رئيس مجلس الادارة : محمد حبوشة
رئيس التحرير : أحمد السماحي

جوزيف بو نصار  .. عاشق المسرح الذي فرض تألقه في التلفزيون

بقلم : محمد حبوشة

إذا ما صح القول بأن الجسد حامل للمعرفة كما يبين ذلك (كامو – Albert Camus)، يتأكد لدينا أهمية الممثل الحامل لهذه المعرفة من خلال مكونات عدة، لتكون ثلاث مكونات وهى (الذكاء/ العقل، والمعرفة الخارجية) من خلال التدريب والتعليم، والمعرفة الداخلية التي ترسل للمتلقي، وهى عملية الفهم للحياة وما تدور حوله المسرحية من فكر ورؤى وحوار، إن جسد الإنسان وهو يحمل هذه الجزئيات الثلاث، والتي تشكل الكلية المعرفية للإنسان، هى ما تشكل البعد التصوري لدى المتلقي، وعليه يمكن اعتبار كل ما يدور على خشبة المسرح هو نتيجة تفاعل مشترك تركز في جسد الممثل، وهذا التشارك وإن بدا الممثل وحيدا على خشبة المسرح، كما في المونودراما والحكواتي مثلا مع اختلاف بينهما، يدركه المتلقي من خلال طريقة التعامل مع المتلقي، وكيفية تعاطي المعرفة معه، وكيفية بث المعرفة من خلال جسد الممثل، والذي يبدو من خلال التمثيل، ليكون الصورة المرئية للآخر .

من هنا أدرك ضيفنا في باب (بروفايل) النجم اللبناني القدير (جوزيف بونصار)، أن يكون الجسد فرجة للآخر، إذن الجسد يقوم بحركات ما وهى فيزيائية وروحية، هى حركات اندماجية من هاتين الخاصيتين للجسد البشري الجانب الفيزيائي والجانب النفسي الروحي، وهذا الجسد الفرجة كما أشار إليه (بارت)، حيث يكون فرجة للجمهور في المناسبات العامة كالأعياد والاحتفالات والرقصات الطقوسية أو جوانب من الحياة الاجتماعية كالمسرح، إذن الجسد من وجهة نظر (بونصار) قد يكون متاحا دائما للفرجة من خلال ما سبق، حيث أن المجتمعات كل المجتمعات، لا تخلو من الأعياد والمناسابات والرقص والطقوس والعادات والتقاليد، وهذا يدل على أهمية حضور الجسد في المجتمع ليس على مستوى الفرد فحسب، بل على مستوى الجماعة أيضا، لأن للجسد الدور الكبير بإبراز تلك الطقوس والمقدرة الكبيرة التي يملكها للتعبير عنها.

لا يتوقف الممثل عن العمل على نفسه

الجسد كتعبير شعوري

وبما أنه أصل المسرح حيث اعتمد الجسد كتعبير شعوري ولا شعوري يمثل ماهية الإنسان، من هنا أدرك (جوزيف بو نصار) أن كينونة الإنسان تكمن في التعبير عما في نفسه وعما يدور في المجتمع من عادات وتقاليد وقيم وشعائر، وكل هذه الأشياء تنعكس على الإنسان، فيتمثلها الجسد بتلك الحركات والأداء التعبيري، إن الجسد المسرحي كما يرى (باتريس بافيس) يتمثل بأسلوبين للعب: (التلقائية والمراقبة المطلقة)، أي بين جسد طبيعي لدى الممثل وجسد دميه يحركه المخرج، وهذا من وجهة نظر (جوزيف) يؤكد على طاقتين: طاقة ذاتية موجودة من خلال تشكل الجسد بكامله، وطاقة أخرى ناتجة عن التدريب، ولكن مهما كانت الطاقة الثانية متدربة فهي لن تكون بمفهوم الدمية كما يحلو للبعض (كريغ)، بجعل جسد الممثل دمية، لماذا ؟ لأن الجسد مهما تدرب على فعل ما لا بد أنه سينتكس إلى مخزون معرفي سابق، يتشكل في الجسد التلقائي الطبيعي، يكون متوائما ما بين الفيزياء والروح، أما تلك التدريبات فما هى إلا طريقة للبحث عن طاقة الممثل الكامنه فيه، والتي تبدو أنها غير مستفزة لتنتج فعلا مسرحيا على خشبة المسرح.

