رئيس مجلس الادارة : محمد حبوشة
رئيس التحرير : أحمد السماحي

نور محمود .. موهبة حقيقية تحتاج لنظرة اهتمام !

لاتبدو انفعالاته مزيفة أومصطنعة

بقلم : محمد حبوشة

ليس هناك أدني شك في أن التمثيل يعتبر هواية في الأساس، ولا أحد يستطيع الوصول إليه إلا إذا كانت تتوفر فيه الهواية، فمنهم من يلتحق بصفوف التمثيل في المعاهد ويقوم بدراسته، ويعملون مع مدرب التمثيل والحوار لأنهم يساعدون الممثل على العمل والدراسة بشكل مكثف، ولكن لا يصل الممثل إلى النجاح الحقيقي إلا إذا كان موهوبا بالفعل، ولهذا يجب من يجد نفسه لديه موهبة التمثيل فعليه أن يتوجه إلى مجموعات واسعة للتدريب والقيام بالعديد من التجارب، مثل الأدوار الكوميدية والمسرحيات والأدوار الصغيرة وغير ذلك من الأدوار، كلما تدرب الشخص بشكل أكثر كلما اقترب من هدفه بشكل أسرع.

وضيفنا في باب (في دائرة الضوء) لهذا الأسبوع الفنان الشاب (نور محمود) هو واحد من أولئك الذين لم ينخرطو في دراسة أكاديمية لكن الهواية متأصلة فيه منذ الصغر، لذا سعى لتحقيقه حلمه بالتدريب في أحد الورش التي طورت أدواته بشكل لم يخشى معه الخوف عند الوقوف أمام الكاميرا، وذلك عبر التمارين المستمرة التي اجتازها ببراعة على الوقوف لفترة أمامها والتعود مع الإضاءة والكاميرا وكادر التصوير، وغير ذلك من الأمور التي تواجه الشخص عند التدريب في الوقوف أمام الكاميرا، وتوفر لديه الإلمام بأساسيات التمثيل مع الحركة أمام الكاميرا، وها هو اليوم تراه قد استطاع أن يقنع نفسه بعدم وجوده  أمام الكاميرا.

مع هند صبري في (هجمة مرتدة)
مع أحمد عز في (هجمة مرتدة)

وقد لاحظت من خلال متابعتي له عبر أعماله الأخيرة ( هجمة مرتدة، الاختيار، القاهرة كابول، إجازة مفتوحة، إلا أنا – حكاية بالورقة والقلم) أنه يتصرف بشكل تلقائي لكي يكون التمثيل أقرب للواقع، من خلال تقمص الشخصية المراد تمثيلها بشكل جيد وهى نفس الشخصية التي يقرأ عنها (نور محمود) في السيناريو، فهو يحب الشخصية ويتعمق فيها ويشعر بها، ويختار الدور الذي يتلاءم مع شخصيته ويكون قريب منها حتى يعرف أن يتقن الدور بمهارة ولا يجد صعوبة في أداء هذا الدور، ولا يعنى أبدا بالبحث عن الأدوار البعيدة عن شخصية الممثل، فلديه قناعة تامة بأنه لا يجب أن يقوم رجل عجوز أن يختار دور طفل صغير مثلًا، لأنه سوف يكون عليه أن يتقن مثل هذا الدور.

يعتقد الكثيرون أن الممثل البارع من يلعب دوره بشكل طبيعي ودون اصطناع واضح، لكن الحقيقة، وفقا للمخرج والمشرف الفني (ماركوس)، أن أداء الدور بعيدا عن الاصطناع أمر مفروغ منه، ولكن التميز يكمن باستطاعة الممثل على مفاجأة الجمهور بردود فعله وعدم قدرة المشاهد على التنبؤ بما سيقوم به، ولقد أدهشني (نور) في أدائه مؤخرا في إدراكه لمهمة الممثل الجيد في فهم هذا الطيف الواسع من الانفعالات وإدراك عمق كل منها وعلاقتها بالشخصية التي يؤديها، ومن ثم اختيار الأداء الأنسب، عدا ذلك يتحول الممثل إلى شخصية مملة تكرر انفعالاتها بشكل مبتذل.

مع حنان مطاوع في (القاهرة كابول)
في (إجازة مفتوحة)

تعد من أصعب المهارات المتوقعة من الممثل، والمقصود بالقدرة على الانكشاف العاطفي أو كما يسميه البعض (التعري العاطفي) استعداد الممثل لعرض مشاعره الإنسانية بشكلها الحقيقي في موقف درامي ما ضمن القصة التي يمثلها، إذ يكمن سبب ضعف الأداء لدى العديد من الأشخاص في هذه النقطة، وتختلف الأسباب الناتجة عن ذلك عند (نور محمود)، منها أن لا يريد رؤية نفسه ومشاعره الحقيقية في هذا المشهد أو هذه القصة أو عدم قدرته على خوض الجوانب المظلمة جدا من النفس البشرية أو أنه ببساطة لا يريد الظهور بمظهر غير جذاب.

