رئيس مجلس الادارة : محمد حبوشة
رئيس التحرير : أحمد السماحي

عصام السيد يكتب : (مانزلتوش ليه ؟!)

بقلم المخرج المسرحي الكبير : عصام السيد

كعادتى كل أسبوع ، توجهت يوم الجمعة قبل الماضى ( 11 نوفمبر ) إلى بيت الأسرة، و خلال الطريق الذى يمر بعدة أحياء سكنية تتوزع ما بين عدة طبقات و شرائح اجتماعية مختلفة لاحظت حالة غريبة : الشوارع قد خلت من السيارات و من المارة بشكل ملحوظ ، حتى حديقة الحيوانات التى أمر بها أسبوعيا و التى تكتظ فى ذلك الوقت كانت شبه خالية على غير المألوف ، و حتى حين عدت مساء كانت الشوارع أيضا شبه خالية !! ، وبدا لى أن الناس قد تعمدت ألا تغادر منازلها فى ذلك اليوم بالتحديد ، و ردا على تلك الدعوات قام الناس برد فعل عكسى تماما و كأنها ضحكة سخرية أطلقها الناس فى وجه محرضيه ، فهل كانت تلك رسالة من الشعب لمن دعوه إلى النزول و التظاهر ضد النظام : أننا تركنا لكم الشارع تماما ، فأرونا أنفسكم ؟

و لا أدرى على وجه التحديد عدد المرات التى دعت فيها جماعة الإخوان – أو المتعاونين معها – شعب مصر إلى النزول من أجل الثورة على النظام الحالى ، هل هى 8 مرات أم عشرة  أم أكثر ؟ ، و فى جميع المرات لا يستجيب الشعب لتلك الدعوات ، حتى أن الدعوة الأخيرة بالنزول يوم 11 نوفمبر – الاسبوع الماضى – لم تصدر عن الإخوان بشكل مباشر مما يؤكد أنهم قد ايقنوا أخيرا بأن الشعب لن يستجيب لهم ، و أن حتى خلاياهم سواء المعروفة أو النائمة لم تعد قادرة على الحشد ، برغم أن كل الظروف كانت – من وجهة نظرهم – مواتية ، فهناك أزمة اقتصادية خانقة بسبب الظروف الدولية  و ارتفاع غير مسبوق فى سعر الدولار مما سبب فى ارتفاعا فى أسعار معظم السلع – و هى أزمة طالت كل دول العالم و لكنهم علقوا أسبابها فى رقبة الدولة – الإ جانب وجود مؤتمر دولى على أرض مصرية احتشد له معظم قادة العالم ، مما يجعل كل الانظار تتجه إلى مصر و تركز عليها ، و بالتالى ترصد وعلى الفور أى حراك جماهيرى ، و تضخمه و تنقله صوتا و صورة إلى جميع الأرجاء ، كما يكبل وجود كل هذه الأعين أجهزة الأمن عن مواجهة المظاهرات أو استعمال القوة معها.

خلو الشوارع والميادين أكد وعي الشعب المصري

لا أعتقد أنه كانت هناك فرصة أفضل من تلك لقيام مظاهرات تطالب برحيل النظام ، و لا أعتقد أن الجماهير لا تدرك ذلك ، فما الذى جعل الناس لا تتحرك ؟ ، ذلك هو السؤال الذى يجب أن نسأله لأنفسنا و لا نكتفى بالإجابات التى أطلقها بعض الإعلاميين بأن هذا استفتاء على النظام انتهى لصالحه ، برغم تصديقنا لتلك الإجابة ، و لا يجب أن نقنع أنفسنا أن الناس راضية كل الرضا عن أحوالها ، فمن المؤكد أن لها متاعب و لديها أزمات ، و لكنها تعالت على كل هذا و لذا أعتقد أنه يجب أن نسأل الناس : (انتو ما نزلتوش ليه ؟) لنتعلم من حكمة هذا الشعب .

