رئيس مجلس الادارة : محمد حبوشة
رئيس التحرير : أحمد السماحي

صبا مبارك .. بلقيس الدراما العربية التي تتمتع بموهبة طاغية

قوة الشخصية وروعة الأداء

بقلم : محمد حبوشة

إذا ما صح القول بأن الجسد حامل للمعرفة كما يبين ذلك (ألبرت كامو) يتأكد لدينا أهمية الممثل الحامل لهذه المعرفة من خلال ثلاث مكونات وهى (الذكاء/ العقل، والمعرفة الخارجية من خلال التدريب والتعليم، والمعرفة الداخلية التي ترسل للمتلقي، وهى عملية الفهم للحياة وما تدور حوله الدراما من فكر ورؤى وحوار، إن جسد الإنسان وهو يحمل هذه الجزئيات الثلاث، والتي تشكل الكلية المعرفية للإنسان، هى ما تشكل البعد التصوري لدى المتلقي، وعليه يمكن اعتبار كل ما يدور على شاشتي السينما والتليفزيون في حالة النجمة العربية (صبا مبارك) هو نتيجة تفاعل مشترك تركز في جسدها كممثلة، وهذا التشارك وإن بدت فيه كممثل وحيدة، كما في المونودراما والحكواتي مثلا مع اختلاف بينهما، يدركه المتلقي من خلال طريقة التعامل مع المتلقي، وكيفية تعاطي المعرفة معه، وكيفية بث المعرفة من خلال جسد هذه الممثلة المعجونة بالموهبة، والذي يبدو من خلال التمثيل، ليكون الصورة المرئية للآخر، من هنا ندرك معها كيف يكون الجسد فرجة للآخر.

وضيفتنا في باب (في دائرة الضوء) هذا الأسبوع النجمة الأردنية المتألقة (صبا مبارك) صاحبة الرصيد الأكبر في الدرامات العربية المختلفة (سورية، أردنية، مصرية، بدوية خليجية) وغيرها من أعمال أخري تعد علامات مهمة تزين وجه السينما والدراما العربية، وتكمن أهمية (صبا) في مقدرتها على فهم الشخصية والدور الذي تلعبه ربما لأنها تمتلك بالأساس طاقة خلاقة قادرة على تفهم الدور، وهو ما يجعلها متمكنة وقادرة على التفاعل مع المتلقي، فالفضاء الدرامي هو الأهم لدى الممثل، وهذا الفضاء يتكون من جزئيات عديدة إضافة إلى المتلقي، الأمور الفنية التي تتوافر عند ممثل آخر وكذلك المخرج، والتقنية التي تتمحور على اتمام المشاهد بقدرة عالية، من خلال اندماجها مع الفكرة والأداء وكيفية التوصيل للمتلقي، ولهذا يشترط في الممثل أن تكون لديه الملكة للتمثيل، وليس العملية تبدو عادية من دون اعتماد على ذهنية قادرة على القيام بالعمل، فاشلة بطريقة أو بأخرى.

عيون معبرة للغاية

ولكن لأن الفطرة والطبيعة الإنسانية للشخصية كل شخصية تقوم بها (صبا مبارك) والمعرفة والثقافة التي تحملها كل شخصية، تجعل من كل شخصية عندها ذات صفات مميزة تختلف عن الشخصية الأخرى، وعليه فإن قبول كل العروض وكل الأدوار، هو بمثابة تحد خاص عندها لذا رسخت في عقول وقلوب محببها منذ إطلالتها الأولى وحتى الآن، لأن مكونات الجسد متعددة عندها منها الصوت، والذي عادة ما تبدأ الاهتمام به كجزئية جسدية، أي باعتباره لغة جسدية وليس كلاما ( وليس من الضروري أن يكون هذا الصوت جميلا أو متناغما أو مركزا ونغما معبرا بعمق عن الشخصية بما تحمله من خصائص وفردية وحساسية، بل ينبغي أن يكون الصوت معبرا بقوة عن باطنية الممثل، وهذا التعبير هو ما ينقل إلى المتلقي للاندماج بما يقوم به الممثل، ولا يكون هذا الصوت ناتجا من فراغ أو من عدم، إن هذا الصوت لابد أن يعبر عن الموقف كلغة جسدية، حيث يكون هذا الصوت مفجوعا أو حزينا أو فرحا بطريقة ما من خلال الموقف الذي يقفه الممثل، وهو بالتالي التعبير الجسدي عن حالة الممثل، لما يمر به من مواقف كوسيلة تعبيري).

