أسرار الحزن الكبير على دلال وسمير
بقلم : محمود حسونة
الموت حق على الجميع، وكلنا سنغادر دار الفناء إلى دار الحق، وموت المشاهير يكون أحياناً مجرد خبر تتناقله وسائل الإعلام، ونادراً ما يخلق حالة حزن يعيشها الناس، ويوجعهم موت هذا أو ذاك وكأنه واحد منهم، من أهلهم، من أحبابهم، وهو ما لمسناه بعد وفاة نجم الكوميديا الراحل سمير غانم، وأرجع الكثيرين السبب إلى قدراته الخاصة على إسعاد الناس وتفريغ الطاقات السلبية بداخلهم وإفراغ همومهم عبر الضحكات والقهقهات التي انتزعها من قلوب الملايين، وعلى البسمات التي رسمها على وجوه، رسم عليها الزمن ملامح العبوس.
قبل مرور ثلاثة أشهر على وفاة سمير لحقت به زوجته دلال عبدالعزيز، ليعيش الناس نفس حالة الحزن، ورغم أنها كانت واحدة من متميزات جيلها إلا أن هذا القدر من الحزن يؤكد تجاوزه تقديرهما فنياً، وأن وراءه أسباب إنسانية، وتقدير خاص لهذا الثنائي، وللأسرة التي تشاركا سويا في تكوينها لتخطف مشاعر الناس وتستحوذ على حب الكثيرين كما لو أنها أسرة كل إنسان بكاهم ورثاهم وحزن عليهم.
أسرار الحزن الكبير على سمير ودلال عديدة، ومن يتأملها يمكنه أن يستخلص منها دروس وعبر، وعلى رأسها أن الهجوم الذي يتعرض له الفن وأهله على مواقع التواصل الاجتماعي يصدر عن فئة قليلة أصابها التطرّف بخلل عقلي ودفعها للتجاوز على الفنانين ووصف الفن بأفظع الصفات، والغريب أن من يتأمل بوستات هؤلاء الشتامين يدرك أنهم الأكثر مشاهدة للأعمال الفنية والأكثر متابعة لحياة الفنانين، فهم يعرفون عنهم الكثير من التفاصيل ويلاحقون أعمالهم وأخبارهم، وهو ما يعكس أن تجاوزاتهم غالباً ما لا تكون لأسباب دينية كما يدعون، وغالباً ما تكون غيرة من قبل عناصر فاشلة وعاجزة عن تحقيق ذاتها.
أسرة سمير غانم من الأسباب الأساسية لحالة الحزن على نجم الكوميديا وسيدة الدراما، فهي بالنسبة للكثيرين الأسرة النموذج التي يحلم عشاق الفن أن يسير على هديها الفنانون وأن تكون لهم نموذجا، فهي الأسرة المستقرة التي جمع بين زوجيها حب لم تهزه عواصف الحياة ولم تبدله مغريات الشهرة في وسط لا يعرف الاستقرار الأسري ويبدّل بعض عناصره في علاقاته وزيجاته كما يبدل في ملابسه، ليضعون أنفسهم وغيرهم في محكمة الجمهور التي لا تغفر الخطايا ولا تقبل سوى أن يكون الفنان مثل أعلى، أو لا يكون له وجود على الخريطة.
ولأن المرأة هى صاحبة التأثير الأكبر على الأسرة، بها تصلح وبها تفسد، فقد كان لدلال عبدالعزيز إرادة حديدية في تكوين أسرة فنية نموذجية، مثلما كانت بعد لقائها الأول مع سمير غانم صاحبة إرادة قوية في الارتباط به وتغيير قناعاته الغارقة في الإضراب عن الزواج، بعد أن وقعت في غرامه، ليتغير ويصبح رب أشهر أسرة فنية مستقرة بعد أن كان أشهر عازب في الوسط الفني، أحبته وتزوجته وربطت مصيرها بمصيره حتى الموت لتعجز عن الاستمرار في الحياة بعد وفاته، حتى وهي لا تعلم بانتقاله إلى عالم البقاء.
