رئيس مجلس الادارة : محمد حبوشة
رئيس التحرير : أحمد السماحي

نتفليكس تعبث بتراثنا الدرامي العربي على جناح تغيير الهوية!

كتب: محمد حبوشة

الانفتاح الكبير الذي أحدثته منصات العرض التدفقي العالمية، على الجنسيات المختلفة من العروض الفنية سواء كانت على مستوى الأفلام أو المسلسلات، مع العدد الضخم المقدم سنويا عبر المنصة الواحدة، وسع آفاق المشاهد وخياله بشكل ملحوظ، خاصة المشاهد العربي، حيث نجح البعض في إعادة صياغة وترجمة ومونتاج أعمال عربية شهيرة بمنطلق عالمي، ولعل المنصة الأشهر، أو الأكثر شيوعا في الوطن العربي هى (نتفليكس) والتي تلقى أعمالها اهتماما كبيرا من المشاهد العربي بجانب المنصات العربية الموجودة، ما جعلها في صدارة عناوين الأعمال المعاد صياغتها، حيث ظهرت سلسلة من الفيديوهات تحت عنوان (ماذا لو أنتجت نتفليكس مسلسل كذا؟)، أو (ماذا لو كان فيلم كذا من إنتاج نتفليكس)، بجانب الظاهرة الأقدم نسبيا وهى (ماذا لو كان العمل كذا من ترجمة نتفليكس).

الأكثر شيوعا في الوطن العربي هى (نتفليكس) والتي تلقى أعمالها اهتماما كبيرا من المشاهد العربي

منذ ثلاثة أعوام وأكثر بقليل، أبدت (نتفليكس) اهتماما واضحا بالأعمال العربية، ليس فقط على مستوى الإنتاج إنما أيضا بضم عدد من الأعمال (الكلاسيكية) إلى مكتبتها، وكان أبرزها (مسرحيات العيد) كما يطلق عليها لارتباط عرضها على التلفزيون بالأعياد، ومنها (شاهد ماشفش حاجة، الواد سيد الشغال، ريا وسكينة، مدرسة المشاغبين، العيال كبرت) وغيرها، مما لقى احتفاء كبير في الوطن العربي كله وليس في مصر فقط، لارتباط الجميع بتلك المسرحيات، ولكن الأمر تحول وقتها لـ (ترند) ليس لعرض الأعمال على منصة عالمية ولكن بسبب الترجمة.

ترجمة (نتفليكس) لتلك الأعمال جاءت بطريقة (كوميدية) خاصة لـ (الإفيهات) فالطابع المصري الغالب على تلك (الإفيهات) لم تنجح الترجمة بالعربية الفصحى ولا الإنجليزية في ترجمته، وبالتزامن مع موجة السخرية من الترجمة في 2020، ظهرت فيديوهات على السوشيال ميديا، قدم فيها بعض المشاهدين من الشباب ترجمة قريبة لما قدمته (نتفليكس) على أعمال شهيرة، كان أبرزها فيلم (الكيف)، بطولة الفنان الراحل محمود عبد العزيز، والفنان يحيى الفخراني، نظرا لصعوبة ترجمة كلمات (عبدالعزيز) الشعبية إلى عربية فصحى.

تطور الأمر لإعادة إنتاج (تريلر) بعض الأفلام العربية، بصورة كوميدية أيضًا، ومن وجهة نظر المشاهد الذي اعتاد على طريقة (نتفليكس) المليئة بالغموض والإثارة، وتتخلل المشاهد كلمات وجمل مشوقة للعمل، واللافت في تلك الفيديوهات أن أكثرها كان لأعمال كوميدية، وقد نجح صناعها في تحويل (التريلر) لشكل مختلف تماما لا يدل على أية كوميدية في العمل، بل ظهرت بالفعل كأنها أعمال جريمة أو إثارة وغموض، مثل (غبي منه فيه) للفنان هاني رمزي، و(أمير البحار) للفنان محمد هنيدي، و(وش إجرام) له أيضًا.

الاتهام الأكبر الذي تواجهه (نتفليكس) دائما هو الترويج للمثلية

الاتهام الأكبر الذي تواجهه (نتفليكس) دائما هو الترويج للمثلية، سواء بترجمة هذه الأعمال أو إعادة مونتاج بعضها لاهتمام المنصة بتضمين خطوط درامية لشخصيات مثلية في الأعمال، على نحو ملحوظ، حتى وإن لم يكن له ضرورة درامية، وحتى وإن لم تكن بمشاهد (+18) لابد من الإشارة لوجود قصة مثلية في العمل، وذلك الأمر جعل البعض يتخيل لو كانت (نتفليكس) هى المنتجة لأعمال درامية عربية شهيرة مثل (الكبير قوي) من بطولة أحمد مكي، بقص أحد المشاهد، مع الفنان حسام داغر، والإشارة إلى أن المشهد كان يلمح للمثلية.

