رئيس مجلس الادارة : محمد حبوشة
رئيس التحرير : أحمد السماحي

“تيسلا” أحدث أفلام القصص الحقيقية !

طارق عرابي

بقلم الدكتور: طارق عرابي

الأعمال الفنية المأخوذة عن قصص وأحداث واقعية من الحياة تساهم وبشكلٍ كبير في تغيير أمزجة ومفاهيم وثقافة ومعرفة الناس ويبقى أثرها أعظم من أثر أي عمل فني مبني على قصة افتراضية ، وهى كذلك تحقق غرض الترفيه والمتعة للمشاهد ، وتتنوع تلك الأعمال الفنية من حيث موضوعاتها ، فقد يتناول بعضها السيرة الذاتية أو جانب من حياة شخصية شهيرة (عالم – مخترع – رئيس دولة – زعيم أو مناضل سياسي – رياضي – فنان .. إلخ) أو شخصية غير شهيرة (أو شخصية غير معروفة للناس حتى صدور العمل الفني الذي يتناول تلك الشخصية) والتي قد تكون شخصية إجرامية ارتبطت بنوعٍ ما من الجريمة التي حدثت بمكانٍ ما في زمنٍ ما ، سواء كانت الجريمة تتعلق بالقتل أو ترويج المخدرات أو الاعتداء الجنسي أو التعذيب الجسدي أو الإرهاب الديني .. إلخ ، وقد تكون شخصية إنسان طموح تحدى كل الظروف الصعبة (ظروف اجتماعية أو مالية أو عِلة صحية) حتى أدرك النجاح والتميز (في أيٍ من مجالات الحياة المهنية) .

وقد تتناول تلك الأعمال الفنية قضايا كوارث (مناخية أو إجرمية) حدثت ببلدٍ ما (على سبيل المثال لا الحصر ، المثال المناخي: زلزال “تسونامي” بالمحيط الهندي في عام 2004 الذي أودى بحياة أكثر من 227 ألف شخص ، المثال الإجرامي: تفجير ماراثون بوسطون بأمريكا في عام 2013) ، وقد تتناول قضايا عاطفية أو اجتماعية أو صحية أو اقتصادية حدثت على أرض الواقع تعرض لها فرد أو أسرة أو مجتمع بأكمله بمكانٍ ما من العالم ، وربما تتناول بعض تلك الأعمال الفنية حروباً تاريخية لا ترتبط بحقوق عادلة (مثل الحرب العالمية الثانية  التي بدأها “هتلر” بدوافع عرقية متطرفة ، وحرب أمريكا في فيتنام والعراق وحروب أخرى كثيرة عبر التاريخ) أو حروباً تاريخية ترتبط باستحقاقات عادلة لأمةٍ تقاتل من أجل استرداد حريتها وكرامتها وأراضيها المنهوبة (مثل حرب مصر ضد إسرائيل في أكتوبر 1973) .

مشهد عن كارثة تسونامي في 2004 ويظهر فيه النجم إيوان ماكجريجور – من فيلم The Impossible إنتاج عام 2012
مشهد عن تفجير ماراثون بوسطون بأمريكا في 2013 ويظهر فيه النجم مارك والبيرج – من فيلم Patriots Day إنتاج عام 2016

والقيمة الحقيقية من وراء إنتاج أعمال فنية مأخوذة من واقع الحياة تكمن في احتواء كل عملٍ منها على دروسٍ مُستفادة تصل إلى المشاهد بطرق مباشرة أو غير مباشرة ، والبعض من تلك الأعمال يحمل رسائل تحفيزية ، والبعض الآخر يحمل رسائل تنويرية وتوعوية وقد تكون تحذيرية في بعض الأحيان ، سواء كانت تلك الرسائل تستهدف أفراداً أو أسرة أو مجتمع بأكمله في حدود جغرافية محلية أو إقليمية أو عالمية ، والقضايا الإنسانية والاجتماعية والأخلاقية في تلك الأعمال الفنية لا تعرف حدوداً جغرافية فهي تخاطب المشاهد أياً كان موقعه من العالم لأنها قضايا مشتركة بين الأفراد والمجتمعات والأمم على اختلاف أعراقهم وثقافاتهم وأديانهم .

