رئيس مجلس الادارة : محمد حبوشة
رئيس التحرير : أحمد السماحي

الموت لـ 2020

بقلم : محمود حسونة

يحلو للبعض استقبال العام الجديد بالسعي وراء الدجالين والمشعوذين لاستقراء المستقبل، رغم إيمانه بأن الغيب لا يعلمه إلا الله ويقينه بـ (كذب المنجمون ولو صدفوا)، في حين يفضل البعض الآخر الجلوس مع الذات واستعراض إنجازات وإخفاقات عام مضى بعد تصفية الذهن من أي مؤثرات خارجية. الصنف الأول يكون هدفه التسلية أو البحث عن أوهام يعيش فيها أو تجاوز المسلمات والتمرد على ما لا يصح التمرد عليه، في حين أن الصنف الثاني يكون هدفه التعلم من أخطاء الماضي وتجنب تكرارها في المستقبل والسعي لتكرار التجارب الناجحة وتلافي ما يمكن أن يسفر عن فشل.

على وتر القفز إلى المستقبل والتعرف على ما يمكن أن يحدث فيه، تعزف العديد من فضائيات الإقليم الذي نعيش فيه، فتستضيف العرافين الذين لا يعرفون شيئاً، وتمنحهم مساحات زمنية لا تتاح للخبراء، والمختصين والمبدعين في مجالات مختلفة لأجل أن يحقنوا الناس بالمخدر الذي يسكن آلامهم الحياتية وينقلهم من عالم الواقع إلى عالم الخيال والأوهام.

وعلى وتر مواجهة الناس بالحقائق وتعرية خطايا الدول وساستها، عزفت منصة (نتفليكس) وودعت العام المنتهي بفيلم (الموت لـ 2020)، ولعل العنوان ينبئ عن بعض ملامح المضمون، حيث يحمل تمنياً بالموت للعام المنصرم بعد الأذى الذي ألحقته أحداثه بالبشرية في كل مكان، كما أنه يذكرنا بالدعوة القاسية التي يدعو بها بعضهم على من يغضبهم أو يؤذيهم، أملاً في أن يضع هذا الموت حداً للأذى.

تعلمنا أن (الجواب بيبان من عنوانه)، وعنوان المصنف الفني قد يكون عامل إغراء لمتابعته، وقد يكون عامل إعراض عن تضييع الوقت معه، وعنوان هذا الفيلم من مغريات مشاهدته، كما أن التريلر الخاص به يوحي بأنك ستشاهد خلاله توثيقاً وموقفاً من أحداث وشخصيات أوجعت العالم وأرهقت ملياراته البشرية، ولكن خيبة الأمل فيه أنه لم يقدم ما أوحى به، بل خدعنا بمقدمة عالمية ليتحول بعدها إلى فيلم يوثق لما حدث في الولايات المتحدة الأمريكية ويربط بينها وبين “شقيقتها” الأوروبية بريطانيا.

لعل (الموت لـ 2020) من الأعمال الوثائقية النادرة جداً التي تضحكك وأنت تشاهدها لما فيها من سخرية كوميدية بسبب مواقف أولي الأمر من أحداث كادت أن تفتك بالبشرية مثل فيروس كورونا، أو أحداث هزت صورة الدولة الأمريكية مثل مقتل (المواطن الأسود) جورج فلويد ومظاهرات الغضب التي اجتاحت الولايات والمدن المختلفة وأصرت على أن تتعامل معها إدارة ترامب والشرطة الأمريكية بطريقة عنصرية تنحاز للأبيض ولا تجد غضاضة في سحق (الأسود)، لتعيد إلى الأذهان صورة زمن غابر لدولة ظل أصحاب البشرة السمراء فيها يعانون، وبعد أن دفع مارتن لوثر كينغ حياته لإلغاء الفصل العنصري، فوجئ العالم بعودته في سنوات حكم دونالد ترامب.

الفيلم سخر من زمن ترامب في معظم تفاصيله ولكن جو بايدن أيضاً لم يسلم منه خصوصاً أنه أكبر رجل عمراً يتولى رئاسة أمريكا، وقد انتقد الفيلم بلغته المضحكة المبكية أسلوب الحوار في المناظرات التليفزيونية بين بايدن وترامب، واللغة غير الدبلوماسية فيها، كما أنه بأسلوب خبيث قدم (كامالا هاريس) باعتبارها رئيسة وهو ما يحمل توقعاً بأزمة لبايدن تتيح تولي كامالا الرئاسة خلال بعض الوقت من الفترة الرئاسية التي ستنطلق الأربعاء المقبل.

الفيلم بدأ بالربط بين حريق استراليا وجحيم سويسرا الثلجي بما يوحي بتناقضات الكوكب الجغرافية والمناخية، وبأنك ستشاهد فيلماً يقدم قراءة مختلفة لعام الوجع الانساني، وانتقل منها لتباهي ترامب بمقتل قاسم سليماني قائد الحرس الثوري الإيراني، ثم مفاوضات الخروج البريطاني وهروب هاري وميغان ميركل من جحيم الملكية الإنجليزية، ومنها إلى ووهان الصينية حيث انطلاقة الفيروس الذي استهان به العالم وسيده ترامب وشبيهه شكلاً ونهجاً بوريس جونسون، ليضرب كل منهما سياسياً وصحياً ويفرض إخلاء شوارع الدنيا وهروب الناس إلى الغرف المغلقة والتباعد الاجتماعي وسلسلة الاجراءات التي أجبر كورونا البشرية عليها بأسلوب ساخر مبكٍ.

الفيلم توثيقي به مشاهد تمثيلية للتعليق والتقييم الساخر أداها صموئيل جاكسون وهيو جرانت وليزا كودرو وتريسي أولمان وديان مورغان وأنجيلو ايربينغ وعدد من الفنانين، ومن يشاهده يضحك كثيراً من (قفشاته) اللاذعة واللاسعة وخصوصاً لترامب وبايدن وبوريس جونسون وملكة بريطانيا، وستضحكه وتبكيه في ذات الوقت الأحداث التي عشناها خلال هذا العام المظلم والتي تأبى أن تغادرنا مع بداية العام الجديد، حيث عادت معظم الدول لفرض الحظر والاغلاق الكامل، واشتعلت أزمة ترامب وبايدن أو أزمة الجمهوريين والديمقراطيين ووصلت إلى المكان الغير متوقع والذي سيلقي بظلاله على أمريكا والعالم لسنوات مقبلة.

رغم أخطاء الفيلم إلا أنه قدم لنا صدمات وتعليقات قد تفيق الغافل منا، ولَم يمنحنا المخدر الذي اعتادت أن تحقننا به فضائيات الدجل والشعوذة، وكأنها تريدنا أن نزداد غفلة ونعيش في أوهام تفصلنا عن واقعنا المؤلم، لأهداف لا يعلمها إلا القائمون على هذه الفضائيات ومشعوذيهم.

[email protected]

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.