رئيس مجلس الادارة : محمد حبوشة
رئيس التحرير : أحمد السماحي

ماجد كامل  يكتب: صمويل بيكيت.. أيقونة مسرح العبث 

بقلم: ماجد كامل 

مبتكرا تقنياته المذهلة التى قلبت المسرح العالمى رأسا على عقب يظل (صمويل بيكيت) حتى اللحظه – ورغم رحيله منذ اكثر من 3 عقود – أحد أهم الأرقام الصعبة وشديدة الأهميه فى معادلة المسرح  العالمى، فهو يسبح بحرية تامه ودون أي عوائق فى فضاءاته الواسعه بحجم الكون.. وقد تلقف العالم – الذي عانى أزمة عميقة عبر مروره بمحنة الحرب العالمية الثانية التى قدم على مذبحها عشرات الملايين من القتلى وأضعافهم من المصابين – مسرح بيكيت بأهمية بالغه وسط حالة من الضياع والانهيار الإنساني الشديدين .

حيث ارتبط اسم (بيكيت) بتيار العبث  الذي يعد  من أهم سدنته  وأبرز  رواده الى جوار (يوجين يونيسكو وهارولد بنتر).

والعبث لدي  بيكيت – الذي ولد عام 1906 ورحل عن عالمنا عام 1989- هو تعبير متكامل عن القناعة بمأساوية الحياة إذ يتكرر كل شيء ويبدو الموت خلاصاً، وإذ تتوه الشخصيات التي فقدت صلاتها بالمجتمع بحثاً عن ملجأ بعد أن فقدت القدرة على التواصل مع الآخرين.

ماجد كامل  يكتب: صمويل بيكيت.. أيقونة مسرح العبث 
(بيكيت) جعل أبطاله – فلاديمير واستراجون – حتى بوزو ولاكي – أشخاصاً عاديين جداً

حيث يبدو العالم قاتما فى (المسرح البيكتي) لكنه مع ذلك  لا يخلو من لمسات طفيفة من الحنان ومن حس الفكاهة، وغالباً ما تكون لعبة الانتظار هى العنصر الذي يجمع بين الشخصيات.. انتظار شخصية لن تصل في فضاء مفتوح مبهم المعالم، وفي زمن تكراري دائري تعيد النهاية فيه إلى نقطة البداية.

وإذا كان مسرح العبث قد ولد فى ثلاثينيات القرن الماضى إلا أن النقاد يقفون كثيرا أمام مسرح صمويل بيكيت – الفائز بجائزه نوبل عام 1969 – بوصفه الرائد الحقيقى لدراما العبث.. خاصة بعد ظهور مسرحيته الأشهر (فى انتظار جودوWating for Godot ، والتي قدمت للمرة الأولى فى باريس عام 1953.. وسرعان ما اجتاحت العالم وعرضت – ولاتزال – فى مختلف أنحائه.  

ماجد كامل  يكتب: صمويل بيكيت.. أيقونة مسرح العبث 
في انتظار جودو

وأصبحت تدرس فى أكاديميات وكليات الفنون كنموذج لأدب ومسرح العبث.. يجنح الحدث في أعمال بيكيت نحو البساطة حتى يكاد يخلو من أي حبكة فيكون مجرد حالة.. فهو مثلا مجرد انتظار كما في مسرحيته الأشهر (فى انتظار جودو Wating for Godot، أو الحنين كما في مسرحية (الأيام الجميلة Happy daysٔ وفي مسرحية (شريط كراب الأخير  krapp’s last tape  إذ تكتفي الشخصية بالاستماع لصدى ماضيها مسجلاً على شريط.. أما الشخصيات في أعمال (بيكيت) فتجنح باطِراد نحو مزيد من الابتعاد عن أي مرجعية في الواقع.. فهي تبدو عاجزة عن التعبير عن ذاتها بضمير المتكلم كما في (مالون يموت  Malon is dying ، بوجه عام تعيش شخصيات (بيكيت) حالة من الاحتضار والتهالك، وخاصة أنها في غالبيتها شخصيات تجاوزت سن الشباب واقتربت من الموت، أما فعل الشخصية فهو دائماً فعل عبثي مغلق على نفسه يمكن أن يأخذ شكل التسكع والتيه على الصعيد الفردي، كما في رواية (وات  (Wattأو التسكع الثنائي الذي يبدو مناسبة لالتقاء كائنين متوحدين يعيش كل منهما عزلته الخاصة، كما في رواية (مرسيه وكامييه  (Mercier et Camier أو يكون التيه مجرد وسيلة لمقارنة حكايتين متماثلتين كما في رواية (مولُويMolloy) تصل الشخصيات في بعض الحالات إلى حد استحالة الحركة والفعل فتعيش مغلقة على ذاتها سجينة غرفة ضيقة، كما في رواية (مورفىMurphy)، أو تختنق في أكوام القمامة، كما في مسرحية (نهاية اللعبةEnd game ) أو تغوص تدريجياً في الطين، كما في مسرحية (الأيام الجميلة  Happy day)،  أو تغيب تماماً داخل جرار خزفية كما في مسرحية (كوميديا Comédie)، فلا يبقى منها سوى الصوت والكلام.