لوحة فنية ترصد أحد مشاهد حرب أكتوبر عام 1973

وتتطلب صناعة العمل الفني المأخوذ عن قصة حقيقية حماس وشغف المُنتِج ، ودقة وإبداع وحرفية درامية ومهنية عالية من الكاتب والمخرج (سواء كان العمل سيناريو صامت أو سيناريو بتعليق صوتي أو سيناريو وحوار) ، والكاتب أو المؤرخ لشخصية أو أحداث تاريخية ما لابد وأن يملك أدوات الإبداع والإبهار الخاصة به ولا مانع أن يضع لمسات فنية تجميلية ومثيرة حول الشخصية أو الأحداث التاريخية بغرض جذب المشاهد وتجنب إصابته بالملل (شريطة ألا يؤدي ذلك إلى تزييف الشخصية أو فبركة الأحداث) ، كما ينبغي أن يتسم الكاتب أو المؤرخ بالنزاهة الشديدة عندما يكتب عن شخصيات أو أحداث تاريخية ، ويستلزم الأمر كذلك وعي ومهارة من جميع مدراء فريق العمل كمدير الإنتاج ومدير التصوير والإضاءة ومدير الديكور ومدير تصميم الملابس والمؤلف الموسيقي .. إلخ ، وقد بدأت الأعمال الفنية المأخوذة عن قصص حقيقية في العالم بالفيلم الصامت في مراحلها المبكرة ، أما اليوم فيأتينا العمل في صورة فيلم “روائي – درامي” قصير أو طويل بسيناريو وحوار ، أو في صورة فيلم وثائقي بتعليق صوتي ، أو في صورة فيلم وثائقي – درامي Docu-Drama بسيناريو وحوار ، سواء كان الفيلم الروائي أو الوثائقي مصحوباً بتعليق صوتي (صوت الراوي أو المُعلق) أو بدون تعليق صوتي .          

بداية أفلام القصص الحقيقية

كان العبقري “توماس إديسون” Thomas Edison ، صاحب اختراعات المصباح الكهربائي والفونوجراف وكاميرا الصور المتحركة ومئات الاختراعات الأخرى التي ساهمت في تطوير أجهزة توليد الطاقة الكهربائية والاتصال الجماهيري والتسجيلات الصوتية وتصوير الأفلام ، هو أول من أنتج فيلماً لأحداث واقعية في التاريخ عام 1895 بعنوان The Execution of Mary Stuart وهو فيلم صامت مدته 18 ثانية ويتناول تمثيل مشهد إعدام “ماري ستيوارت” ملكة اسكتلندا والذي تظهر فيه معصوبة العينين ، والفيلم أخرجه “ألفريد كلارك” Alfred Clark وصوره المهندس “ويليام هايز” William Heise الذي ساعد “إديسون” في اختراع جهاز منظار الحركة Kinetoscope ، وقد قام بدور الملكة “ماري” ممثل يُدعى “روبرت إل توما” وكان هو الممثل المعتمد لآداء الأدوار النسائية في معظم مسرحيات شكسبير .

لوحة فنية ألهمت إديسون لتصوير أول فيلم صامت عن قصة حقيقية ، وبوستر فيلم The Execution of Mary Stuart عام 1895
ثاني فيلم صامت عن قصة حقيقية ويظهر فيه الملك جون ميتاً على كرسي العرش ، بعنوان King John عام 1899

ويُعتقد بأن هذا هو أول فيلم في التاريخ يجلب ممثلين مُدرَبين ومحترفين ويستعمل تقنية المونتاج الفيلمي والخدع البصرية حيث تم استبدال الممثل “روبرت توما” بمانيكان (تمثال عارضة أزياء) عند لحظة تنفيذ الإعدام وتم قطع رأس المانيكان وكأنه “ماري ستيوارت” ، وقد تم إنتاج هذا الفيلم من خلال شركة “إديسون للتصنيع” Edison Manufacturing Company .

