رئيس مجلس الادارة : محمد حبوشة
رئيس التحرير : أحمد السماحي

المواجهة الصعبة بين مني زكي ومحمد ممدوح في (لعبة نيوتن)

كتب : محمد حبوشة

منذ أول أيام عرض مسلسل (لعبة نيوتن) أثبت أنه عمل خارج الصندوق، حيث يتمرد على التقليدية الدرامية والقوالب المتوقعة، فالسيناريو كبناء فني قائم على التقاطع، فقبل أن تبدأ الحلقة ترى مشهدا يوحي بالعديد من الأسئلة المحتملة، ويفتح أكثر من قوس، ثم مع تتابع المشاهد تصل إلينا بعض الإجابات ونغلق عددا من الأقواس، وتبقى الأخرى مفتوحة حتى الحلقات التالية، ويبدو ملحوظا أيضا أن دائما هناك عمق تاريخي لكل مشهد نعيشه مع (منى زكي) في نيويورك، حيث تعود للزمن الماضي للقاهرة في نفس اللحظة لتعيد قراءته بناء على المعلومة الجديدة التي قدمها السيناريو.

مني زكي برع في أداء استثنائي يعبر عن المرأة الضعيفة برغم أنها تحمل ماجستير، إلا أنها لا تملك أسلحة في يدها تؤهلها للانتصار في معركة الحياة، أو هكذا تتخيل ونتخيل نحن أيضا كمشاهدين، فالتجربة العملية أنضجتها، واكتشفت أنها تملك الكثير، لتثبت أن الإنسان عند المواجهة الحاسمة يفاجأ بأن لديه قوة كامنة لم يكن يدري بها أو عنها شيئاً، وبرع المؤلف والمخرج تامر محسن في صناعة أحداث تتحرك بحرفية ومهارة بحيث أنه في كل مشهد يسير وفق ميزان من ذهب، لا يتحمل إيحاء غير مقصود أو همسة عابرة، أو نظرة بلا هدف، وهكذا توافقت الدراما مع كل أبعاد ما هو مرئي ومسموع.

أفيش مسلسل “لعبة نيوتن”

تسكين الممثلين أهم ما يتميز به المخرج؛ منى زكي لا بديل لها في هذا الدور، وكأنه كتب من أجلها، فهي بالنظرة واللمحة وحتى التلعثم، في اختيار المرادف بالإنجليزية، بينما حصيلتها اللغوية محدودة، ونجحت منى في معايشة الشخصية التي تحمل ضعفا نفسيا، فهي طوال الوقت بحاجة إلى من تتكئ عليهم، خرجت من وصاية الأم إلى وصاية الزوج محمد ممدوح، ونضجت فبدأت في مقاومة وصاية محمد فراج، وربما ظهرت تلك الوصاية بشكل كلبير في مشهد المطار مع الحلقات الأولي، لحظة وصولها إلى نيويورك في بداية الرحلة كانت تنتظر التعليمات من زوجها محمد ممدوح.

ملاحظة مهمة: قدمت كثير من الأعمال على أنها تدور في الولايات المتحدة، وبعضها يعتمد على مشاهد سريعة في أماكن متفرقة بالشوارع الأمريكية أو تصوير داخلي يحاول الوصول بالمشاهد إلى الإيهام أن الأحداث تقع فعلا هناك، ولكن المختلف في (لعبة نيوتن) هى أدوات المخرج الذي ينظر لها أنها مهمة، وعليه فقد عمد إلى أن يشعر الجمهور بالألفة بينه وبين المكان، فليس المهم فقط جانب الحكاية والدراما، في العمل، لكن العناصر الأخرى لها أهميتها، لذا لجأ (تامر محسن) لتفعيل المكان بالشكل الجيد والمناسب للأحداث، كما أن يكون المكان لأنه يكون مرتبطاً بشخصيات العمل، بل يعتبر (تامر) أكثر تميزاً عندما عمد أن يزيد من أهمية المكان لزيادة فعالية الدراما، لأنه عندما يرتبط بالشخصية ويعبر عنها أكثر فإنه يساعد الدراما ويعطيها قوة أكثر، بحسب ما ذكر في كتاب (الدور الاتصالي للمخرج في العمل الدرامي التلفزيوني)، من تأليف أشرف فالح يوسف الزعبي