واحد من أهم الأسباب التي تدفع الممثلين إلى تصنع أدوارهم عوضا عن تقمصها بشكل جيد، تمثيلهم الدور كما يرونه من دون تطبيق أي من نظريات التمثيل، وأشهرها نظرية ستانسلافسكي، وهى نظرية تحتوي على مجموعة من التقنيات التي تساعد الممثل على الانتقال بوعيه إلى الشخصية التي يؤديها، وبالتالي تفعيل أفكار وأحاسيس وانفعالات الشخصية عوضا عن مشاعره الشخصية، لذا ترى (نور محمود) عند تأديته لدوره يأتي عادة وفقا لمزاجه الخاص، فهولا يجبر نفسه على تمثيل انفعالات الشخصية عندما لا يكون بالمزاج الحقيقي لها، لذلك لاتبدو انفعالاته مزيفة أومصطنعة، ويبقى الموضوع عنده وفقا لـ (ماركوس) مسألة تفضيلات شخصية، فمن الطبيعي جدا أن لا تتوافق الآراء بخصوص الممثلين وحسن أدائهم، ومن جهة أخرى، تؤثر الحياة الشخصية للممثلين والممثلات بشكل كبير جدا على تقييم الجمهور لهم، فمن يعرض مواقف أو آراء شخصية جدلية من الممثلين، عليه أن يضاعف جودة أدائه حتى يستطيع غض نظر المشاهد عن حياته الشخصية.

لايجبر نفسه على تمثيل انفعالات الشخصية

ولد نور محمود في القاهرة، وعشق التمثيل منذ زمن بعيد وهو خريج الدفعة الأولى من ورشة تمثيل تدعى (ترقيوس)، ولفت الفنان نور محمود الأنظار بنجاحه من خلال مشاركته مؤخرا بمسلسلين هما (إجازة  مفتوحة و إلا أنا -حكاية بالورقة والقلم)، حيث استطاع أن يحقق فيهما نجاحا كبيرا جعل عددا كبيرا من مرتادي مواقع التواصل الاجتماعي يتفاعلون معه، وهو أكد أن (نور) كان حلمه التمثيل منذ الصغر، ومن ثم كان له نصيب من المشاركة في أغلب الأعمال المفصلية في تاريخ الدراما المصرية، بدءا من (الجماعة 2).

حقق الفنان نور محمود، نجاحا كبيرا في 4 مسلسلات لافتة للنظر هى (القاهرة كابول، هجمة مرتدة، الاختيار، إجازة مفتوحة)، وذلك جراء تنوع أدائه الفطري الذي يعتمد على تشرب الشخصيات النابعة من قلب الشارع المصري، فتراه المدرس وضابط المخابرات وضابط الجيش الجسور الذي تكتب له الشهادة، والزوج الندل مدمن القمار، والأخيرة شخصية تتميز بوجود خط رفيع من الكوميديا، ومن هنا فقد انتشرت على مواقع التواصل الاجتماعي، إشادات كثيرة وكذلك حصل على تعليقات إيجابية من النقاد بتجسيده للشخصيات الأربعة على نحو احترافي يشهد بموهبته الحقيقية في الأداء الاحترافي العذب.

ولقد أعجبني (نور) في مسلسل (القاهرة كابول) كعمل اجتماعي كامل يحتوي على خطوط متنوعة سواء سياسي أو درامي أو رمانسي أو إرهابي أو فساد الإعلام، حيث جسد شخصية (أحمد مندور) مدرس من طبقة أعلى ماديا يتعرض لقصة حب معقدة مع حنان مطاوع، أما في مسلسل (هجمة مرتدة) فقد تقمص شخصية ضابط المخابرات باتزان نفسي في مسلسل مخابراتي لقصة حقيقية في أهم المسلسلات الموجودة في 2020، من بطولة أحمد عز وهند صبري، فقد جسد (نور) دور (رامى) ضابط العمليات الذى يدير المجندين فى الخارج، والعمليات التى يقومون بها لصالح مصر، حيث جمع فى الشخصية التى قدمها بإتقان شديد بين الحزم والثقة مع التوازن الإنساني.

وعلى الرغم من تقديم نور للعديد من الشخصيات في الدراما المصرية منذ بداية ظهوره عام 2006 في مسلسل (العندليب – حكاية شعب) وحتى وقتنا هذا، إلا أن نور قد حاز على اهتمام كل من الجمهور والمنتجين، وذلك بعد مشاركته في مسلسل (الاختيار) بدور شخصية النقيب الشهيد محمود درويش، والذي استشهد بعد الهجوم الإرهابي على كمين الفرافرة، وقد تمكن من تجسيد هذه الشخصية ببراعة، حتى وجد الجمهور شبه كبير بينه وبين الشهيد البطل، حتى أن عائلة النقيب محمود درويش أشادت بأداء نور محمود للدور.

