رئيس مجلس الادارة : محمد حبوشة
رئيس التحرير : أحمد السماحي

“العالمية” بين الموهوب و الموهوم

بقلم: محمود حسونة

الحلم حق للجميع، هناك من يعمل ويكد ويجتهد حتى يحقق حلمه، وهناك من يتكلم وينظّر ويجعل من حلمه وهماً ويسعى لإقناع الناس به، وشتان ما بين من يحول أحلامه إلى واقع ويحلق معها إلى العالم الذي يتمناه، وبين من يجعلها أوهاماً ويتخذها أداة لخداع الناس أملاً في أن يصدقه العالم.

الوصول للعالمية في الفن، لم يكن يوماً حلم شخص أو أشخاص، بل كان دائماً حلم شعب يؤمن أن لديه من الفنانين من يمتلكون موهبة لا تقل عن موهبة أهم نجوم العالم، وأنهم قادرون على اقتحام عقول وقلوب الناس حول العالم إذا أتيحت لهم الفرصة، وأن فنانين مثل الراحلين (زكي رستم ومحمود المليجي وأحمد زكي وسعاد حسني وفاتن حمامة وشادية) كنماذج، لم يكونوا أبداً أقل موهبة من النجوم الذين تصدوا أفيشات أفلام هوليوود في زمانهم، وأن (عادل إمام) الذي أضحك كل العرب على مدى نصف قرن لو أتيحت له الفرصة لأضحك سكان الكوكب، وأن (يحيى الفخراني) ليس له شبيه في خريطة الفن العالمية.

عندما خطف (عمر الشريف) قلوب العذارى حول العالم من خلال (دكتور زيفاجو، ولورانس العرب) وغيرهما، لم يكن الأفضل موهبة بين أبناء جيله، ولكنه كان الفنان الذي أتيحت له فرصة لم تتح لغيره، كما كان الأكثر تأهيلاً لاقتناصها بإجادته لعدة لغات، وكانت النتيجة أن الأمة العربية كلها كانت فخورة بأنه واحد من أبنائها وليس الشعب المصري وحده.

لَم يكن عمر الشريف وحده الذي خاض تجربة السينما العالمية، ولكنه هو الذي استمر وتألق وتم ترشيحه لجوائز عن أفلامه، وكان صاحب مكانة متميزة بين نجومها، فقد خاض بعض فنانينا التجربة لمرة واحدة، ومنهم سيدة الشاشة العربية فاتن حمامة من خلال فيلم يتيم اسمه (كايرو) بطولة جورج ساندرز، ويبدو أن طلاقها من عمر الشريف منعها من أن تواصل الرحلة فتفرغت للسينما المصرية. وكان الفنان الراحل جميل راتب له باع في المسرح الفرنسي والسينما الأمريكية من خلال العديد من الأعمال المتميزة.

ومن الفنانين الذين خاضوا التجربة بأدوار هامشية، ويبدو أنهم ندموا نتيجة ما لقوه من استخفاف بإمكانياتهم، الفنان رشدي أباظة الذي ظهر كومبارس في فيلم (وادي الملوك) عام ١٩٥٤، والذي شاركت فيه أيضا بشكل هامشي سامية جمال، كما شارك أحمد رمزي بدور محدود جداً في الفيلم الإيطالي (ابن سبارتاكوس)، ويبدو أن هؤلاء الفنانين ندموا على ما فعلوا وعزموا على ألا يعودوا إلى الحلم بالعالمية أبداً، عملاً بالمثل الشعبي (من خرج من داره قل مقداره).  

وظل عمر الشريف على مدى عقود أحد أهم نجوم السينما العالمية، وظل العربي الوحيد الذي يحظى بهذه المكانة، حتى أطل علينا بعض فنانينا الذين باعوا لنا وهم العالمية من خلال أدوار هامشية في بعض الأفلام، وهي أدوار لشخصيات إرهابية في الأغلب، ليقدموا للعالم صورة مقيتة عن العرب، ويقبلوا أن يكونوا مجرد أداة يستخدمها مخرجون ومنتجون عالميون لتشويه الشخصية العربية، وعلى رأس هؤلاء الموهومين خالد أبو النجا وعمرو واكد، والغريب أن لهم أدواراً يخجل منها المشاهد العربي في حين يتفاخرون هم بها، وساعدهم على الغرق في هذا الوهم بعض الأقلام الصحافية وبعض معدي ومقدمي برامج تليفزيونية ممن كتبوا وأشادوا بهم أو استضافوهم ومنحوهم الوقت على أنهم نجوم عالميون حتى اكتشف الجمهور الحقيقة، وأدار ظهره لهم.

خلال السنوات الأخيرة، زفت إلينا الصحافة العالمية أخباراً عن شبان مصريين حققوا الحلم من دون ضجيج، وأصبحوا من نجوم السينما العالمية في هدوء، ولعبوا أدوار البطولة الفعلية لا الوهمية في صمت، ونالوا جوائز عالمية وصفق لهم العالم، وحققت أعمالهم إيرادات تضمن لهم ألا تكون مجرد تجربة والسلام، بل تبعت التجربة تجارب وتجارب.

رامي مالك الذي نال الأوسكار وحقق ما لم يسبقه إليه نجم من أصول عربية، كما نال جوائز (البافتا وايمي والجولدن جلوب) وغيرها عن تألقه في فيلم (بوهيميان رابسوديان)، وحالياً ينتظر عشاق السينما حول العالم عرض فيلمه الجديد (لا وقت للموت) وهو أحدث نسخة في سلسلة جيمس بوند.

وأيضاً مينا مسعود الذي تفاخرنا معه بالنجاح الذي حققه فيلمه (علاء الدين) من إنتاج ديزني، وآخر نجومنا في السينما العالمية أمير المصري الذي نال فيلمه (ليمبو) جائزة الهرم الذهبي لأفضل فيلم في المسابقة الدولية لمهرجان القاهرة السينمائي، وفيه جسد شخصية لاجيء سوري في بريطانيا والمعاناة التي يلقاها بعد أن كان مقدراً ومكرماً في بلاده، قبل ان تدوسها جحافل الإرهاب وشوهتها أصابع الديكتاتورية؛ ولأنه فنان حقيقي يحمل رسالة فهو يحلم بأن يلعب بطولة أفلام تفضح العنصرية العالمية ضد العرب.

مينا وأمير، حققا الشهرة العالمية، ولا يخفيان أن حلمهما هو تحقيق النجومية في مصر، وهو ما يعد هجرة عكسية حباً في مصر وجمهورها وفنه.

نجومنا العالميون يتفاخرون بوطنهم ولا يتركون فرصة إلا ويتحدثون بلغتهم الأم ويعبرون عن اعتزازهم ببلدهم مصر، بما في ذلك رامي مالك الذي هاجر والداه مبكراً ولا يجيد المصرية وقد حرص على ان ينطقها ولو بشكل غير سليم معبراً عن اعتزازه وبها هو يتسلم جائزة الأوسكار.

فرق كبير بين أن تعشق بلادك وتحلم أن تكون عالمياً معتزاً وفخوراً بأصلك، وبين أن تكره بلادك وتكون شهادة منحك دور كومبارس هو النيل منها ومن أصلك وأهلك وناسك. والفرق بين هذا وذاك هو نفسه الفرق بين الموهوب الحقيقي وبين الموهوم الفعلي.

[email protected]

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.