ومن هنا فقد حرص (تامر محسن) على تصوير العمل بالفعل في شوارع ومنازل ومطاعم الولايات المتحدة الأمريكية، بل وتوظيفها في كثير من الأحيان للتعبير عن الحالة النفسية وشخصية البطل، مما يمكن المتفرج من رسم صورة قريبة من الحقيقة لشكل الحياة في أمريكا، وظهر أكثر من مشهد لشخصية (هنا) في الطرقات السريعة ووسائل المواصلات بين الولايات، ومن أبرزها، في سيارة الشاب الأمريكي من أصل مصري (ذيي)، عند رحلتها إلى صديقتها المصرية ظنا منها أنها ستساعدها، وهو مشهد مهم في علاقة البطلة بالشاب وبداية التعارف بينهما، وتم تصويره على الطريق إلى كاليفورنيا في الحلقة الثانية.

كما تصحبنا كاميرا تامر محسن مع أداء رائع من جانب (منى زكي) في حالة الذعر والخوف التي تنتاب (هنا) أثناء بحثها عن وسيلة تعود بها إلى المطار من كاليفورنيا، فنرا هنا في محطة القطارات وأيضاً تسيير في الشوارع حتى تصل إلى طريق سريع آخر، وتجلس في حالة من الانهيار التام، وأخذت قرار بالعودة إلى مصر ولكن لا تعرف كيف تصل إلى المطار، وللمرة الثالثة تجلس (هنا) في الشارع تبكي ولا تعرف أين تذهب بعد أن فقدت موعد الطائرة، وجميع المشاهد بفضل تجسيدها الحي ساهمت في إضافة شعور بالخوف مما تعانيه بمفردها وسط هذه الأماكن المتسعة، وبعد استقرار الوضع لها وسكنها مع (ذيي) تخرج إلى الشوارع لتتجول والمولات الكبرى، وجميعها أماكن تصوير خارجي، رأينها من خلالها شكل الحياة في أمريكا.

ربما ساعد هذا التنوع على خلق صورة غير مملة ورتيبة للمشاهد الذي يصاحب البطلة في رحلتها الشاقة في الولات المتحدة، لأن أهمية المكان تبرز من خلال الإنجاز والفعل وطريقة التعبير عن هذا المكان أو ذاك ومن ثم فهمه بمعنى أننا نثير دلالات ومعاني المكان من خلال تجسيد الحدث المعروض فوقه واستغلاله بشكل يخدم الهدف الذي يٌسعى إلى تحقيقه.

وبجانب الأداء الاحترافي والاستثنائي الذي استخدمت فيه منى زكي تكنيكا خاصا جعلها البطلة التي تحتل الصدارة النسائية في هذا الموسم الرمضاني المفعم بعمل درامي خارج الصندوق، يأتي الأداء العذب وبحرفية من جانب الفنان محمد فراج أن يجعل من شخصية الشيخ (مؤنس) الترند الأبرز خلال الموسم الرمضاني لعام 2021، من حيث الحركة والدلالة والإيماءة وحتى في لحظات صمته وعجزه عن الإجابة السريعة لأسئلة (هنا) التي تعبر عن التوتر والقلق والعجز، ومن ثم فقد تفاعل الجمهور مع شخصية الشيخ (مؤنس) واعتبرها شخصية من الواقع تعايشوا معها من قبل، ونجح (فراج) في الوصول بالشخصية إلى درجة كبيرة من الإتقان جعلت الجمهور يصدقها حتى في أبسط الأشياء وهو مظهر الشخصية.

وشيئا من هذا القبيل نجده عند محمد ممدوح الذي لعب دور(حازم) على مستوى الجسد، الصوت، ليظهر كينونة الممثل بداخله، وهو ما تطلب منه أساليب مختلفة في الأداء وتوافرت لديه مهارات مختلفة كانت في خدمة تلك الأدوات، وتحقيق مبدأ أن يكون الممثل نفسه (أو بعبارة أخرى مبدأ استخدام الذات) ليس بالسهولة بمكان، فهو يعني أن يكون مقبولاً لدى الجمهور، أو أن يكون لديه ما يسمى بـ (الحضور) وهو نوع خاص من الجاذبية التي تمتع بها (ممدوح) بدرجات مختلفة، ومن هنا فقد نجح في قدرته على تحليل الشخصية، ظروفها، علاقاتها بالشخصيات الأخرى، تحليل البيئة التي خرجت منها الشخصية والتي تحيط بها، تحليل دوافع الشخصية والضغوط التي تمارس عليها والصراع الذي تشتبك فيه مع الأشخاص أو الأشياء أو الظروف، وهو ما أثبت من خلاله أنه ممثل قادرا على أداء دوره مرات ومرات من دون أن يفقد حيويته.

