رئيس مجلس الادارة : محمد حبوشة
رئيس التحرير : أحمد السماحي

محمود حسونة يكتب: تريو نايت.. الإمكانات ضخمة والنتيجة ضحلة!

بقلم: محمود حسونة

الدول لا تتنافس سياسياً واقتصادياً وعسكرياً ورياضياً فقط، ولكن يمتد التنافس بينها إلى مختلف المجالات، فنياً وثقافياً وإعلامياً ومعلوماتياً ومخابراتياً واجتماعياً، ووصل إلى التنافس على مدى القدرة على صناعة الإبهار في ليلة رأس السنة، واعتمدت دول عدة على الإبهار الضوئي، كماً زمنياً وكيفاً، احتفالاً بقدوم العام الجديد، في حين اختارت المملكة العربية السعودية تجديد القديم بطريقة أكثر إبهاراً مما كان مألوفاً، ونظمت خلال هذا العام الحفل الغنائي (تريو نايت) ليلة رأس السنة على مسرح محمد عبده بالعاصمة الرياض، لتعلن من خلاله، ومن خلال (بوليفارد) موسم الرياض الترفيهي العالمي والممتد أشهراً ومن خلال العروض المسرحية التي تنتجها على مدار العام ومن خلال (مهرجان البحر الأحمر السينمائي الدولي) في مدينة جدة، ومن خلال العديد من المهرجانات الفنية التي ترعاها وتنظمها على مدار العام.

أنها أصبحت الراعي الرسمي للفن العربي، وأنها الداعم الرئيسي للفعاليات الفنية المختلفة، وأنها المتبني للفنانين والمنتج للحفلات والأعمال الفنية الضخمة، وأن السعودية اليوم المنفتحة على العالم والساعية لتكون وجهة ترفيهية سياحية عالمية، تدعم الفن وتتبنى المواهب وتشجع الإبداع وتحتضن السياح، نقيض سعودية الأمس التي كانت تحارب الفن وتغلق أبوابها في وجه رياح العولمة الفنية والترفيهية.

(تريو نايت) الذي تابعه الجمهور العربي على أكثر من شاشة ليلة رأس السنة، أرادت من خلاله هيئة الترفيه القول أن إمكانيات المملكة تفوق أي إمكانيات، وأنها تستطيع أن تنظم ما يعجز عنه الآخرون، وأنها تمتلك من القدرات المادية ما تستطيع أن تجذب به أكبر النجوم وبأعداد غير مسبوقة، وتستطيع أن تصنع الإبهار بشكل يفوق الخيال، ولذا جمعت في هذه الليلة 13 من أكبر نجوم الغناء العربي، وهم (وائل كفوري وعاصي الحلاني وصابر الرباعي وبهاء سلطان وجورج وسوف ونانسي عجرم وإليسا وأصالة ولطيفة وأنغام ونوال الزغبي ونجوى كرم)، 13 إسماً لم يسبق لهم أن اجتمعوا في حدث واحد، بل ولم يسبق لهم أن التقوا جميعاً في مناسبة واحدة، كل اسم منهم كفيل وحده بتحمل مسؤولية حفل ناجح، وكل منهم لا يقبل سوى أن يكون النجم اللامع في أي موقع يرتاده.

اجتمع 13 نجما على تشويه شكل الغناء

ولكنهم في هذه الليلة ارتضى كل منهم أن يتخلى عن نجوميته وذاتيته، وقَبِل أن يكون مجرد رقم في فريق كبير، كما فرق كرة القدم، رغم أن فرق الكرة تتشارك في الملعب ويكمل كل فرد فيها الآخرين، إلا أنه دائماً ما يكون بين لاعبيها نجم متفرد وأكثر لمعاناً وسط فريقه على أرض الملعب، أما في ليلة (تريو نايت) فلم يكن بين الفريق نجم، بل أنهم فقدوا جميعاً لمعانهم المألوف، وأصبح كل منهم كومبارس للآخر، بعد أن خرج الحفل أدنى كثيراً من المستوى المتوقع.

