رئيس مجلس الادارة : محمد حبوشة
رئيس التحرير : أحمد السماحي

كيرة والجن .. تحفة فنية من طراز رفيع تعكس عصر الجنون !

علا السنجري

بقلم : علا السنجري

حين  قرأت  رواية  أحمد  مراد  (1919)،  تذكرت بدايات  شغفي  بالقراءة،  حين  كنت  أتحدى والذي  بعد  الانتهاء  من  أي  كتاب  أو  رواية أحاول تحليل  ما  قرأت  لأثبت  له إنني مثقفة،  وربما  يوما أكون  مثله  صحفية،  وكان  من  بين  التحدي  كتاب مصطفى  أمين  (الكتاب  الممنوع  أسرار  ثورة 1919)،  كان  تحليلي  وقتها  منحصرا  في  تضحيات شباب  الثورة،  وتعاطفا  مع  الزعيم  سعد  زغلول، ولكن  حين  عاودت  قرأته  مرة  أخري،  انبهرت بالدور  النسائي  في  ذلك الوقت.

في  المرة  الثانية  للقراءة،  والتي  كان  سببها  السهرة الدرامية  التي  تحمل  عنوانا  (دولت  فهمي  التي  لم يعرفها  أحد)،  في  عام  1987  من  إنتاج  التليفزيون المصري  والسيناريو  والحوار  (عصام  الجنبلاطي) والإخراج  لإنعام  محمد  على،  انجذبت  كثيرا لشخصية  دولت  فهمي،  قامت  بأداء  الدور  الفنانة سوسن  بدر،  حيث  تعاطفت  مع  التضحية  التي قامت  بها  وللظلم  الذي  واجهته،  وكان  الجزاء  هو القتل  على  يد  أهلها.  شارك  في  السهرة  أيضا الفنان  الراحل  ممدوح  عبد العليم.

بوستر فيلم (كيرة والجن)

قبل  أن أقارن  بين  رواية  (أحمد  مراد ومصطفى أمين) والسهرة  الدرامية والفيلم  (كيرة  والجن ) والمأخوذ  عن  رواية  (أحمد مراد)  سأفرد  له  صفحة  خاصة  به،  أسرد  لكم قصة  هذه  البطلة  الرائعة  وما  فعلته  للنضال  ضد الإنجليز، كانت  ناظرة  مدرسة  الهلال  الأحمر القبطية  للبنات،  لكنها  في  الأصل  من  محافظة المنيا،  من  عائلة (شادي) العريقة  ذات  الأصول الحجازية،  عائلة  ينتهي  نسبها  إلى  الأشراف  من  آل بيت  رسول  الله  -صلى الله عليه وسلم – أصبحت  عضوة  في  التنظيم  السري  الذي  كان يطلق  عليه  (اليد  السوداء)  بقيادة  عبد  الرحمن  فهمي وأحمد  ماهر،  تصدرت  الصفوف  المظاهرات  لثورة 1919،  ولها  دور  كبير  في  طباعة  المنشورات  الثورية وتوزعها  على  المواطنين  للدفاع  عن  مصر  ورفض الاحتلال  الإنجليزي.

بدأت  تضحية  دولت  عندما  منعت  سلطات الاحتلال  في  ذلك  الوقت  حزب  الوفد  الذي  أسسه سعد  زغلول  من  السفر  إلى  مؤتمر  الصلح  الذي عقد  في  باريس بعد  انتهاء  الحرب  العالمية  الأولى لعرض  قضية  استقلال  مصر ونفتهم  إلى  مالطا، تشكلت  تنظيمات  سرية  وكان  من  بينها (اليد  السوداء) أو  الجهاز  السري  الذي  انضمت  له  دولت  فهمي، كانت  مهمة  التنظيم  إرهاب  وتهديد  من  يقبل تشكيل  الوزارة  تحت  حماية الاحتلال.

