بقلم : محمد حبوشة
لكل فن – كما نعلم – أداة وموضوع ومادة يستخدمها المبدع في إبداعه؛ وهى مستقلة عنه تماما؛ فالريشة هى أداة فن الرسم، والألوان والزيوت والخيش مادته، أما فن النحت، فأداته المطرقة والأزميل والمبرد والقالب وغيرها من أدوات الحفر والتسوية، أما مادته فهى الحجر والخشب والصلصال والشمع، والقلم هو أداة الكتابة (قبل الكمبيوتر)، والمادة هى الحبر والأوراق، وفي الموسيقى الآلة الموسيقية هى الأداة، والنوتة هى المادة..إلخ ، ونحن لا نستطيع طبعا استخدام أداة في مكان أخرى، كأن نعزف بالأزميل على العود، أو ننشر الخشب بقوس الكمان، وهذا ينطبق كذلك على المادة، فلكل فن مواد خاصة به ولا يمكن استخدامها في فن آخر، أما موضوع الفن فهو واحد في الفنون كلها، وهو الإنسان في همومه وشجونه وصراعه مع الطبيعة ومع أخيه الإنسان.
فن التمثيل وحده هو الفن الذي يكون فيه جسد الممثل هو الأداة، وهو المادة، وهو الموضوع معا، هذه هى أولى خصائص فن التمثيل، كما أن هذا الفن يتميز عن باقي الفنون الأخرى بأنه فن جماعي مركب، تحيط به وتخدمه فنون أخرى، وهو الفن الوحيد كذلك الذي يولد ويموت في كل عرض مسرحي أم مسلسل أو فيلم، لأنه عرض حي (مباشر)، ولأن أداء الممثل يتغير بين مرة وأخرى، كما أن الجمهور يتغير بدوره كل مرة، والممتع في الممثل المجتهد النجم (توفيق عبد الحميد) ضيفنا في باب (بروفايل) لهذا الأسبوع، هو قدرته على عرض وإضافة أفعال بشرية، وتوليد مشاعر إنسانية محددة وواقعية بالتأكيد (سلوك/ فعل)، بواسطة مهاراته الفنية، وضمن ظرف حياتي معطى، ولأنه الموهوب من الممثلين، فهو ذاك الذي يمتلك القدرة على فهم وخلق طبيعة بشرية حقيقية، وتوليد مشاعر وأحاسيس صادقة، وإعادة إنتاج شخصيات وأنماط إنسانية لا حدود لها.
يشتغل على أدواته
ومعروف أن الممثل هو أهم أداة من أدوات المخرج الذي ينقل بواسطتها أفكار النص وقيمه الى المتفرج، لذا على الممثل أن يشتغل هو على أدواته ودراسته العملية والنظرية حتى يجيب على سؤال: كيف تصبح ممثلا؟، ولأن الممثلون لا يمكنهم فصل وسائل التعبير لديهم عن أنفسهم، لأنهم يبدعون باستخدام أجسادهم وأصواتهم وميزاتهم النفسية والعقلية؛ أي أن إبداعهم لا ينفصل عن شخصياتهم، ولهذا يصعب فصل موهبة الممثل وإبداعه عن شخصيته، غير أن التمثيل فن، وكما كل فن، لابد لنجاحه من توفر عناصر ضرورية ولا يستغنى عنها عند الممثل، مثل المقدرة والدراسة والممارسة، إلا أن صفة ممثل لها معايير تشكلها وتعطيها شرعيتها أو مصداقيتها، فالجميع يمثل بشكل أو بأخر في الحياة، لكن التمثيل كمهنة، يفرض على الشخص الساعي ليكونه العديد من الشروط التي يجب أن تتوافر بشخصه، شكليا وعقليا.
