رئيس مجلس الادارة : محمد حبوشة
رئيس التحرير : أحمد السماحي

عصام السيد يكتب: فيلم جديد .. يتكرر

بقلم المخرج المسرحي الكبير : عصام السيد

قال لى صديقى المنتج: أنا عاوز أعمل فيلم جديد، يكون مختلف، فيلم اجتماعى يمس الناس ومايكونش بعيد عنهم، نرجع لأيام أفلامنا العظيمة اللى الناس حبتها وفضلت عايشة لحد دلوقت، قلت له: أحسنت والله، فحال السينما من سيئ إلى أسوأ، ونحن فعلا محتاجين اللى يفكر كده زيك، ونبطل بقى أفلام تافهة نضحك بيها على عقل الناس أو أفلام كلها ضرب وخبط ورزع، وبالمناسبة بقى أنا عندى قصة فيلم تنفعك و.. قاطعنى صديقى بسرعة قائلا: فيلم جديد!، بأقولك ايه: أنا مش عاوز أفكارك إياها بتاعة الدفاع عن حقوق العمال ضد الرأسمالية المتوحشة وسكة الفقراء والمهمشين  والجو ده، الناس فيها اللى مكفيها ومش عاوزة نكد، ومايصحش يدخلوا السينما عشان ينسوا همهم فنشيلهم هم غيرهم في فيلم جديد!

قلت له: أنا مش هارد على كلامك ده برغم إنى معترض عليه جملة وتفصيلا، لأن مهمة الفن.. قاطعنى ثانية قائلا : انت مش قلت مش هترد على كلامى؟ الناس عاوزة تشوف نفسها على الشاشة في فيلم جديد من غير مشاهد فقر توجع القلب ولا كلام فى السياسة يوجع الدماغ، ولا أفلام غامضة وكلها ضلمة ومش مفهومة لأن مافيهاش حدوته، قلت له: ومين قالك ان قصتى بتتكلم عن  الفقر، بالعكس أبطالها من الطبقة المتوسطة المستريحة إلى حد ما، ومستوحاة من أحداث حقيقية وبتحصل النهارده كل يوم في مصر وبتتكرر كتير، وعلى فكرة: أنا مستعد أديهالك ببلاش عشان ماتقولش انى عاوز أكسب منك.

إقرأ أيضا : كيرة والجن .. فيلم ثورجي ودعائي فج في عصر العقلانية السينمائية !

عندما سمع صديقى كلمة (ببلاش) ابتسم في سعادة وقال: إذا كانت مأخوذة من أحداث حقيقية  يبقى أسمعها عن فكرة فيلم جديد، قلت له: إحنا بنبدأ بشاب مصري هو بطل الفيلم، قاطعنى صديقى مرة ثالثة : مش عاوز فيلم جديد بطولة فردية، البطولة الفردية عاوزة نجم، والنجم سيتحكم فينا ويفرض شروطه والفيلم مش هايطلع زى ما إحنا عاوزين، خليها بطولة جماعية، وفيها تنوع في الأعمار، عشان أجيب ماجد الكدوانى، أنا باحبه قوى.

قلت له: البطولة جماعية فعلا في فيلم جديد، انت بس اللى مستعجل، ممكن تسيبنى أكمل من غير ما تقاطعنى، و لو ليك اعتراض أو ملحوظة، قول في الآخر، أشار برأسه علامة الموافقة وانطلقت أروى له القصة جوا فيلم جديد: يحكي عن شاب مصري في منتصف العمر .. حوالى 35 سنة، عائد من غربة طويلة كافح فيها من اجل تأمين مستقبله، ومعه زوجته وطفلته الصغيرة، ويبدأ رحلة البحث عن مسكن، ويرفض أن يسكن في عمارة يمتلكها فرد بسبب ما سمعه من حكايات النصب الكثيرة ولهذا يتوجه الى شركة قطاع خاص من كبريات شركات الإسكان ليحجز شقه فيها، وهناك يلتقى بمجموعة من راغبى السكن أيضا بخلفيات اجتماعية متفاوتة وبأعمار مختلفة، منهم من خرج الى المعاش ومنهم من يعمل عملا حرا وهكذا، ويطالع بطلنا مخطط البناء ويشاهد المجسم الفخم الذى وضعته الشركة في مدخلها، وبناء على اعجابه بالمخطط الذى يمتلئ بالمساحات الخضراء والشوارع المتسعة ووجود مدرسة ونادى رياضى يقرر حجز وحدة، وبالفعل يسدد مقدم ثمنها.