ثم تلاه العبقري البريطاني “ويليام ديكسون” William K.L. Dickson بفيلم King John عام 1899 المأخوذ عن مسرحية بنفس الإسم للكاتب الأسطوري ويليام شكسبير حيث يتناول سيرة “الملك جون” الذي سعى جاهداً للحفاظ على عرشه (كملك إنجلترا) وجلب لنفسه العداء من جهات كثيرة من بينها الكنيسة وفرنسا وابن أخيه الأمير “هنري” الطامع في كرسي العرش .

وقد عمل “ويليام ديكسون” مع “توماس إديسون” عن كثب منذ عام 1883 (بعدما انتقل من بريطانيا إلى أمريكا) وأصبح المصور الرسمي لأفلامه ، كما عمل معه على تطوير جهاز “الفونوجراف” وهو صاحب الفضل في تطوير كاميرا التصوير Kinetograph ومنظار الحركة Kinetoscope ، ومنسوبٌ إلى “ديكسون” تحويل فيلم الصور المتحركة من مقاس 19 مم إلى 35 مم والذي مازال يُستعمل إلى الآن ، وهو أيضاً من طور السائل المستخدم في عملية تحميض الأفلام .    

جهاز منظار الحركة Kinetoscope الذي ابتكره توماس إديسون وطوره معه المهندس ويليام هايز والمصور ويليام ديكسون

أين نحن من العالم في صناعة السينما وأفلام القصص الحقيقية ؟!

كان عام 1896 هو بداية تاريخ السينما المصرية وكان فيلم الأخوين لوميير Lumière Brothers هو أول عرض للصور المتحركة في مصر . (الأخوان “لوميير” الفرنسيان هما صاحبا اختراع أول كاميرا للصور المتحركة في التاريخ) .

كانت البداية للسينما المصرية مُشَرِّفة للمصريين وكل العرب وكانت تواكب مستوى السينما الأمريكية والأوروبية آنذاك ، وكان “محمد كريم” العائد من دراسته السينمائية بألمانيا هو رائد صناعة الفيلم المصري وكان كذلك أول ممثل مصري في التاريخ ، وفي عام 1921 تم عرض الفيلم الوثائقي لعودة الزعيم “سعد زغلول” من منفاه في “مالطا” ورصدت الكاميرا لحظة وصوله إلى الإسكندرية ، وجاء أول إنتاج مصري بالكامل لفيلم وثائقي طويل في عام 1923 بعنوان “في بلاد توت عنخ آمون” In the Land of Tutankhamun  وكانت مدته 80 دقيقة ويوثق اكتشاف “اللورد كارنافون” لمقبرة “توت عنخ آمون” ، وقام “محمد بيومي” بتصوير الفيلم وأخرجه “فيكتور روسيتو” ، وشارك بالتمثيل فيه الممثل المصري “فوزي منيب” بجانب بعض الممثلين الأجانب .

وقد فتح لنا الاقتصادي العبقري ومؤسس بنك مصر “طلعت حرب” باب فرص الإبداع والتميز السينمائي على مصراعيه من خلال إنشاء وافتتاح “استوديو مصر” في السابع من مارس عام 1935 بمساحة شاسعة وإمكانات تضاهي إمكانات أعظم الاستوديوهات في الغرب ، وانطلق العصر الذهبي للسينما المصرية من ستوديو مصر بأول فيلم لكوكب الشرق “أم كلثوم” عام 1935 بعنوان “وداد” ، واستمر هذا البريق السينمائي حتى نهاية السبعينات من القرن الماضي ، وكان الدخل القومي لمصر من السينما ينافس الدخل القومي للقطن المصري الشهير والمطلوب في كل أرجاء العالم ، ثم حل بعد ذلك عصر الخراب السينمائي والدرامي على مصر مع آخر عقدين من القرن العشرين ، ثم ازداد الأمر خراباً فنياً وأخلاقياً مع بداية القرن الحالي بعدما نال أنصاف وأرباع المثقفين من المنتجين ونجوم “الجهل واللا قيمة”  النصيب الأكبر من صناعة الترفيه في مصر ، وصارت الغلبة لأفلام ودراما “الفتونة والبلطجة والدعارة” وأغاني الانحطاط الثقافي والحضاري والأخلاقي ، وهو ما قَبَّحَ كلَ جمالٍ فينا ودمر الكثير من قيمنا الأخلاقية والاجتماعية وساهم بشكلٍ كبير في تشويه صورة مصر والمصريين أمام العالم .