وبداية يمكننا القول بأن (توفيق عبد الحميد) هو فنان (حقيقي) مبدع، جسده هو أداته والعكس، وهذا يعني أن يكون في كل حالاته صادقا مقنعا، قادرا على عدوى المشاهدين بمشاعره، وجعلهم يصدقونه ويتابعونه، ولعل أخطر شيء يمكن أن يواجه الممثل، هو تجسيد الحالات المتكررة كثيرا في الحياة وفي الدراما، مثل: الاعتراف بالحب، الخوف، السرقة، التحية، الدهشة.. فكيف نحصن أنفسنا من الوقوع في (الكليشة) والتقليد، وكيف نبتكر تعبيرات جديدة لهذه المشاعر/ الأفعال؟ هذا هو سؤال الفن الذي يسأله (توفيق عبد الحميد) لنفسه في مسلسله الجديد (يوتيرن)، ولذلك يدعونا فن التمثيل إلى التفكير العميق الخلاق، بعيدا عن كل ما هو سهل ورقيع، واستنباط أو خلق حالات وأفكارا إبداعية جديدة، نابعة من الموقف والظرف المعطى، وطبيعة الشخصيات والأحداث الموجودة في النص؛ لا أن نختار المعروف والمستهلك لدينا ونقذفه في وجه المشاهد!.
يحرك خياله الإبداعي
توفيق عبد الحميد ممثل يتقن جيدا كيف يحرك خياله الإبداعي ، ما يعني أنه يستطيع كممثل الموهوب؛ بل يتوجب عليه، أن يضيف أفعالا وحالات إنسانية جديدة، يقدمها بشكل أفضل وأصدق وأعمق؛ إذا حاول البحث عنها في الواقع أو في خزان ذاكرته الانفعالية، كي يعيد إنتاجها من جديد، إن اختيار الشخصية/ النمط، وإعادة تصويرها على الخشبة أو الشاشة عند (عبد الحميد) هو هدف فن التمثيل، ألا يكمن جوهر هذا الفن والإبداع، في نبش هذه الحالات الإنسانية، وإعادة خلقها فنيا!؟، ومن ثم فإن المدهش والممتع في الممثل المجتهد مثله هو قدرته على عرض وإضافة أفعال بشرية، وتوليد مشاعر إنسانية محددة وواقعية بالتأكيد (سلوك/ فعل)، بواسطة مهاراته الفنية، وضمن ظرف حياتي معطى. والموهوب من الممثلين من أمثال (توفيق عبد الحميد) هو ذاك الذي يمتلك القدرة على فهم وخلق طبيعة بشرية حقيقية، وتوليد مشاعر وأحاسيس صادقة، وإعادة إنتاج شخصيات وأنماط إنسانية لا حدود لها؛ ينبشها من الحياة العادية، ومن خزانة الذاكرة الانفعالية.
يتمتع (توفيق عبد الحميد) بمواصفات الممثل النموذجي، فهو إنسان إلى أسمى الدرجات، زميل بشوش يشيع في المسرح والبلاتوه روح الزمالة، له صوت يجبرك على أن تصغى إليه، عظيم المهابة قادر على اجتذاب الأنظار، وهو فوق كل ذلك الرجل الذي أوتى طبيعة خصبة تختزن كل شيء وعقلا قويا يسيطر على نفسه وأطراف جسده، لذا يتوافر فيه الإحساس وقوة التركيز للأفكار وقوة التذكر للحركة الجسمانية، يعيش في الدور ويتسلل تحت جلد الشخصية، وتكون له المقدرة على إيجاد العلاقات الذهنية ومنطقية الإحساس والقدرة على التحليل النفسي، ولديه يقين أنه إن لم يكن هناك معين في داخله ليخرج منه هذه الأشياء عند قيامه بأحد الأدوار فهو ليس ممثلا.
