رئيس مجلس الادارة : محمد حبوشة
رئيس التحرير : أحمد السماحي

محمود حسونة يكتب : محمد منير .. حدوتة عالمية

بقلم: محمود حسونة

لاشك أن محمد منير حدوتة عالمية تستحق التقدير والاحترام، صحيح أن الحفلات الغنائية تشبه مطربيها، وتعكس قيمة كل منهم الفنية، ولكن من يرتضي أن يكون مجرد رقم في حفل غنائي يكون مجرد كومبارس على الخريطة الغنائية، ومن يغني فقط لجمع بعض المال يكون مجرد مرتزق من الغناء، ومن يحول نفسه إلى بهلوان على خشبة المسرح يكون بهلواناً في سيرك الحياة، ومن يغني لتكريس قيم وتحفيز عقول وارتقاءً بذائقة يكون صاحب رسالة.

ولأن محمد منير فنان صاحب رسالة اختار منذ ما يقرب من نصف قرن أن يكون مختلفاً، لذا جاء الحفل الذي أحياه في مدينة جدة مختلفاً ومتفرداً مثله، نعم، هذا الحفل ليس أول الحفلات التي تنظمها هيئة الترفيه السعودية، ولن يكون الأخير، ولكنه سيظل مختلفاً عن السابق واللاحق من الحفلات الكثيرة التي أقيمت وستقام في مدن المملكة، وأيضاً في العواصم العربية المختلفة.

إقرأ أيضا : محمود حسونة يكتب : دموع محمد منير .. وفاء وإباء

كان حفل تتويج للكينغ محمد منير على مملكة الغناء المختلف والموسيقى المتفردة، بعد مشوار حافل في عالم الأغنية، مزج فيه منير بين الغناء للحبيبة والغناء للوطن، كثير من أغنياته صنفها بعض جمهوره رومانسية، ولكنها كانت في جوهرها أغنيات وطنية، جعل فيها مصر التاريخ والحاضر والمستقبل هي المحبوبة، فاضت كلمات عديد من أغنياته فيها عشقاً ووصفاً وتصويراً، محبوبة متوجة على عرش القلوب، ولكن المكانة التي وضعها فيها لم تمنعه من انتقادها والتعبير غناءً عن أوجاع أبنائها ومعاناتهم، والمطحونين المسروقة أحلامهم، والأسباب مختلفة ومتعددة.

تألق محمد منير في حفل تتويجا ملكا للغناء في مشواره المشبع بالإبداع

حفل محمد منير

حفل محمد منير، حمل عنوان (مشواري) وهو مشوار يستحق أن يتباهى به منير، وأن يتباهى به جمهوره وعشاق أغنياته، وأن تتباهى به مصر، التي أنجبت مغنياً اختار الاختلاف، ونجح وأبدع وتألق، بل وصمد في وجه عواصف الزمن، نصف قرن تغير خلاله الذوق الجماهيري مرات ومرات، وانصرف الناس عن أنماط غنائية، وانصرفوا إلى أنماط جديدة، ومنير ثابت في موقعه كالشجرة الأصيلة الضاربة جذورها في أعماق الأرض المصرية، لا تتزعزع ولا تؤثر فيها تقلبات المناخ ولا تنال منها عواصف الزمن. تطوّر وتغيّر نهجه حسب مقتضيات الزمن ولكن من دون أن يتخلى عن ثوابته؛ ولذا فقد اختار أن يغني خلال حفل جدة مختارات من أغنياته التي تعبر عن مشواره منذ البداية وحتى اليوم، ابتداء من (الليلة يا سمرة)، وانتهاءً بـ (حدوتة مصرية)، ومروراً بـ (أنا بعشق البحر، الرزق على الله، علي صوتك بالغنا، شجر الليمون، سو ياسو)، وكل منها قيمة غنائية ونهج موسيقي متفرد.

إقرأ أيضا : محمد منير .. شرطه في المحبة “الجسارة”

محمد منير، منح حياته للغناء، يختار وينقب عن الكلمات التي تحمل قيمة ورسالة، يبحث وينقب في موسيقات الشعوب، ليخرج بالتعاون مع كبار الملحنين الذين عمل معهم بخلطة موسيقية مختلفة عن السائد والمألوف، خلطة غريبة وليست غريبة، فهي غريبة على الآذان الكلاسيكية، ولكنها بما فيها من نغمات وجمل تتسلل وتخترق حتى تسكن في الوجدان، نمط غنائي ظهر في السبعينات ليلهب حماس الشباب، واستمر حتى اليوم ليظل شيخ المغنين نجماً مفضلاً عند قطاع عريض من الشباب، ونجماً مختلفاً عند شباب السبعينات الذين عاشوا معه المسيرة خطوة خطوة، وكبروا على أنغامه، ولا يزالون يعيشون معه الحلم والأمل الذي تبعثه فيهم أغنياته، فهو لم يحك على مدار نصف قرن للناس المكبوتة (حدوتة مصرية) واحدة، ولكنه حكى حواديت وحواديت، بل أن كل أغنية له هى (حدوتة مصرية).

مع غناء محمد منير انسجم فيكتور إيسبانولا و ساياكا كاتوسكي من الأوركسترا العالمية

محمد منير والأوركسترا

الأوركسترا التي صاحبت محمد منير خلال حفل جدة، حدوتة ثانية، والمايسترو المبدع هاني فرحات حدوتة ثالثة، وكبار الموسيقيين العالميين الذين صاحبوه حدوتة رابعة، فالأوركسترا عالمية تضم 87 عازفاً من 9 جنسيات، منهم من لا يعرفون العربية ولكنهم يعرفون منير ويستمتعون بموسيقى أغنياته، أما هاني فرحات فكان الساحر، وباعث البهجة في الحفل، الأدوار موزعة، ولكل عازف دوره وبصمته، وأيضاً لكل من أحمد سعد وفرقة كايروكي لمساته على الحفل، والمفاجأة الأكبر كانت كبار العازفين العالميين الذين قدموا عزفاً منفرداً، فيكتور إيسبانولا من بارجواي، سامويل جيفورج من أمريكا، وساياكا كاتوسكي من اليابان، وفتحي سلامة من مصر، نجوم جابوا العالم عزفاً، ورحبوا بالعزف لمشوار محمد منير، وهو ما يؤكد عالمية محمد منير، الذي لم يغن بغير العربية واللهجة النوبية، ولكنه استطاع أن يمتّع الأوروبيين، ويحجز لنفسه وللغته وللهجته ولموسيقاه مكاناً على خريطة الغناء الألماني ثم الأوروبي ثم العالمي.

أعتقد أن محمد منير كان يحلم بتتويج مشواره بحفل بهذه الضخامة وبهذا التنظيم، ولذا فقد عاش خلال تلك الليلة نشوة التتويج على عرش مملكة الغناء المختلف والمتفرد، وهيئة الترفيه السعودية حققت له الحلم، وفي المقابل كان السبب في جمع هذه الكوكبة الموسيقية من أنحاء مختلفة من العالم على أرض السعودية، المملكة كرمت منير، ومنير أضاف لرصيد هيئة الترفيه السعودية ما يعجز غيره عن إضافته، ومصر تثبت دائماً أن الأحداث الفنية الضخمة عربياً تمر من بواباتها وتتجمل بنجومها.

[email protected]

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.