحقق إلا عبر عملية تقنية technique  ومع هذا لايعوق العملية الإبداعية، ولذلك تنطبق عليه مقولة (الإبداع فوق قواعد الحرفة) على عنصر الإخراج كما هو في مهارة أي حرفة أخرى.

يعتبر الشكل الفني للسينما في حد ذاته في مفهوم مروان حامد أداة لتوصيل رسالة في السينما

الشكل الفني عن مروان حامد

يعتبر الشكل الفني للسينما في حد ذاته في مفهوم مروان حامد أداة لتوصيل رسالة باستخدام الصور والحركة والألوان والصوت والموسيقى والكلمة المنطوقة، وطبقا لهذا المفهوم فإن السينما فن يقوم على التعاون بين المخرج والعاملين الذين تقوم هذه الصناعة على أكتافهم وحتى يكتمل الفيلم ينبغي أن يقوم كل منهم بالتواصل مع الآخرين، فالكل له رؤيته الخاصة للفيلم وما يجب أن يكون عليه في النهاية ولابد أن يتم التواصل بين زوايا الرؤية المختلفة، وتتكون عملية صناعة الفيلم عند مروان حامد من ثلاث مراحل رئيسية: مرحلة ما قبل الإنتاج (أو ماقبل التصويرPreproduction )، ومرحلة الإنتاج (أو مرحلة التصويرProduction)، ومرحلة ما بعد التصوير (أو مرحلة المونتاج Postproduction)، وفي كل مرحلة من هذه المراحل يتعاون مروان حامد مع كثير من البشر الذين يبدعون ويشكلون وينتجون العناصر التي سوف يتكون منها الفيلم في النهاية.

ليس هذا وحسب فمن المهم جدا أن يختار المخرج مروان حامد الفريق الفني المصاحب له بعناية شديدة من مدير تصوير ومصور وفني صوت وفني مكياج ويكون اختياره لهم مبنياً على بعض النقاط، أولا: أن يتم إختيارهم حسب خبرتهم وأن يكونون مفيدين للمخرج في موضوع النص الذي أختاره أي بمعنى أن يختار مدير التصوير الذي يتماشى مع طبيعة النص في حال كان العمل تاريخي أو رعب أو كوميدي أو فنتازيا فهذه أمور في غاية الأهمية للعمل، وهناك جانب آخر لايمكن أن يغفله مروان حامد، وهو أن يكون هناك انسجام بين المخرج وفريق العمل الذي سيعمل معه، لأن هذا له عامل كبير جدا في خلق روح منسجمة أثناء تنفيذ العمل ويفضل أن يكونون قد عملو معه في أعمال سابقة، ولهذا تجده يستعين بفريق عمل شبه ثابت على متوسى التأليف والتمثيل في غالبية أفلامه.

للمخرج السينمائي مروان حامد صفات عدة قد تبدو متناقضة بعض الشيء، لكن يمكن حل معادلة تحقيقها، ومن هذه الصفات، أن يكون مستبد الرأي، في نفس الوقت يكون ديكتاتورا، ويجب أن يكون واقعيا، ومخلصا، وأن يكون قائدا حكيما، وله القدرة على اتخاذ القرارات الحكيمة ومتابعتها، وعليه أن يصبح أقرب صديق لفريق العمل، فضلا عن كونه مدير الإخراج السنيمائي الأول، فهو أيضا القاضي والرئيس والصديق، ولأنه يجب أن يكون إنسانا مبدعا، فهو المسؤول الأول والأخير عن تحويل الكلمات المطبوعة في السيناريو إلى حدث مادي ملموس، لذا يبدو لي إنسانا واعيا للقضايا حوله، سواء الثقافية أو السياسية أو الاجتماعية، مع القدرة على إتقان عملية الإنتاج وأساليب سرد القصص.

مروان حامد مهارات فنية كثير في صناعة الفيلم السينمائي

مروان حامد متعدد المهارات

ومن أهم سمات المخرج مروان حامد أيضا أنه متعدد المهارات، ولديه حس فني عال، حيث يستطيع أن يوظف كل شيء في مكانه الصحيح، وأن تكون له نظرة ثاقبة ورؤية واضحة وتوقعات على درجة كبيرة من الصحة بشأن مستقبل الفيلم، لذا تجده قد برع في غالبية أفلامه إن لم يكن كلها، وذلك عن طريق قراءة وتفسير النص وكيفية تحويله إلى فيلم وما ينطوي على ذلك من تخطيط، اختيار مواقع للتصوير، تحديد اللقطات، سرعة الإيقاع في الفيلم، وأساليب التمثيل واختيار الممثلين، وأي شيء آخر يؤثر على شكل الفيلم النهائي.