ويؤمن (جوزيف بونصار) بأن تلك الحركات المتوائمة مع الفكرة / الموضوع المسرحي كما يعبر عنها (ديكارت): عن أن (الروح لا توجد في الجسد وجود الربان في السفينة، بل ككائن يسكن في جميع أنحاء الجسد، وعليه فإن الحركات الجسدية المتنوعة والتي تحويها كل أجزاء الجسم من الأعلى للأسفل، هى عبارة عن إيقاعات لغوية حركية تنوب عن الكثير من الكلام، فالإشارة من العين قد تعطي دلالات مختلفة، إن هذه العلامات تندرج ضمن السياق، سواء أكان يعبر عن حالة مودة أو حالة من التشنج والرفض لما يحدث من قبل الطرف الآخر، وكذلك إيماءة الرأس تعطي تعبيرات لغوية حركية تعبر عن الرفض والقبول والتردد، وهذا ينطبق على الفم بحركاته المختفلة، وينطبق أيضا على الحاجب، ولا ننسى الأطراف والتي قد تكون معبرة بصورة أكثر وضوحا.

لست ضد الفورة الدرامية لأننا ناضلنا كثيرا للوصول الى ما نحن عليه

تأثره بمسرح (غروتوفسكي)

تأثر (جوزيف بو نصار) كثيرا بمسرح (ييجي غروتوفسكي) و إشكالية صهر المسرحي باللامسرحي، إلا أن ما أكد (غروتوفسكي) عليه هو الممثل والمتفرج، فلقد كان يؤمن بصحة التقارب الفيزيقي بينهما، أما أسلوب التقديم فلم يعتمد على الحوارات و(النص) بالدرجة الأولى، فالممثل يجد تعبيره الأساسي خارج اللغة، في الصرخة والأنين والصفير وغيره من أنواع الموسيقى غير المصاغة من خلال اللغة أو السلم الموسيقي المعهود، وربما رأى (بو نصار) أنه في حقيقة الأمر لم يكن هذا المسرح (لامسرحيا) أو (ضد المسرح)، فتعامل (غروتوفسكي) مع النص كان تعاملا أدبيا وفكريا معمقا إلا أنه ناهض بقوة التقبل الشائع والعقلاني للأدب الذي حين ينقل، عامة، إلى المسرح يضعف، وكما قال غروتوفسكي (الانفعال المسرحي) الخالص، والكلمة صارت لدى هذا البولندي شكلا بائدا، لذلك سار (جوزيف) على نهجه في خلق لغة جديدة للحركة والوضعة والصوت الذي أراده أن يعيد لنا الحساسية، حساسية السمع.

وإذا عدنا الى مفهوم (المسرح الفقير) كما رسخ في ذهن (جوزيف بو نصار) منذ دراسته في بولندا، نجد أن فكرة (غروتوفسكي) الأساسية كانت في نبذ مفهوم منافسة المسرح لوسائل التقديم الأخرى، فهو أراد أن يضع تعريفا للمسرح الخالي من هوس غنى الوسائل وبذخها ، ومن الفوضى النابعة من دمج أنظمة فنية متنوعة، وكان المسرح الفقير يتحدد فقره في كونه منزوعا عن الثياب المستعارة من ميادين أخرى، وإذا نشأ مسرح من هذا النوع فهو يكون مالكا لما لايمكن تعويضه بأشياء لامسرحية، وفي كتاب له يقول غروتوفسكي: (لايبقى لدينا حينها إلا الممثل والمتفرج، و يصبح المسرح ما يحصل بينهما، أما الباقي فهو مجرد إضافات، وليس بصدفة أن تحول المسرح – المختبر من مسرح فقير بوسائطه استخدمت فيه على الدوام الفنون التشكيلية والضوء والموسيقى الى آخر زاهد يكون كلا مكونا من الممثلين والجمهور وجميع العناصر البصرية والأخرى كالتشكيلية، تكون مبنية من جسد الممثل والتأثيرات الصوتية والموسيقية التي يخلقها صوت الممثل ذاته)، وهو ما حرص عليه (بو نصار) في تجاربه المسرحية.

