رئيس مجلس الادارة : محمد حبوشة
رئيس التحرير : أحمد السماحي

ماجد كامل يكتب: هوجو.. نهر إبداع السينما العالميه الذي لاينضب

بقلم: ماجد كامل

لا يمكن لاى مهتم بالشأن النقدي أن يتصور أن نجم (فيكتور هوجو) شاعر وأديب فرنسا الأشهر، بعد نحو قرنين من السطوع، يقترب من الأفول.. فرغم مرور 138 عاما على رحيله لازالت ستوديوهات السينما والمسارح فى كل أنحاء العالم مهتمة بأعماله، كما لاتزال هوليود بين الحين والاخر نهمة ومولعة بأصدار نسخ حديثة لروائعه الخالدة التى قرأها ولايزال يقرأها مئات الملايين فى كل انحاء العالم.. حيث قدمت السينما العالميه والمصريه عشرات الاعمال المأخوذه عن رواياته، نذكر منها على سبيل المثال لا الحصر روايته (أحدب نوتردام)، والذي تألق في تجسيد شخصيه الأحدب فيها عملاقا السينما العالميه (أنتوني كوين وأنتونى هوبكنز) فى نسختين مختلفتين فى خمسينات وثمانينيات القرن الماضى، وروايه (البؤساء) التى قدمت فى نسخ عالميه عديده وقدمتها ستوديوهات السينما المصرية فى عدة نسخ منها نسخه فى الأربعينيات لعب بطولتها الفنان (يوسف وهبى) وأخرى ممصرة فى سبعينيات القرن الماضي جسدها الفنان (فريد شوقي). 

ويرجع الولع بتقديم أعمال (هوجو) على الشاشه الفضيه والمسرح إلى كون أعماله ببساطة تعد تشريحا عميقا للظلم ومعاناة وصرخات الطبقات المنسحقة من البشر، أما فى بلاده فقد أعلنت الحكومة الفرنسية إثر وفاته فى 22مايو1885 الحداد العام القومي وتم دفنه في (مقبرة بانتيون) الخاصة بالمشاهير، والتى لم يحظ حتى يومنا هذا أي أديب بهذا التقدير الرسمي.

وقد أجاب الكاتب الفرنسى العالمى (أندريه جيد) على سؤال أحد الصحفيين فى إحدى حواراته: من هو أكبر كاتب فرنسي؟، ليرد جازما: هو (فيكتور هوجو).

أحدب نوتردام .. يجسد معاناة وصرخات الطبقات المنسحقة من البشر

الشعب فى بؤرة الأحداث

وتعد مؤلفات (هوجو) بمثابة مبادئ لحركة تنويرية وتثقيفية تاريخية.. فقد أعلن (هوجو) من خلال أدبه عن التزامه بتمثيل نزعة إنسانية مكافحة للظلم والقهر والاستعباد وقد كان إيمانه المطلق بالعدل والمساواة بين البشر سببا لجماهيريته الواسعه وحب الناس له.

وقد ركز (هوجو) على الجوانب الأخلاقية للتطور والتقدم البشريين، ومسيرة الفكر، فهو يرى أن الأدب ينبغي أن لا يكون ترفيها فحسب، بل يجب أن يكون ومؤثرا أيضا، وقد وضع (هوجو) جماهير الشعب في بؤرة أحداث قصصه و رواياته، وقال فى احدى مقالاته: (لا يمكن فصل الأدب عن رؤية العامة ومشاكلهم)، وقياسا إلى الفترة الزمنية التي عاصرها هوجو فى القرن التاسع عشر كروائي ومفكر يمكن القول إنه رمى بحجر على البئر الزجاجية للنظريات والمنظومات والجماليات الأدبية السائدة وقتها لكي يحدث فيها حركة ما.

مشهد من فيلم أحدب نوترادم

البدايات

حصل هوجو لأول مرة عام 1819 في السابعة عشر من عمره على جائزة فى الشعر، و كافأه الملك (لويس الثامن عشر) بمنحة ملكية لإعجابه الشديد بديوانه الشعرى الأول الذي تدور معظم قصائده حول حبيبته (أديل فوشيه)، وقام هوجو فيما يعد بمزاوجة قصائده بالموضوعات الفلسفية، وقد كانت قصائده في تلك الفترة وبتأثير من آداب الشرق تميل إلى الطبيعة، وتسجل خواطر حزينة.. و قد أطلق عليه بعض النقاد (شكسبير الرواية)، ويمكن للقارئ اليوم أن يتعرف إلى ثورة (جولاي الفرنسية)، وثورة عمال باريس و الملكية الدستورية الفرنسيه، و الرجعية الحاكمة في تلك الفترة الزمنية عن طريق كتاباته.

 وتعتبر روايته (نوتردام باريس) Notre-Dame de Paris  أو (أحدب نوتردام) أهم رواية تاريخية للعصر الرومانسي الفرنسي، وقد اكسبت هذه الرواية (كنيسة نوتردام) شهرة واسعة جعلتها واحدة من أهم المزارات السياحية فى باريس.

و في رواية (البؤساء -Les Misérables ) تمكن (فيكتور هوجو) من أن يربط بين النزعات الفلسفية والسياسية والأدبية والإيديولوجية لعصره، فهذه الرواية بسبب تمجيدها للنزعة الإنسانية اعتبرت لسنوات من أهم المؤلفات التي حظيت بأكبر عدد من القراء الفرنسيين.. قبل انتشارها الجارف على مستوى العالم لتصبح أيقونة فى عالم الأدب.