ماجد كامل  يكتب: صمويل بيكيت.. أيقونة مسرح العبث 
مورفي

جودو

وتظل مسرحية  (فى انتظار جودو Wating for Godot ) خطة رئيسيه فى عالم (بيكيت) فبشكل متميّز ومُختلف تماماً رُسمت شخصيات المسرحية حيث من الممكن أن نلاحظ أن (بيكيت) جعل أبطاله – فلاديمير واستراجون – حتى بوزو ولاكي – أشخاصاً عاديين جداً، يظهرون من العدم بلا تاريخ سابق، بلا مهنة، بلا خلفية ثقافية معرفية، بل وأيضاً بلا لغة فلسفية أو حتى حوارات عالية، الأكثر إثارة، أنّه جعلهم بلاهَمّ محدد ومعلوم، إنّهم حتّى لا يُثيرون سؤالاً، لا يدخلون في ورطة أو مشكلة، فهم لا يتمردون.. بل لا يبحثون عن أي معنى، ليسوا أبطالاً ولا مُبدعين ولا مُطاردين، ولا حتى مُحبَطين  مثلاً، فلاديمير واستراجون كل ما يشغلهم الانتظار وتمرير الوقت.

فاذا كان العمالقه  (بيكيت وكامى وسارتر) يشتركون  بالكتابة الأدبية العبثية العدمية، إلا أن الفارق أن شخصيات بيكيت في مسرحية (في انتطار جودو) ليست تشاؤمية ولا حزينة ولا حادّة، بل من الممكن أن نعدّها مُضحكة أحياناً.

ماجد كامل  يكتب: صمويل بيكيت.. أيقونة مسرح العبث 
نهاية اللعبة

نهاية اللعبه

وفى العام 1954 كتب بيكيت  مسرحية (نهاية اللعبة (End game وصاغها في فصلين ثم عاد وجعلها من فصل واحد وتم عرضها في لندن بنفس العام، والمسرحية تدور حول شخصيات مصابة بالعمى والشلل وتعيش في صناديق القمامة أو مكتوب عليها العمل الدائم دون الحصول على راحة، والمسرحية مثلها مثل (فى انتظار جودو) فقيرة في الديكور وفى عدد الشخصيات ومعظم النقاد يرون أن هذه المسرحية أعلى من (في انتظار جودو) من جهتى المضمون والتكنيك المسرحي .

وبعدها بنحو 4 أعوام كتب مسرحية (شريط كراب الأخير  ( krapp’s last tape) عرضت بلندن بنفس العام، والمسرحية تتميز بخصوصيتها الشكلية لأنها تقوم على المونولوج فقط وبطلها شخص واحد يستمع إلى مذكراته التى سجلها على شرائط، مضمون المسرحية يدور أيضاً حول العزلة والشيخوخة والعجز النفسى.

وتعد شخصيات (بيكيت) هى شخصيات مسرحيّة تلعب و هى تمزج اللعبة بالفاجعة، والصراع بين غزائزها ونوازعها من دون أن تتجنب، ضمن هذا اللعب نفسه، أن تمارس على بعضها أقسى أنواع العنف، وتنتقل في لحظة، من أقصى الحنان إلى أقصى القسوة، ومن التهريج المضخّم والتفصيلي والتوافق إلى التأمل في الكون وإلى إلقاء خطب بليغة ومؤثرة، وكل هذا في لعبة أعظم ما فيها أنها لا تنسى أنها لعبة، فهى شخصيات تتبدل من لعبة الواقع إلى واقع اللعبة، وبينهما تلمع كل مآسى وفواجع العالم.. العالم بكل يأسه و سخريته وشقائه .

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.