رئيس مجلس الادارة : محمد حبوشة
رئيس التحرير : أحمد السماحي

بيتر ميمي .. الطبيب البشري الذي برع في الإخراج

يعرف جيدا طبيعة النفس البشرية انطلاقا من فهمه لقصة العمل

بقلم : محمد حبوشة

يقول الخبراء إن صناعة الأفلام السينمائية بأنواعها المختلفة عملا يحتاج لتطبيق المبادئ واتباع خطوات متسلسلة وتطبيقها باحترافية للحصول على عمل متكامل وناجح، ومن أهم مبادئ الإخراج السينمائي ما يأتي: فهم الطبيعة البشرية، فيحتاج المخرج الناجح لفهم طبيعة الإنسان ودراسة سلوكه وطريقة تفكيره وما يصدر عنه من أفعال أو ما يشعر به عند مواجهة المواقف المختلفة، ويساعد ذلك في تحديد الطريقة المناسبة لتفاعل الشخصيات مع النص المكتوب، وتساهم التجربة الشخصية في الملاحظة ومراقبة الأحداث اليومية في مساعدة المخرج في عمله.

 ولعل فهم القصة هو أولى خطوات الإخراج الجيد، فتعد قصة الفيلم أحد الأركان الأساسية لنجاح العمل، ويحتاج المخرج لفهم النص والبحث عن نقاط الضعف فيها، كما يجب النظر للنص بطريقة موضوعية وتحليل عناصرها واختبار تفاعل الجمهور معها، بالإضافة لضرورة تحليل كل مشهد وما فيه من حوارات وأحداث، كذلك فهم مبادئ المونتاج من العناصر الأساسية لإنجاح العمل لأن فهم عملية المونتاج يعد من المبادئ الأساسية لنجاح العمل السينمائي، وهي طريقة تقطيع مشاهد الفيلم وإلصاقها لتظهر اللقطات المختلفة كمشهد واحد، وتظهر براعة المخرج في عدم ملاحظة الجمهور للاختلافات واختياره الموضع المناسب للكاميرا.

بيتر ميمي مخرج يجيد مشاهد الحركة

وضيفنا المخرج المبدع الشاب (بيتر ميمي) هو واحد من الذين يدركون طبيعة النفس البشرية من خلال مفهوم القصة والسيناريو والحوار وكذلك المونتاج، وعلى الرغم من كونه قادم من خلفية غير سينمائية فإنه يفهم التصوير بالكاميرا، فالمخرج الناجح يحتاج لفهم كل ما يتعلق بالتصوير بواسطة الكاميرا لإخراج عمل يستحق المشاهدة، ويشمل ذلك اختيار الزوايا المناسبة وطريقة وضع الكاميرا للحصول على مشهد مفهوم، إذ يساعد اختيار الموقع المناسب للكاميرا في إيصال الفكرة للمشاهد،كذلك توجيه الأداء يساعد إتمام المبادئ كافة وفهمها جيدا وانعكاس ذلك على الممثلين في تأدية أدوارهم في العمل السينمائي أو التلفزيوني بأسلوب يحاكي الواقع، وذلك بتقييم الأداء من حيث المنطقية وحكم المشاهد عليه وتحقيق أهداف المشهد كما يتجلى ذلك في أعمال (بيتر ميمي).

ومن أجل ما مضي فقد استحق (بيتر ميمي) لقب (مخرج الروائع) في عصرنا الحالي، فهو شاب طموح يتمتع بموهبة من نوع خاص، محترف الإخراج من خلال أعماله المميزة  التي جعلته يفرض نفسه على الساحة الفنية، وبلا شك طبعا فإن أعمال هذا المخرج الشاب الصاعد بسرعة الصاروخ أكبر دليل على أن الموهبة هى وحدها من تفرض نفسها، وأنه لا يشترط أبدا أن يكون المخرج أو المشرف على أي عمل شخص ذو خبرة أو يمتلك واسطة كبرى حتى يلج إلى ذلك العمل ويبرع فيه، فقط كل ما يلزمه أن يمتلك الموهبة المناسبة، وهذا بالضبط ما امتلكه المخرج (بيتر ميمي) وجعله الآن يتربع على عرش السينما ةالدراما التلفزيونية المصرية فيما ويفرض نفسه كنجم سينمائي لا يقل في شيء عن الممثلين أصحاب الوجوه المألوفة.

