رئيس مجلس الادارة : محمد حبوشة
رئيس التحرير : أحمد السماحي

ميرامار .. رائعة (يوسف شعبان) التي ظل يدافع عنها حتى رحيله

سرحان البحيري .. نصاب من طرلز مختلف

* نطق الفنان الكبير(يوسف وهبي) بعبارة (طظ) فى الاتحاد الاشتراكى وشهقت الرقيبتان، وانتفضتا من مكانهما، وأضاءتا صالة العرض، وأوقفتا عرض الفيلم!

* جلست رئيسة الرقابة مع زملائها يشاهدون الفيلم ويضحكون على قفشات (يوسف وهبي) وهم يتلفتون حولهم مخافة أن يطب عليهم وكيل الوزارة أو وزير الثقافة!

* الرئيس جمال عبدالناصر كلف (السادات) بمشاهدة الفيلم واتخاد القرار المناسب

* سمح السادات بعرض الفيلم بعد معاتبة الدكتورة (حكمت أبوزيد) وطلب حذف جملة

سرحان البحيري في لحظة تأمل

كتب : أحمد السماحي

طلبة مرزوق : عارف مين السبب فى كل المصايب اللى احنا فيها دلوقتى؟

عامر وجدي : مصايب ايه؟

طلبة : بلاش استعباط بقى!، المصايب اللى فى بلدنا.

عامر : مين؟

طلبة : سعد باشا! قعد يسب فى الملك!، ويشتم فى الإنجليز!، ويقول ثورة وديمقراطية علشان الناس تسقف، من ساعتها و الناس قاعدة تسقف على أى حاجة! وما بتعملش حاجة!.

هذا جزء بسيط من حوار شديد الأهمية والعمق والذكاء فى فيلم (ميرامار) أحد أهم الأفلام في مشوار النجم الراحل (يوسف شعبان) وأحد كلاسكيات السينما المصرية، وواحد من ضمن أهم مائة فيلم مصري، حيث جسد النجم الوسيم فى رائعة (نجيب محفوظ) دور الشاب الانتهازي (سرحان البحيري)، وأذكر أنني عندما أجريت معه حوار طويلا لمجلة (الأهرام العربي) عام 2001 إنني سألته عن انتهازية (سرحان البحيري) يومها انتفض وقال لي : على فكرة أنا اختلف معك يا (حمادة) فى اعتبار (سرحان البحيري) شخصا انتهازيا، بالعكس هو شاب مثل أي شاب يملك طموحات وأحلاما ووجهات نظر، لكنه يصطدم بواقع يسلب أحلامه ويدمر طموحاته، والدليل أعلى صحة وجهة نظري أنه قطع شريان يده وانتحر لأن بداخله انسانا شريفا إلا أن الظروف دفعته للانحراف.

وهذه الصيحة أو الصرخة أراد أن ينبه بها الكاتب الكبير (نجيب محفوظ) المجتمع كله من أن إهمالنا للشباب، وعدم إعطائهم دورا إيجابيا في المجتمع، وعدم توافر المستقبل الملائم لأحلامهم سيدفعهم إلى الهاوية، وهو ما حدث لسرحان البحيري.

زهرة وسرحان والحب المفقود
شادية مجسدة دور زهرة
يوسف وهبي في محاولة للتحرش بشادية

القصة

تدور أحداث فيلم (ميرامار) حول هروب (زهرة) من بلدتها الصغيرة بعد أن ضغطت عليها أسرتها للزواج من ثري عجوز، وتوجهت إلى مدينة الإسكندرية لتعمل في بنسيون صغير اسمه (ميرامار) لصاحبته (ماريانا)، وأثناء عملها في البنسيون تقابل شخصيات مختلفة الثقافة والفكر، منهم (حسني علام) الثري العابث الذي الذي فلت من القرارات الاشتراكية، ويحاول التقرب منها، وأيضاً (منصور باهي) الشاب المناضل المثقف والذي يحاول مساعدتها في تعلم القراءة والكتابة، كما تقابل (طلبة مرزوق) الإقطاعي الذي يحقد على الثورة وما جاءت به من قرارات، و(سرحان البحيري) الشاب الذي يعمل محاسباً في شركة نسيج وعضو إحدى النقابات الاشتراكية الذي يسعى لكسب حب زهرة، بينما يتقرب من امرأة أخرى للزواج بها، والكاتب الكبير (عامر وجدي) فضلا عن (محمود أبو العباس) بائع الجرائد والمجلات، وغيرهم من الشخصيات.

