رئيس مجلس الادارة : محمد حبوشة
رئيس التحرير : أحمد السماحي

محمود حسونة يكتب : (ليلة القتلة) .. إبداع متمرد

بقلم : محمود حسونة

كثير من شبابنا السابقين والحاليين وربما اللاحقين يحلمون بالسفر إلى الخارج بحثاً عن حياة أفضل وسعياً لتحقيق الذات، البعض ينفصل تماماً عن الوطن وينخرط مهنياً ووجدانياً في وطن الغربة، والبعض يعيش بعقله هناك أملاً في تحقيق الهدف المنشود، وبمشاعره ووجدانه هنا، يتابع تفاصيل أخبار الوطن ويتألم لأي حادث يمكن أن يعرقل مسيرته، ويتابع أحوال الأصدقاء ويشاركهم إليكترونياً مناسباتهم وأفراحهم وأحزانهم أكثر ممن يعيش وسطهم.. والمخرج المسرحي الكبير (صبحي يوسف) كان من هذا النوع، عاش نصف عمره في المملكة العربية السعودية، ولكنه لم يبعد يوماً عن الوطن ولم ينفصل أبداً عن الأصدقاء، ولم يغفل عن متابعة أوضاع المسرح المصري الذي عشقه يافعاً وقدم عبر خشبته أعمالاً حققت نجاحاً فنياً وجماهيرياً ومثلت مصر في مهرجانات دولية وذلك قبل سفره الطويل إلى المملكة العربية السعودية ومنها: (القفص، والكورة اجوان، وليلة زفاف إليكترا، وأسطورة كتمان السر، وحلم ليلة كيف، والليلة نحلم، والسلاطين الثلاثة)، وغيرها..

صبحي يوسف

صبحي يوسف عاش في قلب مصر وعاشت في قلبه وهو بعيد عنها، حرص على استمرار التواصل مع الأصدقاء من الفنانين وغير الفنانين عبر مواقع التواصل الاجتماعي، ولم يكتف بصفحة تحمل اسمه فقط، بل جمع الفنانين الأسكندرانية وعشاق مسقط رأسه الأسكندرية في صفحة سماها سفارة جمهورية مصر العربية في الأسكندرية، وهو اسم يحمل عمقاً في دلالته على قيمة الأسكندرية في العقل والوجدان، وبعد عودته قبل عام كانت عينه على المسرح المصري، وعاش في سباق مع نفسه ليعيد اسمه إلى الواجهة المسرحية، ولم يؤثر الابتعاد مثل كثيرين من العائدين إلى الوطن بعد غربة طويلة، ولم يؤثر أن يكافئ نفسه باستراحة بعد رحلة طويلة من الإبداع في الخارج، تتلمذ على يديه خلالها عديد من المواهب المسرحية في المملكة وشارك خلالها مخرجاً ومخططاً ومبدعاً في النهضة المسرحية السعودية، عاد إلى المسرح طارقاً أبواب مسرح الدولة الذي شق فيه طريق البدايات، ليفتح مسرح الطليعة ذراعيه له تقديراً لرحلته وعرفاناً بقدراته.

ليلة القتلة .. قضية إنسانية تحمل مضامين اجتماعية وسياسية

يعود صبحي يوسف إلى خشبة المسرح بعرض (ليلة القتلة) الذي أعده وأخرجه عن نص ؤ (كتبه عام 1965) عن قضية إنسانية تحمل مضامين اجتماعية وسياسية تصلح لكل زمان ومكان؛ نص تم تقديمه سابقاً برؤى مختلفة وسوف يظل موضوعه جاذباً لكل مخرج يسعى لتقديم مسرح جاد وهادف وممتع، فالقضية شكلاً عن علاقة الأبناء والآباء، أو علاقة الأجيال السابقة بالأجيال اللاحقة، ولكنه في جوهره عن علاقة الحاكم بالمحكومين، وعن علاقة كل صاحب سلطة سياسية أو اقتصادية أو وظيفية أو اجتماعية برعيته، ولأن لكل جيل قيمه التي يسعى لفرضها على الأجيال اللاحقة، أو متطلباته التي تفرض عليه التمرد على ما لم يعد صالحاً لزمانه يكون التصادم بين الأجيال، وذلك في ظل غياب الحكمة التي تفرض على الآباء أو أصحاب السلطة العجز عن الاحتواء، وتفرض على الأبناء أو الرعية استيعاب قيم الآباء وأحكام أصحاب السلطة، والتمرد يمكن أن يؤدي إلى فوضى تصل إلى حد العنف والقتل.