الجمهور اللبناني ذكي ويستطيع التمييز واختيار ما يشاهد

مميز عن غيره من أبناء جيله

ولد الممثل والمخرج والمؤلف والمؤدي للصوت (جوزيف بو نصار) في  مدينة بيروت العريقة، كان موهوبا منذ أن كان طفلا صغيرا، فعندما كان في المرحلة الابتدائية كان يحرص على شراء كل الكتب المتعلقة بالفن خاصة بالمسرح، وعندما بلغ سن السادسة عشر كان قد قام بتحصيل الكثير من المعلومات الفنية مما جعله مميز عن غيره من أبناء جيله، وعلى الرغم من رفض أهله لالتحاقه بالمسرح إلا إنه لم يتنازل أو يستسلم وظل يسعى لتحقيق حلمه بالالتحاق به.

بدأ (بو نصار) مشواره الفني وهو لا يزال طالب في المرحلة الثانوية فكانت بدايته عن طريق زميله (منير أبو دبس)، وبعد ذلك قرر السفر إلى بولندا وهناك تعلم أصول الفن وتعرف على ثقافات مختلفة ساعدته على اتساع آفاقه، وبعد مكوثه فترة في بولندا قرر الانتقال إلى مدينة باريس عاصمة الفن والجمال وهناك تعلم أيضا والتحق بالمسرح وأصبح يتمتع بالكثير من الخبرات والمعلومات التي تؤهله ليصبح فنانا شاملا، وفي عام 1980 عاد إلى موطنه الأصلي حاملا معه عدة ثقافات وخبرات من مختلف دول العالم، لينقلها إلى دولته، ومن ثم يقرر جوزيف تأسيس فرقة مسرحية خاصة به، ليقوم بعمل أكثر من مسرحية لتنال قدر كبير من إعجاب وتقدير النقاد والجماهير.

ما لا يعرفه الكثيرون عن (جوزيف بو نصار) بأنه ليس ممثل محترف فحسب، بل إنه يتمتع بأكثر من موهبة فنية جعلته في مكانة مميزة بين نجوم الوسط الفني سواء في لبنان أو على مستوى الوطن العربي، فهو مخرج مبدع ذو نظرة فنية من نوع خاص، بجانب تمتعه بموهبة التأليف، فهو كاتب بارع للنصوص خاصة النصوص المسرحية المطولة، ففي أعمال (بو نصار) المسرحية كانت النصوص في الكثير من الأوقات من تأليفه بنفسه، مما زاد من خبرته لإنتاج عمل فني متكامل دون مساعدة أحد، وبجانب كل هذه المواهب المتنوعة فهو مؤدي صوت بارع، وقد قدم عدد من أعمال الدوبلاج في الأفلام الكرتونية الشهيرة، فعندما تجتمع كل هذه المواهب في شخص واحد بالتأكيد يصبح الأمر مميز للغاية.

أدعم إلغاء الرقابة كليا

المسرح شغفه الأول والأساسي 

يقول الفنان اللبناني (جوزيف بو نصار): أنه لم يخطط قط للمشاركة في أي أعمال تليفزيونية عند بداية مشواره الفني، فكان شغفه الأول والأساسي بين السينما والمسرح وأراد أن يصب كل اهتمامه بهما، إلا أن مع الوقت أصبح (بو نصار) يحصل على كثير من العروض الخاصة بالأعمال التليفزيونية، وأصبح يدرك فيما بعد أهمية التليفزيون والشهرة التي يحققها للفنان، فعلى الرغم من أهمية المسرح والسينما إلا أن لكل منهما جمهوره الخاص، على عكس التلفزيون الذي يدخل كل بيت عربي مما يساعد على شهرة الممثل بشكل أكبر.