الإلمام بمختلف العواطف
الممثل البارع (توفيق عبد الحميد) هو من يستطيع الإلمام بمختلف العواطف والمواقف والدوافع الإنسانية حتى تصبح تأديته لأدوار وشخصيات مختلفة، ممكنة، على أنها يجب أن تكون أفضل من (الممكنة) ليكونوا قادرين على التعبير عن هذه العناصر حتى يتم للمشاهدين فهمهم، ودعونا لا ننسى أن الممثل الجيد (عبد الحميد) ينمي حواسه في ملاحظة الآخرين، وتذكر طريقة تصرفهم في هذا الموقف أو غيره، فلو قبل ممثل شاب تقديم دور عجوز، على سبيل المثال، فيجب عليه التحضير للدور بملاحظة أفعال العجائز، إن كان في المشي أو الأكل، في الجلوس والوقوف وفي الحديث أيضا، دون أن ننسى التبدلات النفسية، وهنا من الضروري على الممثل المتقن لعمله، أن يطور ذاكرة عاطفية تمكنه من استرجاع الموقف الذي أوجد عنده رد فعل عاطفي مماثل لذلك الذي يود تصويره، إلا أن هذه طريقة تمثيل معقدة ولا ينصح باستخدامها إلا بعد أن يطور الممثل فهما شاملا وعميقا لها، ويتعلم الممثلون فهم الآخرين بفهم ذواتهم وقدراتهم العاطفية قدر المستطاع، إنهم يصورون الآخرين باستعمال معلوماتهم عن أنفسهم وتطوير نوع من التحكم بالاستجابة بعواطفهم.
وواحدة من الملكات التي يمكن أن يكون الممثل (توفيق عبد الحميد) قادرا على ضبطها في نفسه هى أن يكون باستطاعته وضع نفسه في مواقف خيالية، حاجبا عنه خلالها جميع المؤثرات الخارجية، مقنعا ذاته بأنه لا يمثل بل يقوم بدور حقيقي، وهنا يأتي دور التركيز لديه، ومدى قدرته على استحضار كل ما هو ضروري لعوالم الشخصية، وترحيل كل ما يعيق وجودها الحقيقي من حولها، ومن خلال متابعتي لتوفيق عبد الحميد عبر كثير من أعماله، لاحظت أنه من أولئك الممثلين الذين يلمون بالعواطف والمواقف والدوافع الإنسانية حتى يتمكنوا من القيام بأدوارهم جيدا، وأن يكونوا قادرين على التعبير عن هذه العناصر حتى يتم للمشاهدين فهمهم.
عادة ملاحظة الآخرين
وهو بهذا يؤكد أن الممثل الجيد يبني في نفسه عادة ملاحظة الآخرين وتذكر طريقة تصرفهم فلو قبل ممثل دور رجل عجوز، على سبيل المثال، فيمكنه التحضير للدور جزئيا بملاحظة كيف يمشي المسنون وكيف يقفون وكيف يجلسون بعدها، يمكنه تطبيق هذه الحركات لتتماشى مع الشخصية التي يريد تصويرها، ويتعلم الممثل كيف يستجيب أناس مختلفون لنفس العواطف (مثل السعادة والحزن والخوف) بطرق مختلفة، ويمكن للممثلين أمثال (عبد الحميد) تطوير ذاكرة عاطفية تمكنهم من استرجاع الموقف الذي أوجد عندهم رد فعل عاطفي مماثل لذلك الذي يودون تصويره، غير أن هذه طريقة تمثيل معقدة ولايجب استخدامها إلا بعد أن يطور الممثل فهما شاملا وعميقا لها، إنهم يصورون الآخرين باستعمال معلوماتهم عن أنفسهم وتطوير نوع من التحكم بالاستجابة بعواطفهم.
وكما يعد التركيز شيئا مهما للممثل، يجب أن يكون الممثل قادرا على زج نفسه في مواقف خيالية لحجب جميع المؤثرات الخارجية عنه، موهما نفسه بأنه لا يمثل بل يقوم بدور حقيقي، وحتى يتسنى لتوفيق عبد الحميد فعل ذلك، يجب عليه التركيز والاستماع للممثلين الآخرين في المسرحية أو المسلسل أو الفيلم والاستجابة لما يقولون بشكل جيد، ويتطلب ذلك منه أيضا التركيز على كل لحظة بدلا من ملاحظة الحدث وانتظار ما سينتج عنه، وربما لا يستطيع الممثلون استخدام كامل مهاراتهم وقدراتهم في التمثيل، بغض النظر عن مستوى موهبتهم، دون تبني طريقة عمل ثابتة، لذا يجب على الممثلين استخدام أكبر عدد ممكن من مناهج التمثيل حتى يستقروا في النهاية على واحد أو على مجموعة من تلك المناهج التي تناسب مواهبهم وقدراتهم.