كانت وما تزال شخصية (سرحان) محيرة ففضلا عن خداعه لـ (زهرة) يوافق على الاشتراك بعملية تهريب لبضائع من الميناء لتحسين وضعه المادي، عاصفاً بأدراج الرياح كل مقولاته حول الاشتراكية وشكاوى العمال، في المقابل، هناك الوفديون والخاسرون لأمجاد الأمس والذين آلوا إلى البطالة أو الذين يعيشون على الحافة بين الفريقين، النموذج الواضح هنا هو (مصر/ زهرة) التى يتنازع عليها الجميع.

كواليس الفيلم

كشف الإعلامي (عمرو الليثي) فى أكثر من مقال له في جريدة (المصري اليوم) كواليس هامة جدا عن فيلم (ميرامار)، حيث قال فى مقاله الذى نشر عام 2017 : لن أنسى ما حكاه لى والدى المنتج والسيناريست الكبير (ممدوح الليثى) أنه فى آواخر عام 1969 كان المخرج الكبير (كمال الشيخ) قد انتهى من إخراج فيلم (ميرامار) الذى كتب له والدى السيناريو والحوار عن قصة أستاذنا الكبير (نجيب محفوظ) .

سرحان يستغرق في التفكير

حمل (المنتج جمال الليثى، والمخرج كمال الشيخ، ووالدى) نسخة الفيلم إلى مبنى الرقابة على المصنفات الفنية، استقبلتهم هناك السيدة العظيمة (اعتدال ممتاز) رئيس الرقابة، وأوفدت اثنتين من الرقيبات لمشاهدة الفيلم، وبعد مرور عشر دقائق من المشاهدة نطق الفنان الكبير( يوسف وهبي) بعبارة (طظ) فى الاتحاد الاشتراكى وشهقت الرقيبتان، وانتفضتا من مكانهما، وأضاءتا صالة العرض، وأوقفتا عرض الفيلم!.

 وأسرعتا جريا لرئيستهما تبلغانها بالكارثة وتبادلت الثلاث النظرات المشفقة على مصير الفيلم، بعدها بدقائق نزلت السيدة (اعتدال ممتاز) من مكتبها وتبعها كل الرقيبات والرقباء العاملين بالرقابة الذين صاروا يتسللون تباعا وفى وجوههم دهشة ووجوم مما سمعوه من الرقيبتين.

 وعادت أجهزة العرض تدير نسخة الفيلم من بدايته ولا تمر خمس دقائق إلا وتضىء السيدة (اعتدال ممتاز) لمبة الأباجورة التى أمامها لتسجل ملاحظة وظلت هكذا تضىء وتطفئ الأباجورة وأصبح المعدل كل دقيقتين، ثم نظرت إليهم وقالت الملاحظات كتير ولا داعى لإضاءة اللمبة، بعد ذلك لنتركها مطفأة ولنستمتع بالفيلم!.

وجلست مع جهاز الرقابة يشاهدون الفيلم ويضحكون على قفشات (يوسف وهبي) وهم يتلفتون حولهم مخافة أن يطب عليهم وكيل الوزارة أو وزير الثقافة، وفى نفس الوقت شاع خبر (طظ) فى الاتحاد الاشتراكى داخل مبنى مصلحة الاستعلامات الذى يعلو الرقابة، فهبط إلى الصالة عشرات الموظفين والسكرتارية يتلصصون على مشاهدة الفيلم، وهم غير مصدقين، فى نهاية العرض أعلنت السيدة (اعتدال ممتاز) قرارها وهو رفض الفيلم بالكامل!.

سرحان البحيري وزهرة في ميرمار
حسني علام وحديث مع منصور باهي

لجأوا إلى الأستاذ (حسن عبدالمنعم) وكيل أول الوزارة، وللوزير، وكان الرد الوحيد هو هذا الفيلم لا يستطيع أحد التصريح بعرضه غير الرئيس (جمال عبدالناصر)، واتصلوا بالأستاذ (محمود الجيار) سكرتير خاص الرئيس (عبدالناصر) وبالأستاذ (سامى شرف) سكرتيره للمعلومات وطلبوا منهما إرسال نسخة الفيلم لمنزل الرئيس (عبدالناصر) بمنشية البكرى.

أرسلوا النسخة وفى كل يوم يتصلون بـ (محمود الجيار وسامى شرف) ويسألونهما إيه الأخبار؟ وبعد عدة اتصالات جائهما الرد : الرئيس سيوفد السيد (محمد أنور السادات) لمشاهدة الفيلم، ووضعوا أيديهم على قلوبهم لابد أن هناك توجيهات ما أصدرها (عبدالناصر) لـ (السادات) بعد مشاهدته للفيلم ما هى؟ لا يعرفون، لم يكن قد بقى فى هذه السنوات مع (عبدالناصر) من رفاق مجلس قيادة الثورة غير اثنين هما السيد (أنور السادات والسيد حسين الشافعى)، ولم يكن (عبدالناصر) قد اختار أنور السادات نائبا له فى ذلك الوقت.