ولد مروان حامد في القاهرة وهو ابن الكاتب والسيناريست المشهور وحيد حامد والإعلامية زينب سويدان، ورغم أن هو الابن الوحيد للكاتب والسيناريست المصري وحيد حامد، إلا أنه علمه منذ الصغر كيفية الاعتماد على نفسه فى تحقيق أحلامه الخاصة، لذلك ابتعد عن ابنه عندما أخبره أنه يريد أن يصبح مخرجا ونصحه بالاعتماد على نفسه وموهبته وألا ينتظر من شهرة أبيه أن تصنع له مجدا.

تخرج من المعهد العالي للسينما، وعمل مساعد مخرج للمخرج سمير سيف والمخرج شريف عرفة، وبدأ مروان حامد مشواره الفني أثناء دراسته في المعهد، حيث قام بإخراج بعض الإعلانات، كما قام بإخراج أول فيلم له في مسيرته الفنية وهو الفيلم القصير (لي لي)، وعمل كمساعد مخرج تحت التمرين في فيلم (النوم في العسل) إخراج شريف عرفة وبطولة كلا من (الزعيم عادل إمام، شيرين سيف النصر، دلال عبدالعزيز، وعبد الرحمن أبو زهرة)

وعمل كمساعد مخرج لشريف عرفة في فيلم (اضحك الصورة تطلع حلوة)، بطولة النمر الأسمر أحمد زكي والفنانة ليلى علوي، وفي فيلم (سوق المتعة) وفيلم (الناظر) بطولة كلا من الفنان علاء ولي الدين، هشام سليم، حسن حسني، وأحمد حلمي، وعمل مساعد مخرج ثان للمخرج الكبير سمير سيف في فيلم (ديل السمكة) وتأليف وحيد حامد وبطولة كلا من حنان ترك، عمرو واكد، سوسن بدر، وسري النجار.

عمارة يعقوبيان.. رائعة أفلام مروان حامد
الأصليين .. واحد من أفلامه المبهرة

عمارة يعقوبيان رائعة مروان حامد

وجاءت انطلاقته الفعلية في عالم الإخراج سنة 2006 عندما قدم للسينما الفيلم الشهير (عمارة يعقوبيان) الذي ضم باقة متنوعة من ألمع نجوم الوسط الفني جاء على رأسهم كلا من (الزعيم عادل إمام، خالد الصاوي، نور الشريف، هند صبري، سوسن بدر، سمية الخشاب، خالد صالح، إسعاد يونس، جميل راتب، وأحمد بدير)، وقدم سنة 2007 مسلسل (لحظات حرجة) بمشاركة الخرج أحمد ماهر،  وقام بإخراج فيلم (إبراهيم الأبيض) سنة 2009 أحد العلامات المميزة في تاريخ السينما المصرية، وضم مجموعة من أشهر نجوم الوسط الفني مثل (الساحر محمود عبد العزيز، عمرو واكد، أحمد السقا، وهند صبري)، وشارك سنة في إخراج فيلم (18 يوم) الذي تدور أحداثه حول ثورة الخامس والعشرين من يناير مع مجموعة من المخرجين المشاهير مثل (شريف عرفة، كاملة أبو ذكرى، محمد علي، خالد مرعي، وشريف البنداري، أحمد عبد الله، ومريم أبو عوف).

وقام سنة 2014 بإخراج فيلم (الفيل الأزرق 1) الذي يعد نقلة نوعية في مشواره الفني، وهو بطولة كلا من (خالد الصاوي، كريم عبد العزيز، ونيللي كريم)، كما قام بإخراج الجزء الثاني من الفيلم سنة 2022، وجدير بالذكر أن الفيلم مأخوذ عن رواية (الفيل الأزرق) للكاتب أحمد مراد، وأخرج سنة 2017 فيلم (الصليين) وفي 2018 فيلم (تراب الماس) المأخوذ من رواية بنفس الاسم للكاتب أحمد مراد، بالإضافة إلى فيلم (كيرة والجن – 2022) بطولة الفنان كريم عبد العزيز والفنان أحمد عز.

