رئيس مجلس الادارة : محمد حبوشة
رئيس التحرير : أحمد السماحي

البطحة التى على رأس الحكومة

بقلم المخرج المسرحي الكبير : عصام السيد

تتعامل حكومتنا الرشيدة – فى بعض الموضوعات – و كأن على رأسها بطحة ، فهى تحاول أن تخفى بعض الحقائق و كأن الاعتراف بهذه الحقائق ينتقص من قيمتها أو من كفاءتها أو مجهوداتها ، و تبحث حكومتنا عن كل الطرق و الوسائل التى تزيح أى مسئولية عن أكتافها حتى فى الموضوعات الواضح للعيان أنها ليست تحت مسئوليتها و لم تتسبب بها ، و أكبر مثال على ذلك : الموقف من جائحة كورونا.

فى بداية الجائحة أنكرت الحكومة – و بشدة وإصرار – وجود إصابات فى مصر حتى بات الأمر مثيرا للتساؤل ، فالجائحة تجتاح العالم و تنشر الاصابات فى كل الدول إلا مصر التى أبت إلا أن تعلن و باستمرار خلوها من الجائحة ، حتى صار الأمر و كأنه من قبيل المعجزات ،  فبينما محيطها الدولى كله يعانى من إصابات تخطت العشرات و سجلت أرقاما فى خانات المئات  ظلت مصر خالية !!

وعندما نشرت بعض الصحف الاجنبية و المواقع الإخبارية تقارير عن وجود إصابات بالجائحة فى مصر ، و لكنها تسجل تحت أسماء أمراض أخرى – مثل الالتهاب الرئوى أو الجلطات – خرجت بعض الأقلام لا تنفى فحسب بل تتهم كل من يشكك فى تصريحات الحكومة ، فهناك للأسف ( جوقة ) من المتطوعين تمتهن الدفاع عن الحكومة  سواء أصابت أو أخطأت ، و تعتبر أنها لا يأتيها الباطل من أى مكان أو اتجاه ، فخرجت تلك الجوقة تدافع بشكل هيستيرى  و تتهم تلك الصحف و المواقع بأنها تعادى مصر و تحاول تشويه سمعتها و إضعاف اقتصادها ، ثم رددت القوجة حديثا معادا و مكررا حول المؤامرات و المتآمرين الذين  يحاولون وصم مصر بكل نقيصة و إلصاق كل عيب بسمعتها ، و فات هؤلاء السادة أنه لا عيب فى أن تكون فى مصر إصابات ، و أنها جائحة عالمية لم ينج منها أكبر الدول و أرسخها حضارة و أمتنها إقتصادا ، و أن هذا لا يعيب مصر و لا ينقص من قدرها و قيمتها ، فالإصابات فى مصر لا تعنى أن مصر فى مصيبة .

و تسبب موقف الجوقة هذا فى رد فعل عكسى ، إذ ساعد إنكار الجوقة  على انتشار الشائعات و تهويل الأرقام و إضافة كافة أنواع التوابل إلى تلك الشائعات  و كل أنواع المواد الحارقة إلى أعصاب المجتمع و ثقته فى حكومته . و لكن فى النهاية ظهر العقلاء الذين اعترفوا بوجود المرض ، و لكن ظلت الأرقام تُعلن فى خجل إلى أن اضطرت الحكومة للقيام بالواجب عليها ، فاتخذت من الإجراءات ما أخرس هذه الجوقة التى كانت كالدب الذين كاد أن يقتل صاحبه .

و لم ينته الأمر عند هذا ، فالذين شككوا فى أرقام الاصابات التى تعلنها الحكومة نالهم وابلا من الاتهامات – و أظن أن بعضهم تم تقديمه للمحاكمة – برغم انهم يملكون حججا منطقية تتلخص فى أن عدد المسحات التى تجريها المستشفيات نسبتها ضئيلة إلى نسبة السكان ، فنحن بلد محدود الإمكانات – و هذا ليس وصمة عار – و لا يستطيع أن يجرى مسحات إلا لمن يعانى فعليا من الأعراض ، و بالتالى فالأعداد المعلنة أقل من الأعداد الفعلية التى يمكن أن تظهر فى حال استطعنا توفير مسحات للجميع .