ووصل الأمر لإعادة مونتاج كاملة لبعض مشاهد أحد أشهر الأعمال العربية (المال والبنون) الذي كان واحدا من أهم الأعمال الدرامية في عصره، وذلك بتجميع مشاهد في غير سياقها بالطبع مع الفنانين (أحمد عبدالعزيز وشريف منير)، والإشارة إلى أن (نتفليكس) لو كانت هى من أنتجت العمل لكان اتخذ هذا الشكل، وكانت علاقة الصداقة والمحبة التي جمعت بينهما تدل على المثلية، ولعل فيديو (المال والبنون) هو الأشهر مؤخرا، والذي حاز على تفاعل كبير ونشرته الكثير من الصفحات ساخرين من فكرة (نتفليكس)، إلا أنه أظهر توسعا كبيرا في مخيلة المشاهد العربي، الذي يستطيع (قص ولصق) المشاهد من أعمال قديمة، وإعادة مونتاجها لينتج بها خط درامي مختلف تمامًا.

تلك الظاهرة ليست في مصر فقط، بل انتشرت عربيا أيضا، حيث أعاد البعض مونتاج لـ (باب الحارة) أحد أطول المسلسلات السورية وأشهرها، والذي ظل يعرض لسنوات طويلة على قناة mbc في أجزاء متتالية، وعلى الرغم من أن كافة تلك الفيديوهات استخدمها أصحابها للسخرية فقط، إلا أنها مؤشر مهم لتغير تلقي المشاهد العربي للأعمال الفنية، حيث لم يعد يشاهدها كما هي فقط، بل أصبح قادرا على صناعة سيناريو مختلف تماما منها، وهو الأمر الذي أثرت به بشكل كبير وجود منصات العرض التدفقي، وكثافة الأعمال التي يشاهدها يوميا.

فيديو (المال والبنون) هو الأشهر مؤخرا

تتصاعد وتيرة هذا الجدل على مواقع التواصل الاجتماعي ولا سيما مع توالي الإنتاجات العربية الأصلية لشبكة البث التليفزيوني حسب الطلب، نتفليكس، وآخرها فيلم (أصحاب ولا أعز)، ولا يقتصر الجدل حول القيمة الفنية لهذه الأفلام والمسلسلات، لكنه يمتد ويحتد أحيانا عندما يصل إلى الهوية الاجتماعية والسياسية، حين يتهم البعض شبكات مثل (نتفليكس) بتعمد تشويه قيم المجتمع العربي من خلال أعمالها، ويرى بعضهم أن هذه الأعمال تعكس واقع ما ينتمون إليه أكثر من القيم التي يدافع عنها الآخرون، وربما تكون المسألة مسألة اختيارات لم تكن متاحة من خلال التلفزيون العادي أصبحت الآن أقرب من خلال وسيط جديد، وربما يكون الأمر تغيرا في موازين القوى، إذ تواجه منظومات الإنتاج المحلي الآن عملاقا عالميا.

في لقاء له مع صحيفة (الشرق الأوسط)، قال رئيس المسلسلات العربية في منصة (نتفليكس) العالمية: (نهتم في الدرجة الأولى بالمواضيع الشيقة التي قد تلقى قبولًا في أي مكان من العالم تُعرض فيه، بصرف النظر عن جنسية العمل، ولقد حظينا بفرصة العمل مع المواهب الناشئة والصاعدة في العالم العربي خلال السنوات القليلة الماضية، حيث كان لكل منهم توجهه الخاص في اختيار القصص النابعة من تجاربه الشخصية وبيئته المختلفة)، وأضاف (قدمنا الدعم اللازم لهم من الأدوات المطلوبة لسرد قصصهم بأفضل شكل ممكن، ولمنح الجمهور العربي والعالمي القدرة على متابعة محتوى لم يكن ليتوافر لهم لولا ذلك).

وفي اللقاء ذاته قالت رئيسة الاستحواذ على المحتوى في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا وتركيا لدى الشبكة، نهى الطيب: (أنا سعيدة بتنوع وغنى المحتوى في شبكتنا، إذ تدأب نتفليكس على أن تتبوأ مكانتها كموطنٍ للسينما العربية، وتصبح الوجهة الأولى في العالم لمتابعة أعظم القصص العربية)، وتابعت: (قد تكون هذه القصص ذات طابع عربي أصيل وفريد، إلا أنها تحمل في جوهرها القيم والمبادئ الإنسانية، لذلك نعتقد أنها ستلاقي صدى بين الجمهور من حول العالم، وهذا برأيي ما يميز السرد القصصي الناجح).

