رئيس مجلس الادارة : محمد حبوشة
رئيس التحرير : أحمد السماحي

حجاج أدول يكتب : عاصفة فنية (2) .. مسلسل (بـ 100وش)

بقلم الأديب الكبير : حجاج أدول

وأستكمل ملاحظاتي حول مسلسل (بـ 100وش): الاثنين معا الإنتاج والإخراج في هذا المسلسل غامروا مغامرة محسوبة، فأتوا مع النجمين نيللي كريم وآسر ياسين، أتوا بمجموعة ليسوا نجوما لامعة بالدرجة التي تأتي بالمشاهدين الكثر وعليه تأتي الإعلانات التي تغطي التكلفة العالية، وإن كان عدد من الممثلين/ الممثلات قد عُرفوا في تاريخهم الدرامي بالمقدرة العالية، وأتى الإنتاج والإخراج بعدد كبير نسبيا من الممثلين/ الممثلات ليس لهم رصيد درامي مشهود، أو شبه مشهور، لم يأخذوا الطريق السهل ويأتون بالممثلين/ الممثلات التي تعودنا عليهم، وصارت تعبيراتهم ولزومياتهم مكررة مملة.. ممثلين/ ممثلات بهم طزاجة فنية وطموح عال ومقدرة بالفعل قوية، مقدرة أثبتت نفسها، وأثبتت للكل أنها قادرة على دخول حلبة المنافسة مع المشهورين، بل على مقدرة على إزاحة التراتبية الجامدة الكسلى، مقدرة على إعادة ترتيب سلسلة نجوم الكوميديا، وهذا ما سيتحقق خلال عام أو عامين على الأكثر.

فقدنا دور السينما التي كانت تجمع العشرات منا في صالة واحدة، أنظارهم باتجاه الشاشة، يشاهدون معا، ويتأثرون معا، يحزنون ويضحكون مستمتعين معًا، ثم ينالون التطهير على رأي سقراط، والتطهير باختصار بلدي: (شحنة فنية تتسلل في شئون النفس فتنعشها وتبعد عنها الكآبة، أي تخلصها من الأكسدة النفسية، تماما مثل بعض المأكولات التي تساعد الجسد على التخلص من الأكسدة)، دور السينما ودور المسرح، بتجميعها العشرات فيصلوا أحيانا لمائة مشاهد وأكثر، كانت تصهرهم معا في بوتقة فنية إنسانية فتتلاقى أنفسهم مرات ومرات، فيكون التلاقي تقاربا إنسانيا ووطنيا.

السينمات كانت تساهم بقوة في هذا المجال لكنها صارت أثرا بعد عين، لكن مع التقدم التقني أتت الشاشات لداخل البيوت، وإن لم تستطع تجميع العشرات معا فهي تستطيع أن تجمع أفرادا من العائلة، ليس كل العائلة، عددا من الأفلام والمسلسلات استطاعت تجميع كل أفراد العائلة، مثل مسلسلنا هذا (بـ 100 وش).

فريق عمل المسلسل كان في منتهي الانسجام

فاجأنا المسلسل بالعنوان غير المألوف عنوان في حد ذاته فن تشكيلي – بـ 100 وش! – العنوان منسجم مع المسلسل ومعبر عنه، أليسوا الممثلون/ الممثلات مجموعة من النصابين خفاف الظل.. (لصوص لكن ظرفاء)، وأظن أن عنوان الفيلم المصري مأخوذ من عنوان فيلم إيطالي، وبعد العنوان المغري تأتي أغنية التترات صوتا ولحنا جديد في جديد، ويضاف للاسم والغناء مشاهد التترات فالثلاثة كانوا متكاتفين معا، وإن كانت المقدمة قد طالت.

الحوار ظريف سريع متوافق تماما مع الشخصيات ومع حال المسلسل ككل، لذلك نبعث التحيات لمن كتبوا المسلسل، وللمنتج الواعي وللمخرجة الرائعة، وللفنيين جميعا، ثم نأتي للمثلات والممثلين: يا لجمالكم وأنتم تنفذون بروعة ما قصده الكاتبان وما رأته المخرجة المتمكنة، صحيح أن نجوم الشباك في هذا المسلسل هما اثنان لا غير (نيللي كريم وآسر ياسين) وغيرهما لم يكونوا أقل فنية منهما، أشير لنجمتين مخضرمتين هما (سلوى محمد علي وحنان يوسف)، وبالطبع كلهم معا كانوا فريق متفاهم متناغم متكامل، كل منهم وجد نفسه، طبعا باختيار المخرجة الواعية الجريئة، والجرأة ليست من المخرجة فقط بل من المنتج الذي غامر بهذه المجموعة والتي أغلبها بالكاد يعرف البعض أسماءهم، فإذا بهم في ليلة وضحاها يصيرون من نجوم الشاشات، بل من نجوم المجتمع! فعلا.

