رئيس مجلس الادارة : محمد حبوشة
رئيس التحرير : أحمد السماحي

فايز قزق .. مسرحي سوري خطف الأضواء في دراما رمضان

التلفزيون جرى تجنيده كي يكون بديلا عن كل ما من شأنه أن يكون ثقافيا

بقلم : محمد حبوشة

يعتمد الممثل في أدائه بحسب منهج (ستانسلافسكي) على أن يكون مقنعا مقبولا متلائما مع نفسه ودوره بشكل كامل ومضمونا قويا وبمنطق لا يقبل الشك، يحتم عليه أن يعيش الواقع على المسرح لا أن يمثله، هذه الحتمية تلزمه أن يكون حيا، حيويا، يتنفس الحياة بصدق ويضفي على الخشبة حضورا حيا، ذو نظام يستند إلى القوانين الطبيعية في الحياة، شرط امتلاكه التلقائية المطلوبة على المسرح، وهى التي تجعل من الصعوبة عادة ، وعادة سهلة تمتزج مع شروط التمثيل في (المزاج، الضبط، العدالة، الابتعاد عن الميكانيكية)، وهنا يكمن الإبداع في مفهوم ستانسلافسكي: (أن تكون طبيعيا) ذا موهبة للوصول إلى شخصية الممثل الناجح الذي يمتلك الشروط التي حددها هذا المعلم الروسي الكبير، والتي يعتبرها مهمة جدا في فن التمثيل .

لقد أكد ستانسلافسكي على أن المعرفة الإبداعية هى وحدها أساس نظامه وهي وحدها التي تقود إلى الصدق، وأن المعرفة الحقيقية لها هي التي تخلق الربط بين الدرس (المسرحية) والممارسة (التجسيد) في رصانة عمل الممثل ، وبالتالي التزام القيم العليا في العرض المسرحي، لقد نجح في تشكيل جوهر التقاليد التقدمية لفن المسرح الواقعي، تماما كما فعل ضيفنا في باب (بروفايل) لهذا الأسبوع الفنان السوري المخضرم (فايز قزق) الذي سار على نهج ستانسلافسكى الذي يشير فيه إلى أن (بناء الدور المسرحى من الداخل أو خلق المقدمات السيكولجيه اللازمة لولادة الدور بصورة عفوية على خشبة المسرح دون اللجوء إلى الإيماءات والوسائل المستهلكة التى ترافق عرض المسرحية للمرة الأربعين أو الخمسين، أى يتحول كل عرض مسرحى إلى إبداع جديد ويزخر بالمفاجآت حتى مع الممثل نفسه.

لقد نجح (فايز قزق) في ترصين روح التجريب الخاص بفن الممثل والتكنيك الخاص بعمله على الدور ومع نفسه، بحيث تمكن من توضيح طرق التحولات التي توصل الممثل إلى الأساليب التي تساعده في التجسيد والمعايشة على خشبة المسرح، هذا الامتزاج للنظرية (النظام) وتطبيقها هما اللذان شكلا البناء العظيم الذي أسس له ستانسلافسكي وطوره من خلال عمله الطويل، مربيا، ومخرجا في الحياة، والمسرح، وها هو (قزق) يسير على ذات الدرب وبالتالى على أساس هذه المعرفة يستطيع الممثل أن يكمل النص بشتى الوقائع بمخيلته وما تحفل به ذاكرته من صور وانطباعات ، وقد تستلزم طبيعة الدور أن يخرج الممثل إلى المجتمع ليراقب عن قرب إناسا يماثلون بطله فى المهنة أو الوضع الاجتماعى او الحالة الصحية، وغير ذلك  من أمور تبدو مع (قزق) في كل حالاته الإبداعية، انطلاقا من قاعدة: إنه على الممثل وفقا لمنهج ستاسنلافسكى أن يؤلف فى ضوء ما لديه من معطيات سيرة كاملة للشخصية التى يؤديها وأن يجعل فى ذهنه صورة حسية دقيقة لسائر ظروفها المرتبطة بما يجرى على المسرح ولو ارتباطا غير مباشر، وهذه مهمة صعبة ولكنها ممكنة إذ اكتملت فى الممثل (فايز قزق) شروط الإعداد المهنى التى تحدثنا عنها.