انتشرت الكثير من الشائعات عن الفنان (جوزيف بو نصار) التي تفيد بأنه يقول: أنه يشعر بالندم على اشتراكه في العديد من الأعمال التليفزيونية الأمر الذي أثر بشكل كبير على مسيرته في المسرح، إلا أن الفنان اللبناني قام بنفي كل تلك الشائعات، موضحا بأنه لم يشعر قط بالندم حول أي عمل فني شارك به، وأنه يعتز بجميع أعماله سواء في التلفزيون أو المسرح أو حتى السينما، وعلى المستوى الشخصي، الفنان جوزيف بو نصار من الفنانين الذين يقومون باختيار أدوارهم بعناية شديدة بعد تفكير طويل يستغرق أيام وشهور.

بيروت يا بيروت
دخان بلا نار
فيلم (اسمعي)

الفيلم الشهير (روميو 11)

شارك جوزيف (بو نصار) في بطولة الفيلم الشهير (روميو 11) الحاصل على الكثير من الجوائز من إخراج المخرج الكندي (إيفان غيربوفتشش)، والذي عرض في أكثر من دولة أوروبية وحصل الفيلم على أكثر من جائزة عالمية، أما بداية (جوزيف بونصار) في مسيرته الفنية كانت عام 1975، حيث شارك في العديد من المسلسلات التلفزيونية، منها (العاصفة تهب مرتين – 1995، اليانبيع –  2004، ابنتي – 2008، الشحرورة – 2011، وأشرقت الشمس – 2013، ياريت – 2015، الليلة الأخيرة، أنا، النحات، حدوتة حب، الشقيقتان، سوا، الليلة الأخيرة، نضال، حواء في التاريخ، العائدة 1 و2، راحو)، ومن أفلامه السينمائية (بيروت يابيروت، بيت الزهر، دخان بلا نار، ويست بيروت، بطل من الجنوب، حلم رشا، اسمعي)، بالإضافة إلى عمله في دبلجة العديد من المسلسلات الأجنبية.

لكن وجد الفنان (جوزيف بو نصار) مكانة خاصة له في أدوار الشر، بل أصبح من أفضل ممثلي الوطن العربي في إتقان أدوار الشر بتنوع دون تكرار، فكان أحدث ما قدمه جوزيف هى شخصية (ثروت) في مسلسل (الهيبة الحصاد) أمام النجم السوري تيم الحسن والفنانة اللبنانية سيرين عبد النور، وقد صرح جوزيف أن دور (ثروت) أعاده للأضواء مرة أخرى ونال إعجاب الجماهير، ويتمنى أن يقدم أعمال مماثلة له مع عدد من المخرجين العرب، كما حدث معه في مسلسله البديع (من إلى) الذي برع في تقديم رجل المافيا بأسلوب ساحر يكشف عن موهبته الحقيقية

راحو
الهيبة
النحات
من إلى

عشق أداء الشخصيات المركبة

أبدع (جوزيف بونصار) بأداء الشخصيات المركبة، وعشق? ?التمثيل وإحترفه، ومن ثم أصبح له بصمة خاصة ومؤثرة في كل عمل أطل به على الجمهور، كما عشق (اللغة الجديدة) في أعماله وتستفزه الأدوار المركبة، وتأثر شابا بأداء بطل  (The Godfather) مارلون براندو، وأيضا بلورانس أوليفييه، وأُعجب لاحقا بأداء نجوم هوليوود، منهم روبرت دي نيرو، آل باتشينو، وميريل ستريب)، لكن شرارة الإنطلاق كانت في عام 1967، مع رائد المسرح اللبناني (منير أبو دبس) في مسرحية (فاوست) يوم كان طالبا في مدرسة المسرح الحديث، ليلعب أدوارا في مسرحيات متتالية لمنير بو دبس، منها (الطوفان، نبع الحقيقة، ملوك طيبة) وغيرها.