شروط قياسية سرعان ما تتحول إلى وهم فدي فيلم جدي

سيناريو فيلم جديد

منذ تلك اللحظة أصبحت حياته وحياة أسرته الصغيرة – بحسب سيناريو فيلم جديد – مرتبطة بتلك الشقة التي يحلم بها، حتى عندما أضطر للانتقال من بيت أهله إلى بيت أهل زوجته بسبب المشاكل، جلس يصبر نفسه وزوجته أمام صورة المخطط، ويعدها بالجنة الموعودة، وكان موعد القسط ميعاد مقدس، وقبل أن يحل كان يحاول جمعه ولو بالتقتير على نفسه ، حتى لا يفقد شقته التي أصبحت كل أمله في الحياة، حتى طفلته التي بدأت طلباتها تكبر معها، كان يطالبها بتأجيلها حتى ينتقلوا للمكان الموعود، كم احتمل في عمله وفي حياته من أجل ذلك الحلم، حتى عندما كانت تأتيه هدايا له أو لزوجته يرجئ فتحها حتى يفتحها في بيتهما الجديد.

وبات يعد الأيام بل الساعات، ولكن الشركة فاجأته بتأخير تسليم الوحدات، فمضى يختلق لها الأعذار أمام نفسه وأمام الآخرين ولكنه لم ييأس ولم يخالجه الشك في الشركة فهى من كبرى الشركات، إلى أن حانت اللحظة الحاسمة واستلم شقته، فلم يجد في المكان مدرسة كما وعدوه، والنادى الذى احتل جزءا كبيرا من المجسم الذى رآه، أصبح مجرد ممشى رفيع وليس به حمام سباحة!

إقرأ أيضا : تعرف على كواليس العرض الخاص لفيلم (بين الأطلال) أحد كلاسيكيات السينما

ومع ذلك حمد ربه صباحا ومساء على تحقيق الحلم، ومضى وكأنه حصل على مكان في المدينة الفاضلة، يبتسم في وجه الجميع و يصادق كل السكان لو أتيحت له الفرصة، إلى أن جاءه خطاب رسمي من الشركة يطالبه بدفع مبلغ ضخم تحت بند (فروق صيانة) فظن أن هناك خطأ في الأمر، ذهب الى الشركة قائلا: لقد دفعت لكم مبلغا تحت حساب وديعة للصيانة فأين تلك الوديعة؟، قالوا له إنها نفذت فسألهم في أي بند، فقدموا له أوراقا غير رسمية تدعى إنفاق مبالغ خرافية على صيانة الطرق وإنارة الكومباوند ورى الحدائق وشركة الأمن، ولكنه أحس بأنهم يسرقونه ، فالطرق مكسرة والإنارة ضعيفة والكلاب الضالة أكثر من البشر، وحوادث السرقة منتشرة داخل الكومباوند.

عاد الى أصدقائه من السكان بـ فيلم جديد فاكتشف أن الجميع في نفس المشكلة، فالشركة تطالبهم بمبالغ ضخمة بلا مستندات حقيقة، وعلموا بطريقة أو بأخرى أن وديعة الصيانة تم تبديدها في دفع ثمن مخالفات الشركة التي تملك سجلا مليئا بها، سواء في الكومباوند الذى يقيم فيه أو في بقية مشروعاتها، وأنه لا شيئ يردعها لأنه تجيد الإفلات باستخدام ثغرات القانون بفضل جيش من المحامين وبعضا من أصحاب المراكز والرتب السابقين الذين صرفوا مرتباتهم الطائلة من تلك الوديعة.

وعندما حاول ادخال الغاز الطبيعى الى شقته اشترطت عليه شركة الغاز أن يأتي إليها بخطاب من الشركة المالكة التي طالبته بدفع مبالغ طائلة لتعطيه ذلك الخطاب، وهنا اقترح أحد السكان إنشاء اتحاد مُلاّك يدير الكومباوند تنفيذا لقرار رئيس مجلس الوزراء بإنشاء اتحادات للمالكين في المدن الجديدة، فقرر المشاركة مع باقى السكان في إنشاء الاتحاد، وكأنه في تلك اللحظة جلب على نفسه لعنة من السماء، فالشركة طعنت على قانونية إنشاء الاتحاد وهنا تأكد من أن الشركة المالكة تتربح من وراء إدارة المكان وأنه بالنسبة لها الفرخة التي تبيض ذهبا فخاض هو والسكان صراعا في المحاكم ما بين درجات التقاضى المختلفة، وطال زمن الصراع، ولذا مضى في إرسال الشكاوى لكل الجهات ومنها (شكاوى مجلس الوزراء) التي ردت إنها مختصة بالشكاوى ضد الجهات الحكومية فقط.

الماكيت عادة ما يخالف الواقع في الكوماوند بـ فيلم جديد

فيلم جديد يهدد بقطع الخدمات

ولم تيأس الشركة فمضت تطالبهم بأموال أخرى وتهددهم بقطع الخدمات عنهم، حتى جاءه خطاب بأن عليه متأخرات لشركة المياه، أخبره أصدقاؤه من السكان بأن الشركة صاحبة الكومباوند لم تسدد فاتورة المياه منذ فترة، وأنها قررت مبلغا على كل وحدة وعندما ذهب ليدفعه فوجئ بمطالبات بسداد مبالغ تفوق طاقته تحت بند الصيانة مرة أخرى، وعندما استفسروا من شركة المياه عن قيمة المديونية اكتشفوا أنها أقل من سُدس ما تطالب به الشركة المالكة.

