رئيس مجلس الادارة : محمد حبوشة
رئيس التحرير : أحمد السماحي

عصام السيد يكتب : هل يعود مسرح التليفزيون ؟

بقلم المخرج المسرحي الكبير : عصام السيد

يتداول المجتمع المسرحى فى مسرح القطاع العام أخبارا عن قرب تنفيذ بروتوكول تعاون بين وزارة الثقافة و الشركة المتحدة للخدمات الإعلامية ، من أجل تصوير المسرحيات التى تنتجها الوزارة ، و برغم أن هذه الاخبار يتم تداولها منذ فترة ، إلا أن بنود هذا البروتوكول و طريقة تنفيذه لم تعلن حتى الآن من كلا الطرفين ، فليست هناك معلومات مؤكدة عن التزامات كل طرف ، و لكن الشائعات تقول أن تصوير المسرحيات سيتم فى مقابل الدعاية لتلك المسرحيات على القنوات التى تملكها المتحدة.

و الحقيقة أن التعاون بين الوزارة و المتحدة فى مجال المسرح أصبح حتميا و مطلوبا و ضرورة فنية و سياسية . فمنذ أن اكتوى العالم بنيران جائحة الكورونا اضطرت الحكومة إلى تخفيض ميزانيات جهات الإنتاج المسرحى – ضمن جهات عديدة – تطبيقا لقرارات التقشف و تقليص المصروفات حتى  وصلت – فى فترة سابقة – إلى حد إلغاء بند الدعاية تماما ، فأصبح ما يقدمه المسرح أمرا سريا يتم التحايل عليه بجهود فردية على وسائل التواصل الاجتماعى ، و عندما انتهت الجائحة أو كادت ، داهمتنا نيران الحرب الروسية الأوكرانية ، فاستمرت قرارات التقليص سارية ، و هكذا تركت الحكومة الناس فريسة لما تبثه بعض القنوات الفضائية و المنصات و وسائل التواصل الاجتماعى من رسائل مشوهة للأجيال . و هنا يصبح كل حديث عن مكافحة الارهاب و تعزيز القيم الايجابية و تحقيق أهداف الدولة فى تنمية الصناعات الثقافية مجرد حبر على ورق !!

برتوكول التعاون بين وزارة الثقافة والشركة المتحدة لم تتضخ بعد معالمه!

لم ينتبه أحدا إلى أن النهضة الكبرى للمسرح المصرى و مصدر زهوه صنعتها فترة الستينات بما قدمه التليفزيون للمسرح من دعم من خلال 4 فرق مسرحية أنشأها التليفزيون – زادت إلى 10 فيما بعد – تنوع إنتاجها ما بين الكوميدى و العالمى والحديث  تحت قيادة الفنان العبقرى السيد بدير . و قدمت لنا تلك الفرق مئات الممثلين و المؤلفين و المخرجين الذين أصبحوا نجوما رصعوا حياتنا الفنية ، منهم على سبيل المثال (عادل امام و عزت العلايلى و سعيد صالح و فؤاد المهندس و محمد عوض و سمير خفاجى و بهجت قمر و المخرج محمد فاضل و حسين كمال) و غيرهم مما يصعب حصرهم بكل تأكيد . و برغم أن النشأة الأولى لمسرح التليفزيون كان الهدف منها ملأ ساعات الإرسال التليفزيونى آنذاك ، و برغم أن تحقيق كم مناسب من تلك الساعات أثّر على جودة بعض الأعمال ، إلا أن النتيجة الإجمالية كانت فى مصلحة المسرح و المشاهد و حقق بعضا من أهداف الدولة  فى نشر الثقافة و زيادة الوعى، و لم تغفل جانب الترفيه و التسلية، و لكن ظروف الدولة بعد النكسة فرضت عليها تقليص عدد الفرق و العودة إلى الاهتمام بالكيف ، بعد أن تراوحت الدولة ما بين فلسفتين متصارعتين ( الكيف و الكم ) طوال سنوات الستينات.

و فى الثمانينات عاد (مسرح التليفزيون) مرة أخرى على يد القطاع الخاص ، و لكن سرعان ما صار ( مسمى سيئ السمعة ) ، فالتجربة عادت لمجرد ملأ شرائط الفيديو لتزدحم فوق أرفف محلات تخصصت فى تأجير تلك الشرائط استجابة للاختراع الجديد وقتها ( جهاز الفيديو )، و لكن تحت إلحاح زيادة الطلب على تأجير الشرائط و أيضا لرخص تكاليف إنتاج المسرحيات عن المسلسلات و الأفلام انتشرت تلك المسرحيات انتشارا واسعا ، و انحدر مستواها  الفنى إلى أدنى الدرجات حتى صارت بضاعة أتلفها التسرع و عدم الاتقان.