أما الفنان القدير (سيد رجب) فهو يؤكد نظرية: إن (هناك طرقًا كثيرة لتعريف الممثل أو وصفه، لكن تكاد تتفق كلها على أن الممثل يكون أشبه بالساحر الذي يبني صوراً إيهامية / خادعة بغرض أن يوحي بواقع ما)، وقد ظهر شيئا من ذلك في تجسيده لشخصية (بدر) بحيث أكد أن الممثل يكون – بشكل أو بآخر-  نصابا) أو محتالاً يجيد عمله، والساحر يعتبر نصابا بشكل ما! ويعتمد الاثنان – الساحر والنصاب – على التظاهر والكذب والتصنع وانتحال شخصية أخرى أو تحويل شيء أو شخص إلى شيء آخر أو شخص آخر، لكن تحتم عليه قواعد اللعبة أن يتظاهر بصورة توحي بالأمانة، وأن يكذب بشكل صادق، وأن يتصنع بصورة مقنعة، وأن ينتحل – أو يحاكي – الشخص الآخر بشكل يقترب من الواقع.

إبداع (سيد رجب) كما بدا لي في مسلسل (لعبة نيوتن) هو في قدرته – بحكم خبرته الطويلة كممثل مسرحي – على استمالة (حازم) وإغوائه بطرق ملتوية، وجذب الجمهور إلى ما يفعله أو يحس به تجاهه، فنجد أن هناك قدرا من الإقناع، وقدرا من الإغواء! وهذا يعني أنه استخدم (رجب) أحيانا شخصيته هو في محاولة الإقناع والإغواء أيضا، ومن ثم يستخدم أسلحته الشخصية بعد مزجها بأسلحته هو، وعلى الرغم من الجدل المستعر بشأن هذه النقطة (استخدام الممثل لذاته في إقناع المتفرج) يكون الحق بالنسبة إليه في استخدام الذات هو الأساس المؤكد الوحيد المعبر عن الذات، وهو المطلوب في التمثيل (الصحيح) أو المؤثر.

وللإنصاف فإن المؤلف الموسيقي العظيم تامر كروان؛ صانع موسيقى مسلسل (لعبة نيوتن) برع في توظيفه المتقن للمقامات بتنويعاتها المختلفة وبحساسية مرهفة قام بتوفير التأثير النفسي ووضع المشاهد في حالة توحد مع الشخصية، ما جعل (منى زكي) قدمت دور كبير وسببت للمشاهد شعورا بالتوتر طوال الوقت، وظني أن العناصر الخمسة (الأداء والإخراج والتصوير والديكور والموسيقى) صنعت من هذا المسلسل (أيقونة درامية) من طراز رفيع ومختلف، وقد وفرت أكثر من (ماستر سين) عبر حلقات الـ (24)، لكني أتوقف أمام مشهد المواجهة الصعبة بين (هنا) و(حازم) في قسم الشرطة باعتباره (ماستر سين) الحلقات إجمالا، حيث جاء على النحو التالي:

هنا تجلس في انتظار حازم ووجهها يحمل علامات القلق والتوتر
حازم يعدل من هندامه قبل لقاء هنا

الكاميرا ترصد حالة الترقب المصحوبة بالتوتر والقلق من جانب (هنا) وهى تجلس في إحدى طرقات قسم الشرطة، وفي تواز معها تتحرك الكاميرا نحو الطرقة التي يأتي من خلاها (حازم) وهو يعدل من هندامه مبتسما ابتسامة خفيفة تدل على شوقه الجارف لزوجته العائدة لتوها من أمريكا.