اجتمع السكان على ضرورة تركيب عداد خاص بكل وحدة وعندما ذهبوا إلى شركة المياه فوجئوا بتعقيدات كثيرة ومطالبات بأموال تفوق خمسة أضعاف مديونية المياه! وكأن شركة المياه تدفعهم لتنفيذ ما تطلبه الشركة المالكة.

وذات يوم قامت الشركة المالكة للكومباوند بقطع المياه عن بعض السكان، ولكن بعضهم أمسك بسباكى الشركة المالكة الذين قاموا بقطع المياه، واتصلوا بشرطة النجدة التي حضرت على الفور، وانتقل الجميع الى  قسم الشرطة وهناك اكتشف أنها قضية خطيرة عقوبتها السجن عشر سنوات، وبالتأكيد ستؤدى لضياع مستقبل السباك الذى تركته الشركة لمصيره ولم تدافع عنه فطلب من السكان التنازل عن المحضر قائلا: بلاش نبقى زى اللى ماقدروش على الحمار.. فانقسم السكان بين موافق ومعترض، واتهمه المعترضون  بالتخاذل وأن تنازله سيضيع حقوقهم !!

الجديقة قبل أن تتحول إلى مول في فيلم جديد

جحيم وليس فيلم جديد

صارت حياته جحيما بعد أن كان يحلم بهذا المكان في فيلم جديد، فلقد خسر أصدقائه من السكان، ودخل في منازعات مع الشركة لا تنتهى فأصابه الإرهاق.

ذات يوم ذهب للطبيب الذى حذره من الانفعال، فقرر أن يكتب شقته باسم ابنته تحسبا للظروف، ولكن الخبر نزل عليه كالصاعقة فالشركة المالكة لم تسجل ملكيتها للأرض بسبب مخالفاتها الكثيرة وأنها لم تسدد الثمن كاملا برغم مرور سنوات طوال، ولكن صديقه المحامى طمأنه بأن هناك قانون يتيح له تسجيل الوحدة في المدن الجديدة حتى لو كانت الأرض غير مسجلة، ذهب إلى الشهر العقارى للقيام بالتسجيل ولكنهم أفادوه بأن المذكرة التفسيرية للقانون لم تصلهم حتى الآن فأسقط في يده.

ذات صباح وجد نداء من زملائه السكان بالتوجه الى أحد حدائق الكومباوند، فالشركة المالكة قررت بناء مول مكان إحدى الحدائق الصغيرة التي تعتبر متنفسا للسكان والتي من أجلها اشترى شقته في هذا المكان، ذهب إلى هناك فوجد بعضا من السكان في مواجهة محامى الشركة الذى يقول انها حصلت على رخصة بناء في الحديقة، أخذ بعض السكان يشككون في الرخصة التي لم يظهرها المحامى ويطالبون بتحكيم رئيس جهاز المدينة التي يتبعها الكومباوند، لأن هناك قرار بعدم البناء في أي كومباوند لو تضرر السكان ورفضوا تغيير المخطط الذى اشتروا على أساسه، بينما المحامى يهددهم بالإبلاغ عنهم بأنهم متجمهرين في مظاهرة (3 سنوات سجن) ويعيقون عمل الشركة، وجد صاحبنا كل أحلامه تنهار ولم يشعر بنفسه إلا وهو يصعد الى شقته ليسحب مسدسه المرخص ويعود ليطلق النار على الجميع ثم ينتحر.

صرخ صديقى المنتج: ايه ده.. فيلم جديد ايه؟ ما انت كنت ماشى كويس!، ماينفعش القفلة العنيفة دى، الرقابة مش هتوافق، ضرب نار ايه؟، قلت له: بلاش ضرب نار، نخليهم يتجمعوا ويبعتوا برقية لرئيس الجمهورية، قال : كده بقى ده مش فيلم جديد ده فيلم سياسى، وهيقولوا انك تقصد ان فيه جهات متواطئة مع الشركة، وبرضه الرقابة مش هتوافق، ثم إن الريس مش فاضى للمشاكل الفردية دى، قلت لصديقى: دى مش مشكلة فردية، دى مشكلة موجودة في كل المدن الجديدة، شوف السوشيال ميديا أو الاستغاثات المنشورة في الجرايد، قال صديقى: يشوفوا شكاوى مجلس الوزراء، قلت له: ماهما قالوا مش تخصصهم، ايه رأيك يكتبوا على الفيس تقوم وحدة الرصد التابعة للنائب العام تشوف البوست فتحقق ف الموضوع؟، قال صديقى بسرعة: بلاش برضه الجهات القضائية.. خلينا بعيد أحسن، شوف نهاية تانية.

بعد تفكير قلت له: وجدتها: فيلم جديد السيناريو يقول فيه: السكان يسيبوا بيوتهم ويفضلوا قاعدين في الحديقة عشان الشركة ماتبنيش عليها، قال: وبعدين؟، قلت: ولا قابلين خليهم قاعدين لحد ما نلاقى حل.. عن إذنك، قال لى: رايح فين؟، قلت: رايح أقعد معاهم.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.