ابن حي شبرا
ولد الفنان توفيق عبد الحميد في حي شبرا محافظة القاهرة، لكنه ينتمي إلى عائلة متوسطة من قرية كفر مصيلحة بمدينة المنوفية، عائلته مكونة من والده وأمه، والده وأعمامه كان لهم الكثير من الفضل في الحروب التي خاضتها مصر ضد الأعداء، منذ حرب 48 حتى انتصار أكتوبر 73، انتقل والده للعيش في شبرا قبل أن يولد، ورزقه الله 5 أشقاء ثلاثة من البنات التحقن بكلية الطب، وهو وشقيقه أحمد الذي يعمل بالإعلام ومخرجاً.
كان حلم والده أن يكون ابنه الأكبر توفيق محامي وأن يدرس القانون أملاً في أن يكون مثل ابن قريته عبد العزيز باشا فهمى، قال توفيق عبد الحميد في أحد البرامج التلفزيونية: (أبويا كانت أمنية حياته اشتغل في مجال القانون، تأثراً بابن قريتنا عبد العزيز باشا فهمى صاحب الأيادي البيضاء على القرية في التعليم والتشغيل)، حتى أطلق على كفر مصيلحة كفر باريس، لأنه لم يكن به أي مواطن أمي.
لكن موهبته كانت أكبر وظهرت عليه مبكرا أثناء دراسته في الثانوية، كما زادت هذه الموهبة وهو في الجامعة وشارك في المسابقات للتمثيل على المسرح وفاز بالمراكز الأولى لأكثر من مرة، وسمع إشادات كثيرة من الأساتذة ولجان التحكيم مما جعله يكمل مسيرته الفنية ويبحث عن الاحتراف، لكن لكي لا يخذل والده أكمل دراسته بكلية الحقوق، خاصة أن والده لم يقتنع بفكرة دراسة التمثيل.
المعهد بعد الحقوق
التحق توفيق عبد الحميد بمعهد الفنون المسرحية عام 1979، وعندما أخبر والده قال له: (اعمل اللي أنت عاوزه)، فبعدما حصل على ليسانس الحقوق أعطاه الحق في دراسة ما يريد بعدها، لكنه أخبره أنه لن ينفق عليه وأنه يجب أن ينفق على نفسه، وكان مبرر والده أن له أولاد آخرين يريد تعليمهم حتى يأخذوا شهادات جامعية، وتقدم عبد الحميد للمعهد ولم يملك واسطة وكان جلال الشرقاوي هو عميد المعهد، واجتاز الاختبار والتحق بالمعهد، وفي 1981 تم ترشيحه لبطولة رواية مسرحية، لكن بسبب موت السادات تم وقف إنتاجها، لكنه عمل في المسلسل الشهير (لا إله إلا الله) وبعدها بدأ مرحلة الوقوف في المنتصف، لم يستطع أن يأخذ حقه بالنجومية كما كان متوقع له.
يقول عبد الحميد أن أسباب عدم لمعان نجمه عديدة منها أنه لا يوجد له ظهر يدعمه وأيضا اصطدم مع الكثير ودافع عن نفسه وكرامته بالابتعاد لا بالحرب من أجل نجوميته وأصبح ينتظر اللحظة التي يعترف بها الناس بموهبته، تم تعيينه في المسرح الحديث، وقدم العديد من المسرحيات عليه، ثم تم انتدابه للعمل في المسرح القومي عن طريق سميحة أيوب، وخلال العشرين عاما لم يجد مكانا يظهر فيه قدراته وموهبته إلا المسرح، وخلال تلك العشرين عاما لم يظهر إلا في عملين دراميين فقط، وهما شخصية (فتحي المنياوي) الشيخ الأفاق في (مسلسل العائلة)، ودور متطرف في مسلسل (أيام المنيرة)، ليستمر في الاختفاء منذ عام 1980 حتى عام 2000، أي الفترة التي كان من الممكن أن تكون لامعة بالنسبة له .