لا يوجد مسرح، لأنه مات، بسبب جفاء المؤسسات المسرحية

أداء مختلف بأسلوبه الخاص

وقد لاحظت من خلال متابعتي لأعمال (فايز قزق) التلفزيونية أنه في كل أدواره يقدم أداءا مختلفا وبأسلوبه الخاص دون أن يخرج عن الصورة أتى رسمها شكسبير، ولديه في هذا كافة مقومات وصول الممثل لمعاناة الدور، ولا يصل الممثل (قزق) دفعة واحدة إلى مرحلة المعاناة الحقيقية للدور بل يصل إليه من خلال العمل الدؤب والمحاولة المتكررة والاحتشاد الذهنى الطويل، ومن الخطأ الاعتقاد بأن جهد الممثل فى هذه المرحلة مقصور على المشاركة فى التدريبات مع الممثلين الآخرين، فهو مطالب فى الوقت ذاته بأن يواصل إعداد دوره على انفراد باحثا عن أنسب الأشكال والوسائل التعبيرية لكل جزء من أجزائه فهومطالب بأن يحول سيرة البطل في الدراما إلى سيرة ذاتية وأن يتحسس الضرورة الكامنهة وراء عبارة يقولها البطل أو تصرف ياتيه.

يتبلور إحساس الممثل (فايز قزق) بالدور وتزداد معاناته عمقا ويكتسب أداؤه الايقاع المنسجم مع ايقاع العمل العام وتتضح لديه بالتدريج الأشكال الفنية المناسبة للتعبير عن عالم بطله الداخلى، ففي مرحلة التجسيد التي تعد أهم المراحل بالطبع لأنها الصورة المكتملة التى تقدم ويطمح فيها إلى خلق حياة حقيقية على الشاشة ترتبط فيها العناصر الروحية والجسدية ارتباطا تلقائيا طبيعيا كما فى الحياة نفسها، وهذا لا يتحقق إلا إذا ظل الممثل يحترق كل ليلة في البوفات التي تسبق أحداث العمل وكأنه يواجهها للمرة الأولى، أما إفراغ الدور فى قالب ثابت حتى وإن كان هذا القالب حصيلة مرحلة سابقة من المعاناة الفعلية فلن يخلق الحياة المرجوة على الشاشة لأن الممثل مهما كان بارعا فى تقنيته لا يمكن ان يثير عواطف الجمهور بينما هو نفسه فارغ القلب ساكن الأعماق .

المسرح طعن في وطننا كفكرة أحيانا عبر وزارة الثقافة بتخليها عنه وتجاهلها لمبدعيه

تشخيص الدور حركيا وعمليا

والملاحظ في العادة أن (قزق) يقوم بتشخيص الدور حركيا وعمليا، وهو الجزء العمل الميدانى عن طريق الحركة الطبيعية، وذلك من خلال تقسيم المخرج الدراما إلى أحداث وكل حدث يتكون من مجموعة من الأفعال التى تشكل التجربة الواقعية، وينطلق هنا (فايز) من فهم الأحداث الصغرى حتى يصل إلى الأحداث الكبرى، وعند بداية العمل لابد وأن يستخدم الممثل كل أعضائه وفطرته ويركز على العمل ويعايشه فكريا وحدثيا وعاطفيا وبكل تلقائية وحركة طبيعية أى أن يدمج روحه فى العمل من أجل إرساء الفن الدرامى على القانون الطبيعيى والحقائق الانسانية.