إن قلت لكم إنني في بحثي أجد دائماً كل ما أريده من صور لأفلام الغرب على مر التاريخ وبجودة عالية ، وفي المقابل يضنيني البحث عن صورة واحدة بجودة عالية أو حتى متوسطة لأفلامنا الحديثة جداً فضلاً عن استحالة إيجاد صور جيدة واضحة لأيٍ من أعمالنا القديمة ، فهل يعني ذلك لكم شيئاً ؟ وهل تمثل تلك الحقيقة التي عايشتها مؤشراً يدلنا على ما ينبغي أن نفعله في عالم المعرفة الرقمية الحديثة التي أصبحت اللغة الموحدة للعالم بأسره ؟! . أعتقد أن الإرادة الصادقة والإدارة الذكية قادرة على تجميع وحصر وتسجيل وإدخال وأرشفة تاريخ السينما المصرية في عالم المعرفة الرقمية على الشبكة العنكبوتية العالمية بكل ما حواه من صور فنية وصور تذكارية وحكايات الأفلام ونجومها وكواليسها الخلفية منذ بدايتها في عام 1896 وإلى الآن. لقد عانيت حقاً وفشلت في النهاية لإيجاد صورة واحدة بجودة متوسطة لفيلم “وداد” عام 1935 .

أما على مستوى الكم والجودة فيكفينا أن نذكر بأن مصر أنتجت 22 فيلماً في عام 2019 ، ويسعدني شخصياً أن أدعو السادة الأمناء على مصر وفنها من نقاد وفنانين حقيقيين ليقولوا لنا : من بين إجمالي الإنتاج السينمائي المصري لعام 2019 كم هو عدد الأفلام الروائية الافتراضية (عن قصص غير حقيقية) الجيدة التي قدمت قيمة معرفية أو اجتماعية أو أخلاقية للمجتمع ؟! وكم هو عدد الأفلام المأخوذة عن قصص حقيقية ، من بين تلك الأفلام ، التي حفزت الشباب على العلم والطموح والأمل والعمل أو دعمت فيهم روح الولاء للأسرة والمجتمع والوطن أو ارتقت بوجدانهم وفكرهم وغرزت في أنفسهم السمو والنبل الإنساني؟! وكم هو عدد الأفلام التي حذرتهم بأحداث واقعية إجرامية (أو تخريبية للعقول وهادمة للقيم) من خلال نهاياتها الكارثية والمأساوية المؤلمة التي تنبه المشاهد وتوقظ ضميره ؟! وما هو الإجمالي الحقيقي للعائدات من شباك التذاكر على تلك الأفلام الاثنين وعشرين ؟! الأرقام تقول حسب المعلن إن إجمالي العائدات اقترب من 600 مليون جنيه مصري (أي ما يقرب من 40 مليون دولار) كان أعلاهم إيراداً هو فيلم “الفيل الأزرق” للنجم “كريم عبد العزيز” الذي تخطى 103 مليون جنيه مصري ، ويليه فيلم “ولاد رزق” للنجم “أحمد عز” الذي تخطى بقليل 100 مليون جنيه مصري .  

في المقابل أصدرت السينما الأمريكية 225 فيلماً في عام 2019 ، كان عائد 10 أفلام منهم فقط من شباك التذاكر عالمياً أكثر من 11 مليار و746 مليون دولار (أي ما يعادل تقريباً 185 مليار جنيه مصري) ، وقدمت أمريكا بين هذه الأفلام عدد 53 فيلماً مأخوذين جميعهم عن قصص حقيقية يصدقها الناس وتنفعهم .