سمير غانم عبر عن ارتباط دلال الشديد به في أحد لقاءاته التليفزيونية عندما قال (دلال دائماً ورايا، مش عارف أخلص من مطاردتها، لما كنت باروح مسلسل بره مصر كانت بتقعد تلف وتدور عشان تيجي في نفس المسلسل أو في مسلسل ثاني بيتصور في نفس البلد، المهم تيجي ورايا) وها هى تؤكد كلامه في الموت أيضاً فكان قدرها أن تلحق به وتذهب وراءه.
بعض الناس يسيئون إلى أهل الفن ويعتبرونهم أهل دنيا وبهرجة وفتنة وضوضاء، ولا يتعاملون معهم على أنهم بشر مثلنا، يؤمنون برسالتهم، وبينهم الصالح والطالح، ومنهم من يفعلون الخير ويؤدون الواجب أكثر من أدعياء التدين ومن ينصّبون أنفسهم حراساً للدين، وسمير ودلال كانا ممن يسعون إلى الخير سعياً، وقد تناولت بعض ملامح هذا الجانب في سمير في مقال عقب وفاته، أما دلال فالمعروف عنها أنها سيدة الواجب التي لا تترك زميلاً في محنة إلا ووقفت بجانبه مؤازرة وداعمة، ولا تترك أحد أصيب بمرض إلا عوّدته مراراً، ولا تترك جنازة إلا وكان من يتقدمون الصفوف لتخفيف آلام أهل الميت، ومن آخر أفعالها الإنسانية التبرع لعلاج الفنان شريف دسوقي، وهو ما كشف عنه الفنان أشرف زكي نقيب المهن التمثيلية في أحد البرامج التلفزيونية: (إحنا عندنا جروب على الواتس أب اسمه ساعدوا زملائكم، والنقابة قدرت تتحمل علاج عدد كبير من الفنانين، والفنانة دلال عبدالعزيز وابنتها دنيا سمير غانم أول فنانتين تبرعتا للفنان شريف دسوقي).
قد يكتسب الفنان إعجاب الناس من عمل فني متميز، ولكنه يكتسب حبهم ويستحوذ على مشاعرهم من أعماله الخيرية ومواقفه الإنسانية، وعندما كانت دلال بالمستشفى روى حسن الرداد زوج ابنتها إيمى موقفاً عبر (تويتر) ونشر صورة لمدون يدعى مينا غطاس كان برفقة والدته قبل دخول العمليات وكتب عليها: (امبارح أمي قبل ما تخش تتجهز عشان العملية بدل ما تدعي لنفسها فضلت تدعي لدلال عبدالعزيز، إحنا في البيت بنتعامل مع دلال عبدالعزيز كأنها خالتنا، ربنا يشفي دلال ويكمل شفا أمي).
وما لا يمكن إغفاله، هو أن سمير ودلال ربيا ابنتيهما دنيا وإيمي على القيم والمبادئ التي كانت سببا في حب الناس لهما منذ بداية رحلتهما مع عالم الأضواء، ولأن الناس يدركون فداحة الألم والوجع عند هاتين الفتاتين، فقد كان التعاطف معهما كبيراً، والاحساس بمصابهما بفقد الوالدين خلال أقل من 80 يوماً عظيماً، وذلك بجانب أنهما من العناصر الفنية الشابة الأكثر تميزاً بين نجمات اليوم.
السر وراء حالة الحزن الكبيرة على سمير ودلال إنسانية قبل أن تكون فنية، فجميعنا ندرك أن الإنسان سيرة، وسيرة هذين الزوجين الرائعين ستظل ماثلة في الأذهان وسيظل لهما مكان في قلوب عشاق فنهما والمعجبين بهذه الأسرة النموذج .. رحم الله دلال وسمير وألهم دنيا وإيمي وكل أحبابهم الصبر والسلوان وأكثر من نماذج هذه الأسرة بين فنانينا.