إن الهدف الأساسى الذى يهدف إليه فننا من وجهة نظر (فايز قزق) هو خلق الحياة الداخلية للروح الإنسانية والتعبير عنها بصورة فنية، ولكن التعبير عن حياة باطنية ولا شعورية دقيقة لابد أن تكون لك السيطرة التامة على جهازك الجسمانى والصوتى ولا تستخدم القوالب الجاهزة التى تؤدى الى الآلية، إنه من الضرورى أن تمثل أو أن تقوم بفعل وأنت داخل البلاتوه سواء كان تمثيلا أو فعل من الداخل أو من الخارج ، فإن كنت داخل الكادر  فلا تجرى من أجل الجرى ولا تتعذب من أجل العذاب؛ بل يجب أن يكون لهذا الفعل غرض؛ فلا تقلدوا العواطف والقوالب يجب أن تعيشوها فلا تتعمد أن تكون غيورا أو محبا من أجل هذه المشاعر فحسب بل هذه المشاعر هى نتيجة لشئ حدث من قبل وعليك أن تفكر فى هذه الأشياء التى وقعت وسوف تأتى النتيجة تلقائيا وتترجم إلى الانفعال الجسمانى الصحيح .

لقد أجلت عشرات المشاريع لعقود من الزمن كالمسرح الوطني والتجريبي

المثابرة والإنتاج والانتماء للمسرح

أن ما يميز الفنان (فايز قزق) قدرته على المثابرة والإنتاج والانتماء للمسرح، حيث يلقي على عاتقه مسؤولية الإخلاص للمسرح، بوصفه ممثلاً محترفاً ومدرساً أشرف على إعداد وتخريج عدد كبير من الممثلين في سورية، وينتمي الفنان السوري فايز قزق إلى جيل الثمانينات في خارطة الدراما السورية، وقد برز منذ انطلاقة تجربته الفنية كممثل ومخرج مسرحي، حيث عشق هذا الفن النبيل بشكل لافت للانتباه، وظل وفيا له رغم نكران الكثير من الممثلين السوريين النجوم للمسرح الذي كان له الفضل الأول في وجودهم على ساحة العمل الفني، وتخليهم عنه مع ازدياد شهرتهم في مجال الدراما التلفزيونية التي كسحت أمامها باقي الفنون الدرامية مع النهضة الكبيرة التي تعيشها وما زالت منذ أواخر تسعينات القرن الماضي وحتى الآن، لكن وحده، ومعه عدد قليل من نجوم الفن السوري، استطاع فايز قزق خوض غمار التمثيل التلفزيوني مع عشقه الأبدي للمسرح، فبرز في الكثير من الأعمال التلفزيونية التاريخية والكوميدية والاجتماعية المعاصرة وحتى البيئية الشامية.

ولد فايز قزق في محافظة اللاذقية بسوريا، لم يكن يحلم بالتمثيل منذ صغره بل كان حلمه أن يصبح طيار، وبعد ذلك كان يتمنى أن يصبح لاعب كرة قدم مشهور، ثم تمنى أن يكون عالم ومهتم بالعلوم الطبيعية، ولكن الأقدار قادته إلى الفن والتمثيل، حيث اكتشف الحس التمثيلي عنده قائلا: (أن كل انسان لديه ميل لأن يمثل، وهذا الميل يعيه فيما بعد، فتلقائياً الأطفال يقلدون الآخرين ،حتى أننا بطفولتنا كنا ننقسم قسمين، قسم يمثل الضيوف والقسم الآخر يمثل المضيف، نقدم الشاي والقهوة وكله ايمائي، كان هذا بالنسبة لنا من أجمل الأشياء التي نقوم بها، وعبر مئات السنين تحولت هذه الطقوس إلى ما يشبه نصوص مسرحية تكتب وتقدم ولها مسابقات وجوائز، ثم انتقلت إلى الكنيسة التي كانت تقدم المسرح للدعوى للمسيحية، ومن ثم انتقل المسرح من الكنيسة إلى الفضاء العام الأرحب وكانت عصور النهضة، نهضة الأوربيين وبالتالي أصبح المسرح جزء مهم وكبير من هذه الصحوة).