حازم يحتضن هنا في لهفة وشوق

يدخل (حازم) في حضن (هنا) وهو يردد بتنهيدة كبيرة: وحشتيني .. وحشتيني قوي يا هنا .. مكنتش متخيل إني حاشوفك تاني .. ثم يرجع خطوة للخلف قائلا: انتي اتحجبتي؟! .. عمري ما شفتك بتفكري في الحجاب .. يقبل يديها وهو يردد في ندم : سامحيني أنا عرفت تعبتي أد ايه بره .. بس والله كنت جايلك انتي وإبراهيم .. يوميئ بعينيه سائلا هنا : هو إبراهيم فين؟ نفسي أشوفه قوي.

سامحيني يا هنا
حازم يمسك بيدي هنا في تشبث وحنين جارف

…………………………….

(تأمل مشاهد منى زكي التي لا تنطق بكلمة واحدة لكن عينيها عبرتا بدقة متناهية عن حالة الخوف والتوتر والاضطرال التي أصابتها)

…………………………….

هنا تزرف الدموع ولا تقوى على الرد

 تنساب دموع على أثر سؤال (حازم) عن (إبراهيم) ولا تقوى على الرد.

حازم يلحظ التوتر على وجهها: إبراهيم كويس صح؟

هنا تهز رأسها وتجيب بأهة مكتومة.

حازم: متعيطيش .. حقك عليا .. أنا مش عايزك تزعلي من أي حاجة قولتهالك بس والله كان غصب عني .. أنا مكنتش أعرف ان فيه قضية والله ما كنت أعرف، ويحاول التشبث بيدي هنا!.

هنا في تردد وتوتر وبكاء بعد أن أفتلت يديها بصعوبة : حازم .. آآآآآآه ..!

حازم  يقاطعها قبل أن تبدأ الكلام: أنا حاخرج خلاص حاخرج .. إن شاء الله حاروح على النيابة وحاعمل معارضة وحاسدد الشيك .. حابيع العربية وأسدد ثمن الشيك مش حيصل حاجة .. حاعوضك عن كل حاجة .. المهم انك رجعتيلي بالسلامة .. متعرفيش حصلي ايه من غيرك.

حازم أنا اتجوزت !!

هنا تلقي بصدمتها الموجعة في وجه حازم ببكاء مصحوب بالتوتر: حازم أنا اتجوزت.

حازم في استنكار: ما سمعتش.

هنا: اتجوزت حد تاني.

حد تاني ازاي .. دا انتي مراتي

حازم: حد تاني ازاي .. دا انتي مراتي؟ .. ثم يصرخ بأعلى صوته : ردي عليا.

يدخل عسكري الحراسة الواقف على الباب قائلا : ما نوطي صوتنا شوية.

هنا: إنت طلقتني وعملت محضر!!.

حازم: محضر ايه كا أنا كلمتك علشان نتصالح وأرجعك.

هنا: بس العدة كانت خلاص.

حازم: عدة ايه .. معداش 3 شهور.

هنا: لا كانوا عدو .. بعد الولادة .. تنقضي بالولادة.

حازم: ولادة إيه .. مين اللي فهمك الكلام ده  .. انت مراتي وأنا رديتك.

هنا: ده شرع ربنا.

حازم: شرع مين؟ وحتى لو خلصت انتي كمان ما صدقتي يا فاجرة.

هنا: لا والله العظيم .. والله مافيه حاجة حصلت إحنا كتبنا الكتاب بس.

حاقتلك يا وطية يا بنت الكلب

حازم: بس مين الوسخ اللي عمل كده؟ .. هو مؤنس .. صح .. اشتراكي بفلوسه .. ثم فقد السيطرة على نفسه وحاول أن يشدها من يده قائلا : هو الكلب ده صح .. وحاول أن يفك قيده من الذين أمسكوا به صارخا : أوعى .. ووجه كلامه لهنا قائلا: والمصحف لوديكوم في داهية .. ححبسك .. والمصحف لاحبسك .. حجيبك تحت رجلي زي زمان ياواطية يا بنت الكلب .. حاقتلك يا هنا .. حاقتلك ياواطية.

عندئذ ينتهي مشهد الـ (ماستر سين) الذي يعد الأكثر في نوعية التراجيدي السوداء في حلقات المسلسل كله.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.