هو الحدث الأكبر غنائياً بأسماء وأعداد النجوم الذين استجابوا لمغريات منظميه، والأكبر في ضخامة المسرح ومستوى تجهيزاته وديكوراته وأيضاً الفرقة الموسيقية، وقد صنع كبره وضخامته الميزانية الإنتاجية له، والأجور التي حصل عليها هؤلاء النجوم والتعويض الذي تلقاه كل منهم مقابل أن يتنازل عن نجوميته المتفردة في حفلاته وأن يكون مجرد رقم ضمن القائمة، ومجرد صوت يردد أو يغني مع غيره ما اختاره له وفرضه عليه منظموا الحفل، ورغم كل ذلك جاء الحفل مخيباً لآمال الجمهور، ومؤكداً أن الميزانيات الضخمة ليست ضماناً لإنتاج عمل ضخم ينال رضا الجمهور، وتتوازى قيمته مع ما تم إنفاقه عليه.

ولعل السبب في ظهور الحفل في مستوى أدنى من المتوقع، هو عدم جاهزية المطربين وعدم تدريبهم بشكل كاف على غناء التريو، وعلى غناء كل منهم لأغنيات زميل له، وعدم تناسق مستوى طبقات أصواتهم مع بعضهم البعض، ليراه البعض مجرد استعراض قدرات.

فقرات (التريو) في الحفل والتي شارك في أدائها ثلاث مطربين سوياً كانت الأسوأ، في حين جاءت فقرات الديو أفضل منها ومقبولة جماهيرياً، وليس السبب في أن مطربينا غير معتادين على غناء التريو بقدر ما أنهم غير مدربين، كما أنهم قدموا أغنيات كل منها تم كتابتها وتلحينها لصوت واحد، ولذا فقد (شوشر) كل صوت على الآخر، ناهيك عن محاولات كل نجمة سرقة الأضواء من زميلتها في فقرات المطربات بالذات.

النشاز كان سمة أساسية في تلك الليلة

حفل (التريو نايت العربي) الذي استقبلت به الرياض العام 2023، ليس أول تريو لها، فقد استقبلت العام 2022 أيضاً بتريو شارك فيه 14 مطرباً ومطربة يتقدمهم (فنان العرب) محمد عبده، والنجوم: (عبد الله الرويشد، نوال الكويتية، أحلام، ماجد المهندس، نبيل شعيل، أصالة، أنغام، أصيل أبو بكر، علي بن محمد، وليد الشامي، فهد الكبيسي، أسماء لمنور، إضافة للفنان عبد المجيد عبد الله)، ورغم ذلك فقد ظهر الحفل الجديد وكأن منظميه ليس لهم أي سابق خبرة في تنظيم حدث بهذه الضخامة.

الغناء الجماعي ليس بدعة جديدة، ولن ننسى أغنية (وطني حبيبي الوطن الأكبر) التي يتجاوز عمرها ٦٥ عاماً وستظل خالدة في الوجدان العربي، وشارك في أدائها (عبدالحليم حافظ وشادية ووردة ونجاة الصغيرة وصباح وفايدة كامل ولحنها موسيقار الأجيال محمد عبدالوهاب) عن كلمات أحمد شفيق كامل، وسبب خلودها أنها مكتوبة وملحنة للغناء الجماعي، ناهيك عن التدريب وحرفية الصنعة ما أفرز جمالاً في الأداء يطرب الأذان حتى اليوم.

هيئة الترفيه السعودية تجتهد وترصد الميزانيات الضخمة وتجمع الفنانين العرب وتحاول إصلاح ما أفسده الدهر بينهم وبينهن، وتسعى لتحقيق انجاز غير مسبوق وتأكيد أن ما تفعله لا يستطيع غيرها فعله، ولكن يبدو أن غياب التخطيط والتدريب والتنسيق يفقد بعض أعمالها رونقه ويعجزها عن تحقيق أهدافها المنشودة.

[email protected]

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.