ثلاثون سنة أو أكثر وأنا أبحث عن محاور رسمي في الحياة

الشهادة من كلية (الروز بروفيلد)

التحق (فايز قزق) بالمعهد الزراعي في مدينة دمشق، وانتهى من الفصل الدراسي الأول وأثناء الفصل الثاني في عام 1976، كان موعد افتتاح معهد الفنون المسرحي، وكان من ضمن الطلاب الذين تم اختيارهم وقبولهم للدراسة في المعهد، والتحق بالمعهد وتخرج منه في عام 1981، ثم قرر السفر إلى بريطانيا لكي يكمل تعليمه، حصل على شهادة عليا في تدريب وتأهيل الممثل المسرحي وكانت هذه الشهادة من كلية (الروز بروفيلد)، ثم حصل أيضا على درجة الماجستير في الإخراج المسرحي من جامعة (ليدز)، ثم عاد بعد ذلك إلى بلده سوريا لكي يكمل مسيرته في عالم المسرح، هو من أهم الممثلين السوريين في الدراما السورية، وكان معروف بأسلوبه المختلف والمتميز في تأدية جميع أدواره.

وهو ممثل محترف بدرجة كبيرة ويمثل باحترافية شديدة، وذلك لأنه حصل على خبرة من سنوات دراسته في بريطانيا، أما عن الجانب الإنساني فهو ممثل محبوب من الجمهور ومن أصدقائه بسبب شخصيته الطيبة والجميلة، ومساعدته ودعمه للفنانين بشكل دائم، وتحديدا الفنانين الشباب عن طريق إعطائهم نصائح تساعدهم في بداية مشوارهم، وبدأ الفنان فايز قزق مشواره الفني في عام 1981 بعد تخرجه من المعهد المسرحي، وكانت بدايته في المسرح وشارك في العديد من العروض المسرحية، ثم في عام 1988 قرر دخول مجال الإخراج وقام بإخراج العديد من المسرحيات، وشارك في أغلب المسرحيات التي أخرجها، ويحب فايز قزق المسرح بشكل كبير لأنه أبو الفنون، لأن جمهور المسرح هو الذي يجعل من الفنان نجم.

في باب الحارة
عطر الشام
ضبو الشناتي

(شجرة النارنج) أول أعماله التلفزيونية

في عام 1989 شارك في أول أدواره التلفزيونية من خلال مسلسل (شجرة النارنج)، ثم بعدها توالت أعماله في الدراما السورية، وكان من أهم أعماله دوره المتميز في مسلسل (باب الحارة) فهذا المسلسل كان من أسباب شهرة العديد من الفنانين السوريين ومحطة متميزة في حياة أي فنان سوري، وحاول (فايز قزق) التنويع في أدواره في الدراما والمسرح، شارك بشكل قليل في الأفلام السينمائية، كانت أغلب مشاركاته في المسرح والدراما، قدم خلال مسيرته أكثر من 100 عمل فني في مختلف المجالات الفنية.

ومن بين أهم أعماله (زمن البرغوت 1، و2، باب الحارة 4، و5، وجه العدالة، عيلة عالموضة، كعب عالي، إن بارادوكس، بقعة 4، 9، 11، 12، 13، 14، ترجمان الأشواق، دقيقة صمت، كونتاك، ناس من ورق، سايكو، وحدن، الرابوص، قناديل العشاق، الخان، صدر الباز، عابرو الضباب، عطر الشام، فانية وتتبدد، مدرسة الحب، العراب، دنيا 2015، طوق البنات 1، 2، ضبو الشناتي ، القربان، الإنفجار، تحت سماء الوطن، حائرات، قمر الشام ، المفتاح، الهروب، ما بتخلص حكايتنا، مغامرات دليلة والزيبق1، و2، طعم الليمون، كشف الأقنعة، عطر الوداع، لعنة الطين، ما ملكت أيمانكم، هى دنيتنا، وادي السايح، رجال الحسم، صراع المال، منمنات اجتماعية، أبو جعفر المنصور، رياح الخماسين، غفلة الأيام، المحطة القادمة، حمام بغدادي، خارج التغطية، هذا العالم، أبناء الرشيد: الأمين والمأمون، أسياد المال، صدى الروح، ندى الأيام، آخر أيام اليمامة، الظاهر بيبرس، أمل ما في، أهل المدينة، شهرزاد الحكاية الأخيرة، عالمكشوف، الحجاج، ذكريات الزمن القادم ، عمر الخيام، نسيم الروح، العنوان القديم، أحلام مؤجلة، السيرة العربية، رسائل شفهية، شجرة النارنج، ريتشارد الثالث ..ماساة معربة)، وموخرا (شارع شياغو، الكندوش، كسر عظم، مع وقف التنفيذ) والآخيرين في رمضان 2022.

