رئيس مجلس الادارة : محمد حبوشة
رئيس التحرير : أحمد السماحي

مازن الناطور.. داهية التمثيل الذي حصد إعجاب الجمهور في (ابتسم أيها الجنرال)

كتب : أحمد السماحي

منذ سنوات طويلة وأنا أتابع تشخيص النجم السوري المبدع (مازن الناطور)، وأتفرج عليه بشغف حقيقي، فهو من القلائل من النجوم الذين أجلس أمامهم محتشدا للفرجة، متأملا متمعنا في كل لفتة، كل إيماءة، كل نظرة، كل إشارة أصبع، فكل هذه أدوات يعبر بها، لا يفعل شيئا منها إلا إذا كان له ضرورة موضوعية في التعبير، لم أضبطه مرة واحدة متلبسا بالثرثرة الحركية، ومع أن اللفتة والإيماءة والنظرة والإشارة لوازم إنسانية موجودة في جميع بني البشر فإن إبداع (الناطور) ينتخب منها ما يتلائم مع البناء الفني والمحتوى الإنساني للشخصية التى يجسدها.

ومع أن كل الناس لها لفتات وإيماءات ونظرات وإشارات مما يوقع الممثل التقليدي في فخ استخدامها هى نفسها في كل شخصية يمثلها، إلا أن (مازن الناطور) كموهبة مبدعة تفرض على لفتاته وإيماءاته ونظراته وإشاراته أن تتلون بحيث تكون منتمية إلى الشخصية نفسها صادرة عنها هي لا أحد سواها، لهذا يجد المتابع لمشواره أن كل شخصية مختلفة عن الأخرى من حيث الحركة والنظرة والتعبير.

مازن الناطور وانفعالات رائعة في تجسيده لأنيس الرومي

فرغم أن معظم الشخصيات التى جسدها في البدايات تحديدا تتميز بالفروسية والشهامة والنبل، وتقف شامخة مشعة لتصل بين أكثر من حضارة وأكثر من زمان وتعيدنا إلى البطل كما قدمته التراجيديا اليونانية قبل آلاف السنين، ترسم ظلاله أمامه وتضع على وجهه خطوط الزمن والألم والمعاناة وتجعله يقول دون أن تنفرج شفتاه أنه الباحث عن العدالة والحب والمساواة.

 لكننا نجد أن هذه الشخصيات مختلفة من حيث البيئة والثقافة والتكوين، والنظرة والحركة، فمثلا نظرة وحركة جسد (خالد) الشاب القروي الشهم في (الرحيل إلى الوجه الآخر)، تختلف عن نظرة وحركة (محمود) الطالب المخلص والوفي الذي يدافع بقوة عن صديقه الذي يسكن معه في مسلسل (خلف الجدران)، والاثنين يختلفان عن شخصية (فريد) في مسلسل (وإلى لقاء آخر)، والشخصيات الثلاثة تختلف تماما عن شخصياته البدوية فهو (الشيخ حمد) في مسلسل (جواهر)، و(عامر) في (بنت الطناب) و(رباح) في (فيضة القيصوم) وغيرها، وكل هذه الشخصيات تختلف عن شخصية الشاب الذي يعاني من الخجل والفقر وعدم الثقة بالنفس في رباعية (أحزان عادية).

لا يسمع ولا ينصت إلا لنداء مصلحته

ومع سنوات النضج، وجلال سنه، ونضوج الرجولة في عينيه وحركاته وصوته قدم (الناطور) شخصيات متلونة أكثر، ومن واقع الحياة أكثر مثل شخصية (عكرمه) الزوج المحب لزوجته والمدرس العاشق للغة العربية الذي يقدس مهنة التدريس، وأيضا (الأمير فيصل) المليئة بالفروسية في مسلسل (لورانس العرب)، ولا يمكن ونحن نسرد بعض الشخصيات التى جسدها في سن النضج أن ننسى (عبدالعال أفندي/ أو يعرب) الباحث عن زوجته وحبيبة قلبه (لوما) وخلال رحلة البحث عن (لوما) الضائعة تجره الأحداث إلى العمل الثوري فيرى حبه لزوجته في حبه الأكبر لوطنه ويتحول إلى رجل ثائر يناضل ضد الاحتلال، كما لا يمكن أن ننسى أيضا شخصية (الحاج صالح بو عبدالله) المطرزة بالشجن النبيل، والذي تربطه بابنته علاقة ثقة وحب واحترام في مسلسل (وجوه وأماكن).