أهمية الجسد لدى (صبا مبارك) يأتي كحضور فعلي ينوب عن الكلام، فتلك الحركات هى التي ستنوب عن الكلام، ولكن الجسد بالتالي هو اللغة التي نستطيع أن نتواصل معها وحتى بحضور الكلام، ولهذا نجد (آرتو) معولا على الجسد حينما يقول (إذا كان للموسيقى تأثير الأفاعي، فليس هذا لأنها تنقل إليها أفكارا روحية، بل لأنها الأفاعي تكون متمددة ومضطجعه على الأرض، ملتفة لفات طويلة، وتلامسها أجسادها على طولها تقريبا، لذا فإن الذبذبات التي تتوغل في الرمال تصلها كرسالة طويلة جدا ورفيعة، أنا أنوي أن أطبق على المتفرجين ما يفعله محبو الأفاعي، بحيث أجعلهم يصلون حتى إلى تلك النزوات الأرق والألطف عبر إحساسهم بها جسديا، إن التعبير الانفعالي لدى الممثل، هو اللغة غير الشعورية التي تحدث للإنسان، وخاصة عندما نراه يستعمل جسده للتعبير عن مشاعره، وما يجيش في نفسه، وهذه اللغة اللاشعورية تعبر عن الجوانب الأكثر حقيقية من ذواتنا من مشاعرنا وانفعالنا وحاجاتنا واتجاهنا، وهذه اللغة الأكثر صعوبة بكتابتها لكنها الأكثر أهمية في العلاقات الشخصية المتبادلة بيننا.

تعبر عن قضايا المرأة والشباب بروح المقاتلة

إن على الممثل وفقا لمنهج (ستاسنلافسكى) أن يؤلف فى ضوء ما لديه من معطيات سيرة كاملة للشخصية التى يؤديها وأن يجعل فى ذهنه صورة حسية دقيقة لسائر ظروفها المرتبطة بما يجرى على مستوى الدراما ولو ارتباطا غير مباشر وهذه مهمة صعبة ولكنها ممكنة إذا اكتملت فى الممثل شروط الاعداد المهنى، كما هو الحال مع (صبا مبارك)، ولا يصل الممثل دفعة واحدة الى مرحلة المعاناة الحقيقية للدور بل يصل اليه من خلال العمل الدؤب والمحاولة المتكررة والاحتشاد الذهنى الطويل ومن الخطأ الاعتقاد بأن جهد الممثل فى هذه المرحلة مقصور على المشاركة فى التدريبات مع الممثلين الآخرين ، لذا فهى تدرك أنها كممثلة مطالبة فى الوقت ذاته بأن تواصل إعداد دورها على انفراد باحثة عن أنسب الاشكال والوسائل التعبيرية لكل جزء من أجزائه كما تسعى إلى ذلك (صبا) في كل أدوارها.

إن عين الممثل التى تنظر الى الشئ وتراه تجذب انتباه المشاهد وتسطيع بذلك أن تكون علامة تحدد للمتفرج ما ينبغى أن يراه وما يسعى إليه المثمل، أما العين الفارغة فعلى العكس تماما من ذلك فهى تشتت انتباه المتفرج وتصرفه عن خشبة الشاشة، فلابد أن يكون الممثل فطنا يقظا ويحدد أهدافه من وراء تجسيد هذه الشخصية أو تلك مثلما تفعل (صبا مبارك)، فهي دوما لا تعيش داخل نفسها أو خارجها بل إنه تعيش إما حياة واقعية أو متخيلة وهذه الحياة المعنوية تقدم موردا لاينضب من مادة التركيز الداخلى، ومن ثم تكون الأهداف نابعة من شخصيتها كممثلة ومماثلة فى الوقت نفسه لأهداف الشخصية التى تصورها، وأن تكون أهدافا خلاقة وفنية وهو خلق حياة لروح انسانية والتعبير عنه بصورة فنية.

تعلمت من أمها أن الفن له قوة خاصة وإحساس منفرد

لكن كل ذلك مرهون عند (صبا مبارك) بأن تكون تلك الأهداف حقيقية وحية وإنسانية فلا تكون تقليدية بل تكون أهدافا صادقة بحيث تستطيع هى والممثلين المشتركين معها ويستطيع المتفرج الإيمان بصدقها، وينبغى أن تتسم بالقدرة على اجتذابك وتحريك مشاعرها، وأن تكون واضحة ومستوحاة من طبيعة الدور الذى تؤديه شريطة أن يكون لها قيمة ومضمون يتناسبان والحقيقة الداخلية لدورها، وأن تكون فعالة بحيث تدفع بالدور الى الأمام ولا تدعه يتوقف عن الحركة، وهو بدا واضحا لي من خلال مشاهدتاتي الدائمة لأعمالها التي تحظى عندي بتقدير خاص لموهبتها وذكائها الذي يظهر من خلال عينين ثاقبتين معبرتين وصادقتين إلى أبعد حد.