الهرم الرابع

بيتر ميمى كاتب ومخرج مصرى، تخرج من كلية الطب بجامعة القاهرة وعمل بمجال الطب، ثم حصل على دبلومة فى السينما وله عدة أفلام قصيرة، وكان وهو فى كلية الطب يشعر أن بداخله شيء آخر غير دراسة الطب، لذا بعد التخرج و بعد ما عين معيدا فى معهد الكبد قرر يقدم أن استقالته ويبدأ في تحقيق حلمه، وبدأ العمل و دخل فى تجربة إخراج و اثنين و فشل، ومن هنا يأتي الإصرار، ومع أنه لم يمارس الطب ولم ينجح فى الإخراج بعد أن تداين و استلف فلوس من المقربين وباع الغالى والنفيس حتى يتعايش مع ظروف الحياة الصعبة جدا، لكن الله سبحانه وتعالي لم يضيع تعبه حتى أقبل على تجارب ناجحه بعثت في نفسه الأمل وحققت له النجاح الكبير في تغير شكل وملامح السينما والدراما التلفزيونية المصرية.

لقد بات (بيتر ميمي) يمتلك وجه مألوفا ومميزا، وهو بالكاد يقترب عمره من منتصف الثلاثين، ورغم أنه كان بعيد كل البعد عن مجال ا

حرب كرموز

لإخراج من الناحية النظرية، لأنه في الأساس كان ومارس مهنة الطب لفترة ليست بالقصيرة، لكن شغفه لمجال الإخراج جعله يحاول التسلل إلى هذا المجال بأكثر من طريقة وكيفية، فقد بدأ بصناعة الأفلام القصيرة ثم بعد ذلك توسع في الصناعة أكثر ليبدأ بأفلام قد تبدو على المستوى الكبير مثل (حارة مزنوقة، وسعيد كلاكيت)، لكنها فقط كانت مجرد أعمال تفتح له أبواب الشهرة والمجد، بعد ذلك في أفلام مميزة مثل (الهرم الرابع) ليأتي شلال التألق خلال السنوات الست الماضية والتي أثبت ميمي خلالها أنه ليس مجرد مخرج واعد وإنما هو في الحقيقة مخرج كبير قادم إلى هذا المجال وهو في قمة تألقه.

ربما فشل (بيتر ميمي) فشلا ذريعا في أول 3 تجارب شارك فيها في بداية حياته لكن بعد فشله في أفلامه لم ييأس، حتى جاءت تجربته في فيلم (الهرم الرابع)، الذي يتحدث عن القرصنة وعالم التكنولوجية، وهنا أظهر (ميمي) موهبته الإخراجية ونجح الفيلم على المستوى الجماهيري، ثم قام بعدها بنفس فريق العمل بإخراج فيلم (القرد بيتكلم)، وفي هذا الفيلم استطاع تحقيق ذاته وعمل كرير خاص به في إخراج الأعمال المختلفة، صحيح أنه كتب عنه حينها أنه (مخرج مراهقين)، لكنه لم ينزعج من هذا لأنه يعلم جيدا أنه يقدم أعمالا مميزة وهادفة .

سطع نجم بيتر بإخراجه للرائعة الدرامية (الأب الروحي) حيث عرضت الشركة المنتجة فكرة الأب الروحي المقتبسة من العمل العالمي god father فهي بمثابة تجربة جديدة وجريئة من مؤلف لأول مرة ومخرج تلفزيوني لأول مرة وشارك في العمل كبار النجوم (محمود حميدة وفاروق الفيشاوي، سوسن بدر، أحمد عبد العزيز، ونخبة من النجوم الشباب)، و(بيتر) هنا لم يكن كغيره من المخرجين، بل حرفيته أخذت المسلسل المقتبس في منطقة أخرى فأخرج الجزء الأول الذي حقق نجاح كبير جدا وكان ينتظر المشاهد حلقاته اليوم تلو الآخر ليتابع أحداثه، لكنه أنسحب من إخراج الجزء الثاني.

كازبلانكا

أثبت (بيتر ميمي) فعلا تمكنه في أبرز أعماله السينمائية الذي حقق نجاحا ساحقا، وحقق أعلى الإيرادات الفيلم الذي كان ينفر منه الفنانين خوفا من صعوبة تنفيذه وفشله ولضخامة إنتاجه، وهو فيلم (حرب كرموز)، ويعد البطولة الأولى المطلقة للنجم أمير كرارة فى عالم السينما، وشارك فيه (أحمد السقا، وغادة عبد الرازق، وفتحى عبد الوهاب، ومصطفى خاطر، وإيمان العاصى، وبيومى فؤاد، إسلام جمال، ومحمد على رزق، ومحمود حجازى، ومحمد عز، وايمان السيد)، فضلا عن مشاركة نجم الأكشن الإنجليزي الشهير (سكوت أدكنز) الشهير بـ (بويكا)، وهو قصة محمد السبكى، سيناريو وحوار وإخراج (بيتر ميمي) نفسه.

