رئيس مجلس الادارة : محمد حبوشة
رئيس التحرير : أحمد السماحي

(أوبرا حسب الله)

بقلم : محمد شمروخ

من الآخر بدون لف ولا دوران أقر وأعترف وأنا بكامل قواي العقلية وبدون إكراه أو إغراء أو تهديد أو وعد أو وعيد أن هذا الجو الموسيقى لا يروقنى ولا أستسيغه ولا بينزل لي من زور أساساً.

وكان نفسي إن السيد الموسيقار مؤلف موسيقى العرض التاريخى الممتاز  أن يكسر حدة هذا التكثيف الراقي بأي شيء من طين هذه الأرض ولو بالمزمار البلدى أو الأرغول أو السمسمية أو حتى مزيكة حسب الله

فالتراث الموسيقى المصري الشعبي مفعم بالكنوز لمن أراد أن يغوص ويكفى أنه كان لنا تراث موسيقى من الأفراح أو حتى جنائزى لم يكد أحد إليه يد حتى اندثر أو كاد بين أيدينا فقط لأنه نبت من الطين مباشرة، ولم يأت بعد سيد درويش من يستخرج لنا منه ما أخفاه من اللآلئ والدرر  المطمورة  في أعماقه.

حقا كانت الألحان راقية في عشية الموكب، لكنها فقط تناسب ذوق السادة أصحاب البيبيونات السوداء ولا تهتم بأصحاب بدل المحلة ولا الجلاليب البلدي,

كنت انتظر أن تأتى الموسيقى لتخاطب كل الشعب المرصود أمام شاشات التلفزيون بكل فئاته وثقافاته المختلفة يضعون أيديهم على قلوبهم خوفا مما قد يعرض الصفو منذ خروج المومياوات من متحف التحرير وحتى متحف الفسطاط

حقا كان أداء الموسيقيين لا سيما المطربات الثلاثة وخاصة ريهام عبد الحكيم أكثر من رائع.

العزف، التوزيع، حتى التصوير ودوران الكاميرا بين الوجوه والآلات، لكنى لم أجد مصر في الموسيقى التى ألفت خصيصا لتحية أكبر وأشهر ملوك مصر القديمة.

أما أغنية إيزيس التى تم أداؤها باللغة الفرعونية كما قيل، فكانت أيضا تحوم موسيقى وغناء في أجواء الألحان الأوروبية وليست المصرية ولا العربية ولا الشرقية.

لماذا؟!

لأننا ربطنا ادرجة رقي الموسيقى بالموسيقى لأوروبية المهيمنة على العالم وفرضت نفسها كنموذح الموسيقى الراقية، ولتكن راقية كما تشاء لكنها على رقيها المزعوم لا يروقنى.

حتى الربابة عندما ظهرت في العرض وقعت تحت سطوة اللون الغربي وبدت غريبة ذات صوت مختنق، ولا أقلل من قديمة ما حدث من الإبهار والعظمة التى لا تنكر.

(على الأقل علشان ما بلقاش فيها سين وجيم)، ولكن ستبقى ذكرى الحدث العظيم هى المسيطرة وأما الموسيقى فسينساها الناس ما عدا أصحاب البيبيونات الذين لا نلوم عليهم علو مقامهم.

ولكن من حق هذا الشعب الذي يعيش على الأرض نفسها التى نشأت عليها هذه الحضارة العظيمة أن يجد ما يعبر عنه موسيقيا بعد أن تركه كبار الملحنين الحاليين – فبما عدا الأستاذ حلمى بكر الصارخ في البرية بدون أن يلقى استجابة حقيقية – نهبا للنشاز وموسيقى المهرجانات الصاخبة.

إنها عقدة الخديو إسماعيل الذي أراد أن يرتقى بالفنون المصرية فبنى الأوبرا استقدم الموسيقيين العالميين وعلى رأسهم الإيطالي فردى وتم تأليف أوبرا عايدة خصيصا بمناسبة احتفالات افتتاح قناة السويس في حضور ملوك وحكام الأرض، ولكن لم يبق من عايدة في أذهان الناس غير اسمها ولم يبق من الأوبرا غير ميدان وجراج وتمثال أبو أصبع.

أما لو سالت أي شخص حتى من هواة الأغانى والموسيقى العربية عن أوبرا عايدة فسيقابلك بالسخرية منها فهى غير قابلة للائتلاف مع أذواق المصريين الذين عشقوا موسيقى سلامة حجازى وداود حسنى وسيد درويش وبعدهم قائمة طويلة ثرية تضم عمالقة نبغوا في الموسيقى العربية، ولم يتوانوا عن تطعيمها وتطويرها من روافد أخرى فلم يجمدوا أعمالهم الموسيقىة أمام ما يرد إليهم من موسيقات أجنبية شرقية أو غربية.

لكن الروح المصرية ظلت سارية في موسيقاهم التى صنعوا بها أرشيف الموسيقى العربية ومازالت موسيقاهم تدوى في آذان الناس وعلى موجات الراديو، لكن للأسف لم أشعر بتلك الروح المصرية في الاحتفال العظيم – اللهم إلا في صوت ريهام عبد الحكيم وحدها –

فتلك الموسيقى خاطبت طبقة معينة تتنقل بين العواصم الأوروبية ومنهم من يسافرون خصيصا لحضور حفلات واستعراضات وأوبرات عالمية

ربنا يزيدهم ويبارك لهم – من قلبى والله – ولكن هؤلاء لا يمثلون أكثر من نصف في كل عشرة آلاف أما بقية المصريين فإن كانوا قد فرحوا من أعماقهم وصفقوا حتى كلت أيديهم لكن فقط لأن الحفل نجح في التنظيم والإبهار والتقديم الرائع لكن هل سيردد المصريون هذه الموسيقى؟

هل عبرت عنهم؟

هل ستنتشلهم من براثن المهرجانات؟!

عموما ستأتى مناسبات عديدة قد تحتاج ما سيعبر عنهم موسيقيا، ولعل كبار الموسيقيين المصريين يضعون في اعتبارهم ذوق وذائقة هذا الشعب السميع بامتياز على الرغم مما يوصم به ومن تدني الذوق.

ولعل أكثر ما أسعدني في موسيقى يوم الموكب المهيب هو استقبال الشعب لها بانبهار وإن كانت لا تعبر عن كل فئاته لكنه سعيد بأنه أبهر العالم وإن لم يرى نفسه في هذا اللون من الموسيقى!.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.