وعن تجربته في أول أفلامه الروائية الطويلة (عمارة يعقوبيان) التي أعادت الروح للأعمال الأدبية، وغيرت المفهوم السائد حينها للسينما في مطلع العقد الأول من الألفية الجديدة،قال: لقد كان تجربة صعبة والخوف وقتها جعلني أجتهد كثيرا، وتلقيت مساندة من النجوم الكبار المشاركين في الفيلم، وتصويره كان أمتع أيام حياتي لأنني عملت مع الزعيم عادل إمام، كذلك نور الشريف لأنه كان يعد مدرسة فنية كبيرة، وكان داعمًا للشباب وداعم كبير لي، ويضيف مروان حامد: فكرة أن الأستاذ (عادل إمام) تحمس للمشروع ومع مخرج جديد وهى مخاطرة فهو أمر فتح أبوابا كثيرة للفيلم على جميع المستويات، وحتى هذه اللحظة دائما استشهد بهذه التجربة مع الزعيم،  وأي حد اشتغل مع الأستاذ استفاد كثيرا من دعمه وفي نفس الوقت هو علامة فارقة في مشواري، فأول شوط أخرجته كان من تمثيل النجم الكبير عادل إمام، فدرجة الحب التي أكنها له لا يمكن وصفها.

تراب الماس
الفيل الأزرق
كيرة والجن

مروان حامد: تعلمت من الزعيم

يؤكد مروان حامد أنه تعلم من الزعيم الكثير في تلك المرحلة: لأنه قدم لي كثيرا من الدعم بلا حدود وبمنتهى الكرم، والحقيقة أن هذه هي شخصية الزعيم في الواقع، وقبل التصوير كان بينا  جلسات عمل كثيرة كنت أشرح له فيها وجهة نظري وهو أمر طبيعي بين المخرج وبطل العمل،  لكن خلال التصوير كنا نعمل بحب ومتعة كبيرة جدا، والحقيقة أن الزعيم منحني ثقة كبيرة جدا فوق الوصف وكان يشجعني طوال الوقت وهذا فرق كثيرا معي لأنني إذا كنت داخل مهزوز أو فاقد الثقة مكنتش عرفت أنطلق ولا اشتغل بحرية،  فالعمل مع عادل امام منحني قانون العمل والمنهج الذي استكملت به رحلتي.

كما تعلمت من الأستاذ الانضباط وتقديس العمل واحترامه الكبير للنص، (عمري ما شوفته تدخل في النص سواء معي أو حتى في الأفلام التي حضرت تصويرها مثل: المنسي، النوم في العسل، بالعكس هو بيركز في الحوار ويحترم النص كثيرا، هذا بخلاف احترامه لجميع العاملين في اللوكشن، فهو يعرف كل فرد بالاسم ومركز مع كل الناس، فهناك حالة دفء شديدة في العمل، احترام كبير لمن نقدمه واحترام لفكرة أن ما نقدمه له قيمة وتأثير كبير على الجمهور، فهذا ما شاهدته وتعلمته من الزعيم سواء في عملي معه كمخرج أو حتى من قبل دخولي المجال)، ويستطرد مروان حامد: الحقيقة أن الزعيم منحني ثقة كبيرة ودعم لا نهاية له في (عمارة يعقوبيان) ولولا ما قام به في أولى تجاربي لم أعرف أنطلق ولا اشتغل بحرية،  فالعمل مع عادل إمام منحني قانون العمل والمنهج الذي استكملت به رحلتي طوال السنوات الماضية.

وفي النهاية لابد لى من تقديم تحية تقدير واحترام للمخرج الموهوب مروان حامد، الذي يعد من أنجح المخرجين فى جيله، فقد قدم أعمال تستطيع أن تعيش فى ذاكرة السينما كالمخرجين العظماء الذين أثروا فى الفن المصري والعربي بأعمال مازالت تحيا فى ذاكرتهم قبل قلوبهم فاقناع العقل أصعب من اقناع القلب، ويكمن سر خلطة نجاح مروان حامد هو تجربة مكتملة الأركان لا يمكن أغفال أى منها وأهمها النشأه فهو نجل المؤلف وحيد حامد صاحب الأعمال الفنية الأكثر نجاحا فالبيئة المحيطة دائما تضفي ظلالها فى عقل وقلب ووجدان الإنسان، وتأتي بعد ذلك موهبته وأنه أحب عمله كمخرج ولم يعتبرها وظيفة، فهو يجيد اختيار أبطاله ليخرج عملا مميزا، وكذلك انتقاء هذه الأعمال التى يقدمها فقد اقترنت أعماله الناجحة بمولفات الكاتب المميز أحمد مراد.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.