والآن عليك أن تنظر بعين الاعتبار إلى أسباب التميز الكثيرة التي يمتلكها، هذا المخرج المبدع، فلم يظهر (بيتر ميمي) على السطح هكذا لمجرد كونه مخرج عادي، فالمخرجون كثر، لكن في نفس الوقت المتميزين منهم يمكن عدهم على أصابع اليد الواحدة، وإذا كانت هناك أسباب هى التي منحت (ميمي) ذلك الامتياز، فهي أسباب تميز إن جاز التعبير وهى كثيرة، لكن أهمها على سبيل المثال تنفيذ مشاهد الحركة بشكل جديد، من أهم نقاط التميز التي تفصل أعمال (بيتر ميمي) عن أي مخرج شاب آخر أن هذا الرجل قد نجح في وضع شكل جديد ومختلف تماما لمشاهد الحركة، ففي السابق كان المشاهد يعتمد على شكل معين أو قالب محدد لهذه النوعية من المشاهد وكان يتوقع أن الأمور لن تخرج عن هذا القالب بأي شكل عن الأشكال: لكن ما أصبح يحدث في الآونة الأخيرة أن الحركة أو الأكشن عند (بيتر ميمي) بات يتميز بصبغة العالمية.

كلبش

نعم بات لا يختلف كثيرا عما نراه في أفلام هوليود، وهذا في الحقيقة منطقي لأن (ميمي) في الأساس يستعين بأشخاص عالميين بالفعل، وربما أفلامه الأخيرة مثل (كازابلانكا أو حرب كرموز) أو حتى مسلسل (كلبش) أكبر دليل على صدق هذه النظرية، كذلك يأتي ضمن أسباب تميز أعماله أنه بالأساس يعتمد على نفسه في أغلب الأعمال من حيث القيام بعمليتي الكتابة والتأليف وكذلك الإخراج، فهو بالفعل له العديد من الأعمال التي كان موجودا فيها بمفرده وأدى الدورين بامتياز، والنموذج الأكبر والأهم على ذلك نموذج فيلم (حرب كرموز) وكان شبه متكامل في كل عناصره، وضمن هذه العناصر الكتابة والقصة، ولو لم تكن تعرف (ميمي) جيدا فلن تصدق أنه من قام أساسا بكتابة الفيلم، وهذه نقطة تظهر جليا أنه يسعى للتواجد في مكانة مختلفة عن بقية جيله من المخرجين الذين يكتفي أغلبهم بأداء دوره.

بدء (بيتر ميمي) طريقه في ظروف غريبة، ففي البداية علينا أن نعرف بأنه لم يدرس الإخراج في المعهد العالي للسينما ولم يتدرج ويأخذ الطريق المعروف الذي يأخذه كل من يحصلون لاحقا على وظيفة المخرج، فبداية بيتر ميمي كانت من خلال عمله كطبيب، فقد عمل في هذه المهنة لفترة قليلة وخلالها بدأ في تنفيذ بعض الأفلام القصيرة قبل أن يلج إلى المجال من خلال تجارب ضعيفة مهدت له الطريق إلى الأعمال الثقيلة، المهم في النهاية أننا نتحدث عن ظروف غريبة بعض الشيء، والمقصود هنا طبعا أعمال الرجل التي شارك بها وتمكنت في نهاية المطاف من صنع تلك الشعبية التي يتمتع بها.

كواليس مسلسل الاختيار 2
مع بطلي الجزء الثاني من الاختيار

أخرج (ميمي) الكثير من الأعمال السينمائية والتلفزيونية لكن أهمها على الإطلاق (حرب كرموز 2018)، والذي يعد أهم الأفلام التي صدرت في السنوات العشر الأخيرة،  وكان من إخراج وتأليفه هو، بينما البطولة كانت من نصيب (أمير كرارة ومحمود حميدة وغادة عبد الرازق وفتحي عبد الوهاب) والكثير الكثير من النجوم الذين ظهروا في الفيلم، إما في دور من أدوار البطولة أو حتى كضيوف شرف، وفي النهاية جاء الفيلم نقلة نوعية فى السينما المصرية.