سنوات طويلة بالمسرح
بدأ الفنان توفيق عبد الحميد مسيرته الفنية بعد أن تخرج من معهد الفنون المسرحية في عام 1983م؛ حيث بدأ أولا بالعمل في المسرح، وقضى فيه عدة سنوات قبل أن ينتقل إلى المشاركة في الأعمال التلفزيونية والسينمائية، وكان مسلسل (الوليمة) أول المسلسلات التي يشارك بها، وشارك بعد ذلك في بطولات الكثير من الأعمال الفنية، وأشار الفنان توفيق عبد الحميد إلى الأسباب الواقعة خلف غيابه عن الساحة الفنية في السنوات الأخيرة منذ عام 2010م، وعزا ذلك إلى بعض المشاكل الصحية التي يعاني منها؛ إذ أُصيب بانزلاق غضروفي كان له أثر كبير على ساقه وظهره، ومنعه من متابعة مهنة التمثيل، وعرضَت عليه الكثير من الأعمال ولكنه اعتذر بسبب ذلك؛ إذ إنَ التمثيل مهنة متعِبة كما أشار، وتحتاج إلى بذل جهد كبير، ويجب أن يكون فيها الفنان في صحة جيدة.
ومن أشهر الأعمال التي شاركَ فيهاتوفيق عبد الحميد (الوليمة 1979، سلمان الفارسي 1980، ابن تيمية 1985، محمد رسول الله 1985، مولود في الوقت الضائع 1988، وداعا يا ربيع العمر 1991، أيام المنيرة 1994، العائلة 1994، أحلام فستق 1996، أوراق مصرية 1998، اللص والكلاب 1998، أم كلثوم، والشهاب 1999، الوشاح الأبيض، أوان الورد 2000، حديث الصباح والمساء، بوابة الحلواني، ملكة من الجنوب، البيضاء، صراع الأقوياء 2001، أميرة في عابدين، أين قلبي، قاسم أمين، حرس سلاح 2002م، قمر سبتمبر، الناس في كفر عسكر، كناريا وشركاه 2003، امرأة من نار، فريسكا يا ورد مين يشتريك 2004، على نار هادئة، الحب موتا، لما يعدي النهار 2005، حضرة المتهم أبي ، دعوة فرح، أسلحة دمار شامل 2006، نافذة على العالم حكايات المدندش 2007، بنات في الثلاثين، عرب لندن ، قلب الخطر 2008، هدوء نسبي، جنة إبليس، الهروب من الغرب 2009، سي عمر وليلى أفندي 2010.
ومن أهم أعمال توفيق عبد الحميد السينيمائية التي شارك فيها: (الفرح 1999، وحياة قلبي وأفراحه 2000، أمير الظلام، مافيا 2002، حلم العمر 2008، أما أهم أعمال توفيق عبد الحميد المسرحية التي شارك فيها (سالومي 1988، المهر 1989، عيال تجنن 1994، في عز الظهر 2003، رجل القلعة 2006.
…………………………….
أشهر أقوال توفيق عبد الحميد:
** الفن مهنة شاقة ومتعبة ومحتاجة جهدا كبيرا وكذلك صحة.. لذلك كانت ظروفي الصحية السبب الأول والأساسي في ابتعادي عن الفن، ولم أتلقى عروضا لتمثيل أدوار مناسبة، ولم تثر شغفي أو تجعلني أفكر في العودة من جديد بعد فترة الغياب الطويلة.