الإضاءة الناطقة لإبراهيم الفرن أوضحت الرؤية العامة للعرض

(قتلة) العرض الموجود حالياً في مسرح الطليعة أرادهم (صبحي يوسف) مستقبلين للجمهور، وكل منهم يردد كلمات وهمهمات تعبر عن غضب بداخله، ومع بداية العرض يبدأ التصريح بالخلافات والاختلافات على الجوهري والتافه، بما في ذلك مكان طفاية السجائر أو المزهرية، خلافات تزداد حدتها وتتبدل أساليب التعبير عنها لتصل إلى الصخب والفوضى والعنف الذي ينتهي بالقتل، وأراد المخرج أن يقدم رؤيته 6 ممثلين يتبادلون الأدوار ويغيرون الملامح في لحظات خلال الانتقال المتسارع من مشهد لآخر، وأراد بمعاونة فريقه المبدع أن تتحول خشبة المسرح من منزل إلى قاعة محكمة، ومن غرفة إلى أخرى، ومن مبنى إلى خلاء، يإيقاع سريع وتناغم مشهدي متلاحق، مع استخدام أساليب مختلفة للتعبير المسرحي، من الحوار إلى الغناء إلى الصمت إلى الموسيقى، ومن التعبير اللفظي إلى التوظيف الأمثل للغة الجسد التي أجادها مختلف الممثلين، لتتحقق المتعة للمشاهد، وتصل الرسالة المستهدفة والتي يستوعبها كل حاضر للعرض حسب ثقافته ورؤيته، وحسب مساحة همومه وحدود أوجاعه الاجتماعية والاقتصادية وأيضاً السياسية.

ساهم في توصيل الرسالة المبتغاة الديكور المعبر لسماح نبيل

(ليلة القتلة) لعبة مسرحية رسمها المخرج (صبحي يوسف) باقتدار، ولعبها فريقه التمثيلي بمهارات متنوعة تؤكد أن مصر ولادة، وأنها غنية بالمواهب الفنية، وأن الفنانين الحقيقيين ليسوا بالضرورة مشهورون، ولأنهم كانوا بين يدي مخرج يعي قدرات كل منهم فلا يمكنك أن تمتدح أحدهم وتذم الآخر، لأنهم جميعاً لا يستحقون سوى الثناء على مجهودهم وموهبتهم، القديرة نشوى اسماعيل والمتألقة مروج، والمبدع ياسر مجاهد، والرائعة لمياء جعفر والخبير إميل شوقي، والمتوهجة تمثيلاً وغناء شيماء يسري، وساهم في توصيل الرسالة المبتغاة الديكور المعبر لسماح نبيل، والإضاءة الناطقة لإبراهيم الفرن، والموسيقى المترجمة للمشاعر والمتمردة كما النص للموهوب محمد حمدي رؤوف الذي يصنع لنفسه اسماً يليق بكونه ابن الراحل المبدع حمدي رؤوف، وجاءت كلمات الأغاني لعوض بدوي لتكمل الصورة وتضفي لمستها الشاعرية على العرض.

(ليلة القتلة) تحقق لمشاهدها المتعة البصرية وتدفعه لإعمال العقل والبحث عن الرسالة التي يحملها الحوار بين ثناياه وتكشف الأغاني عن معانيها الرمزية.

[email protected]

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.