أحمد عز

تم  تكليف  الشاب  عبد  القادر  شحاتة بإرهاب محمد  شفيق  باشا  الذي  قبل  تشكيل  الوزارة،  وذلك عن  طريق  إلقاء  قنبلة  عليه، ثم إلقاء  القبض عليه  للتحقيق معه،  وقام  رجال  المخابرات البريطانية  بتعذيبه  تَعْذِيبًا شَدِيدًا  ليعرفوا سُؤَالاً وَاحِدًا هو:  أين  أمضى  عبد  القادر  الليلة السابقة  على  ارتكاب الجريمة؟

هنا  طلب  التنظيم  من  دولت  فهمي  الاعتراف  بأن عبد  القادر  بات  ليلة  الجريمة  معها  خوفا  من  انهياره ويعترف  بأسماء أعضاء  التنظيم  الذين  كانوا معه  داخل  قصر  محمد  شفيق  وباتوا  ليلتهم  به، وهى التي  لم  تتردد  بالاعتراف  بأنها  على  علاقة  غير مشروعة  معه،  بل  أقنعت  النائب  العام  بذلك  حين انهالت  على  عبد  القادر  بالقبلات  قائلة: (يا حبيبي  يا روحي  يا  عبد القادر).

كريم عبد العزيز

حكم  على  عبد  القادر  بالأشغال  الشاقة  المؤبدة، بينما  (حكمت) راحت  ضحية  وشاية  كاتب  التحقيق أحد أبناء  قريتها  ويعرف  أهلها، والذي  قام بإبلاغهم أن  ابنتهم  على  علاقة  غير  مشروعة بشاب،  فما  كان  من  أهلها أن  جاءوا  إلى القاهرة واصطحبوها  بحجة  العزاء  في  خالتها،  وعند  قبر خالتها  قتلوها  رغم  أنها أقسمت أنها  عذراء  ولم ترتكب  أي  خطأ،  وماتت  دون  أن  تظهر  حقيقة ما فعلت.

الراحل  (مصطفى أمين) سلط  الضوء  على شخصية  (حكمت  فهمي) التي  لم  يعرفها إحدى ثلاثة مرة  في  كتبه حتى  يعرفها  الجميع وتضحيتها  الكبيرة  لإنقاذ  التنظيم، لكنه  لم يتناولها  في  رواية  أو  عمل  أدبي  خاص  بها،  حتى جاء  السيناريست  (عصام  الجنبلاطي)  وجسدها  في عمل  درامي  من  خلال  كتابات  مصطفى  أمين، لتمر  سنوات  عديدة  بعد  ذلك  ليتناولها  أحمد  مراد في  رواية  طويلة،  يبرز  فيها  الدور  النسائي  للثورة  من خلال شخصيتها.

حمل (أحمد  مراد) القارئ  في  صفحات  من  كفاح المصريين  للاستقلال  من  المحتل  الإنجليزي،  وذلك من  خلال  أدق  التفاصيل  التاريخية،  ترتكز  على أربع  شخصيات  رئيسية  تدور  من  خلالهم  بالتعاون بعض  الشخصيات  الفرعية،  وهو  أمر  يختلف  عن رواياته  السابقة  ذات  البطل الواحد.

هند صبري

يقدم  ثلاث  فئات  من  النساء، (دولت) امرأة  عاملة في  زمن  لا يسمح  للنساء  بالخروج  إلا مرتديات برقع  يغطى  وجهها، هى  الثائرة  التي  تدافع  عن قضية  مؤمنة  بها  أشد  الإيمان،  لاتهتم  بشيء  سوى الوطن.

النموذج  النسائي  الثاني  هو  (نازلي)،  الفتاة الأرستقراطية التي  تعتبر التمرد  لعبة غرور وأنانية  لا تجعلها  تشارك في المظاهرات، بل تكتفي بزيارة  بيت  سعد  زغلول  ومقابلة زوجته.

وأرضاها  لهذا  التمرد  بداخلها  أحب (أحمد كيرة) كتجربة  لم  تخضها من  قبل لتتركه  بعد ذلك  من  أجل  من  الزواج  بالأمير فؤاد، النموذج الثالث هو (ورد) ‫فتاة  أرمنية  هاجر  أهلها  إلى مصر هربا من المذابح التي كانت تقترفها  القوات  التركية ضد  الأرمن،  التي  تقع  في  براثن  منزل  مرخص لممارسة  البغاء  الذي  كان  مسموحا  به  في  هذا الوقت،  لتكون  النقيض  من (دولت) العذراء  التي اتهمت  في شرفها ظلما ‫تهرب  منه  لتعمل في  مسرح المطربة  لبنانية  الأصل (بديعة  مصابني).