** أنا أمثل ولديّ هدف أساسي من التمثيل وهو الاستمتاع.. وليس لزيادة الشهرة أو الأموال.. لذلك لن أوافق على أي عمل فني والسلامة.
** في عالم الفن لا يوجد درجة 10/10، ودائما هناك أشياء لم تقدمها بالشكل الأمثل مهما أجدت من أدوار، ولكن القلق الآن أصبح مضاعفا بسبب الغياب لفترة طويلة، خاصة مع شعوري أن الجمهور منتظر تلك العودة، وأتخوف من أن أكون أقل من حسن الظن هذا وحسن توقعهم، وأتمنى أن أكون قدرت انتظار الجمهور لتلك العودة.
** المسرح القومي إن لم يكن أعرق مسرح موجود في منطقة الشرق الأوسط، فأرى أنه الأعرق والأقدم على الإطلاق، وهذه العراقة كانت بامتداد تاريخه فبدأ بأسامي كثيرة من أساتذتنا سواء في فن التمثيل أو الإخراج أو الكتابة، كلها مبهرة وقوية، وأجيال تسلم أجيال، ولك أن تتخيل أن كبار نجوم فن التمثيل في مصر والوطن العربي كانوا من خريجي المسرح القومي.
** شبرا كان بها أكثر من 12 سينما موزعة على مناطق مختلفة وأنا كنت أسكن بالقرب من سينما الأمير، وكانت من أشهر السينمات الصيفية في شبرا، وبالقرب من منزلي كان يسكن الفنان حسين رياض وهذا المنزل عاش به حتى وفاته وبعد منزله بمسافة كان منزل الطبيب البيطري والممثل حسن حسين، وبالقرب أيضا من منزل حسين رياض كان منزل المؤلف والشاعر حسين شوقي، وهذا كان الشارع الذي ولدت ونشأت به.
** أنا راجل مزاجاتى فن، أسعى للاستمتاع بالتمثيل، ولست مظلوما وتوقفت برغبتى، مفيش حد موقفنى ولا معطلنى، أنا اللى اخترت، لأنى أريد دورا جديدا أعيش معه فى حالة دهشة وقلق.
** معظم الأدوار التى كانت تعرض علىَّ من 2010 كلها تجسد نمط الإنسان المثالى الطيب صاحب المبادئ، وجميعها أدوار جيدة ولكنها متشابهة، وهذا يحرم الممثل من التنوع والثراء والتحدى.
** كنت أمثل فى ثانوى وفى الجامعة، وأشارك فى المسابقات وأفوز فيها، وأسمع إشادات من لجان التحكيم والأساتذة، وقررت أن أكمل مسيرة الاحتراف الفنى.
** أبويا كان نفسه يدرس قانون، وهو من الجيل الذى لا يؤمن ببكالوريوس الفنون المسرحية ويراها ليست شهادة، لذلك التحقت بحقوق عين شمس وكنت متفوقا فيها.
** 20 عاماً علمتنى الغنى بالاستغناء، أوقات كتير كنت عاوز ومش طايل، فمكانش أمامى غير أستغنى وأرضى بالمتاح، وكنت أحلم باليوم الذى يعترف فيه الناس بموهبتى.
** بقيت فى عنق الزجاجة من عام 1980 وحتى عام 2000.. وهى الفترة التى كان من المفترض أن الدنيا تنور وأكون نجم.
** هناك نوع من التلاقى بين صفاتى وبين صفات بعض الشخصيات التى جسدتها، ومنها شخصية عزيز المصرى، والدكتور رياض، وكمال أبوالعزم فى حضرة المتهم أبى، وأحيانا يحدث نوع من التوحد بينى وبين الشخصية التى أؤديها.
** الفنان نور الشريف تعجب من طول فترة بقائى فى عنق الزجاجة، وقال لى: (مش متخيل حد موهوب يقعد فى عنق الزجاجة لمدة 20 سنة، وأن يلعب على هذا التراكم حتى يمر ويصر على حلمه حتى يتحقق، وصعب على أى إنسان أن يتحمل كل هذا، وأن يصبر على حلمه كل هذه السنوات).