كثيرا ما عزفت الشبكة العالمية التي تأسست عام 1997 كشركة متخصصة في خدمات توصيل الأفلام في أمريكا، على وتر مراعاة البعد الاجتماعي والقيمي فيما تقدمه للجمهور العربي بما يتلاءم مع أرضيته القيمية دون استفزاز لمشاعره، غير أنه سرعان ما نكصت الشبكة تعهداتها لتضرب بقوة في جذور الثقافة العربية والإسلامية، ما أثار حفيظة العرب، حكومات وشعوب.

الاستخدام للذكاء الاصطناعي يعد خرقا واضحا لخصوصية المشاهدين

وشهدت قبل أكثر من سنتين مطالبات مشددة من مصر ودول الخليج للمنصة بإزالة المحتوى الذي (يتعارض مع القيم المجتمعية)، خاصة ذلك الموجه للأطفال في المقام الأول، محذرة من أنه في حال استمرار بث المحتوى المخالف (سيتم اتخاذ الإجراءات القانونية اللازمة)، دون تحديد طبيعة ونوعية تلك الإجراءات.. فهل تفقد المنصة العالمية سوقها العربي؟، وكانت قد نشرت وكالة الأنباء السعودية على حسابها على تويتر بيانا للجنة مسؤولي الإعلام الإلكتروني بدول مجلس التعاون لدول الخليج، طالبت فيه منصة نتفليكس – Netflix بإزالة المحتوى المخالف، وذلك (نظرا لما لوحظ في المدة الأخيرة من بث المنصة بعض المواد المرئية والمحتوى المخالف لضوابط المحتوى الإعلامي في دول مجلس التعاون الذي يتعارض مع القيم والمبادئ الإسلامية والمجتمعية).

البعض يطالب بموقف عربي موحد يشكل عامل ضغط على إدارة تلك المنصات لمراعاة البعد الاجتماعي والقيمي في المحتوى المقدم للعرب والمسلمين، مستغلين في ذلك العائد المحقق من المنطقة العربية جراء الاشتراكات المتزايدة عامًا تلو الآخر، والتلويح بورقة حظر تلك المنصات في المنطقة وهو ما يمكن أن يسبب خسارة فادحة لهذه الشبكات التي تحارب لوقف نزيف الخسائر التي تتلقاها خلال الآونة الأخيرة.

شركة نتفليكس من حانبها توظف الذكاء الاصطناعي في اقتراح الأفلام والبرامج التلفزيونية التي تناسب المشترك بشكل فردي، حيث تقوم الخوارزميات بدراسة تفاعل المشاهدين مع المحتوى الذي يتابعونه بناءعلى نوعية المحتوى ومدته، وبعذ ذلك يتم اقتراح أفلام وبرامج تلفزيونية ذات نمط مشابه، فلا يحتاج المشارك إلى البحث الطويل حتى يصل إلى البرامج التي تحقق له المتعة، ومن جانب آخر، تقوم الشركة بجمع هذه المعلومات المتعلقة برغبة الجمهور وتحليلها واستخدامها في إنتاج محتوى يناسب رغبات المشاهدين.

استخدام الذكاء الاصطناعي في تقديم اقتراحات الأفلام بناء على اختيارات وتفاعلات سابقة مع المحتوى ليس أمرا جيدا كما يعتقد الكثيرون، لأن هذا النظام يقوم بدراسة أنماط حياة المشاهدين وطريقة تفكيرهم وميولهم وما يحبون متابعته، ويتم تخزين هذه المعلومات لاستخدامها لتسويق المحتوى الجديد لديهم وبالتالي تحقيق الاستفادة المادية من وراء استخدام معلومات قد لا يرغب المشاهد مشاركتها مع الشركة، ليشكل هذا الاستخدام للذكاء الاصطناعي خرقا واضحا لخصوصية المشاهدين.

ويتسع الأمر لجعل المشاهد يظن أنه حر فيما يشاهد، إلا أنه في حقيقة الأمر يتعرض للعبة تحكم نفسية مبنية على تقنيات الذكاء الاصطناعي، ولعل أخطر ما فيها أنها قد تحصر المشاهد فيما يعرف بتأثير الفقاعة التي قد تؤدي إلى زيادة التعصب والتشدد اتجاه الرأي وعدم قبول الرأي الآخر، وذلك لأن المشاهد لا يتعرض لمشاهدة أعمال خارج الدائرة التي تتفق مع بعض آرائه وأفكاره التي تعرفت عليها خوارزميات الذكاء الاصطناعي.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.