بعدها توجه الى بولندا لإكمال تخصصه على يدي المسرحي البولندي (ييجي غروتفسكي)، وكان عليه اجتياز مباراة دخول تقدم إليها 45 طالبا، تم اختيار 5 منهم، وهم (كنديان، أميركي، يوغوسلافي ولبناني هو جوزيف بو نصار)،

أنهى دراسته الشاقة في بولندا، وتوجه نحو فرنسا ليعمل على خشبات المسارح الفرنسية، وليتعلم في آن واحد ولمدة 5 سنوات، وفي العام 1980 حزم حقائبه عائدا الى لبنان، وعاد حاملا طموحاته الكبيرة، ولم تكن البدايات سهلة، كان عليه أن يشق طريقه والخطوة الأولى كانت بتأسيسه المسرح البلدي في منطقة الجديدة، موزعاً مهامه بين الإخراج والتمثيل وإعداد النصوص.

انصب شغف (جوزيف بو نصار) ممثلاً على المسرح والسينما، وفي العام 1975 خاض أول تجربة سينمائية مع المخرج الراحل (مارون بغدادي) في فيلم (بيروت يا بيروت) ليكمل طريقه بين سينما ومسرح بعيدا عن الأعمال التلفزيونية، لكن نجومية التلفزيون لم تبعده عن السينما فقد لمع نجمه تلفزيونيا في عدة أدوار مركبة، اختلفت شخصياتها بين (سياسي وباشا وبيك أو أب)، لم تتمكن إغراءات الشاشة الصغيرة من إبعاده عن عالم الفن السابع، كما فعلت بعالمه المسرحي، ليسجل في رصيده منذ العام 1975 أكثر من 10 أفلام سينمائية، وذلك بفضل تمتع (جوزيف بو نصار) بمهارات تمثيلية عالية وأداء محترف وآسر، يمتلك الصوت والحضور والكاريزما والأداء المحترف، لكنه طبع في الدراما التلفزيونية بأداء الأدوار القاسية والسلطة والقساوة في أعمال عديدة.

(جوزيف بو نصار) الذي نشأ على الأعمال المسرحية الراقية، استخف بالأعمال التلفزيونية على غرار أساتذته الكبار، واعتبرها (كما البوشار) – الفيشار طبقا للهجة المصرية – للاستهلاك اليومي السريع، الذي سرعان ما يختفي، خلافا للأعمال المسرحية أو السينمائية، لذا فهو ينتقي أدواره بعناية شديدة، لأنه يخاف من الندم على اختيار دور غير مناسب له ولمسيرته، كما تغريه الأدوار المركبة ويدرس الشخصية وتشعباتها بعناية، قبل أن يوافق على أي دور، إذ يعتبر أن كل ما تشعبت الشخصية كل ما استطاع الممثل أن ينوع في الشخصية وأحاسيسها.

على الممثل أن يحافظ على جسمه من خلال ممارسة الرياضة

الشخصيات المتسلطة والقاسية

ارتبط اسم (بو نصار) بأدوار الشخصيات المتسلطة والقاسية، بسبب تعابير وجهه وصوته، بالإضافة إلى قدرته على تجسيد الشخصية بتفاصيلها، إذ يعمل أولا على الدور من الداخل قبل الخارج، انطلاقا من مشاعره وتجاربه والشخصيات التي قابلها في حياته، لكن حبه للمسرح جعله يعمل لسنوات عديدة بحماسة وشغف، ولكن مع ازدياد خبرته في مجال التمثيل فضل عدم التعب كثيرا في هذا المجال، بعد أن خف الإقبال على المسرح من قبل الجمهور، ومع ذلك يعتبر (جوزيف بو نصار) من الممثلين المحظوظين في الدراما اللبنانية والعربية، لأنه لا يزال يقدم أدوارا مهمة.