إن عدم ( نزول الناس ) يعنى اقتناعهم بأن هذه الدعوات ليست فى مصلحة الوطن ولا فى مصلحة المواطن ، و أن أى حراك من هذا النوع هو تخريب و هدم للدولة وتحطيم لكل منجز ، و العودة إلى حالة السيولة السياسية و الأمنية التى تلت 2011 . و لكن يجب أن نبحث بشكل أكثر عمقا عن الأسباب و الدوافع التى استقرت فى وجدانهم و فكرهم و قرروا على أساسها عدم النزول – و تلك مسئولية جهات بحثية متعددة – فالإجابة الدقيقة المتمعنة ستساعد فى فهم هذا الشعب الذى نقول أنه بلا كتالوج ، كما أنها ستضع أمام القيادة السياسية مؤشرا لما تستطيع أن تأخذه من قرارات قد تبدو صعبة ، إنها إجابة عن سؤال لا أعتقد أن أحدا يعرف إجابته : إلى أى حد يحتمل المواطن؟

بالإضافة الى ما هو أهم من وجهة نظرى : إن شعبا بهذا الوعى و القدرة على الفرز ما بين دعوات تستهدف تحقيق مصالحه و دعوات هدامة تستهدف تحقيق مصالح فئة او فريق او جماعة هو شعب يستحق الكثير من التقدير ، و لقد توجه إليه رئيس الجمهورية فى مناسبات عدة بالشكر على احتماله تكلفة الاصلاح الضخمة ، و لكن هذا الشعب يستحق أن تتاح له الفرصة لتكوين أحزاب معارضة حقيقية تعترف بثورة 30 يونيو و تنطلق من مبادئها.. أحزاب تقوم على برامج واقعية و أولويات  مختلفة أو باختصار فلسفة مغايرة ، و الغريب أن الدولة تتعامل بمنطقين فى هذا الموضوع، فبينما رأس الدولة يسعى لاقامة حوار وطنى يشارك فيه الجميع و يُطرح فيه كل الموضوعات للنقاش و للجدل ، نجد بعض الأجهزة و الإدارات تخشى من أى مقولة تشتم منها رائحة معارضة !!

الرئيس حريص على الحوار بينما باقي الإدارات والهيئات في الدولة لاتدرك هذا الأمر

ألا يعلم بعض المسئولين أن رئيس الجمهورية وقف فى ختام مؤتمر اقتصادى و طالب بوجود من يعارض ( أو يزعق على حد تعبيره )، و أن ترد عليه الحكومة محاولة شرح وجهة نظرها ؟، ألا يعلم هؤلاء أنه أصبح من المألوف وجود وجوه محسوبة على المعارضة فى مؤتمرات و اجتماعات يحضرها السيد الرئيس؟

يجب أن تتعلم تلك الأجهزة و الادارات و المسئولين أن يفرقوا ما بين الخلاف فى الرأى و الاختلاف على كرسى الحكم ، و أن هناك فارق ضخم ما بين أن تعارض وأنت تحافظ على هذا الوطن و بين أن تعارض لكى تسعى إلى هدمه ، و أعتقد أنه لو ترك الأمر لهؤلاء المسئولين و تلك الإدارات لما رأينا فى (قمة المناخ) كل تلك الوجوه المتنوعة و المختلفة فى التوجهات و الأغراض فى المؤتمر ، تناقش و تختلف و أحيانا تعارض و أيضا تهاجم و تتعدى الحدود ، و أعتقد أن الأمر لو كان فى أيدى هؤلاء المسئولين  لما كانوا سمحوا لهم بالتواجد و ساعتها كانت ( الفضيحة هتبقى بجلاجل ) ، و لكن أعتقد أن ماتم كان بتوجيهات من الرئيس ، و كيف لا و قد ناقش مراسلين أجانب من قبل فى مؤتمر الشباب عن حالة حقوق الانسان فى مصر ، ولكن يبدو أن ما يسمح به الرئيس لا يسمح به المسئولون !!

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.