بقلم : بهاء الدين يوسف
لا صوت يعلو في مصر هذه الأيام على أصوات من يتحدثون ويدلون بفتاوى متناقضة في أزمة المطربة شيرين عبد الوهاب، فجأة تحول المجتمع المصري كله تقريبا بفنانيه وإعلامييه الى خبراء في الشؤون الأسرية والعاطفية مثلما أصبحوا خبراء في شؤون الإدمان والعلاج منه.
من المؤكد أن شيرين أخطأت حين لم تحافظ على الشهرة والنجومية والثروة التي منحها الله لها، حتى لو كان الخطأ هو إحاطة نفسها بأشخاص غير مناسبين وغير أمناء عليها، لكن أمام خطيئتها ارتكب الإعلام والمجتمع كله خطايا كثيرة وليس خطيئة واحدة.
الإعلام المصري تحول في السنوات الأخيرة الى إعلام (باباراتزي) لا يختلف كثيرا عن المصورين المزعجين الذين تسببوا في موت (الأميرة ديانا) طليقة ملك انجلترا، ومن قبل ذلك تسببوا في توتر العلاقة بينها وبين (تشارلز) في أكثر من مناسبة، كما كانوا سببا في هروب (الأمير هاري) ابنها من بريطانيا ومن ألقابه الملكية بالكامل نفادا بجلده وجلد زوجته (ميجان ميركل) من مطاردات إعلام الفضائح.
تابعت ما يكتب عن (شيرين) وأزمتها ولم أفاجأ بحجم التغطية الإعلامية للحدث، لكنني لا أنكر انزعاجي من الطريقة التي تم بها التعامل مع الموضوع في مختلف وسائل الإعلام، فالكل يجري وراء الكل، والكل يفتي والكل ينشر تلك الفتاوى دون بحث أو تمحيص أو تأكد من الحقيقة، وتناسى إعلاميون يفترض أنهم كبارا (ولو بحكم عمرهم وقت دخولهم للمهنة) إن شعار الصحافة الذي يتعلمه الطلاب في يومهم الأول في كليات الإعلام هو (البحث عن الحقيقة) وليس (البحث عن فضيحة).
لفت انتباهي على سبيل المثال أن الإعلام تحدث الى كل من يعرفون شيرين ومن لم يعرفوها وربما من قدم لها قهوة في صباح أحد الأيام الباردة عديمة الرحمة مثل حال الإعلام والمجتمع المصري في الوقت الحالي، والمزعج أن أحدا ممن تحدث إليهم الإعلام لم يحاول الصمت على الأقل احتراما لإنسانة أكلت معهم “عيش وملح” في يوم ما كما يقولون، أو أنها كانت سببا في ثروات كونها بعضهم من ورائها، ولكن سعى كل واحد للفتي ورواية القصة التي تناسبه وتقدمه في دور الملاك البرئ وليس التي تحفظ ما تبقى من شعبية المطربة.
هل المشكلة خاصة فقط بإعلام الفضائح والمصادر الباحثة عن شهرة؟! اجابتي ستكون بالنفي لأن هناك متهم آخر يجب أن يوضع في نفس قفص الاتهام مع كل من سبق ذكرهم وهو الجمهور الذي يتهافت على معرفة أسرار وفضائح الفنانين والمشاهير، وكأنه يقوم بنوع من الانتقام منهم كونهم يمتلكون ما لا يمتلكه الجمهور من شهرة وثروة وشعبية، ولولا تهافت الجمهور على تتبع فضائح الفنانين لما نشط سوق إعلام (الباباراتزي) الذي يقدم للناس ما يحبون متابعته عن المشاهير.
أتذكر في هذه المناسبة خناقة كنت شاهدا عليها في بدايات عملي الصحفي في الأهرام بين زميلين من قسم الحوادث، كانا في وردية السهرة وبعد منتصف الليل جاءت مكالمة من قسم الشرطة بوجود حدث يستحق التغطية الصحفية، وهناك وجد الزميلان أن الحدث هو خناقة بين زوج وزوجته تطورت إلى اعتداء بالضرب وتدخل الجيران وتصاعد الموضوع حتى وصل للشرطة التي اصطحبت الزوجين إلى القسم، سبب الخناقة بين الزميلين أن الأول سأل الضابط عما إذا كان هناك ما يمكن عمله للصلح بينهما حفاظا على البيت والزواج، وهو ما استفز زميله الذي نهره قائلا أن مشاكل الناس هى سبب رزقهم في أقسام الحوادث ولو فعل كل المحررين مثلما تفعل ستغلق الصحف أبوابها!