وعن رأيه بعدم وجود فرص تمثيل جيدة للكبار في السن، يقول في مقابلة صحفية له: (من واجب الكتاب، إنتاج نصوص للممثلين الشباب الوافدين الجدد، كما يجب كتابة نصوص لأعمار تتخطى الخمسين سنة، يجب أن تأخذ كل فئة عمرية حصتها، حتى لا يظلم أحد، لكن ما يحصل في لبنان، هو أن المنتجين يأتون بشبان وسيمين، وفتيات جميلات، وهذا في الحقيقة شكل من أشكال الكذب على الجمهور، لذلك فإن التقدم في العمر يخيفني، لأنه سيأتي يوم ولن يتصل بي أحد، ومن هنا، فأنا أناضل كي أؤمن نفسي ماديا ومعنويا، لأني أتجهز لليوم الذي لن أحتاج فيه لأي أحد منهم، أخاف من التقدم في العمر، وأنا أهتم بصحتي جداً، وأحترم جسد الممثل الذي في داخلي.

عملت في الصحافة 25 عاما كي لا أضطر القبول بأدوار غير راض عنها

خاض العمل الصحفي 25 عاما

على الرغم من خوضه مجالات عدة من بينها الصحافة لمدة 25 عاما، (رئيس تحرير الدليل في جريدة النهار اللبنانية)، يبقى عشق (بو نصار) الأول والأخير للمسرح الذي أبدع فيه مخرجا وممثلا سواء في المسرحيات التجريبية أو السياسية أو الاجتماعية وغاب عنه طويلا بعد فقدان الدعم المالي، لذلك يقول: أخذني التلفزيون أكثر كذلك السينما والصحافة، ومع ذلك فلست بعيدا عن المسرح كصحافي ولكنني بعيد كممثل ومخرج بعد الصعوبات التي واجهتها وأتعبتني، في التلفزيون الدعم مؤمن للأعمال إذ تشتريها المحطات التلفزيونية، كذلك الأمر بالنسبة إلى السينما التي تنتجها بلدان أوروبية وأميركية وكندية ومصرية، بينما يعاني المسرح من إهمال الدولة اللبنانية والجمعيات والبلديات.

ويضيف: كل نوع مسرحي في لبنان جمهوره الخاص، من (مسرح الرحابنة) مرورا بـ (مسرح جورج خباز)، وصولا إلى الحركات المسرحية، مثل (مسرح المدينة)، الذي تشهد خشبته أعمالا لمخرجين شباب، كذلك الأمر بالنسبة إلى مسارح (مونو ودوار الشمس وبابل) لـ (صاحبه جواد الأسدي)، وربما يبدو صحيحا أن تلك المسارح تستقطب جمهورا عريضا، لكنها لا تلقى الدعم، فثمة أعمال مسرحية كثيرة غائبة لأنها تحتاج إلى الدعم، لذا لا أدري إن كان يسمح لي بالقول إنه لولا دعم بعض البلدان العربية مثل (قطر ودبي) لمسرح الرحابنة، لكان إنتاجه اضمحل، أما بالنسبة إلى (جورج خباز) فقد أقام أمبراطورية صغيرة وجميلة يعمل فيها بتعبه وجهده، فأسس لنفسه موقعا في المسرح وأنا اشجع ذلك، فهو لا يحتاج إلى الدعم الحكومي أو من البلديات لأنه ظاهرة جميلة مستمرة.

في خلال عملي الصحافي يقول (جوزيف بونصار): أؤدي دوري بتوجه نقدي وإحساس صحافي، وعندما أعمل كمخرج أكون ديكتاتوريا في تدريب الممثلين والتحدث معهم عن الرسالة التي أريد إيصالها من خلال المسرحية، أما كممثل، فأثق بالمخرج وأستمع إليه وأناقش معه شخصيتي وأتعمق بها لنقطف معا ثمار العمل، متى أردت القيام بشيء خاص بي أطلب من الآخرين الاستماع إلى، وإذا كان الآخر يريد تقديم عمله الخاص، على كممثل أن أستمع إليه، ثمة تراتبية في العمل يجب احترامها، لذلك يتوجب على الممثل طاعة المخرج والاجتهاد في دوره والاستماع إلى زملائه.

