رئيس مجلس الادارة : محمد حبوشة
رئيس التحرير : أحمد السماحي

إحذروا : فيروس قاتل يضرب الدراما التليفزيونية

بقلم : محمد حبوشة

ظل صناع الدراما التليفزيونية لسنوات طويلة يركزون كل جهودهم على تقديم أعمال في موسم دراما رمضان في كل عام، وكان يعبر البعض عن اعتراضه على هذا الوضع، الذي يضع المشاهد أمام عدد كبير من المسلسلات فيصاب بالتشتت، ومن أبرز التصريحات التي صُرح بها قبل 20 عاما في هذا الإطار ما قاله الكاتب أسامة أنور عكاشة عام 2001 تحديدا، عندما أعلن عدم عرض مسلسلاته التلفزيونية الجديدة خلال شهر رمضان بعد أن لاحظ ازدحام الخريطة الدرامية بكم هائل من الأعمال الفنية التي تصيب المشاهد في نهاية الأمر بعدم التركيز حيث اختلط الحابل بالنابل.

وأضاف عكاشة في هذا الوقت معلقا على هذا الوضع: (يجب أن يتم إعادة النظر في خطط الإنتاج الدرامي بحيث توزع الأعمال الجيدة للعرض على مدى شهور العام وبذلك يرتفع مستوى صناعة المسلسلات ويحدث بينها التنافس بصفة دائمة بدلا من أن يظل ميدان السباق قاصرا على العروض الرمضانية فقط)، وبعد سنوات من حديث الراحل أسامة أنور عكاشة، بدأت بزوغ فكرة عرض مسلسلات بعيدا عن شهر رمضان، وكانت البداية مع مسلسل (سلسال الدم) لعبلة كامل، عام 2014، ولكن الإنطلاقة الحقيقية للفكرة كانت في 2017، حيث تم إنتاج العديد من المسلسلات مثل (اختيار إجباري، والجزء الأول من مسلسل (الأب الروحي)، ثم تلاهم في الأعوام الثلاثة الأخيرة مسلسلات (أبو العروسة، حجر جهنم، الطوفان، سابع جار، البيت الكبير، الأخ الكبير، ختم النمر، طاقة حب، قوت القلوب، خيط حرير، الوجه الآخر).

في كل أسبوع يوم جمعة .. تحرض صريح على القتل بأعصاب باردة

وقد ساهمت المنصات الإلكترونية التي دخلت على خط إنتاج وتقديم المسلسلات، في إنعاش حركة الإنتاج، مثل مسلسلات (الآنسة فرح، شديد الخطورة، إلا أنا، نمرة اتنين، دانتيل، دفعة بيروت، ماوراء الطبيعة، لا حكم عليه، في كل أسبوع يوم جمعة، DNA، أنا، في بيتنا ربوت، حلوة الدنيا سكر، إسعاف يونس)، وغيرها من مسلسلات تنوعت موضوعاتها مابين الرومانسي والأكشن، والخيانة، والرعب والخرافة والكوميديا ثقيلة الظل، في إطار محاكاة الدرامات العالمية التي تعرضها تحديدا منصة (نتلفليكس)، وبغض النظر عن اعتراضي الشخصي على تلك الموضوعات التي تصف نفسها بالجراءة والخروج عن المألوف بزعم مخاطبة الشباب بنوعيات من الدراما التي تناسبه بحيث تضم حلقات منفصلة لقصص متنوعة، ومن بطولة مجموعة كبيرة من النجوم من الصف الأول والثاني لكل قصة.

ضربة معلم زعيق وضجيج وعشوائية
في يوم وليلة .. سذاجة الفكرة وافتعال التراجيديا
لؤلؤ .. فبركة ومبالغة مصطنعة بشكل مستفز

ومن خلال متابعتي الدقيقة لكل هذه المسلسلات التي شاهدتها عن كثب في إطار فهم طبيعتها ورصد التغيرات التي طرأت على صناعة الدراما في منطقتنا العربية في ظل ظهور منافس إنتاجي جديد هو المنصات الرقمية، أحذر من انتشار فيروس قاتل استطاع أن يضربها كل تلك المسلسلات في مقتل على مستوى الترهل والمط والتطويل ناهيك على أداء يغلب عليه الاستسهال والتراخي في التقمص واللجوء إلى أسلوب الزعيق والانفعال الزائد عن الحد من جانب ممثلين ربما كانوا على درجة عالية الحرفية والمهنية، إلا أن أدءهم جاء مغايرا هذه المرة على نحو ينال من تاريخهم، حيث يبدأ المسلسل بحلقات لاتزيد عن (خمسة) تتمتع بقدر من السخونة في الأحداث ثم سرعان ما تنحرف عن المسار الدرامي في حبكته المعروفة بحيث تنحدر نحو التراخي والدخول في متاهات تشبه الأفلام الهندية، ومنها على سبيل المثال وليس الحصر (ضربة معلم، لؤلؤ، الدايرة، جمال الحريم، في يوم وليلة)، وهى مسلسلات تنتمي للاستسهال والسبوبة على حساب القيمة والمعنى.