من بين آلاف الأفلام المأخوذة عن قصص حقيقية والتي قدمتها شركات الإنتاج الأمريكية للعالم (منفردة أو بالتعاون مع شركات إنتاج من دول أخرى) على مدى 100 عام منذ 1919 ، سنمر فيما يلي على القليل جداً من بين تلك الأفلام الجيدة .        

إعلان يوضح أن سعر تذكرة السينما واحد دولار لدخول فيلم Auction of Souls عام 1919
مشهدان عن الإبادة الجماعية للأرمن على يد الأتراك من فيلم Auction of Souls إنتاج عام 1919

في عام 1919 قدمت أمريكا فيلماً صامتاً بعنوان Auction of Souls والذي يعني بالعربية (مزاد الأرواح) والمأخوذ عن قصة حقيقية حول الإبادة الجماعية لشعب الأرمن على يدِ الأتراك وقد قامت بدور البطولة في هذا الفيلم فتاة أرمينية – أمريكية عمرها 18 سنة آنذاك وتُدعى “أورورا مارديجينيان” Aurora Mardiganian ، وهي واحدة ممن نجوا من الإبادة الجماعية للأرمن وتمكنت من الهرب إلى دولة جورجيا ومنها إلى مدينة “سانت بيترزبورج” الروسية (لينينجراد) ثم إلى مدينة “أوسلو” النرويجية ، ومن هناك استطاعت الوصول إلى مدينة نيويورك الأمريكية ، وهي الكاتبة الأصلية لقصة هذا الفيلم والتي كان عنوانها الأصلي هو Ravished Armenia والذي يعني بالعربية (أرمينيا المنهارة) ورصدت فيها ما عاشته وعايشته وشهدته من ظلم وقهر وإبادة جماعية لشعبها في أرمينيا ، ثم أعاد الكاتب “هنري ليفورد جيتس” Henry Leyford Gates كتابة القصة والسيناريو تحت العنوان الذي ذكرناه في البداية ، وكان من المفترض أن تحصل “أورورا” عن هذا الفيلم على أجر قيمته 7000 دولار ولكنها تفاجأت بأن الشركة المنتجة منحتها فقط 195 دولار فاستعانت بولية أمرها القانونية “إلينور براون جيتس” (زوجة كاتب الفيلم “هنري ليفورد جيتس”) والتي نجحت في مسعاها وجعلت “أورورا” تحصل في ذاك الوقت على 5000 دولار عن هذا الفيلم . الفيلم من إخراج “أوسكار آبفيل” Oscar Apfel ومن إنتاج شركةFirst National Pictures بالشراكة مع ستوديوهات Selig التابعة للجنة الأمريكية لإغاثة الأرمن والسوريين .

الأرمينية – الأمريكية “أورورا مارديجينيان” لم تكتب ولم تمثل سوى هذا الفيلم وهي من مواليد عام 1901 وقد ماتت وهي في الثالثة والتسعين من عمرها (عام 1994) في مدينة لوس أنجلوس الأمريكية .

في عام 1936 أنتجت شركة “وارنر بروس” Warner Bros فيلماً رائعاً عن قصة الكيميائي و”عالم الأحياء الدقيقة” Microbiologist الفرنسي العالمي “لويس باستير” بعنوان The Story of Louis Pasteur وهو العالم الذي كان يسعى جاهداً لاكتشاف أكثر من علاج للأمراض التي كانت منتشرة في القرن التاسع عشر ويواجه تشكيكاً من زملائه العلماء بقيادة الدكتور “شاربونيه” (شاربونيت بالإنجليزية) ، وطاله الازدراء من الأطباء عندما دعاهم إلى ضرورة غسل أيديهم وتعقيم أدواتهم قبل التعامل مع مرضاهم ، لكن “باستير” صبور ومثابر ولم يوقفه كل ذلك عن عزمه لتحقيق النجاح والانجازات التي تنفع الناس ، ومن أشهر إنجازات “لويس باستير” ابتكاره لعملية أصبح لها مصطلح مرتبط بإسمه إلى الآن وهي (البسترة) Pasteurization والتي نجح من خلالها في تعقيم الحليب وقتل كل ما فيه من جراثيم ومن بينها ميكروب مرض السل . لعب دور العالم لويس باستير الممثل “بول موني” وفاز عنه بجائزة الأوسكار كأفضل ممثل في دور رئيسي .   