دقيقة صمت
ترجمان الأشواق
لعنة الطين

خدمني الحظ في مسلسل (لعنة الطين)

عن أهم أدواره التي قدمها للتلفزيزن يقول (فايز قزق): خدمني الحظ في مسلسل (لعنة الطين، باب الحارة، رياح الخماسين) أو في المسلسلات التاريخية مثل (عمر الخيام، شهرزاد، الحجاج، أبناء الرشيد) وحتى الأعمال الكوميدية في (ع المكشوف) ولوحات كثيرة مما قدمت .. فكل هذا الشيء مهم بالطبع، فهذه الوسيلة الإعلامية الهائلة بتأثيرها لم تكن غائبة عن بالي أو خاطري منذ عام 1981 عندما تخرجت في المعهد العالي للفنون المسرحية، لكن كان علي أن أنجز، خاصة في عام 1988 عندما تخصصت في الإخراج المسرحي وتدريب الممثل تخصصا عاليا، برنامجا خاصا بأي سبيل وبأي إمكانية وأينما وجد في سورية أو الكويت أو في بعض البلدان الأوروبية.. يجب أن ينجز هذا المشروع ممثلا ومخرجا ومدربا.

 واليوم أنا مطمئن إلى أن نحو 65% من هذا المشروع قد تم، وما بقي سيتم بشكل هادئ، لكن براحة نفسية مادية، وهذه مهمة بالنسبة لي.. فالمسألة النفسية تكون في المسرح والمسألة المادية ربما تكون في التلفزيون، وعلي أن أوازن بينهما، وأنا مقتنع بأن مسألة الإبداع بالنسبة لتجربتي تكمن بالضبط مع طالب في السنة الأولى بالمعهد العالي للفنون المسرحية وعلى خشبات المسارح ممثلا أو مخرجا.

إذن عندما توجد هذه المادة في التلفزيون أمضي إليها، وعندما لا توجد أحاول أن أوجد ما يمكن أن يؤمن لي شخصيا كممثل أمام الكاميرا ما هو مشوق، شريطة أن أصل لحدود الاختزال، مع علمي بأن حدود فلسفة التلفزيون ضيقة جدا ليست كحدود السينما والمسرح، ببساطة لأنه أولا عالم افتراضي، وثانيا لا يتحمل القضايا حتى الصغيرة عندما نود أن ننقب فيها وأن نبحث في خفاياها، حتى تلك المشاكل الصغيرة قد لا يتحملها التلفزيون.

كسر عظم
مع وقف التنفيذ

خطف الأضواء في رمضان 2022

واستطاع النجم السوري (فايز قزق) خطف الأضواء من العديد من الفنانين، الذين تعرض أعمالهم في سياق الدراما الرمضانية هذا العام، ورغم مشاركته في بطولة مسلسلين سوريين هما (كسر عضم، مع وقف التنفيذ)، إلا أن أداءه العالي في (كسر عضم) نال إشادات واسعة من قبل عدد كبير من الجمهور، لاسيما تلك المشاعر المتضاربة التي أبداها بتلك اللحظات التي سبقت إعلامه بنبأ وفاة ابنه (ريان) والانتقال إلى النقيض تماما بعد علمه بحدوث الوفاة، واستطاع قزق التنقل ببراعة من شخصية المسؤول الفاسد عديم الرحمة الذي يتوعد عقاب ابنه وجزاءه، إلى إظهار عاطفة الأبوة بصورة عفوية أقنعت جميع المتابعين ولفتت الأنظار إلى حرفيته التمثيلية العالية التي وصفها الكثيرون بأنها مثلت أداءً حقيقياً، وجسدت مشاعر أي أب في العالم مهما بلغت قسوته.