الدايرة.. غرق في متاهات لاتنتهي

ربما يقول لي البعض أن هذه النوعية ليست جديدة على الدراما المصرية فطوال السنوات الماضية كانت هناك تجارب قليلة ولكنها كانت تفتقد الإبهار نظراً لضعف الامكانات والمؤثرات البصرية، ولكن مع التطور التكنولوجى شاهدنا أعمالا متميزة مثل (أبو العروسة، الطوفان، ختم النمر، لا حكم عليه) وغيرها حققت جذبا للجمهور مما دفع المنتجين لتقديم أعمال جديدة مثل (ما وراء الطبيعة) الذى عرض على نيتفليكس مؤخرا، و(عندما يكتمل القمر) أول مسلسل رعب خليجي على منصة (شاهد)، و(وادي الجن) على منصة (viu)، و(جمال الحريم) الذى عرض على dmc ؛ كما يجرى الاستعداد لتقديم أعمال جديدة خلال الفترة القادمة، منها (الغرفة 207) للكاتب تامر إبراهيم ومأخوذ عن رواية للراحل أحمد خالد توفيق، ومسلسل (شقه 6) بطولة روبى، والجزء الثانى والثالث من (زويادك) و(عمار البيت) و(قارئة الفنجان) الذي سيعرض خلال أيام.

ماوراء الطبيعة .. تخاريف لا ترقى إلى التشويق
زودياك .. توهيمات وخبزعبلات لاتجدي
عندما يكتمل القمر .. ما الفخر في أنه أول مسلسل رعب خليجي؟
أين (جمال الحريم) من تلك الخرافات

وبالطبع سيقول لك صناع  تلك الأعمال أن سر العودة القوية لتقديم تلك النوعية التى غابت طويلا، وستصبح موضه لا تنتهى، يعود إلى التقدم التكنولوجى وانجذاب الجمهور وترحيب قنوات العرض بها وهو ما سيجعلها دراما مستمرة، خاصة أن وجود المنصات ساهم فى تواجد أعمال الرعب والخيال العلمى، إذ أن القائمين عليها يسعون لاستقطاب شرائح مختلفة من الجمهور المعتاد، لذا فمن الطبيعى أن نقدم موضوعات جديدة وأنواعا مختفلة من الدراما، فتطور وسائل عرض الأعمال طور من ذوق المشاهد، وتلك شهادة حق يراد بها باطلا، فما جدوى صناعة مسلسلات تثير الرعب في نفوسنا وتغزي الخيال الذاهب نحو مواطن العبث ونحن بحاجة إلى واحات من الرومانسية والكوميديا النظيفة والظريفة التي تقوى مناعتنا تجاه مساحات السواد والقتامة التي تحاصرنا.

ومما لاشك فيه أن وجود المنصات يعتبر سبب رئيسى في انتشار ورواج دراما الرعب التي تعد نوعا آخر من الفيروسات القاتلة التي تلهب خيال الشباب الذين يسعون الى مشاهدة تلك النوعية من الأعمال التى تقدم فى مختلف دول العالم، لذا فقد تفهم ورحب بوجودها فى مصر مجموعة من كتاب يبدو أن تلك المحاولات كانت حلما بالنسبة لهم، وبدأ يتحقق وهم سعداء للغاية بالاهتمام بدراما الرعب مؤخراً، والغريب في الأمر أن نجاح مسلسلات الرعب على المنصات ساهم فى تواجدها على الشاشة الصغيرة التى تصل بها الى شريحة أوسع من المشاهدين، وطني أن وجود تلك الأعمال فى مصر شىء غير جيد للغاية وخاصة أنه تقليد مشوه لما يقدم فى دول العالم المختلفة.

أي سحر في بث الخوف في النفوس
كفر دلهاب .. درب من دروب الجنون الأولى

على جانب آخر يرى البعض أن وجود أعمال درامية تصنف كرعب ليس لها علاقة بظهور المنصات الإلكترونية، فتلك النوعية موجودة منذ فترة طويلة وكان أبرزها مسلسل (ساحرة الجنوب، أبواب الخوف، كفر دلهاب) وغيرها، ولكن تعدد قنوات العرض التليفزيونية والمنصات الإلكترونية جعلت هناك غزارة فى الإنتاج مما أدى الى وجود كافة أنواع الدراما، مؤكدين أنه حين يفكر المؤلف فى كتابة عمل قصير لا يلجأ  عادة الى الأعمال الاجتماعية والرومانسية بل المتخصصة مثل الأكشن والرعب، وقد ساهم في انتشار ذلك حدوث تطور كبير فى التقنيات والجرافيك خلال الفترة الماضية – فعلى حد قولهم – لدينا مبدعون فى مجالات الجرافيك والإخراج والتصوير يظنون أنهم يصنعون الرعب على غرار الدول الأجنبية.