هذه المجموعة ستغير من تركيبة وتراتبية نجوم الكوميديا في مصر! لا أقول هذا سيحدث، بل أقول هذا حدث بالفعل، فبدأت تلك المجموعة الرائعة تُطلب في الإعلانات التجارية، وهذا مؤشر لا يمكن تجاهله، التوفيق كان من الممثلين/ الممثلات الذين قاموا بأدوار بسيطة، كلهم تفوقوا.. طرق على ذاكرتي من قاما بدور ضابطي الشرطة، وابن المليونير الذي مات وتم النصب على تركته، كان لذيذا، أما أقصر دور في اعتقادي، فكان دور سايس الجراج، مشهد واحد لهذا الشاب ويكفي هذا المشهد ليقول لنا أن هذا الشاب ممثل واعد.

شريف دسوقي قدم لوحات كوميدية رائعة

وهنا أشير للممثل الموهوب (شريف دسوقي)، ولما تحديدا شريف دسوقي؟ لأنني سكندري مثله، ونحن في الأسكندرية كنا نعلم بموهبة (دسوقي)، ونحزن لحصره في (إسكندرية التي كانت ماريا وترابها زعفران)، الثغر الذي بدأ من داخلها فن السينما والصحافة، ثم كادت أن تكون (كفر إسكندرية)، لولا اتيلييه إسكندرية ومكتبتها حين بطلت استعلاء على مبدعي إسكندرية، ومركز الجيزويت الثقافي، وأيضا قصرين ثقافة، أصروا على المضي قدما في بث تنويعات الثقافة، رغم اللوائح الغبية.

الأسكندرية التي كانت المبتدأ في الفنون، صارت طاردة للفنانين فلا مكان لهم في العطاء الفني إلا بالهجرة إلى القاهرة التي قهرت الأقاليم، ففي المجال الأدبي غادر الإسكندرية الأديبان (إدوار الخراط وإبراهيم عبد المجيد) وغيرهما، وغادرها من رواد فن التمثيل، الراحل (محمود عبد العزيز) وآخر المغادرين الفنان (شريف دسوقي) هربوا جميعا إلى القاهرة فبزغ نجمهم وقالوا.. ها نحن ذا.

مشهد يجمع بين شريف دسوقي ونيللي كريم وآسر ياسين

بالطبع صعب جدا حصر كل السكندريين المبدعين الذين هاجروا إلى القاهرة، فهم أكثر من محاولات حصرهم، وليس مبدعي إسكندرية فقط من هاجروا مضطرين إلى القاهرة فالهجرة من كل أقاليم مصر حدثت ومازالت تحدث، فالقاهرة وبقية مصر قال عنهم الفذ (د. جمال حمدان) صاحب شخصية مصر، قال ما معناه أن القاهرة رأس كاسح والبقية جسد كسيح.. حقيقي، لذك فمبدعي الأقاليم وغير المبدعين يرحلون من الكسيح ليلحقوا بالرأس الكاسحة القاهرة، ومع السنوات وأمواج الهجرات، انقلب حال القاهرة من كاسح لكسيح هى الأخرى وبقيت بقية أقاليم مصر كسيحة!

ربما يقول البعض، بعدما شاهدنا (بـ 100 وش) بماذا استفدنا؟ المسلسل لم يعطنا فكرا.. الإجابة: وهل ننتظر فكرا من كل عمل كوميدي؟.. إذن نحذف فيلم (ابن حميدو)، فهو لم يقدم لنا سوى الضحك، وليس المطلوب من كل فن كوميدي أن يكون مثل فيلم (العصور الحديثة) لشارلي شابلن الذي قدم لنا في هذا الفيلم نقدا وتحذيرا من غلبة الرأسمالية القاسية، لكن إن أتانا مسلسل أو فيلم، يضحكنا ويدفعنا للتفكر، يكون أفضل بالطبع.

يكفي (بـ 100 وش) أنه أضحكنا، فحين نضحك نقوى ونصمد أمام المصاعب، ونحن في أيامنا هذه حيث التحديات التي تحيط بمصر، كما نحتاج للقوى المادية نحتاج أيضا للقوى الناعمة، ومنها الكوميديا.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.