يسجل للممثل السوري (فايز قزق) تقدم كبير في دورين متشابهين لجهة الكاركتر، القائمة على الفساد، فهو نافذ معين من قبل أجهزة الاستخبارات السورية في مسلسل (كسر عضم)، ورجل فاسد تابع لحزب النظام الحاكم في سورية في (مع وقف التنفيذ)، ومن هنا لا يمكن استغراب الأداء العالي للممثل القدير فايز قزق في الدورين، والفصل أو عدم التشابه، رغم أن (الشبيح) والنافذ هو نفسه في (كسر عضم، ومع وقف التنفيذ) لكن فرادة قزق تؤجج الصراع، وتدفع بالتالي إلى شغل المشاهد بهذا (الديكتاتور) الذي يصل به الحال إلى القتل لبقائه في المنصب وعلى كرسي الحكم، وربما نلحظ أن  فايز قزق يخرج عن كل التزام الممثلين، لنجد أنفسنا أمام رجل واثق بكل جملة أو عبارة يقولها، لا يهادن أو يراوغ، بل يتحدى إطار الدور ليثبت مرة أخرى أنه الأكثر حرفية في أحداث المسلسلين.

الفنان الحقيقي هو الفنان الذي يقاوم ويعبر عن رأيه

أشهر أقوال فايز قزق :

** ليس لدينا اليوم جمهور مسرح في سوريا فقد تم القضاء عليه خلال العشرين سنة الماضية، بالضبط عندما أخفيت السينما اختفى جمهورها، وبالتالي عندما بات المسرح نزيزاً تم القضاء على جمهوره.

** انا أناشد المهتمين عن فننا وأدبنا في سورية ان يسأل هذه المديرية عبر سنواتها الطوال عما فعلته لخدمة الهدف الذي أوجدت من أجله . وهو نشر الجمالي والإنساني في فنون المسرح والموسيقى في كامل أنحاء سورية.

** في سورية المئات من المراكز الثقافية المنتشرة في كل الأمكنة وهي مجهزة بقاعات مسرحية، تصلح رغم سوء تنفيذها معماريا في معظمها لتقديم فعاليات مسرحية، ولكنها مخصصة للحفلات الرسمية والخطب الرنانة.

** المسرح طعن في وطننا كفكرة أحيانا عبر وزارة الثقافة بتخليها عنه وتجاهلها لمبدعيه,وانا اناشد مجددا كل صحفي شريف ان يزور هذه المراكز وينظر لتاريخ عروضها وطرق إدارتها والبرامج التي قدمت ، بل حتى طرق صيانتها ، ثم الخروج بالنتيجة وإخبارنا بها.

** لقد أجلت عشرات المشاريع لعقود من الزمن كالمسرح الوطني والتجريبي ، وكذلك المساعدة في تأسيس وبناء المسرح الجامعي، وتطوير مسارح المنظمات الشعبية ، كالمسرح العمالي ومسرح الشباب ، وتحويلها إلى مسارح محترفة بامتياز، وكذلك دعم المسرح المدرسي والأهلي.

** هناك ما يمكن تسميته نزيز مسرحي، أكثر من شيء له علاقة بتقاليد وعادات الجمهور السوري، لأن الموجود حالياً مشروع تخرج هنا أو مسرحية هناك، فيمكن أن تسافر إحدى المسرحيات، وتستطيع أن (تشم) نوعية هذه البعثة من أفرادها وعدد الإداريين والمبدعين فيها، إلى الطريقة التي تعامل فيها مالياً وتنظييمياً، فلا يوجد مسرح، لأنه مات، بسبب جفاء المؤسسات المسرحية، وتحولها إلى كل شيء عدا كلمة مؤسسات.