مع يسرا اللوزي في حكاية (بالورقة والقلم)

وقد حصل (نور محمود) على أول فرصة له للظهور عبر شاشات الدراما المصرية عام 2006 في مسلسل العندليب، والذي كان يرصد قصة حياة العندليب الأسمر عبد الحليم حافظ، ومن ثم حالفه الحظ، ليحصل على دور في واحد من أهم المسلسلات المصرية والذي يعد من علامات الدراما على مر الزمان وهو مسلسل (الاختيار)، وعلى الرغم من صِغر حجم دوره في مسلسل (العندليب ـ حكاية شعب) إلا أنه تمكن من الحصول على اهتمام الجماهير، من خلال براعته في تقديم الدور وفي تجسيد الشخصية، حتى تمكن نور من الحصول على دور من خلال أحداث مسلسل (القيصر).

وربما نجد أنه كان للفنان (نور محمود) حظا وفيرا في المشاركة في الأعمال التشويقية، فبعد مشاركته في تقديم مسلسل (استيفا، الصياد، القيصر وشهادة ميلاد، في كل أسبوع يوم جمعة)،  وحصل نور محمود على فرصة أخرى للمشاركة في واحد من أنجح الأعمال الدرامية المصرية وهو مسلسل (30 يوم) للنجم آسر ياسين والنجم السوري باسل الخياط، فالمسلسل من النوع التشويقي الذي يجعل المشاهد ينتظر الحلقة القادمة على أحر من الجمر، وفي عام 2018 تمكن نور محمود من الانتقال من الشاشة الصغيرة إلى السينما مباشرة، من خلال مشاركته في الفيلم الكوميدي (كدبة بيضا).

مع أحمد عز في (الممر)

وبعد مشاركته في هذا الفيلم حصل (نور محمود) على فرصة العمر للمشاركة في واحد من أهم الأفلام المصرية التي تم تنفيذها في آخر عشرين عام، بدور ضابط في الفيلم الحربي (الممر) من بطولة مجموعة من ألمع نجوم السينما والدراما المصرية أحمد عز وإياد نصار، هند صبري، محمد فراج، والفيلم من إخراج المبدع شريف عرفة، ويرصد الفيلم معاناة الجيش المصري بعد هزيمة 1967 وكيف تمكن الجيش المصري من استرداد كرامته بعزيمته وإرادته القوية، وقد لعب نور محمود شخصية (النقيب حسين) في الجيش المصري، وفي عام 2019، حصل نور محمود على واحد من أهم أدواره من خلال مشاركته البطولة في مسلسل (لآخر نفس) وهو المسلسل التي عادت به نجمة السينما ياسمين عبد العزيز إلى الشاشة الصغيرة، وشارك ياسمين البطولة كل من النجم فتحي عبد الوهاب وأحمد العوضي و أحمد صلاح حسني ونور محمود وغيرهم من النجوم.

نور محمود فنان استطاع أن يحقق نجاحا كبيرا في فتره زمنيه صغيره دخل بموجبها إلى قلوب المشاهدين بأدائه السهل البسيط، وبسرعة كبيرة وصل لقلوب الجماهير، بتمثيله غير المتكلف، وبسبب انتقائه في اختيار أعماله، وعلى الرغم أن رصيده الفني ليس بالكبير بعد إلا أنه أصبح له اسما معروفا بين النجوم، لذا نلفت نظر المنتجين والمخرجين لهذه الموهبة التي تحتاج إلى الرعاية والاهتمام، حيث يؤكد من وجهة نظره قائلا: (الممثل الجان.. من أكتر الكلمات اللي مبحبهاش وبضايق لما بتتقال… ودا للأسف أن المتعارف عليه في منطقتنا العربية أن كلمة جان مرتبطة ارتباط وثيق بملامح شكل وتكوين جسدي معين.. واللي على أساسه بيمثل مش علي أساس الموهبة… والحمد لله ان دا مش في العموم علشان احنا عندنا ناس بهذه الملامح وهذا التكوين وفي نفس الوقت ممثلين بجد.. على ما أظن كلمة ممثل شاطر أحلي وأقيم بكثير).

أداء هادئ يتسم بالجدية

ويبقى لي القول أن القبول والموهبة هبات ربانية، إذا اجتمعت مع الإخلاص والدأب صار الإنسان عظيما، خاصة فى المجال الفنى، فذلك الوجه الذى تألفه من الطلة الأولى، وهذا الأداء الهادئ الذى يحمل خلفه موهبة كبيرة من جانب (نور محمود) يؤكد لك أنه لا يزال هناك الكثير من المواهب التى تعيد اكتشاف نفسها عاما تلو الآخر، لذا تجد (نور) أحد هؤلاء المبدعين الذين لا يتعجلون النجومية بقدر ما يهتمون بتقديم الأدوار الجيدة، معتمدا على أدواته الفنية المتمكنة وملامحه الهادئة ونبرة صوته الرزينة، فضلا عن ثقته القوية فى موهبته، التى أهلته أن يكون أبرز وجوه دراما رمضان 2021، من خلال مسلسلى (القاهرة كابول، هجمة مرتدة، الاختيار، إجازة مفتوحة، إلا أنا -حكاية بالورقة والقلم) .. فتحية تقدير واحترام لموهبته وفنه الراقي والهادئ، ورغم أنه أحب هذه المهنة، ولديه غيرة شديدة عليها، ويتمنى تقديم كل ما يليق بها، ويتطور فيها عاما تلو الآخر، لكني أرى أنه لا يزال أمامه الكثير.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.