الممثل بول موني يجسد شخصية العالم لويس باستير في فيلم The Story of Louis Pasteur عام 1936
النجم المصري العالمي عمر الشريف مع النجم البريطاني العالمي بيتر أوتول في فيلم Lawrence of Arabia عام 1962
النجم بن كينجسلي يجسد شخصية الزعيم الهندي غاندي في فيلم Gandhi عام 1982

في عام 1962 أنتجت شركة “هورايزون بيكتشرز” البريطانية Horizon Pictures وتولت شركة “كولومبيا بيكتشرز” الأمريكية Columbia Pictures مسئولية توزيع واحداً من بين أعظم الأفلام العالمية على مر التاريخ بعنوان “لورانس العرب” Lawrence of Arabia الذي ترشح لعشر جوائز أوسكار فاز منها بسبع جوائز، وهو مأخوذ عن قصة حقيقية لدور الضابط الإنجليزي “تي إي لورانس” T.E. Lawrence في توحيد القبائل العربية المتنوعة وإذابة خلافاتهم ، وقد استطاع “لورانس” أن يجعلهم قوة متحدة وقادهم لمحاربة الأتراك في الحرب العالمية الأولى. وقد تحدثنا بمزيد من التفاصيل عن هذا الفيلم في موضوع سابق خاص بالنجم المصري العالمي “عمر الشريف” بعنوان (عمر الشريف .. صراع “خارج” الوادي!( .

في عام 1982 أنتجت شركة International Film Investors بالتعاون مع شركة الأفلام الوطنية الهندية National Film Development Corporation of India NFDC والشركة الهندية البريطانية للأفلام Indo-British Films وبتوزيع من شركة “كولومبيا بيكتشرز” Columbia Pictures واحداً من بين أعظم الأفلام العالمية على مر التاريخ بعنوان Gandhi المأخوذ عن قصة حقيقية عن حياة المحامي الهندي “مهاتما غاندي” صاحب فلسفة النضال والاحتجاج السلمي الذي أصبح زعيماً وقائداً للثورة الهندية ضد الحكم البريطاني لبلاده وأصبح ذا شهرة عالمية ونال الاحترام من كل أرجاء العالم . الفيلم كتبه “جون برايلي” وأخرجه “ريتشارد أتينبورو” وجسد فيه الممثل القدير “بن كينجسلي” دور الزعيم الهندي “غاندي” ، وقد ترشح الفيلم لعدد 11 جائزة أوسكار فاز منها بثماني جوائز كان من بينها أوسكار أفضل ممثل في دور رئيسي للنجم “بن كينجسلي” وأوسكار أفضل سيناريو للكاتب “جون برايلي” وأوسكار أفضل إخراج للمخرج “ريتشارد أتينبورو” . جديرٌ بالذكر أن النجم “دانيال داي لويس” شارك في هذا الفيلم بدور صغير (دور الشاب “كولِن”) وكان الفيلم هو ثاني عمل سينمائي له منذ أن بدأ مسيرته الفنية عام 1971 .    

النجم ميل جيبسون يجسد شخصية المحارب الاسكتلندي ويليام والاس في فيلم Braveheart عام 1995