‫يختار (أحمد مراد) إحدى قيادات العمل المسلح لثورة 1919 (أحمد كيرة)،  الذي  شارك في عدة عمليات  فدائية  لمنظمة (اليد  السوداء) بما  يكسر قاعدة  ثابتة أن الثورة كانت  سلمية ليتم  التركيز أكثر على الخلية  السرية  في القبو  لمقهى ريش، وتدريبات  التنظيم  بالمقطم، وتمويلها  من  حزب ويظهر ذلك  في  اللقاءات بين  كسره وسكرتير  الوفد عبد  الرحمن  باشا  فهمي.

سيد رجب

في النهاية ما أريد أن أصل إليه هنا أن رواية (أحمد مراد) تخرج عما هو مألوف لنا عن ثورة 1919 من مظاهرات تطالب بعودة (سعد زغلول) من  منفاه، وما رسخ في الأذهان لدينا من صور عناق  الهلال مع الصليب  ومظاهرات النساء، يسرد  عمليات  القتل  والتخفي  بأسلوب الإثارة  والاكشن،  ويدعمها  بقصص  غرامية معقدة، وهو أمر من وجهة نظري يختلف عما جاء في كتب (مصطفى أمين) عن  ثورة 1919 وشخصية سعد زغلول.

وفي النهاية لابد لي من الإشادة بأداء كل من (كريم عبد العزيز / كيرة، وأحمد عز/ عبد القادر شحاتة الجن، هند صبري / دولت، روبي / زينب، أحمد مالك / شوكت، سيد رجب / إبراهيم الهلبوي، رشدي الشامي / عبد الرحمن كيرة، سلوى محمد على / أم كيرة، إياد نصار / حسن نشأت، سلوى عثمان / أم دولت، أحمد كمال شحاتة)، وكلهم أجاد كل واحد في دوره على مستوى التكنيك والحركة ليقدموا لنا تحفة فنية من طراز رفيع، فتحية تقدير واحترام لهم جميعا، كما ينبغي لي الإشادة بالمخرج مروان حامد، قدم الفيلم ملتزما بروح التاريخ، ولم يخرج عن مضمون الوثيقة التاريخية للأحداث فمنذ بداية الفيلم التزم وهو لم يحيد عن وثيقة (دنشواي)، ومن قبل المؤلف أحمد مراد وشركة (سينرجي) بقيادة المنتج الكبير تامر مرسي، وموسيقى هشام نزيه، ومدير التصوير أحمد المرسي.

رشدي الشامي
أحمد كمال

هذا وقد أكد صناع العمل على أن تكون المعركة هى نضال هذ الوطن بجميع أطيافه المسلم أو المسيحي أو اليهودي، المرأة والرجل، والمثقف والأمي، الفلاح والصعيدي، فقد استعرض علاقتهم وكأنهم نسيج واحدة ليعبروا عن وحدة الوطن الذي يتعرض لحرب أسوأ من الاستعمار القديم ولكن بشكل مختلف في عصرنا الحالي، ولعلهم جميعا قد حرصوا على أن يحكي قصة من الأمس في عصر الجنون بإسقاط على الواقع المعاش عبر بطولة وحب وتضحية حدثت في مرحلة مهمة في تاريخ مصر، وربما تكون الأحداث قد وقعت قبل أكثر من 100 عام لكنها تحمل في طياتها رسائل مهمة في زمننا الحالي، من خلال قصة مجموعة من الأشخاص ينتمون إلى خلفيات متنوعة، ويتحدون في مقاومة الاحتلال الإنجليزي على مصر بطريقتهم الخاصة، وهو بهذا يشبه إلى حدما وحدة الدولة والشعب حاليا لكل عصابات الشر التي تزيد في تأثيرها معبرة عن ما يحدث في مصر الآن، حيث تختلف وجوه الشر الاستعماري القديم في ثوب عصري جديد يشبه ما يحدث الآن.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.