و تسبب هذا الموقف و تلك الحملة الشرسة ضد من يشكك فى الأرقام ، و الإصرار على الأرقام المتواضعة التى أُعلنت ، إن المواطنين استهانوا بالجائحة فى موجتها الثانية و التى بدأت منذ قليل ، و اعتبر بعض المواطنين أن استمرار الإجراءات الاحترازية من باب التهويل أو ان الحكومة ( غاوية تنكد علينا ) حتى صار البسطاء يرددون ( الكورونا اتلغت خلاص ) و لم تنفع التحذيرات من الموجة الثانية فى التزام المواطنين بالإجراءات الاحترازية ، فالأرقام المعلنة أبسط و أقل من أن تجعلنا نشعر بالخوف ، حتى خرج علينا أكثر من مسئول يعترف علنا بأن الأرقام الحقيقية لانتشار المرض أضعاف الأرقام المعلنة ، وصلت فى تصريح لطبيبة متخصصة إلى أنها عشرين ضعفاً .

و أخيرا صارحنا مستشار الرئيس للشئون الصحية الدكتور عوض تاج الدين فى حوار تم نشره فى وسائل الإعلام ، بأن الأرقام التى تعلنها وزارة الصحة ليست الأرقام الصحيحة أو الدقيقة لأعداد الإصابات ، و قال : ( ما من دولة في العالم قادرة على الكشف عن الأعداد الحقيقية المصابة بفيروس كورونا في ظل التزايد بشكل واضح ، ونفس الأمر في مصر، وهذا لا يعني أن ما يحدث من وزارة الصحة والأرقام المعلنة الهدف منها إخفاء الأعداد أو التقليل منها ، حيث إنه ليس من مصلحة أحد إخفاء الأرقام الحقيقية . فما يُسجل من حالات الأمراض الفيروسية – بصفة خاصة – في العالم كله لا يكون هو العدد الحقيقي، لأنه علميا ليس أي شخص يأتي له إصابة أو عدوى يتحول إلى مرض ، وهناك حالات مستحدثة مصابة بكورونا يُصاب فيها الشخص بالفيروس – لأنه يكون مخالطا لشخص – و تكون المسحة إيجابية ولكن لا يظهر عليه أي أعراض . و هناك البعض أيضا يتعامل مع أزمة كورونا على أنها إنفلونزا عادية ، ولا يذهب إلى المستشفى بسبب اعتقاده الخاطئ عن المرض، وهذه هى الأسباب الخاصة بأن أعداد المصابين المعلنة ليست هي الأعداد الحقيقية في مصر ) .

ذلك هو كلام العقلاء و التفسير المنطقى لعدم مطابقة الأرقام المعلنة للواقع و أتمنى من كل قلبى ألا تخرج ( الجوقة ) لتتهم مستشار الرئيس بنفس الاتهامات التى طالت الآخرين .

و بنفس طريقة الإنكار – التى مارسناها فى الجائحة –  نتعامل فى ملفات كثيرة ، تحت دعوى الدفاع عن صورة مصر و نحن فى الحقيقة نسيئ لها بالدفاع غير المنطقى و المندفع ، مثلما تفعل نفس الجوقة  فى ملف حقوق الانسان . فبينما يدعى الغرب أن هناك أعدادا ضخمة من المعتقلين ندافع نحن بالهجوم على من يقول هذا ، بينما الأمر الأصح و الأسهل إعلان الأعداد الحقيقية و أسباب القبض عليهم و مدى خطورتهم على أمن الوطن ، و حتى لو ظهر أن هناك تجاوزات فتلك ليست نهاية العالم ، فالتجاوزات – برغم رفضنا إياها – أمر بشرى و يحدث فى كل دول العالم ، و الأفضل أن نصححها بدلا من ترك الأمر للجوقة .

و الغريب فى الأمر – بل و المريب – أن تلك الجوقة و غالبية وسائل إعلامنا المغيب تجاهلوا

الزيارة التفقدية لسجن النساء فى القناطر ، التى شاركت فيها عدة منظمات لحقوق الإنسان و المجلس القومى للمرأة و عدد من الشخصيات العامة ، للاطلاع على أحوال السجينات فى سجن القناطر ، و طرق التعامل معهن و مدى تطبيق الإجراءات الاحترازية ، بل إن إعلامنا بأجهزته العديدة من مجلس أعلى و قنوات حكومية و خاصة لم تحتفِ كما يجب بالبيان الذى أصدره الزائرين و الذى قرأته بالصدفة على صفحة الأستاذة الدكتورة نسرين البغدادى عضو المجلس القومى للمرأة .

و أقول للحكومة همسا فى أذنها : بمثل هذه الأفعال تعالج الأمور و أتمنى أن تستكمل تلك الزيارات فى بقية السجون و أن تضم صحفيين و مراسلين أجانب و أن تهتم بها وسائل الإعلام ، بدلا من صياح الجوقة الذى يأتى بنتائج عكسية و يشعرنا بأن الحكومة على راسها بطحة .

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.