شخصيات كثيرة قدمها (مازن الناطور) وكل شخصية مختلفة تماما عن الأخرى، فهو منذ بداية مشواره وعقب تقديمه لرائعة (أوديب ملكا) مشروع تخرجه عام 1987، رفع شعار (لا للتنازلات)، لأنه يرى أن أي تنازل معناه مزيدا من التنازلات، لهذا يبدو مقلا في أعماله لأنه يرفض التمثيل من أجل التمثيل فقط، أومن أجل التواجد المستمر على الشاشة فقط، ولا يقبل إلا الأدوار التى تستفز كامل طاقته في الأداء وتحمل مضمونا فكريا وفنيا راقيا.

في شهر رمضان هذا العام قدم لنا واحدا من أدواره الاستثنائية المختلفة تماما عن كل ما قدمه عبر مشواره، والتى تحسب له ضمن أدواره الكثيرة المبدعة، وكنا نشتاق إليه في الحلقة التى لا يظهر فيها، حيث أمتعنا بأدائه المتميز للغاية لدور( أنيس الرومي) في المسلسل الجرئ (ابتسم ايها الجنرال) سيناريو وحوار سامر رضوان، إخراج عروة محمد، بطولة كوكبة من النجوم المتميزين منهم (مكسيم خليل، عبدالحكيم قطيفان، سوسن أرشيد، عزة البحر، ريم علي، غطفان غنوم، مرح جبر، محمد الأحمد) وغيرهم من النجوم.

أنيس الرومي يستحم من القاذورات التى ارتكبها

كان (مازن) المفاجأة الحقيقية في المسلسل، حيث غير شخصيته التى عرفناها من قبل بالكامل والظهوربمظهر جديد، من خلال دور صعب مليئ بالدهاء والفجور والمطبات الفنية لأي نجم، لكنه في المقابل مليئ بالإغراءات التمثيلية لعشاق التمثيل، فشخصية (أنيس الرومي) رجل الأعمال ذو السلطة والمكانة العالية الذي يعيش في عالم مليئ بالكره والعنف والسلطة والجنس، والذي يستغل نفوذه وسلطاته، وقربه من دائرة الحكم وأصحاب النفوذ الكبار، شخصية مليئة بالأبعاد والظلال والرموز والشارات والدلالات والانفعالات، فأنيس حوت من حيتان الاقتصاد يسير كالأساطير مغمضا عينيه، صاما أذنيه لا يسمع إلا نداء مصلحته، مصمما على الوصول إلى هدفه في بناء أسطورته الاقتصادية مهما حدث، وفي طريق مصلحته لا يتورع للتضحية بأقرب الناس إليه حتى لو كان ابنه!

واستطاع (مازن) أن يكسب الرهان الفني من خلال دور (أنيس الرومي) وجذب عدد كبير من الجمهور بأدائه وكان حديث (السوشيال ميديا) طوال شهر رمضان وكان البعض يقارنه بشخصية (رامي مخلوف) ابن خال الرئيس السوري (بشار الأسد).

أنيس الرومي مع عشيقته

 وبعيدا عن التشبيهات، كان (الناطور) بطاقته الفنية المتفجرة وإحساسه العفوي الصادق وغموض شخصيته وذكاء نظراته، وكل الإمكانات الباهرة التى تشع منه يصول ويجول بتنوع أدائه في أداء شخصية (أنيس الرومي)، وقدم مشاهد يستحيل أن ينساها كل من يحب الفن ويرى فيه وسيله التوضيح مثل مشهد المواجهة مع زوجته وهو يبرر لها لماذا أقدم على استضافة صديقته في بيت الزوجية وممارسة الجنس معها على مسمع منها، ويواجهها بخيانتها وشكه في نسب ابنه إليه.

ومشهده مع (ملهم) مدير البنك في بداية الحلقة 28، والذي يحدث فيه انفجار كلامي بينهما، وينتهي بصراخه قائلا (هالبلد ما تعرف أشخاص أنا وأنت وغيرنا مجرد فزاعات، خزنة معلومات، وهالخزنة إذا اتعرف رقم التعريف تبعها، بتنكب، مو بس يتغير (الباص وورد)، مع مين بدك تتفاهم وعلى شو؟.

مشهد المواجهة بينه وبين زوجته

مشاهد كثيرة قدمها (مازن الناطور) ومن خلالها كان يقذنا بكلتا يديه إلى هاوية تشتعل بالنار، فإذا بنا وقبل أن نواجه الذي أصابنا نجد أنفسنا في الجحيم، والجحيم الذي رمانا فيه (مازن) جحيم نعرفه، وسمعنا عنه، وعشناه فترة من تاريخنا ومازالنا نعيشه، ومازالت أثاره في ضميرنا وعقلنا ووعينا كله.

دور (أنيس الرومي) الذي جسده (مازن الناطور) ببراعة منقطعة النظير لو كان مع مخرج ذو رؤية، وقادر على صنع وإنتاج هوية بصرية، ومتمكنا من أدواته لكان حقق أضعاف أضعاف النجاح الذي حققه!

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.