وقرروا فريق عمل الفيلم أن يكونوا جميعا فى استقبال السيد (أنور السادات) أمام مبنى الرقابة، وحضر (السادات) ومن خلفه السيد (شعراوى جمعة)، والدكتورة (حكمت أبوزيد) والكاتب (عبدالحميد جودة السحار) و(حسن عبدالمنعم)، وكبار قيادات الاتحاد الاشتراكى، وقبل أن يبدأ عرض الفيلم التفت الرئيس السادات إلى والدى وسأله أين نجيب محفوظ؟ وتلعثم والدى فى الإجابة، فقال له السادات بأسلوب أولاد البلد: اذهب هناك إلى قهوة سفنكس أو قهوة ريش ستجده جالسا، قل له: (أنور السادات عايزك).

وأرجأ السادات عرض الفيلم لحين حضور مؤلفه وذهب والدى إلى قهوة سفنكس ووجد الأستاذ نجيب وسأله بقلق: فيه حاجة؟ – أيوه أنور السادات عايزك.. عايزنى أنا؟ قوله مالقتوش رجع بيته بدرى. وحاول والدى مع الأستاذ نجيب مفيش فايدة!، عاد والدى للسيد (أنور السادات) وأبلغه كذبا أن الأستاذ (نجيب محفوظ) قد غادر المقهى مبكرا سيرا على قدميه كالعادة ولا يعرف أى طريق سلك، ولا إلى أين توجه، وهز (السادات) رأسه وأطفأت صالة العرض وبدأ عرض الفيلم.

محمود ابوالعباس متأملا زهرة وهى في طريقها للرحيل
نقاش ساخن بين طلبه مرزوق وعامر وجدي

لم يسمعوا همسا أو تعليقا أو مجرد ابتسامة خفيفة على حوار الفيلم أو أى تعبير قد يفضح رأى صاحبه، وقبل نهاية الفيلم بربع ساعة وحسب أحداث الفيلم اكتشفت (زهرة) والتى لعبت دورها الفنانة شادية أن (سرحان البحيري) عضو الاتحاد الاشتراكى (يوسف شعبان) يخونها مع مدرستها فأمسكت بتلابيبه داخل البنسيون وقامت بينهما معركة بالأيدى أمام نزلاء البنسيون ومنهم (طلبة بيه مرزوق / يوسف وهبى) الذى علق قائلا: (المثقفون وقعوا أخيرا مع الفلاحين وماسكين فى بعض).

هنا قهقه (السادات) بضحكته المعروفة واضطر بالطبع أن يقهقه خلفه قيادات الاتحاد الاشتراكى، بعد نهاية العرض جلس السادات يستمع إلى الآراء المختلفة، لقيادات الاتحاد الاشتراكى، وللرقباء، فقال أحدهم يجب إعادة صياغة الفيلم من جديد، وأن يتم تأليف مشاهد جديدة لشخصية اخرى (إيجابية) فى الاتحاد الاشتراكى لتحقيق التوازن بينها وبين شخصية (سرحان البحيرى) المنحرف أخلاقيا، وطالب رأى آخر بمنع عرض الفيلم خاصة أننا مقدمون على معركة، وسأله السادات: ما علاقة المعركة بشخص منحرف؟ لا إجابة.

وطالب ثالث بحذف عبارات (يوسف وهبي)، ورابع بحذف كل ما يشير من قريب أو بعيد إلى أن (سرحان البحيري) عضو بالاتحاد الاشتراكى، وخامس وسادس.. إلخ، والتفت السادات إلى الدكتورة (حكمت أبوزيد) وسألها إيه رأيك يا دكتورة حكمت؟ وقالت رأيها، وكما حكى لى والدى أنه كان السهل الممتنع، ثم طلب منه (السادات) أن يرد على الملاحظات التى سمعها من الحاضرين، وظل لمدة نصف ساعة يتحدث ويرد بمنطق الدراما على كل ملاحظة.

وفى نهاية النقاش أدلى السادات برأيه قائلا: (أنا مع الأخ ممدوح الليثى بعرض الفيلم كما هو، ولكن لى عتاب على الدكتورة (حكمت) هو أننى كنت أنتظر منها أن تعترض على جملة بائع الصحف عندما قال (صنف الستات دول زى الحيوانات)، معلش إحنا بنحترم المرأة وميصحش يا دكتورة (حكمت) يتقال عليها كده وهى دى الجملة الوحيدة التى أوافق على حذفها من الفيلم.

وهلل فريق عمل الفيلم لقرار (السادات) وعانقوه واعتبروا أن هذا هو قرار جمال عبدالناصر نفسه، وتم عرض الفيلم بدور السينما وتوقفت السيارات فى شارع 26 يوليو أمام سينما ريفولى بسبب طوابير الحجز التى سدت الطرقات.