أما محاولات تليفزيون الدولة لاعادة (مسرح التليفزيون) ، فقد استفادت من أخطائها الأولى و اهتمت بالكيف، فقدمت خلال  التسعينات على يد الاستاذ يوسف عثمان – الذى تولى مسئولية قطاع الانتاج بالتليفزيون – مسرحيات لكبار الكتاب ( نجيب محفوظ – الفريد فرج – ميخائيل رومان )، و لكنها للأسف لم يتم إذاعتها فى توقيت مناسب فماتت التجربة ، و يقال أن سبب تأخير إذاعة بعض العروض هو أن رقابة التليفزيون تعنتت معها فلم تذع سوى مرة واحدة فقط و بعد إنتاجها بسنوات، ثم حاولت شركة صوت القاهرة تكرار تجربة إنتاج مسرح مخصص للإرسال التليفزيونى ، ولكنها لم تنتج أعمالا كثيرة أو مؤثرة يذكرها تاريخ المسرح و اكتفت الشركة فيما بعد بتصوير بعض أعمال وزارة الثقافة و القطاع الخاص و تسويقها لحسابها ، و لكن سرعان ما توقفت تحت ضغوط خساراتها المتتالية  فى مناحى أنشطتها المختلفة.

السيد بدير

و فى اوائل القرن الجديد تم إنشاء (مسرح التليفزيون) برعاية الاستاذ حسن حامد رئيس الاتحاد آنذاك و تحت قيادة الاستاذ فرج أبو الفرج رئيس قطاع الإنتاج فى تلك الفترة ، مستفيدة من كل أخطاء التجارب السابقة ، و خلال 10 شهور قدم المسرح 8 مسرحيات تنوعت ما بين مسرح الطفل و مسرح الكبار و مسرحة المناهج ، عرضت كلها على المسرح لفترات طويلة نسبيا قبل أن يتم تصويرها و لم تكن فى عجلة من أمرها ، بل إن بعض المسرحيات مثل (يا غولة عينك حمرا) بطولة النجم نور الشريف و تأليف الكاتب الكبير كرم النجار و من إخراج شيخ المخرجين حسن عبد السلام ) عرضت على المسرح لعدة شهور، و لكن التجربة بأخطائها و نجاحاتها وئدت بمجرد تغيير قيادات قطاع الإنتاج .

و بعد عشر سنوات عاد لنا (مسرح التليفزيون) عن طريق بعض القنوات التليفزيونية مثل (الحياة و المحور  و mbc و مؤخرا dmc و كلها اعتمدت على تقديم مسرحية جديدة كل أسبوع و أحيانا كل اسبوعين ، و لكن ثبت من خلال تلك التجارب جميعها صعوبة الحفاظ على المستوى الفنى فى مقابل هذا الكم الضخم من الإنتاج، و لم تلجأ تلك القنوات إلى تقديم الأعمال المميزة و الفريدة مثل الأعمال الاستعراضية الضخمة المليئة بالابهار، باستثناء عرض (كوكو شانيل) الذى قدمه المنتج جمال العدل للنجمة شيرهان، و الذى لم يعرض على مسرح إطلاقا و انما تم تصويره بالكامل، كما أن كل هذه القنوات لجأت لفن التسلية و الكوميديا الخفيفة فقط و التى لا تصنع وحدها نهضة مسرحية من خلال التنوع ما بين الألوان المسرحية  و الاشكال الفنية كما حدث فى الستينات.

و اليوم يفتح البروتوكول الجديد باب التساؤل : لماذا لا تدخل الشركة المتحدة شراكة حقيقية مع وزارة الثقافة من أجل إنتاج أعمال مميزة ، تتكفل فيها الشركة بأجور النجوم الهاربين من مسرح الدولة بسبب ضعف ميزانياته ، إلى جانب الدعاية ، فى مقابل حق إذاعة العمل و تسويقه للقنوات الأخرى ، على أن تتكفل وزارة الثقافة بتوفير المسارح و الأطقم الفنية و متابعة عملية الإنتاج مقابل إيراد الشباك ؟

أعتقد أن شراكة بهذه الطريقة ستنقذ مسرح الدولة من عثرته المادية و ستنقذ الشركة المتحدة من عثراتها الفنية ، و توفر لها ساعات إرسال طويلة و ممتدة بتكاليف أقل من المسلسلات، إلى جانب تحقيق ما هو أهم بكثير: ما تطمح له الدولة من زيادة الوعى و محاربة الأفكار الظلامية و تقديم فكر مستنير من خلال فن جيد ، أم أنها مجرد شعارات لا يتم تنفيذها ؟!

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.