رئيس مجلس الادارة : محمد حبوشة
رئيس التحرير : أحمد السماحي

نبيل الألفي  بسبب (تحت أسوار أورشاليم) الإسرائيلية كتبت (الباحثون عن زهرة الخلود) 2/3

* العقول التى تدفعنا إلى النمو والتطور، هي العقول التى تعارضنا ولا تتفق دائما معنا في الرأي

* غضبة صغيرة عادلة من ناقد، قد تضيئ العالم من حولها

* لم يكن مؤلف (دموع إبليس) متزمتا، كان يشعر بأنه مؤلف المسرحية وخالقها، ولكنه كان يدرك أيضا أنه خلقها لتعيش

* أجلت إخراج (إيزيس) أثناء حرب 1956 بعض الوقت، وقدمت (كفاح الشعب، كرباج أفندينا، عروس رشيد، حياة في الجبانة) لتقوية الروح المعنوية، وفي الإنتصار لحقوق شعبنا

نبيل الألفي ممثلا سينمائيا

كتب : أحمد السماحي

ما زلنا مع رجل المسرح المخرج المبدع (نبيل الألفي) من خلال استعراضنا لكتابه الممتع (من عالم المسرح .. تجارب ودراسات) الذي صدر عام 1960، في الحلقة الماضية تحدثنا سريعا عن مولده وأهم أعماله المسرحية والسينمائية، وسر كتابته لكتاب (من عالم المسرح)، وعشقه للمسرح الذي منعه من ممارسة أعمال أخرى بجوار هذا التعبد لعدم وجود وقت لديه، وفي هذه الحلقة نتوقف عند رأيه في النقد والنقاد، وكواليس عدد من أعماله المسرحية.

النقد والنقاد

تحت عنوان (النقد والنقاد) يقول الألفي: لست في الواقع ممن يعترضون على تشعب آراء النقاد، وتباين زوايا النظر التى ينظرون من خلالها إلى تجاربنا المسرحية، فأنا لا أعتقد أن النقد حول (إيزيس) أو (دموع إبليس) أو (قهوة الملوك) مثلا، كان من الممكن أن يصل إلى مستويات أعمق، أو يؤدي إلى نتائج أفضل، لو اتفقت في الرأي سائر الأقلام، لأن الواقع الذي لا سبيل إلى إنكاره، هو أن نمونا الفكري والثقافي لا يطرد أو تدب فيه الحركة بدافع فقط من أولئك الذين يتفقون معنا تماما في وجهة النظر، وإنما يحدث العكس كذلك، فالعقول التى تدفعنا أيضا إلى النمو والتطور، والتى قد تكون أبعد أثرا في تربيتنا وصقلنا هى العقول التى تعارضنا ولا تتفق دائما معنا في الرأي.

قي أثناء استراحة في بيته

إنفعال الناقد

كما أنني من ناحية أخرى لا أجد أية غضاضة في أن ينفعل الناقد غاضبا أحيانا في دفاعه عن حقيقة مطموسة، أو قضية شريفة، لأن غضبة صغيرة عادلة في مثل هذه الحالة قد تضيئ العالم من حولها، لذلك أجد – مع كل معارك النقاد ومناقشاتهم ودراساتهم، وبالرغم من تعدد الاتجاهات والأساليب والمفاهيم – أننا نستطيع أن ننظر إلى حركة النقد حول مسرحنا اليوم على أنها حركة ذات حيوية وانتعاش.

وعلى أنها أيضا حركة لها أهميتها ولها خطرها، ولكن هذه الأهمية أو تلك الحيوية، قد تتطلب منا التفاتة حرص هنا، أو أمانة تقويم هناك، وهذا أمر طبيعي ففي مناطق الضوء والإشعاع، حيث تندلع تيارات الفكر والدراسة، وحيث يسطع سحر صياغة الكلمة وسحر فحواها يجمل بنا أن نفتح أعيننا على كثير من الحقائق، وأن تتخذ لأنفسنا مزيدا من الحيطة، وأن نحاول تصحيح بعض المعايير في ميزان القيم.

ما يؤخذ على النقد

يحدث أحيانا مثلا أن ناقدا يرفض مسرحية، لمجرد أنها ترتكز في بنائها وصياغتها على تصوير مأساة مجموعة من الناس في مشاكلهم وقضاياهم، وفي أسباب معيشتهم وحياتهم اليومية، ويصرخ الناقد قائلا: (إن هذا ليس بفن، وليس بمسرح على الإطلاق!)، ثم يحدث أن يتكلم نفس الناقد عن مسرحية أخرى فيشيد بقيمتها الفنية ويتغنى بعبقرية الأديب الذي صاغها، لمجرد أنها مسرحية تصور مثلا مأساة الإنسان المطلق في صراعه الأبدي ضد الزمن أو ضد الموت، وهنا يرتفع هتاف الناقد قائلا: (هذا هو الفن، وهذا هو المسرح)!.