البؤساء .. النسخة العالمية

الطبقة المنسحقه

تناول هوجو عالم الطبقات المنسحقه وصّور معاناة المظلومين بأروع الصور حيث ساهم أدبه إلى جانب كتيبة من عباقرة الأدب العالمي فى القرن التاسع عشر أمثال (ديكنز و جوركى وجوجول) وآخرين بشكل كبير في تغيير مفاهيمنا حول الإنسان والعالم .

نعود إلى رائعته الخالده (البؤساء)، والتى ستظل تجول في جوانحنا رغم مرور أكثر من 14 عقدا من السنين على كتابتها، و لا تزال تحضر في حياتنا كروايةّ تمت معالجتها مئات المرات كمسرحيةّ أو أوبريت أو كأفلام.

فهي رواية تحكي قصة الفقر والمعاناة وانعدام المشاعر الإنسانية.. فهذه الرواية لا تزال خالدة وتروي حتى اليوم معاناة المظلومين والمضطهدين والأطفال المنسيين والمشردين و المنبوذين في العالم، ولم تفقد قدراتها الهائلة في شحذ أفكارنا عن التطورات والتحولات الاجتماعية.

لقد تناول العديد من الكتاب عظمة باريس وجمالها لكن (فيكتور هوجو) تناول عالمها السفلي عالم (طفل المجتمع البائس)، ففي عالم باريس السفلي يستعد بطل رواية (البؤساء) للحرب بين الخير والشر في داخل نفسه.. تجري أحداث الرواية في فرنسا المضطربة عام 1800 بعد عقود من ثورتها. يشهد (هوجو) كيف بلور العنف المجتمع و خلق شرائح اجتماعية سفلية، ورأى أنه بعد كل معركة اجتماعية كانت فرنسا تقترب خطوات صوب الديمقراطية، و(البؤساء) تعد نوعا آخر من الثورة، قام بها (هوجو) للتنقيب عن روح مشاعر التضامن مع المسحوقين والمظلومين.

بطل الرواية (جان فالجان) يحاول يائسا إعالة أطفال شقيقته، فيلقى القبض عليه من قبل السلطات ويحكم عليه بالسجن لخمس سنوات، ولا يرى مبررا لتبرير (جريمته) بسرقة رغيف خبز فتحطم المرارة طبيعة الخير فيه ويحاول مرات عديدة الهروب و يلقى عليه القبض في كل مرة، و يمدد مدى محكوميته، فلم يعد (جان فالجان) معروفا باسمه الحقيقي بل بالسجين رقم 24601.

كتب هوجو رواية (البؤساء) في منفاه السياسي في (جزيرة جيرنيسي) في القنال الإنجليزي، طبعت 1862 ودوت أصداؤها بين جماهير فرنسا، بيعت في بداية الأمر على شكل أجزاء، و كان كل جزء الأكثر مبيعا من بين الكتب في فرنسا.. فنحن نشاهد في الرواية (جان فالجان) – السجين السابق –  والأسقف (ميريل) و(جافير) مفتش الشرطة الذي ينتحر غرقا في النهر، بعد أن لا يطيق أن يرى (جان فالجان) يعفو عنه بعد المقدرة، وكما نلتقي في الرواية أيضا (ثينارديير) المجرم العادي، و(فانتاين) وابنتها (تكوسِت) والثوري الشاب (ماريوس).

وقد كان هوجو نفسه أيضا مضطهدا، حيث قضى 20 عاما في منفى في القنال الإنجليزي بعد انتقاده الامبراطور (لويس نابليون) عام 1851، وهناك تحول إلى مفكر سياسي أيضا، إذ كانت حكومة فرنسا غير شرعية وتقف إلى جانب الشر بينما كان (هوجو) إلى جانب الخير دوما وظهير المسحوقين.. كانت الفترة الأولى من منفاه مفعمة بالنشاط والحيوية و الإنتاج الغزير، و توحدت فيه روح السياسة والإبداع الأدبي.. وقد تجاوزت عدد صفحات رواية (البؤساء) الألف صفحه من القطع الكبير واستغرقت كتابتها 15 عاما، لتاتى الروايه بمثابه ملحمة تتضمن التاريخ و السياسة و الاجتماع.

بؤساء فريد شوقي

تشريح المعاناة الانسانيه 

وتعد البؤساء هى حلم (هوجو) الإبداعى الأعظم، حيث تجسد مشاهدها عميق معاناة الإنسان، سواء فيما مضى أو فى عصرنا الراهن. 

فمشاهد (البؤساء) لا تزال خالدة وحية أمام عيوننا إلى اليوم، فهؤلاء البؤساء هم أنفسهم مع تغيرات في الأشكال فقط.. هذه الرواية ليست هجوما على أصحاب المال و الثروة، بل صرخة بوجه المجتمع القاسي، وتشريح الظلم والعنف في الوعي الجمعي، ويتلمس المرء عبر الرواية إيمان (هوجو) بقدرات الإنسان الروحية للتغيير رغم طغيان الشر ورغم اعتقاده ربما بأن الكفاح ضد الفقر و الظلم الاجتماعي سيطول.

الرحيل

وقدعاد هوجو بعد فترة النفى إلى باريس عام 1870 ليتوفى بعد 15 عاما عام 1885عن عمر يناهز الثالثة والثمانين، و شارك في تشييعه أكثر من مليون شخص إلى مثواه الأخير بين عظماء فرنسا.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.