** كان هناك أخطاء متراكمة تحتاج منظومة تطوير وعمل فى أكثر من اتجاه، وأكثر من وزارة، وعندما وجدت أننى سأفشل فى تحقيق هذا الحلم فضلت أن أستقيل، لأن المنصب بالنسبة لى وسيلة وليس غاية، وماكنتش عاوز حاجة لنفسى كنت عاوز أقدم شىء للبلد.
** استغل البعض صورى بالذقن، وأنا أؤدى شخصية (محمد على باشا) للترويج لهذه الشائعة، رغم أننى شاركت فى اعتصام وزارة الثقافة ضد الوزير الإخوانى، ولم أزايد برفضى الذهاب مع مجموعة الفنانين للقاء مرسى عندما عرفت أننا سنذهب لنستمع فقط دون أن نناقش، ومش محتاج أقول إنى رجل وطنى وبحب البلد.
** عندنا أزمة نصوص خاصة بعد اختفاء مجموعة الأسماء الكبيرة فى الدراما الاجتماعية والتاريخية، مثل أسامة أنور عكاشة ومحمد جلال عبدالقوى ومحمد صفاء عامر ومحسن زايد ومحفوظ عبد الرحمن وكرم النجار، وكان آخر نص أعجبنى لمدحت العدل وجمال العدل، ولكن منعنى الانزلاق الغضروفى من قبول العمل.
** أنا أشد اشتياقاً ومشاعر الناس نحوى محل تقدير واحترام، لذلك يجب أن أحافظ على هذه المشاعر بمحاولة الوصول لأجمل ما يمكن أن أقدمه لهذا الجمهور.
وفي النهاية لابد لي من تحية تقدير واحترام لفنان قرر في بداياته أن يكون كما يريد وليس كما يفرض عليه السوق، ولأنه فنان موهوب ومبدع من طراز فريد، تعامل مع الفن بحب وشغف، فلم يقبل إلا الأدوار التي تشبع شغفه وتشعره بالمتعة، احترم فنه فقدره جمهوره حتى وإن تأخر هذا التقدير، وعندما ساءت الأمور وأصبح التسطيح والابتذال هو عنوان المرحلة احتجب بإرادته قبل أن يُحجب رغما عنه، لقد أدرك الفنان الكبير توفيق عبد الحميد مبكرا وقبل نحو 9 سنوات، أن الأمور تسير في اتجاه لا يمكن أن يسايره، فهو يبحث عن قيمة يضيفها إلى رصيد فنه، فلما تراجعت القيم وغاص الفن في وحل (الهلس) توقف توفيق ورفاقه حتى يتبين الجمهور الغث من السمين ويقرر الخروج من المستنقع الذي حاول تجار (الرُخص) أن يدفعوهم إليه.
وفي لحظة تشبع فيها الجمهور من (التفاهة)، وشعر بآلام الفقد بعد غياب نجوم كبار مثل نور الشريف ومحمود عبد العزيز وفاروق الفيشاوي، ظهر عبد الحميد في افتتاح المهرجان القومي للمسرح، فكشفت اللحظة حنين الناس إلى الإبداع الحقيقي، وفي مواجهة هذا الجمهور لم يتمالك توفيق نفسه، وتسربت دموعه وهو ينظر إلى القاعة التي تصفق له وتهتف باسمه، ولسان حاله: (من هؤلاء؟ وهل هناك من لايزال يتذكرني؟)، زاغت عيناه وهو يتفحص قاعة المسرح، فتعالى الهتاف واشتد التصفيق فانهمرت الدموع وانحنى المسرحي العظيم ليحيي جمهوره كما اعتاد أن يفعل منذ سبعينيات القرن الماضي.. أطال الله في عمره، ويؤسفنا اعتزاله فقد كنا نتمى أن تستمر رحلة عطائه ليمتعنا بفنه الراقي الذي ينجاز للإنسان المصري البسيط في تجلياته المبدعة.