ولدت صبا عام 1976 في مدينة عجلون بالأردن لأب أردني وأم فلسطينية، دخلت جامعة اليرموك في إربد، وتخرجت في عام 2001، وحصلت على بكالوريوس في المسرح، وكانت عاشقة للفن لأنها من أسرة فنيه فوالدتها الفنانة (حنان آغا) وخالتها الممثلة (هيفاء آغا) ، مما ساعدها على الارتقاء في تمثيلها، واختيار الموضوعات التي تمثل مشاكل الشباب، ولأنها تميل للطبيعة وحبها الدائم على أن تظهر بطبيعتها دون استخدام المكياج، استطاعت أن تخطف الأنظار إليها وان تكشف عن موهبتها المتعددة في الأدوار الصعيدية والتاريخية والاجتماعية والبدوية أيضا، واستطاعت أن تصل إلى قلوب المشاهدين من خلال دقتها في اختيار أدوارها الفنية واتقانها بشكل جيد، سواء كانت في السينما أو التلفزيون، ويبقى في عيني الممثلة الأردنية صبا مبارك جاذبية لا يخفيها أي من الأدوار المتنوعة التي أدتها وأثبتت موهبتها الأصيلة، هذه الموهبة حملت صبا من المسرح إلى التلفزيون ثم السينما، ومن الأردن إلى سوريا ومصر، وإلى العالم المفتوح حيث تغيب الحدود وينتصر الفن.

شخصية رومانسية حالمة في السينما والتليفزيون

قررت أن تخطو خطوات ثابتة، وتتوافق مع تفكيرها وتكوينها الوجداني، ففي عام 1998، بدأت حياتها المهنية في التمثيل في المسلسل التلفزيوني الأردني (قمر وسحر) منذ ذلك الحين، قدمت صبا العديد من الأعمال خلال مشوارها الفني، أسست صبا عام 2011 شركة إنتاج فني (Pan East Media)، بدأت الشركة نشاطها الإنتاجي في عام 2013، لكن كانت سنة 1998، نقطة الانطلاق بالنسبة للنجمة صبا مبارك، حيث شاركت بمسلسل (الكواسر) بعد مسلسل (قمر وسحر)، وعادت في عام 2002 للظهور مجددا بشخصية (نسرين) في المسلسل التاريخي (عمر الخيام)، كما شاركت بنفس العام بمسلسل (الأرواح المهاجرة) مع نجوم من نخبة الدراما السورية، و بعد عام قدمت شخصية (غزالة الشيباني) بالمسلسل التاريخي (الحجاج)، ثم شاركت خلال عام 2005 في بطولة المسلسل التاريخي (آخر أيام اليمامة) مع النجوم غسان مسعود وزهير النوباني، كما قدمت دور البطولة في مسلسل (الشمس تشرق من جديد)، وكان العام الذي يليه زاخرا بالأعمال الفنية فقد شاركت ببطولة مسلسل (دعاة على أبواب جهنم)، وظهرت بشخصية (هند) في المسلسل التاريخي (خالد بن الوليد)، وقدمت أيضا دورا في مسلسل (صدى الروح) وشاركت بعدة حلقات من مسلسل (أهل الغرام).

نمر ابن عدوان

في 2007 ظهرت مع النجم الأردني الراحل ياسر المصري بالمسلسل البدوي (نمر بن عدوان) بدور (وضحة)، وكان لها مشاركة متميزة بشخصية الممرضة (حنان) بمسلسل (الاجتياح) الذي يروي أحداث اجتياح الضفة الغربية ومجزرة جنين، كما ظهرت بمسلسل (سيرة حب) من نفس العام، وفي 2008، ثم عادت للدور البدوي بشخصية (عليا) من مسلسل (عيون عليا) وأيضًا بشخصية (الهنوف) بنت الشيخ وضاح بمسلسل (صراع على الرمال)، وفي عام 2009 أدت صبا دورا لافتا للانتباه بالمسلسل التاريخي (بلقيس ملكة سبأ) حيث جسدت شخصية بلقيس بكل ذكائها وحكمتها بشكل مميز وناجح، ونال دورها إعجاب النقاد، وشهد عام 2010 تألقها بدور منى التي جسدته بمنتهى الإبداع بمسلسل (وراء الشمس)، كما شاركت بالمسلسل السوري – المصري (أنا القدس) من نفس العام.

قدمت خلال عام 2011 دور جميلة في المسلسل الشامي (الزعيم)، وشاركت بعد عام في المسلسل المصري (شربات لوز) مع النجمة ي

صراع على الرمال

سرا، كما ظهرت ببطولة مسلسل (حكايات بنات) بدور (أحلام)، وكان عام 2013 مليئا بالأعمال الفنية للفنانة، حيث قدمت بطولة مسلسل (زين)، كما شاركت النجم نور شريف بطولة مسلسل (خلف الله) وظهرت بمسلسل (آسيا) م منى زكي، ومسلسل (موجة حارة) من نفس العام.