وكان الأجدر والأكرم لمثل هذا الناقد أن يقول لنا في صراحة: إن العمل المسرحي في الحالة الأولى يتعارض مع اتجاهه، وأنه في الحالة الثانية يتفق تماما مع ميوله ونزعته!، لأنه ليس من الإنصاف في شيئ أن نزن إنتاج المؤلف من الوجهة الفنية بمعيار كهذا، فالنتيجة التى نستطيع أن نصل إليها على ضوء مقارنة من هذا القبيل تعني أن المؤلف في الحالة الثانية كان أقل استجابة لمشاكل الناس وحياتهم اليومية، ولا تعني إطلاقا أنه كان أكثر أو أقل فنا من الوجهة المسرحية.

نبيل الألفي ممثلا في مسرحية (تاجر البندقية) ويشاركه زكي طليمات وسعد أردش

دموع إبليس

بعد هذا ينتقل بنا (الألفي) من خلال كتابه (عالم المسرح) إلى كواليس مسرحيته (دموع إبليس) تأليف فتحي رضوان، والتى قدمت لأول مرة خلال موسم 1957 / 1958، على مسرح دار الأوبرا بالقاهرة، وقال: لم أحاول نشر أي حديث عن التجربة في تلك الفترة، لأن المؤلف كان يجمع إلى جانب عمله كأديب، منصب الوزير، وكنت قد بدأت أشتم (بعض الظن) يمارس ضغطا على ميزان تقديرنا للمسرحية ومؤلفها!.

وعن ظروف إخراجه لهذه المسرحية يقول: تناولت (دموع إبليس) في بادئ الأمر كعضو في لجنة القراءة بالمسرح القومي، فذكرت عنها في تقريري أنها: (تجربة مسرحية جديدة ذات طابع فلسفي، تلتقي الشخصيات خلال فصولها وتفترق في صياغة فنية قد تكون بعيدة عن منهج المدرسة الواقعية، ولكن القيم الأخلاقية، والنظرات الفلسفية والأحداث التى ينهض في غمارها صراع العواطف في هذه التجربة تعتبر جميعها ذات جذور أصيلة في حياة الإنسان ….)، وأشرت في نهاية تقريري إلى أن: (تحقيق العرض المسرحي لهذا العمل الأدبي قد يستلزم التخفيف بعض الشيئ من حدة الصياغة اللغوية في بعض فقرات من الحوار، وقد يتطلب لمسة تعديل هنا، أو محاولة اختزال هناك، كي يتسق التركيب الجمالي والسيكلوجي في بناء الشخصيات والأحداث).

 كانت المسرحية في رأيي من حيث الصياغة والمضمون معا عملا مسرحيا جديرا بأن يحقق وجوده على المسرح، كل هذا قبل أن أعرف إنني من سيقوم بإخراجها، وعندما جاء دور تنسيق الموسم وتوزيع المسرحيات التى أقرتها لجنة القراءة على مخرجي المسرح القومي كانت (دموع إبليس) من نصيبي، فأبديت ارتياحا للأمر.

كواليس إبليس

بعد ذلك يحدثنا (الألفي) عن كواليس ظهور المسرحية للنور فيقول: لم يكن مؤلف (دموع إبليس) متزمتا، كان يشعر بأنه مؤلف المسرحية وخالقها، ولكنه كان يدرك أيضا أنه خلقها لتعيش، ولتتخذ لنفسها كيانا قائما بذاته، فلم يكن يضايقه أن تنادي حقيقة شخصية من شخصياته بالتخلص من بضع كلمات غريبة عليها.

بعد ذلك ينتقل إلى ما كتبه الأدباء والنقاد عن المسرحية بالسلب والإيجاب ويستعرض هذه الأراء مع كتابة ملحوظاته عليها:

نبيل الألفي مع الكاتب (جان بول سارتر وزوجته الروائية سيمون دي بوفوار) أثناء زياراتهما أكاديمية الفنونعام 1967

إيزيس

تعتبر مسرحية (إيزيس) تأليف توفيق الحكيم، وبطولة أمينة رزق، عمل من أهم أعمال (الألفي) فيقول عنها: بدأ التحضير لإخراج (إيزيس) مع صيف عام 1956، ولكن المسرحية لم تجد طريقها إلى العرض على مسرح دار الأوبرا في القاهرة إلا في يناير عام 1957، أي قبل (دموع إبليس) بعام تقريبا، بعدها يتحدث رجل المسرح عن علاقة التفاهم بين المؤلف والمخرج المسرحي التى تؤدي إلى نتائج موفقة.

