رئيس مجلس الادارة : محمد حبوشة
رئيس التحرير : أحمد السماحي

بصمات (صالون زهرة) على نادين ومعتصم

بقلم : محمود حسونة

بعض الأعمال الفنية لا تترك أي أثر لا في مسار أبطالها ولا في ذاكرة جمهورها، وعادة ما تكون بلا لون ولا مذاق، خالية من المهارات التمثيلية والرؤية الإخراجية وإثارة المحتوى، وهذه النماذج كثيرة فيما تعرضه المنصات والشاشات حالياً، والهدف منها ملء بعض المساحة الزمنية على الشاشة أو تجديد لمحتوى المنصة، في حين تترك أعمال أخرى بصمتها على المشاهد والممثل والمخرج والمؤلف وكل من شارك في صناعتها، وتحفر في ذاكرة المشاهد ويشارك بشأنها نقاشات ونقاشات في محيط علاقاته الواقعية، ومع )أصدقائه( على مواقع التواصل؛ أما بالنسبة للممثل فقد تُغيّر موقعه على الخريطة الفنية وترفعه درجات بين أقرانه، وقد تكشف عن جوانب خفية من موهبته، وقد ينال بسببها التكريم والتقدير من مهرجانات فنية ونقاد، والأمر نفسه قد يحدث للمؤلف أو المخرج أو غيرهما من عناصر العملية الإبداعية.

الأعمال التي تثير جدلاً وتترك بصمة ليس بالضرورة أن تكون دسمة المحتوى وعميقة الطرح مثل )الاختيار( و)القاهرة كابول( و )هجمة مرتدة)، بل يمكن أن تكون دراما خفيفة المحتوى وبسيطة الطرح وجميلة الصورة والشكل، قد تكون تراجيدية معقدة، وقد تكون كوميدية خفيفة.

(صالون زهرة) الذي عرضته منصة (شاهد VIP) مؤخراً ينتمي إلى هذه النوعية، مسلسل خفيف وحكاية بسيطة وشكل لذيذ، ولكنه من الأعمال الممتعة لجمهورها والمغيّرة لملامح ومكانة نجومها، فهذا العمل الذي دارت أحداثه في 15 حلقة، يعد نقلة مهمة جداً في حياة بطليه اللبنانية نادين نسيب نجيم والسوري معتصم النهار.

النهار، شاهدناه بطلاً للعديد من الأعمال السورية واللبنانية، ورغم ذلك لو فتشت عن أعماله في الذاكرة فلن تجد لها أثراً، والسبب أنه في معظم أعماله ظهر بقالب واحد، بوجه جامد، وحوار يلقي به في وجه الكاميرا من دون أي تعبير، والمواقف الدرامية الحادة لا تختلف لديه عن الهادئة، ولكننا في صالون زهرة وجدناه مختلفاً، كوميديان خفيف الظل، وجه معبر، عيون تفرح وتحزن وتكذب وتحتال وتحب وتفضح، أدى شخصية أنس المحتال الذي يعمل في تهريب الأموال، كما لم يمثل من قبل. وعندما يذهب هذا الأنس لاسترداد كرسي وصل بالخطأ إلى صالون زهرة وهو محشو بالدولارات بهدف تهريبها، يلتقي زهرة صاحبة الصالون ويمثل عليها الإعجاب بها والوقوع في غرامها حتى يسترد الكرسي، ولكن التمثيل يتحول إلى حقيقة ويعجب ويحب، وبعد افتضاح أمره تتخلى عنه، حتى يأتيها نادماً فتغفر له نتيجة صدق أحاسيسه ومشاعره تجاهها.

أما نادين نسيب نجيم، فقد جاء مسلسل (صالون زهرة) ليرسخ نجوميتها ليس على خريطة الدراما اللبنانية السورية المشتركة فقط، ولكن على الخريطة العربية بعد أن حجزت لنفسها مكاناً مميزاً بين نجمات التمثيل العربيات، وأصبح لها جمهور ينتظر أعمالها في مختلف الدول العربية.

نادين، بدأت شهرتها تخرج عن الحدود اللبنانية منذ عام 2017، عندما تألقت في مسلسل (الهيبة)، وتوالى تميزها في (طريق) و(خمسة ونص)، وفي رمضان الماضي صعدت إلى القمة من خلال مسلسل (2020) والذي جسدت فيه شخصيتين متناقضتين، نقيب الشرطة سما التي يتم اغتيال شقيقها الضابط خلال إحدى مداهماته لعصابة ترويج مخدرات، وتقرر الانتقام له بقبول التنكر في شخصية (حياة) الفقيرة المعدمة الهاربة من اعتداءات شقيقها البدنية عليها إلى الحي الذي يسكنه صافي تاجر المخدرات ووالدته، وتنجح في اختراق حياة صافي والاستحواذ على حب والدته ثم ثقته وحبه، حتى تفضح أمره وتتوالى الأحداث.

نادين تألقت في الشخصيتين، ووضعت المشاهد في حيرة، فهو متعاطف مع نقيب الشرطة سما في قضيتها ضد تجار المخدرات، وأيضاً متعاطف مع حياة وحبها المتبادل مع صافي (قصي خولي)، ولعل هذا هو قمة النجاح لفنانة (نهنهت) المشاهدين وأمتعتهم أداءً وتعبيراً.

نادين، غيرت جلدها تماماً، ويبدو أنها جربت مدى صلاحيتها للأداء الكوميدي في (2020) من خلال بعض المواقف الكوميدية التي قدمتها، وبعد أن نالت ثناء الناس والنقاد قررت أن ترسخ نفسها فنانة كوميدية في (صالون زهرة) بجانب قدراتها في الأداء التراجيدي أملاً في أن يُنظر إليها كفنانة شاملة تجيد كل أشكال الإبداع التمثيلي، وذلك من خلال شخصية زهرة، الفتاة الشعبية التي يسعى إليها الرجال ولكنها لا تلتفت إليهم بعد أن تلقت طعنات منهم، وقررت اسقاطهم من أجندتها والتفرغ لإدارة الصالون النسائي الذي تمتلكه، حتى أصبحت امرأة متمردة على أنوثتها، حامية لصديقاتها، ومدبرة لأمور شقيقها وجدها، ومتصدية لعنف زوج شقيقتها معها ومع بناتها، ومسقطة والدها من أجندتها بعد ارتكاباته في حقها وحق أشقائها وحق والدتها المتوفاة، لتصبح صورة للمرأة المسترجلة التي يسعى إليها الرجال وتخشاها النساء، حتى تقع في غرام أنس المحتال.

الكوميديا في المسلسل، كوميديا موقف كتبتها نادين جابر ضمن النص، ولكن نادين أضافت إليها التوابل التي تثير ضحك الجمهور وتزيده استمتاعاً.

(صالون زهرة) بداية انطلاقة جديدة في حياة بطلته نادين نجيم التي أصبحت من نجمات الصف الأول عربياً وحققت في مجال التمثيل ما لم تحققه فنانة لبنانية قبلها، كما أنه بداية مرحلة جديدة لمعتصم النهار تحوله إلى نجم مقبول عند الجمهور بعد أن كان مرفوضاً عند قطاعات منه.

[email protected]

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.