ومن كل مامضى يتضح أن أعمال الرعب والتشويق باتت خيارات مفضلة لدى صناع السينما والدراما التلفزيونية العربية في الفترة الأخيرة، بعد أن لمسوا الإقبال الكبير الذي تجده هذه النوعية من الأعمال الفنية من الجمهور، والأصداء التي تحققها بين المشاهدين، ما يجعل الرهان على هذه النوعية من الأعمال مضموناً إلى درجة كبيرة، كما يعكس رغبة صناع هذه الأعمال في الخروج من الموضوعات الاجتماعية الرومانسية المكررة، وطرح موضوعات أكثر قدرة على جذب الجمهور من فئة الشباب واليافعين، ومن خلال متابعة آراء الجمهور وتفاعله مع هذه الأعمال، يظهر أن (مسلسلات الرعب والتشويق)، سواء التي عرضت على شاشات التلفزيون أو عبر منصات عرض رقمية، كانت أكثر جماهيرية من الأفلام السينمائية التي جاءت تحت هذا التصنيف الفني.

لقد سعدت كثيرا عندما شاركني الرأي السيناريست مدحت العدل السيناريست مدحت العدل في انتقاده لأسلوب صناعة مسلسل (ما وراء الطبيعة) المأخوذ عن سلسلة روايات تحمل نفس الاسم للكاتب الراحل أحمد خالد توفيق، وعرض مؤخرا على منصة (نتفليكس)، حيث قال (العدل) خلال مداخلة عبر تطبيق (سكايب) مع  برنامج (نقاش تاغ) المذاع على شاشة (سكاي نيوز عربية)، إن صناعة مسلسلات الرعب تحتاج حنكة ودراية وخبرة، موضحا أن هناك مخرجين تقتصر حياتهم على تقديم أعمال رعب خلال مشوارهم الفني، وأضاف أن المسلسل كان يحتاج إلى خبرة أكثر ورعب أكثر وليس مجرد الاعتماد على أشخاص شكلها يخوف، مشيرا إلى أن هذا الانتقاد لا يعني أنه ضد تجربة المخرج عمرو سلامة أو أي مخرج في تقديم أعمال الرعب، لكن هناك موضوعات وأفكار ملائمة أكثر.

ولأنه من النابهين في صناعة الدراما أكد (العدل) أنه متابع جيد للمحتوى المقدم على المنصات الجديدة  خلال آخر 3 سنوات مثل( نتفليكس وHBO) وغيرها لكسب مزيد من الخبرات، لافتا إلى أنه استفاد كثيرا منها قائلا: (مافيش مسلسل نزل على نتفليكس مشوفتوش)، وأوضح أن منصة (نتفليكس) أتاحت الاطلاع على ثقافات حول العالم ومشاهدة أفلام ومسلسلات لم تكن متاحة من قبل، لكن 50% من مسلسلات (نتفليكس) أقل من مستوى المسلسلات المقدمة على الشاشات العربية، موضحا أن هناك مستويات كثيرة ضعيفة وليست بالقيمة التي تخيلها البعض نظرا لحجم الإنتاج الضخم، وتابع أن من أسباب انتشار (ماوراء الطبيعة) عقب طرحه هو جمهور الكاتب أحمد خالد توفيق الذي يتواجد بالملايين، وكان لديهم حلم مشاهدة أعماله الروائية في أعمال درامية، بالإضافة إلى أن كتب الراحل (خالد توفيق) كانت تحقق الأكثر مبيعا بالنسبة لجيل كامل.

وأخيرا أستطيع القول بأنه من متابعاتي النقدية وجدت أنه قد تتعدد التفسيرات حول ظاهرة مسلسلات الرعب، فهناك من يرى أن هذه النوعية من الدراما تتماشى مع متطلبات السوق الحالي، وهناك من يقول إن الأمر ربما له علاقة بالذوق العام للجمهور في هذه المرحلة التي يكسوها الخوف أصلا ويحيط بها الرعب من كل جانب في حياتنا الطبيعية بفعل جائحة كورونا التي حبست كوكبا كاملا في المنازل، وفي زمن الكورونا، وتحديدًا عام 2020، أثرت تلك الجائحة على الفن بمختلف مساراته، لتصبح المنصات الإلكترونية منافسًا قويًا للفضائيات فى جذب الدراما وصناعها، ويصنع محتوى خصيصا للمنصات التي أصبحت لتقدم نوعا جديدا من الأعمال ذات الـ 7 أو الـ 10 حلقات، ولكني إحذر من فيروس الرعب القاتل الذي تحمله تلك الأعمال في ثنايا صناعتها الرديئة والتي حتما ستنحدر بشبابنا نحو حافة الهلاك.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.