 من المسلسلات الرائعة التي حققت نجاحا كبيرا وكانت نقلة في عالم الدراما المصرية مسلسل (كلبش) الذي عرض في شهر رمضان في عام 2017، وكان من بطولة النجم أمير كرارة الذي أصبح لاحقا أحد نجوم الصف الأول بفضل هذا المسلسل، فقد اعترف كرارة بنفسه أنه بعد فشل تجاربه السابقة من مسلسلات وأفلام كان يفكر جديا في الاعتزال والسفر، لكن هذا لمسلسل جاء كحبل إنقاذ له، وباعتبار كرارة أيضا فإن نقطة النور كانت بالأساس متمثلة في بيتر ميمي مخرج المسلسل الذي غير تماما من شكل وأداء كرارة.

الاختيار 1

وبما أننا لا نزال نتحدث عن المسلسلات التي أخرجها بيتر ميمي فبكل تأكيد لا يمكننا إغفال مسلسل في غاية الأهمية مثل مسلسل (الأب الروحي) الذي صدر في عام 2017، وكان فاتحة خير على الكثير من الممثلين الذين شاركوا به والذين أصبحوا نجوما لاحقا، والمسلسل هو إعادة محاكاة لرائعة الأب الروحي العالمية، وقد كان المسلسل مصنوعا على أساس كونه من خمسة أجزاء، لكن (بيتر) تولى إخراج جزء واحد فقط ونجح هذا الجزء في جذب الأنظار إلى بقية الأجزاء، إذ أنه لأول مرة ظهرت مشاهد الحركة والإثارة في المسلسلات العربية، فقد كان الجميع معتادا على تواجدها بالسينما.

وبنفس القدر من النجاح جاء فيلم (القرد بيتكلم) الذي صدر عام ،2017 وكان من بطولة (أحمد الفيشاوي وعمرو واكد)، وقد ظهر الفيلم بفكرة جديدة وشكل مختلف تماما عن الذي اعتاد عليه المشاهدين في مصر، وقد كان هذا سببًا كافيًا لتحقيق الفيلم حالة من النجاح الساحق وقت عرضه، إذ أنه كسر حاجز شباك التذاكر في مواسم أخرى بخلاف الأعياد، والفيلم ممتع ويستحق المشاهدة، ويعتبر من أبرز الأعمال وأهمها في السنوات الخمس الأخيرة، ثم جاء فيلمه (الهرم الرابع) ضمن الأفلام المميزة التي كتبت المشوار الكبير والمهم للمخرج الكبير بيتر ميمي.

الاختيار 2

فيلم (الهرم الرابع) حقق نجاحا ساحقا مدويا لم يكن منتظرا بالمرة، أيضا الفيلم عرض في أكثر من منصة وشهد طفرة من نوع معين في السينما المصرية. وقد بدأ الوسط الفني منذ ذلك الفيلم النظر إلى بيتر ميمي على أساس كونه مخرج متميز قادم في الطريق وبقوة وليس مجرد مخرج عادي من أولئك الذين تسمع عنهم ويمكن نسيانهم بكل سهولة، وقصة الفيلم كانت تدور حول شخص يجيد استخدام الحاسبات ويتمكن من الاختراق والولوج إلى أي معلومات إلكترونية فيستغل ذلك في محاربة الفساد والفاسدين، وهو ما يورطه في الكثير من الصراعات والمشاكل لاحقا، ولاننسى أن (ميمي) قد كتب القصة والسيناريو لهذا الفيلم بجانب إخراجه بينما كانت البطولة من نصيب أحمد حاتم.

ومن ضمن أعمال بيتر ميمي (كازبلانكا) الذي يعود فيه إلى السينما من جديد بعد نجاح فيلم (حرب كرموز 2018)، وهذه المرة يحاول (ميمي) أيضا التمسك بالحرس القديم من خلال فريق التصوير والمونتاج، حتى البطولة من نصيب (كرارة)، كذلك شاركه فيها عدد من النجوم على رأسهم (إياد نصر وعمرو عبد الجليل وغادة عادل)، والفيلم تدور قصته حول عملية نصب تتم داخل دولة المغرب، وهو من تأليف هشام هلال،  ويعد أيضا نقلة أخرى في مجال الحركة أو الأكشن المصري، إلا أن جاءت تحفته الدرامية فائقة الجودة (الاختيار) عبر ثلاثة أجزاء ترصد بطولات الجيش والشرطة، والتي استطاع من خلالها أن يجمع المشاهد المصري بالمشاهد بالعربي ليتلفوا حول الشاشة الصغيرة في تفاعل غير مسبوق لمشاهدة الأعمال الوطنية فائقة الجودة وبالغة الأثر في نفوس الشباب المتطلع إلى البطولة والفداء من أجل الوطن .. فتحية تقدير واحترام لهذا المخرج الرائع.

الاختيار 3

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.