في ستينيات القرن الماضي وسبعينياته، كنا رواد الدراما في السوق العربية

أشهر أقوال (جوزيف بو نصار) :

** إن أحببت الدور أقبل به شرط ألا يشبه دورا سابقا، وبالتالي فإن إحساسي كممثل هو الذي يدفعني إلى القرار.

** أدعم إلغاء الرقابة كليا، لكن إن ألغيت هل يسمح لنا بانتقاد الآخرين؟ .. إلغاء الرقابة يعني أن ثمة ثقة بالفنان واحتراما لعمله.

** لست ضد الفورة الدرامية لأننا ناضلنا كثيرا للوصول الى ما نحن عليه، انتقدنا المحطات اللبنانية التي لم تنتج الدراما سابقا، اليوم توظّف التلفزيونات المحلية الدراما وتنتجها.

** في ستينيات القرن الماضي وسبعينياته، كنا رواد الدراما في السوق العربية، إلا أن اندلاع الحرب عام 1975 أخرتها وتراجعت بالتالي، من ثم سادها الأسلوب الركيك فسبقنا الآخرون.

** الجمهور اللبناني ذكي ويستطيع التمييز واختيار ما يشاهد، المواضيع الركيكة موجودة في كل بلدان العالم، ثمة عروض مبتذلة وهابطة وأخرى مهمة، ولا يمكن وضع رقابة على نوعية الأعمال قبل تنفيذها وإلا أصبحنا ديكتاتوريين.

** يتجه الممثل اللبناني إلى مصر بعدما سبقه السوري في الصناعة والتمثيل والإنتاج، ثمة محاولة لإنتاجٍ لبناني مصري تمثلت في الفيلم السينمائي (دخان بلا نار).

** لا أجد نفسي مجبراً على القبول بأي عمل، وفي الأساس أنا عملت في الصحافة 25 عاما كي لا أضطر القبول بأدوار غير راض عنها لأسباب مادية.

** لا يتوقف الممثل عن العمل على نفسه، من الناحية الجسدية على الممثل أن يحافظ على جسمه من خلال ممارسة الرياضة وألا يسهر أو يشرب السجائر أو الكحول، كما عليه أيضا أن يعمل على الشق الثقافي، والموسيقي، والقراءة بشكل دائم، إضافة الى لقاءات ثقافية والتعّرف على الناس للتعلم منهم.

وفي النهاية لابد لي من تحية تقدير واحترام للفنان القدير ممثلا ومخرجا وكاتبا ومؤديا صوتيا (جوزيف بو نصار) الذي برع  في الشخصيات التي قدمها، وربما يعود السبب إلى ملامحه وقوة حضوره وصوته القاسي والعميق والمسيطر، ومجموعة من العوامل الأخرى، ولكن إلى جانب هذه الأدوار التي أحبها ولعبها من قلبه، لعب أيضا أدوارا منوعة في المسرح والسينما والتلفزيون، تنوعت بين الكوميدي والهادئ والحنون، وأعتقد أن أول ما يجب أن يفعله الممثل الواعي الذي يحب مهنته هو الموافقة على الدور الذي يحبه، ومن ثم يشتغل عليه مهما كان نوعه، وهناك الذريعة التي تعطي سببا لكل المشاهد والتصرفات التي يقوم بها الممثل، وهو القائل: يجب على الممثل أن يدرس الدور جيدا ويتعب عليه، لا أحب الممثلين الذين يمثلون فقط من دون التعب على الدور، المهنة صعبة جدا ولا يكفي الوقوف أمام الكاميرا ووضع الميكاب لكي نبدو وسيمين وظرفاء فحسب.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.