معارك إيزيس

يقول الألفي: إخراجي لمسرحية (إيزيس) كان قد نهض قبل (دموع إبليس) في غمار عقبات عديدة، ولم تكن المسألة مجرد تجربة بل كانت أيضا معركة، معركة لمحاولة إنقاذ إنتاجنا المسرحي من التخبط وسط التنافر والصراع المحتدم حينذاك بين شباب وشيوخ كتابنا، مع الدعوة إلى إنقاذ ميزان النقد من التأرجح في مهب الأهواء والأغراض، بين أصابع المؤلفين أنفسهم ينقد بعضهم بعضا.

ومعركة لمواجهة تردد المؤلف (توفيق الحكيم) بين الإقدام والإحجام في الموافقة على عرض (إيزيس) بعد الهجوم الذي شنه أحد النقاد عليه وعلى مسرحيته، ثم معركة المشاكل الداخلية تلك المشاكل التى يواجهها المخرج عندنا، بالإضافة إلى عمله الفني.

نبيل الألفي مع زوجته

حرب 1956

شاءت الظروف أن يتخلل تيار إخراجي للمسرحية معركتنا الكبرى من أجل تأميم قناتنا، فكان على أن أنحي (إيزيس) جانبا بعض الوقت، لأحقق تقديم مسرحيات تساهم في تقوية الروح المعنوية، وفي الانتصار لحقوق شعبنا، وقد قدمت مسارحنا في تلك الفترة من إخراجي مسرحيات (كفاح الشعب، كرباج أفندينا، عروس رشيد، حياة في الجبانة).

وبعد انتصارنا في المعركة الرئيسية عادت (إيزيس) تتابع طريقها إلى العرض وتحتل مكانها على المسرح.

كواليس إيزيس

يتحدث رائدنا المسرحي الكبير عن ظروف وكواليس إنتاج (إيزيس) فيقول: كان صوتي في جانب الأغلبية من لجنة القراءة التى وافقت على المسرحية، ثم عهد إلي الأستاذ (يحيي حقي) بمهمة إخراجها، باعتباره رئيس لجنة القراءة، ومدير مصلحة الفنون، وكان بالإضافة إلى مهام منصبه يشرف على سياسة المسرح القومي ومواسمه في ذلك الحين، بعدها يستعرض (الألفي) معارك المسرحية وكواليسها.

الباحثون عن زهرة الخلود

يفاجئنا كتاب (من عالم المسرح) بقصة قصيرة من تأليف (نبيل الألفي) بعنوان (الباحثون عن زهرة الخلود) يرجع تاريخ كتابتها إلى مايو 1950، يقول عنها: كتبت هذه المسرحية منذ عدة سنوات خلت، وكنت في عهد تحصيل أعيش في بلد غير بلدي، وكانت تجتاح مشاعري وتدفعني نحو الكتابة عن المسرح في ذلك الحين عوامل عديدة قد لا أستطيع اليوم أن أتبينها على وجه التحديد، ولكني على الأقل أستطيع أن أستحضر في مخيلتي من بين ضبابها ثلاث حالات انفعالية، يلوح لي أنها كانت تندلع في عالمي النفسي، وأنها كانت فعالة في تحريك قلمي نحو كتابة هذه القصة.

ففي مسرح (سارا برنارد) كانت هناك فرقة مسرحية إسرائيلية قد قدمت إلى باريس من تل أبيب باسم فرقة (أوهيل)، وكانت تقدم موسما مسرحيا يشتمل على مجموعة كبيرة من المسرحيات كلها لمؤلفين إسرائيليين، وكان بين هذه المسرحيات مسرحية باسم (تحت أسوار أورشاليم) تجري أحداثها عام 1948 خلال الحرب التى اندلعت بين العرب واليهود، وكانت المسرحية تصور العرب في صورة مؤلمة حقا، ولا أستطيع أن أصف كم كنت ثائرا وغاضبا وقلقا بعد ذلك على مستوى مسرحنا المصري، فكتبت هذه المسرحية ردا على ما شاهدته.

…………………………………………………………………………………………

في الحلقة القادمة :

** نبيل الألفي يكتشف الطالب محمد كامل القليوبي كمؤلف مسرحي ويتنبأ له بمستقبل باهر!.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.