** لو كان المسرح بخير، لساهم في تقديم المجاميع الراقية من الجمهور القادرة على الحوار ضمن سياقات معينة ومهمة على مستوى إيصال الأفكار واستقبالها وصناعتها، لكن ذلك لا يمكن أن يتحقق بسبب وفاة المسرح، والمسرح جزء يسير في الحالة الثقافية التي نعيشها، والثقافة عموماً تعبير عما يجري على الأرض سواء في حالة التطور أم الانكفاء.

** التلفزيون في سوريا خصوصا والبلدان العربية عموما، جرى تجنيده كي يكون بديلا عن كل ما من شأنه أن يكون ثقافيا؛ والتلفزيون كما يعرف الجميع إعلام وإعلان ليس إلا؛ ببساطة لأن التلفزيون حشرت فيه الشعوب العربية كافةً؛ ولأن هذا الجهاز فُعّل لنشر الكراهية بين الشعوب في لحظة من اللحظات.

** أنا أتشكك في كل حركة ولا أشك بها، وأحاول في هذا الزمن، في لحظاتي الغريزية، أن أراقب بكثير من استحضار للعقل ومنطق الحوار والإنصات كل ما يقال ويتحرّك من حولي لأنه يجب أن أصل الى يقينية تامة حيال أية مسألة مهما بدت من مسائل الحركة الاجتماعية، لأصل الى الرأي القاطع واليقيني حولها.

** ثلاثون سنة أو أكثر وأنا أبحث عن محاور رسمي في الحياة… وفي العمل… وفي المنزل… وفي ذاتي… وأجد على الدوام أن ّهذا المحاور، إمّا عصيّ على (اللقيا) أو هو خارج المكان، والأسباب كثيرة، أما أن أنخرط في مفاهيم سياسية تنبت هنا وهناك بصورة سريعة وبألوان متباينة بشدة تنبت بمزاجية أو بترتيب خفي، فهذا لا قدرة لي على محاورته خصوصا وأن المنتوج النهائي في بعض مناطقنا كان كارثيا.

** باختزال شديد، يمكن أن تصنع ممثلا مسرحيا في ثلاثة أشهر لكن أن تكون مفكرا يقدم مسرحا فذلك يستوجب عقودا كبيرا من الزمن، وكذلك الشأن بالنسبة للجماهير.

ليس لدينا اليوم جمهور مسرح في سوريا

وفي النهاية لابد لي من تحية تقدير واحترام للفنان السوري القدير (فايز قزق) صاحب التجارب المسرحية المميزة، والذي قام بانتقاد اللهجات التي تستخدم في الدراما من باب الضحك، وأكد أنه يجب احترام اللهجات المختلفة لأنها تعبر عن التاريخ، فبرأيه أن الفنان الحقيقي هو الفنان الذي يقاوم ويعبر عن رأيه، وأوضح أن الأديب نجيب محفوظ هو شخص مقاوم، لأنه يعرض الأمراض التي في القاهرة، ويوضح إمكانيات النهوض بالقاهرة أيضا، ومن ثم قام بانتقاد التلفزيون السوري لعدم قيامه بإنتاج أعمال درامية، تتحدث عم يعانيه العمال والفلاحين من مشاكل ومعيشة صعبة وشاقة، ويعتز (فايز قزق) كثيرا بحصوله على جائزة أفضل ممثل والتي حصل عليها عن دوره في مسرحية (حمام بغدادي) في مهرجان القاهرة الدولي، فقد كانت المنافسة مع فرقة روسية، ولعل أبرز أراء هذا الفنان المثقف جدا تتلخص في قوله (إن الحكومات العربية تعتبر التلفزيون هو الكنز الذي حصلت عليه، لأنه يعمل على جلوس المواطنين في بيوتهم وهذه طريقة رائعة لتخدير العقول) .. أطال الله في عمر كي يمتعنا بفنه الرفيع.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.