في عام 2015 أدت دور (ريا) في المسلسل الفانتازي (العهد: الكلام المباح)، وشاركت بمسلسل (حق ميت)، وفي عام 6201 قدمت دور (درية نجار) بمسلسل (أفراح القبة) مع النجم جمال سليمان وعدة نجوم آخرين، وكان لها ظهور خاص خلال شهر رمضان 2017 في مسلسل (طايع)، حيث أدت دور مهجة، وكان ظهور صبا لأول مرة في السينما الأردنية في عام 2003 في فيلم (سفر الأجنحة)، كما ظهرت في أفلام (خارج التغطية، ومملكة النمل،  أما في سينما مصر؛  فقد شاركت عام 2010 في فيلم (بنتين من مصر) وفي عام 2012، شاركت في فيلم مصري آخر بعنوان (الراهب) مع النجم المصري هاني سلامة.

في عام 2014 أنتجت شركتها الخاصة المسلسل التلفزيوني (طوق الأسفلت)، وهي سلسلة درامية تاريخية بدوية مستوحاة من مسرحية هاملت لشكسبير، تم بثه خلال شهر رمضان 2014 على قناة أبو ظبي، وقد شاركت عام 2019 في مسلسل (عبور)، وشاركت عام 2020 مسلسل (نمرة اتنين)، ومسلسل (حارس الجبل)، وفيلم (بنات عبد الرحمن) أما عن أعمالها لعام 2021 مسلسل (عنبر 6)، وفيلم (عرنوس، وأميرة).

دعاة على أبواب جهنم
بلقيس ملكة سبأ
حارس الجبل
بنتين من مصر
بنات عبد الرحمن
عنبر 6

جدير بالذكر أن (صبا مبارك) تعلمت من صغرها كل شيء في حياتها من والدتها الراحلة (حنان آغا) التي كانت فنانة تشكيلية فلسطينية، ودرست (صبا) فنونا جميلة لمدة عام على خطي والدتها، وتعلمت منها أن الفن له قوة خاصة وإحساس منفرد، وتتعامل معه بمشاعر وفكر، لكي يكون له تأثير ما تجسده أمام الجمهور، وتشعر دائما بالضيق من وسائل التواصل الاجتماعي، بسبب الأقاويل في أي شيء تتحدث فيه، وهى تحب القراءة وتستفيد بأدوارها من الثقافة في الحياة وحبها للقراءة من الصغر حيث يوجد في منزلهم غرفة خاصة بها، مكتبة كاملة مما أثر هذا على شخصيتها ، وعن حياتها الشخصية فهي كانت متزوجة من المخرج التونسي الراحل (شوقي الماجري) ولها منه طفلها الوحيد (عمار)، وذلك بعد علاقة قصيرة انفصلت عن زوجها وتطلقا عام 2004 لكنها ظلت على علاقة صداقة ودوده لاحترام كل منهم للآخر حتى أنها عبرت عن جزنها العميق لرحيله المفاجئ.

مع زوجها المبدع الرحل شوقي الماجري

وفي النهاية لابد من تحية تقدير واحترام للفنانة (صبا مبارك) التي لقبت بـ (بلقيس الشاشة العربية)، والتي تتمتع الاستقلالية، وليست تلك الاستقلالية مجرد صدفة؛ فهي تدعم كل قضايا المرأة وتعمل مع العديد من الفعاليات في المجتمع من أجل أن تحصل المرأة على حقوقها دون إجحاف، هذه النشاطات المجتمعية مكنت صبا من أخذ دور الفنان الذي له تأثير إيجابي في المجتمع لها آرائها الخاصة حول الإشكالات المجتمعية وحلولها وليس الهرب منها وعدم تحمل المسؤولية، وذلك جراء أنه بخلاف الشائع من الآثار التي يتركها انفصال الوالدين على الأطفال لم تعان صبا مبارك من انفصال والديها بل كان الموضوع طبيعيا، حيث عوضت والدتها التي كانت الأم والصديقة عن غياب الوالد، بل ملأت البيت بالفن والإبداع والثقافة وهذا الأمر انعكس بشكل كبير على الشخصية المتوازنة القوية المثقفة والمتمكنة التي تجسدها صبا، بكل ما تحمل من طيبة وحزم وصراحة ورقي.. كل هذه الصفات مكنت صبا من التفرد بالأدوار التي قدمتها في الدراما والمسرح والسينما واحتلال قلوب المشاهدين بجمالها العربي الخالص واستحقاق لقب بلقيس الشاشة العربية.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.