في عام 1995 قدم النجم “ميل جيبسون” كممثل ومخرج ومن خلال شركته الإنتاجية The Ladd Company (شريك إنتاج) مع شركة Icon Entertainment International (شريك إنتاج) وشركة “باراماونت” Paramount Pictures (موزع) وشركة 20th Century Fox (موزع) وشركة “كولومبيا ترايستار” Columbia TriStar (موزع) واحداً من بين أعظم الأفلام العالمية بعنوان Braveheart والتي تعني بالعربية (القلب الشجاع) ، وهو فيلم يتناول بشكل أكثر إثارة وفانتازيا سيرة المحارب الاسكتلندي الحقيقي “ويليام والاس” الذي يقود مواطنيه في رحلة تمرد لا تتوقف ضد طغيان الملك “إدوارد الأول” ملك إنجلترا من أجل تحرر واستقلال الشعب الاسكتلندي . ترشح الفيلم لعشر جوائز أوسكار فاز منها بخمس جوائز كانت من نصيب “ميل جيبسون” وشركائه في الإنتاج كأفضل فيلم ، و”ميل جيبسون” كأفضل إخراج ، و”جون تول” كأفضل تصوير سينمائي ، بالإضافة لجائزتي أفضل ماكياج وأفضل مؤثرات صوتية ، وكان من بين الترشيحات الأخرى “راندال والاس” كأفضل سيناريو ، و”جيمس هورنر” كأفضل موسيقى ، و”تشارلز نود” كأفضل تصميم ملابس . تكلف إنتاج هذا الفيلم 72 مليون دولار و حصد عالمياً من شباك التذاكر أكثر من 213 مليون دولار .

– في عام 2020 يجسد النجم “إيثان هوك” شخصية العالم والمخترع النمساوي – الأمريكي “نيكولا تيسلا” Nikola Tesla صاحب الإنجازات العظيمة والتي من بينها طرق نقل الطاقة الكهربائية والضوء ، وذلك في فيلم بعنوان Tesla وقد تم عرض الفيلم بأمريكا في أغسطس 2020 ولم يحظَ بالمشاهدة التي يستحقها بسبب استمرار جائحة كورونا .

جديرٌ بالذكر أن المخترع “نيكولا تيسلا” كانت له مواجهات مع المخترع “توماس إديسون” ، وكانت له قضية كبرى في المحاكم الأمريكية مع “ماركوني” حول براءة اختراع جهاز الراديو ، وبعد ستة أشهر من وفاة “نيكولا تيسلا” صدر حكم المحكمة العليا الأمريكية في عام 1943 ببطلان جميع براءات اختراع راديو “ماركوني” ومنح جميع حقوق براءات اختراع الراديو إلى “نيكولا تيسلا” ، والكثيرون من الناس لا يعلمون حتى الآن أن “تيسلا” هو المخترع الحقيقي للراديو وليس “ماركوني” .   

أنتهي من هناك (أقصد سينما ودراما الواقع في الغرب) ولكني لن أنتهي هنا أبداً في بلدي عن التمني بأن تستيقظ ضمائر ونخوة القائمين على صناعة السينما والدراما المصرية ليوقفوا سيول السفه والإفلاس الفكري والإبداعي الدرامي وسينما “الإيفيهات” و”الرُخْص الجنسي” و”السنج والسكاكين والجنازير” ، وأن يلتفتوا لقيمة وأهمية الأعمال المأخوذة عن قصص حقيقية سواء لأشخاص أو لأحداث في التاريخ (ولدينا مجدي يعقوب وأحمد زويل ومصطفى مشرفة وآخرين من الشخصيات المصرية التي تمثل القيمة والفخر لمصر والمصريين) ، والتي من شأنها المساهمة في تحصيل مزيد من المعرفة وتنوير وتطوير عقول ومفاهيم الناس ، وكذلك تحفيزهم نحو العلم والفكر والتطوير وتعزيز الروح المعنوية والوطنية فيهم ، أو ربما تكون أفلام من واقع إجرامي أو مأساوي يحمل للمشاهدين إشارات تحذيرية للابتعاد عما يضر بهم وبأوطانهم .

يا صناع السينما والدراما المصرية : هل ستتفكرون وتعقِلون وتتقون الله في شعب مصر إن ختمت قولي لكم بكلام العزيز الحكيم ؟! : “فأما الزبدُ فيذهبُ جُفاءً وأما ما ينفعُ الناسَ فيمكثُ في الأرض” صدق الله العظيم .    

ألا هل بلغت .. اللهم فاشهد .

[email protected]

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.