حسني علام وحديث مع منصور باهي

………………………………

الأفلام التى عرضت عام 1969

عرض عام 1969 مجموعة هامة من الأفلام المتميزة فضلا عن مجموعة من الأفلام التجارية التى أعتمدت على الأكشن والمطاردات الساذجة، وعرض فى هذا العام 45 فيلم هى: (أبي فوق الشجرة، شيئ من الخوف، بئر الحرمان، ميرامار، نادية، يوميات نائب فى الأرياف، الناس اللي جوه، السيد البلطي، حكاية من بلدنا،7 أيام في الجنة، الحلوة عزيزة، زوجة غيورة، أكاذيب حواء، 3 وجوه للحب، الشجعان الثلاثة، ثلاث نساء، ليلة واحدة، زوجة بلا رجل، العميل 77، صراع المحترفين، صباح الخير يا زوجتي العزيزة، شارع الملاهي، إبن الشيطان، من أجل حفنة أولاد، الحرامي، نشال رغم أنفه، الرعب، للمتزوجين فقط، العتبة جزاز، كيف تتخلص من زوجتك، نص ساعة جواز، شيئ من العذاب، فتاة الإستعراض، سكرتير ماما، أسرار البنات، دلع البنات، الشيطان، عائلات محترمة، الحب سنة 70، يوم واحد عسل، هي والشيطان، أنا ومراتي والجو،أبواب الليل،  لصوص لكن ظرفاء).

………………………………

أهم الأحداث السينمائية عام 1969

شهد عام 1969 مجموعة من الأحداث السينمائية الهامة التى رصدها الناقد السينمائي الراحل (علي أبوشادي) فى كتابه التوثيقي (وقائع السينما المصرية فى مائة عام) فكتب ..

* قدم القطاع العام أربعة مخرجين جدد هم إبراهيم لطفي الذي قدم فيلم (لصوص لكن ظرفاء)، و(مدحت بكير، وناجي رياض، وممدوح شكري) فى فيلم (3 وجوه للحب)، وقدم القطاع الخاص مخرجين جديدين هما إسماعيل القاضي الذي أخرج فيلم (للمتزوجين فقط )، وأحمد فؤاد (يوم واحد عسل).

* ازدهر النقد السياسي للنظام فى (شيئ من الخوف) لحسين كمال الذي كادت الرقابة أن تمنعه لولا تدخل الرئيس جمال عبدالناصر، حيث سمح بعرضه، وفيلم (ميرامار) الذى تدخل الرئيس السادات شخصيا للتصريح بعرضه.

* تولى سعد الدين وهبه رئاسة الثقافة الجماهيرية، وتم إنشاء نوادي السينما بالقاهرة والأقاليم.

* شاركت مصر في مهرجان (موسكو السينمائي الدولي السادس) بفيلمي (شيئ من الخوف، والأرض)، وشاركت في مهرجان الرباط بفيلمي (قنديل أم هاشم، وشيئ من العذاب)، وشاركت مصر أيضا في مهرجان (ليبزج) بالفيلمين التسجيليين (مرحبا بالنيل، وجوه من القدس).

* حصل فيلم (شيئ من الخوف) على شهادة تقدير من هيئة تحرير مجلة (الشاشة) السوفيتية، كما حصل على جائزة المركز الكاثوليكي المصري.

* وفاة المخرج السينمائي الكبير (أحمد بدرخان) خلال شهر أغسطس، والذي قدم أروع الأفلام الغنائية.

أفيش الفيلم

………………………………

بطاقة الفيلم :

إنتاج وتوزيع المؤسسة العامة للسينما (جمال الليثي)

إدارة الإنتاج : وجيه الليثي

مدير الإنتاج : صديق عبدالعزيز

مساعد الإنتاج : أحمد عباس

قصة : نجيب محفوظ

سيناريو وحوار : ممدوح الليثي

مهندس الديكور: ماهر عبدالنور

منسق الديكور : نهاد بهجت

كبير مهندسي الصوت : نصري عبدالنور

تسجيل الحوار : صبحي الجمل

مونتاج : سعيد الشيخ

موسيقى تصويرية : ميشيل يوسف

تم اعداد الفيلم : بستوديو مصر

مدير التصوير : عبدالحليم نصر

إخراج : كمال الشيخ

بطولة : (شادية، يوسف وهبي، يوسف شعبان، عماد حمدي،عبد المنعم إبراهيم، أبو بكر عزت، عبد الرحمن علي، نادية الجندي،  سهير رمزي، نظيم شعراوي، عصمت رأفت، أحمد توفيق، إبراهيم سعفان، سهير سامي، محمود رشاد، إسكندر منسى، نعمت رستم، عبدالمنعم بسيوني).

 تاريخ العرض الأول: 13 أكتوبر 1969.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.